اليمن.. أزمة مزمنة ومؤشرات دولية لمحاكمة صالح

 

شبكة النبأ: بعد ان تواصلت الإخفاقات السياسية والأمنية في تلبية طموحات المواطن اليمني، (الذي خرج في ذروة الربيع العربي لإسقاط نظام صالح واحلال نظام ديمقراطي تعددي يضمن حقوقه ويغير واقعة)، والتي لم تنجح في تحقيق المطالب الشعبية الملحة، من الاستقرار الأمني والانتعاش الاقتصادي، إضافة الى التغيير السياسي المنشود، وقد توالت الازمات الداخلية والضغوط الخارجية على اليمن، والتي يرى محللون، انها وصلت الى القمة بعد ان سيطرت حركة انصار الله (الحوثيون) على العاصمة صنعاء، اثر احتجاجات ومظاهرات كبيرة، طالبت خلالها الحركة بتغيير الواقع الفاسد (على حد قول الحركة)، الذي فشل في تحقيق مطالب الشعب اليمني، في الامن والاقتصاد والعدالة الاجتماعية، وقد لاقت تحركات الحوثيين الأخيرة، ردود أفعال محلية وإقليمية ودولية متباينة، ففي حين عدها البعض خطوة عبرت عن ارهاصات الشارع اليمني، الذي كان يغلي تحت فشل الحكومة في صياغة واقع جديد يمكن اليمن من الخروج من عنق الزجاجة، وان النتائج الإيجابية التي تمخضت عن هذه الخطوة (اعلان حكومة كفاءات)، تعزز صحة هذا التحرك، سيما وان الكثير من الأطراف والقوى اليمنية شعرت بانها تعاني الكثير من التهميش والظلم من قبل الحكومة السابقة، ولعل جماعة الحوثي احدى تلك القوى المهمة التي عانت من هذا الامر.

فيما يرى اخرون، ان خطوة الحوثيين عمقت الخلافات الطائفية، وأثارت النزاع حول اقتسام السلطة في اليمن، خصوصا من قبل الانفصاليين في الجنوب، ويرى أصحاب هذا الراي، ان تحركات أنصار الله جاءت مدعومة من جهات خارجية، كما عبر عنها بصورة صريحة رئيس اليمن (منصور) في وقت سابق، بعد ان اتهم إيران بالوقوف خلف تلك الحركة، وان هناك صراع خفي بين إيران والسعودية حول طريقة إدارة اليمن واقتسام السلطة فيها من قبل الأطراف السياسية الرئيسية، ففي الوقت الذي ترغب فيه إيران بمنح الحوثيين المزيد من السلطة السياسية، تتخوف السعودية من وصول الحوثيين الى السلطة، وتتهمم بالموالاة لإيران.

ومع ان المشهد اليمني ما زال يعاني الكثير من التعقيد، الا ان حكومة الكفاءات التي طالبت فيها القوى السياسية قد أدت اليمين الدستوري، بالرغم من تخوف الكثير من الخبراء والمراقبين من تعرض الاتفاقات التي عقدت بين هذه القوى للانهيار في أي لحظة، كما حدث ذلك في اكثر من مرة.  

الخوف من حرب أهلية

في سياق متصل تسبب تقدم المقاتلين الحوثيين الشيعة في الأراضي التي يسيطر عليها السنة باليمن في زيادة الدعم لتنظيم القاعدة بين بعض السنة الأمر الذي كرس التوتر الطائفي الذي يعمق من الصراعات العديدة الدائرة في البلاد مما قد تكون له تداعياته خارج حدود اليمن، واتسعت هوة الانقسامات القبلية والسياسية في اليمن بسبب سرعة سقوط العاصمة صنعاء في أيدي الحوثيين يوم 21 سبتمبر أيلول بعد أسابيع من الاحتجاجات ضد الحكومة وقرارها خفض الدعم على الوقود، وقال بسام البرق وهو سني يسكن في العاصمة المختلطة طائفيا أثناء مشاركته في احتجاج ينظمه نشطاء محليون كل أسبوع لمطالبة الحوثيين بالرحيل عن العاصمة "التوسع الحوثي خلق مشكلة طائفية،"وتابع قوله "خلق هذا تعاطفا مع القاعدة كما نرى في إب والبيضاء" في إشارة إلى محافظتين بوسط اليمن حيث تحالفت بعض القبائل المحلية مع جماعة أنصار الشريعة الجناح المحلي للقاعدة.

