حديث الدراهم

حيدر الجراح

شبكة النبأ: قيل على السنة الناس: (الدراهم مراهم) تشبيها لها بالمراهم، التي تعالج الاوجاع والاسقام والجروح وشقوق الجيب. وهي (ترهم) كما في العامية العراقية على كل شيء. ومنها اشتق المرهم وهو ماتدهن به الجروح والحروق لغرض تسهيل شفائها. وهناك ايضا للمراهم مآرب اخرى يمنعنا الموقع من التطرق اليها.

والدراهم واحدة من عدة تسميات للنقود والفلوس مما يتداولها الناس في جيوبهم لشراء السلع والحاجات والخدمات.

وهي عملة معربة مشتقة من كلمة دراخما الاغريقية قديما وقد استخدمت من أيام الجاهلية والإسلام وجمع درهم هو دراهم وقد ذكر الله الدراهم في القرآن: (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ(، ويستخدم الدرهم كعملة أساسية في في الإمارات والمغرب وقطر وليبيا وموريتانيا ، ويختلف سعرها بحسب البلد .

وغير الدراهم في بلدان اخرى تحمل العملات النقدية تسميات اخرى، مثل الدينار او الريال واهمها الدولار، اله العالم الاخضر، وهو في العراق مع اخيه الدينار رافعة الارهاب وحاضنة الفساد وخراب الضمائر والذمم، وهو ايضا الليرة – السورية واللبنانية – ادام الله ظلها الظليل فوق رؤوس المتعاملين بها، المشتعلة شيبا من قهرها وقلتها في جيوبهم او في ايدي اطفالهم.

وقد شقت الدراهم طريقها الى افواه المفلسين امثالا واقوالا ماثورة. فاحد الفقراء المسحوقين اطلق المثل القائل:، و (الراتب الحكومي المحدود خير من اعز موجود)، و (الدولار المحتار في جيوب الابرار)، و (الدولار الساحر يكسبه السياسي الشاطر)، و(المائة دولار تاتيك بالبارد والحار)، و(الدينار المبرور ياتيك بالقاتل الماجور)، الى اخرها من اقوال وامثال ماثورة على السنة الفقراء والمسحوقين.

والدراهم باختلاف اسمائها تشير الى المال الذي قال عنه ابو الفضل جعفر بن علي الدمشقي في كتابه (الاشارة الى محاسن التجارة): المال في اللغة هو القليل والكثير من المقتنيات وقسمه الى: الصامت، وهو العين، ماضرب من الدنانير او الورق والمال من الدراهم. وبذلك فالمال الصامت هو الدنانير الذهبية والدراهم وسائر المصنوع منها.

والمال الناطق هو الحيوان، وهو على ثلاثة اصناف:

الرقيق، وهو العبيد والاماء.

الكراع، وهو الخيل والابل المستعملة.

الماشية، وهي الغنم والبقر والابل السائمة المهملة.

وهذه الثلاث كما سمعنا بعد صولات الدواعش، مصدر من مصادر التمويل المالي لها ولنشاطاتها، وهي ايضا تطبيق لشريعتهم السمحاء في زمن حجقوق الانسان.

وقال البلخي في (بدائع الصنائع) عن الفلوس: (اعز النقود عندنا، تقوّم بها الاشياء، ويمتهر بها النساء، ويشترى بها الخسيس والنفيس).

وقد عرفت مكة قبل الاسلام الدينار الذهبي، وكانت الروم هي التي تسك هذا الدينار. واستخدموا الدرهم الفضي الذي كان ياتيهم من بلاد فارس.

والدراهم عدة انواع بحسب الغش الذي تتعرض له من ذلك :

الجياد : وهي من الفضة الخالصة ، وتدرج في التجارات ، وتوضع في بيت المال .

الزيوف : وهي المغشوشة ، وما يرده بيت المال للزيف ، ولكن يتعامل بها التجار ، ويجوز الشراء بها بشرط بيان عيبها ، وأول من ضربها عبيد الله بن زياد، قاتل الامام الحسين (عليه السلام).

النهرجة : ما يرده التجار ويضرب في غير دار السك التابعة للسلطان .

السَتُّوقة : أو السَتُّوق بوزن تَنُّور وهو صفر مموه بالفضة وقد يكون

اقترن الدرهم والدينار بالبخل والحرص عليهما من الانفاق.. وذهبت اصناف البخلاء مذاهب شتى. فهذا خالد بن صفوان كان يقول للدرهم اذا دخل عليه: (ياعيار، وكم تطوف وتطير، لاطيلنّ حبسك)، ثم يطرحه في الصندوق ويقفل عليه فلا يرى بعد ذلك شمسا، ولايظهر له صوت.

وكان ابو الاسود الدؤلي يقول: (لو اطعمنا المساكين من اموالنا كنا اسوأ حالا منهم).

وكان ابو جعفر المنصور شديد البخل، مر به مسلم الحادي في طريقه للحج، فحدا له يوما بقول الشاعر:

اغر بين الحاجبين نوره

يزينه حياؤه وخيره

ومسكنه يشوبه كافوره

اذا تغذى رفعت ستوره.

فطرب المنصور وقال: ياربيع اعطه نصف درهم. فقال مسلم: نصف درهم؟ لقد حدوت لهشام فامر لي بثلاثين الف درهم. فقال المنصور: تاخذ من بيت مال المسلمين ثلاثين الف درهم. ياربيع وكّل به من يستخلص منه هذا المال. قال ربيع: فما زلت امشي بينهما واروضه حتى شرط مسلم على نفسه ان يحدو له في الذهاب والاياب بغير مؤونة.

وفي البخل افرد العرب الكثير من الكتب وابوابها له، فقد اخرج الجاحظ كتابه  (البخلاء) فاورد من قصصهم وحكاياتهم ومحاوراتهم وحججهم الشيء الكثير، ونجح الجاحظ في التاثير على نفسية القاريء، فاذا هو يكره البخل والبخلاء، لكنه يتفكه باحاديثهم، ويتسلى بمحاوراتهم واعاجيبهم.

ثم جاء بعد الجاحظ مؤلفون افردوا للبخل كتبا مستقلة، كما فعل الخطيب الغدادي في كتابه البخلاء، وجمال الدين بن المبرد الدمشقي في كتابه (اتحاف النبلاء باخبار واشعار الكرماء والبخلاء). وافرد له اخرون فصولا وابوابا في كتبهم الموسوعية الشاملة. مثلما صنع ابن قتيبة في كتاب (عيون الاخبار) وابن عبد ربه في كتاب (العقد الفريد) والآبي في كتاب (نثر الدر) والنويري في كتابه (نهاية الارب) وغيرهم كثير.

كل هذا من فعل الدرهم والدينار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/تشرين الثاني/2014 - 16/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م