واتفق أحمد الكلز وهو دبلوماسي يمني سابق من محافظة البيضاء مع هذا الرأي قائلا إن توسع الحوثيين في البيضاء خلق بيئة مناسبة للقاعدة، وانتشر العنف الطائفي في أنحاء الشرق الأوسط، والآن يبدو اليمن الذي ينحدر منه أسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة على شفا حرب أهلية الأمر الذي قد يؤدي لزعزعة استقرار جيرانه وبينهم السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، لكن بينما يبدو أن أزمة اليمن تحمل بصمات حرب بالوكالة بين السعودية وإيران أكبر قوتين في الخليج فان أسباب هذه الأزمة مشاكل محلية بالأساس، ولا يزال اليمن يكافح لتوفيق أوضاعه بعد الإطاحة بالرئيس علي عبد الله صالح في 2012 ضمن مبادرة خليجية دعمتها الامم المتحدة بهدف منع انزلاق الانتفاضة ضد صالح إلى حرب أهلية، وتشتبه واشنطن في أن صالح (72 عاما) الذي لا يزال له أنصار داخل القوات المسلحة هو نفسه أحد العقبات أمام الانتقال السلمي للسلطة. بحسب رويترز.

وقال عبد الباري طاهر وهو مؤرخ ومحلل سياسي يمني إن اليمن يشهد صراعا عنيفا بشكل غير مسبوق بسبب اضطراب أحوال الدولة وفقدان السلطة والانقسامات في الجيش الأمر الذي جعل الفصائل المسلحة أقوى من الدولة، ولم يضع الصراع التناغم الديني التقليدي في اليمن على المحك فحسب بل كذلك الصراع ضد تنظيم القاعدة وهو قوة راسخة في اليمن لها متعاطفون في دول عربية أخرى في الخليج، ويخشى كثير من السنة أن الحوثيين الذي ينتمون إلى المذهب الزيدي الشيعي يريدون إعادة حكم الإمامة الزيدية التي حكمت البلاد لألف عام حتى الانقلاب العسكري عام 1962، وينفي الحوثيون المعروفون باسم أنصار الله أن يكون هذا هو هدفهم، لكن السنة يخشون من أن صعودهم قد يؤدي لتفوق خمس سكان اليمن الذين يتبعون المذهب الزيدي على أقرانهم السنة.

ومن بواعث القلق أيضا أن يؤدي الصراع إلى تفكك اليمن كدولة، ودفع تقاعس قوات الدولة عن منع صعود الحوثيين أو التخفيف من حدة التوتر الطائفي الجماعات الانفصالية لمحاولة اغتنام الفرصة لتحقيق أهدافها، وقال مسؤول حكومي "عندما تشتد الصراعات فان الهوية الوطنية تبدأ في التفكك ويبدأ الكل في العودة لقبيلته أو الجماعة التي ينتمي لها ثم يصبح من الصعب للغاية إعادة البناء مرة أخرى، أنظر كم استغرق لبنان لاستعادة الهوية الوطنية اللبنانية"، والطائفية واضحة للعيان في رداع إحدى مناطق محافظة البيضاء الواقعة على بعد 160 كيلومترا جنوب شرقي صنعاء، وحارب رجال قبائل سنة تنظيم القاعدة قبل عامين لكنهم يتحالفون معه الآن بدافع من التضامن الطائفي، وشهدت البيضاء الواقعة في معقل السنة باليمن اشتباكات عنيفة بين رجال قبائل سنية قوية متحالفين مع القاعدة من ناحية والحوثيين الذين تقدموا في المنطقة في منتصف أكتوبر تشرين الأول من ناحية أخرى بعدما قتل انتحاري 47 شخصا أغلبهم حوثيون في صنعاء.

وحمل العنف نذرا سيئة لليمن، فقد أثبت تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وذراعه في اليمن جماعة أنصار الشريعة أنهما خصمان قويان حيث يستهدفان بانتظام مؤسسات الدولة والجيش والأجانب، وتشجع متشددون سنة محليون أيضا من مكاسب سريعة حققها تنظيم الدولة الاسلامية في داخل العراق وسوريا، وانشق التنظيم عن القاعدة وأصبح ينافسه الآن على قلوب وعقول الجهاديين في العالم، وقال زعيم أنصار الله عبد الملك الحوثي إن ضلوع القاعدة دليل على التدخل الأجنبي في اليمن، وأضاف في كلمة ألقاها الشهر الماضي إن أبناء الطائفة الزيدية وأتباع المذهب الشافعي عاشوا جنبا إلى جنب عبر التاريخ اخوة في الإسلام، وتابع أن ما يحاول البعض اثارته اليوم يقع أساسا في سياق سياسي مع مرور اليمن بفترة حساسة ومهمة واستثنائية.

وقال سفراء عشر دول غربية وخليجية عربية ضمن هيئة غير رسمية لدفع عملية التحول السياسي في اليمن قدما في بيان مشترك إنهم "قلقون للغاية بشأن القتال بين أنصار الله والقاعدة في شبه الجزيرة العربية مما ينذر بسقوط اليمن في دائرة صراع أكبر"، وقال المؤرخ طاهر إن جزءا كبيرا من المسؤولية عن الأزمة يقع على عاتق اتفاق نقل السلطة الذي أيدته دول خليجية عربية والأمم المتحدة وخرج صالح بموجبه من السلطة عام 2011، وحال الاتفاق دون اندلاع صراع شامل في اليمن لكنه أبقى على جزء كبير من نظام صالح، وقال طاهر إن محادثات المصالحة الوطنية التي نظمها الرئيس عبد ربه منصور هادي كانت محاولة لايجاد مخرج من الأزمة، وأشار الى الفشل في اعادة هيكلة القوات المسلحة كما ينبغي واصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد وكانت النتيجة تنافس القوى التقليدية على نصيبها في الحكومة المستقبلية وتجاهلها للصراع الطائفي الذي يقطع أوصال المجتمع المدني.

ويقول الحوثيون إن سيطرتهم على العاصمة صنعاء انتفاضة على حكومة مركزية أصابها الفساد بالشلل، ويشيرون إلى فشلها في تحسين ظروف المعيشة لليمنيين بعد مرور ثلاث سنوات على الاطاحة بصالح، لكن سقوط المدينة التي يعيش فيها مليونا شخص دون مقاومة تذكر من جانب الحكومة أثار التكهنات بأن الحوثيين تلقوا دعما تكتيكيا من صالح الذي ينحدر أصله من قبيلة زيدية لكنه يتبع المذهب السني ولا يزال له أنصار داخل المؤسسة الأمنية، ويقول بعض الدبلوماسيين إن صالح عقد تحالفا تكتيكيا مع الحوثيين لاخراج عملية الانتقال عن مسارها وايذاء خصومه السياسيين، وطلبت الولايات المتحدة من مجلس الامن الدولي فرض عقوبات على صالح واتهمت الرئيس السابق بدعم الحوثيين والمسؤولية عن هجمات سابقة أحدثت فوضى في ربوع اليمن وهو ما ينفيه صالح، وليست الطائفية هي الخطر الوحيد المتصاعد في اليمن إذ أثار سقوط صنعاء مطالب بالانفصال في الجنوب حيث يهدف بعض الزعماء إلى احياء الدولة الاشتراكية التي كانت موجودة قبل أن تتحد مع الشطر الشمالي من البلاد عام 1990، وهناك مطالب مماثلة في اقليم تهامة الغربي الساحلي حيث يوجد ميناء الحديدة ثاني أكبر موانئ اليمن.

حكومة جديدة

فيما ادت الحكومة اليمنية الجديدة برئاسة خالد بحاح اليمين الدستورية في القصر الجمهوري دون تأثير على ما يبدو لرفض الحوثيين الشيعة وحزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح للتركيبة الحكومية، وحضر وزراء من حزب المؤتمر الشعبي العام بزعامة صالح الى القصر الجمهوري وادوا اليمين الدستورية، فيما ادى اليمن ايضا وزراء مقربون من الحوثيين، وحضر رئيس الوزراء و29 وزيرا فيما تغيب ستة وزراء بعضهم موجودون في الخارج فيما قد يكون بعضهم متحفظا على الدخول في الحكومة، وشدد رئيس الحكومة خالد بحاح خلال مؤتمر صحافي اعقب القسم على ضرورة التعاون في المجال الامني و"تنشيط القطاعات الاقتصادية"، وعن انتشار الحوثيين في صنعاء ومناطق اخرى، قال بحاح "كانت هناك حالة فراغ امني، والآن هناك اتصالات تجرى مع مختلف الاطراف لاعادة ترتيب الوضع الامني"، واضاف ان الحكومة "ستخضع للتقييم خلال 90 يوما".

كما اثنى بحاح على حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتمتع باغلبية في البرلمان، وقال انه "حزب وطني كبير ونحرص على التواصل معهم"، وتأتي هذه الحكومة التي اريد لها ان تكون حكومة كفاءات ووحدة وطنية، تطبيقا لاتفاق السلم والشراكة الوطنية الذي تم التوصل اليه في 21 ايلول/سبتمبر مع المسلحين الحوثيين الشيعة في نفس اليوم الذي سيطروا فيه على صنعاء، وذلك من دون مقاومة من الدولة، ورحبت واشنطن بتشكيل الحكومة اليمنية الجديدة، ورفض الحوثيون التشكيلة الحكومية وقالوا في بيان انها "تعد مخالفة لاتفاق السلم والشراكة الوطنية وعرقلة واضحة لمسار العملية السياسية لحساب مصالح خاصة وضيقة"، وشدد الحوثيون في بيان على "ضرورة تعديل هذه التشكيلة وإزاحة من لم تنطبق عليه المعايير المنصوص عليها وفي مقدمتها الكفاءة والنزاهة والحيادية في إدارة شؤون البلاد، ومن عليهم ملفات فساد". بحسب فرانس برس.

وبدوره، دعا حزب المؤتمر الشعبي العام اعضاءه الى الانسحاب من الحكومة، الامر الذي لم يحصل، ويأتي ذلك في خضم العقوبات التي فرضها مجلس الامن على صالح وعلى قياديين في التمرد الحوثي بينهما عبد الخالق الحوثي، أخو زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، ورفض الحوثيون وصالح هذه العقوبات، فيما اقال حزب المؤتمر الشعبي العام الرئيس عبدربه منصور هادي من قيادة الحزب، في خطوة تثبت القطيعة بين صالح وخلفه، وسبق ان اتهم الحزب هادي بانه هو من طلب من مجلس الامن فرض عقوبات على صالح.

تحركات أممية

من جانبه دعا جلس الامن الدولي القوى السياسية في اليمن الى الاتحاد بعد قرار حزب الرئيس السابق علي عبد الله صالح المؤتمر الشعبي العام الانسحاب من الحكومة التي شكلت قبل يوم واحد، وكان صالح أعلن امام اعضاء في المؤتمر الشعبي العام ان العقوبات التي فرضها عليه مجلس الامن الدولي مع اثنين من قادة التمرد الحوثي "مرفوضة"، واعلن انسحاب حزبه من حكومة الكفاءات التي أعلن الرئيس عبدربه منصور هادي تشكيلها، من جهته، طلب حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتمتع باغلبية كبيرة في البرلمان (225 مقعدا من اصل 301) من وزرائه الانسحاب من الحكومة مؤكدا في بيان انه لم يستشر في تشكيلة هذه الحكومة التي كانت منتظرة منذ عدة اسابيع لاخراج اليمن من ازمته، وعبر اعضاء مجلس الامن الدولي في بيان عن "دعمهم للرئيس عبدربه منصور هادي ورئيس الوزراء خالد بحاح"، مؤكدين انهم "يشجعون كل الاطراف على المشاركة بشكل سلمي وبناء في السير قدما في هذه العملية الانتقالية"، وقال البيان ان "اعضاء المجلس شددوا على اهمية السير قدما بعملية انتقالية شاملة تمثل مختلف مجموعات اليمن". بحسب رويترز.

وفرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح واثنين من زعماء الحوثيين لتهديدهم سلام واستقرار اليمن وعرقلة العملية السياسية هناك، وقالت ريموندا مورموكايتي سفيرة ليتوانيا بالأمم المتحدة ورئيسة لجنة عقوبات اليمن بمجلس الأمن إن كل أعضاء المجلس الخمسة عشر وافقوا على إدراج أسماء صالح والقائدين العسكريين الحوثيين عبد الخالق الحوثي وعبد الله يحيي الحكيم في القائمة السوداء، ويخضع الثلاثة الآن لحظر عالمي على السفر ولتجميد لأصولهم، وكان صالح قد نفى سعيه لزعزعة استقرار اليمن وحذر حزبه بعد اجتماع عقد من أن أي عقوبات تفرض على صالح أوحتى التلويح بمثل هذا التهديد ستكون لها نتائج سلبية على العملية السياسية، وكان مجلس الأمن الدولي قد أجاز في فبراير شباط فرض عقوبات على أي شخص في اليمن يعرقل التحول السياسي للبلاد أو يرتكب انتهاكات لحقوق الإنسان ولكنه لم يصل إلى حد وضع أشخاص محددين في قوائم سوداء، وقدمت الولايات المتحدة طلبا رسميا للجنة عقوبات اليمن ليكون صالح والزعيمين الحوثيين الآخرين أول أشخاص مرشحين لوضع أسمائهم في قوائم سوداء، وقال مسؤول أمريكي شريطة عدم نشر إسمه "بما تم تحديده اليوم أوضح أعضاء مجلس الأمن أن المجتمع الدولي لن يتغاضى عن محاولات استخدام العنف لاحباط الطموحات المشروعة للشعب اليمني وتحوله السياسي المستمر".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/تشرين الثاني/2014 - 16/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م