مقومات التغيير ومسؤولية صنّاع القرار

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

شبكة النبأ: نقل المجتمع من حالة اسوأ الى أفضل ليس بالأمر السهل أو الهيّن، فالمجتمعات التي تتربع الآن على قمة التطور وتقود العالم البشري، لم تصل الى ما وصلت إليه في ليلة وضحاها، كما أن السبل التي قادتها الى هذه المكانة الراقية، كانت مدروسة ومخطّط لها بصورة دقيقة، ولابد أن قادة التغيير في تلك المجتمعات اتفقوا أولا على الالتزام بالمقومات الأساسية لتحقيق التغيير، ولا شك أننا نعني بالقادة، هم أصحاب القرار ورجال الدولة والحكم، فهؤلاء هم من يتصدى للتغيير من خلال قدرتهم على صناعة القرار، ولكن ينبغي أن يتم ذلك بمساعدة العقول المتميزة، والسواعد القادرة على التنفيذ الأمثل الذي يقود المجتمع الى التغيير الأفضل.

وهناك مقومات محددة و واضحة ينبغي التمسك بها، والعمل على تهيئتها بالصورة الملائمة لهدف التغيير المنشود، وقد وجدنا في كثير من مؤلفات وأفكار الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، تأشيرات وتحديدات جلية وواضحة تتعلق بهذا الشأن، وهناك مقومات مهمة للتغيير نحو الافضل، يحددها الامام الشيرازي، ويدعو قادة التغيير الى العمل على الالتزم بها والعمل بموجبها، وأولى هذه المقومات الاساسية لاحداث التغيير المنشود في المجتمع، اعتما المنهج المسالم، ونشر السلام وجعله منهجا لادارة الحكم، والعلاقات الداخلية والخارجية، فالسلام يعد من اهم مقومات تغيير المجتمع.

كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي بوضوح، في كتابه القيّم الموسوم بـ (ممارسة التغيير)، قائلا  في هذا المجال: (من الامور الهامة للقائمين بالتغيير أن يجعلوا السلم مع الجميع في مقدمة أهدافهم، وأن يعيش الكل بسلام، فكما أن للإنسان نفسه الحق في أن يعيش بكرامة وحرية، ورفاه وسلام، عليه أن يترك الآخرين يعيشون كذلك كما قال علي عليه السلام: أحبب لغيرك ما تحبه لنفسك).

ولذلك من الشروط المهمة التي ينبغي أن يلتزم بها قادة التغيير هو عدم سفك الدماء، إذ يضيف الامام الشيرازي قائلا حول هذا الجانب: (على ممارسي التغيير المنع البات لسفك الدماء، وإهانة الآخرين، والترفع عليهم. فلا يعيبوا أحداً من الناس ولا يؤذوه بل يدعون إلى الكلمة الطيبة وطهارة القلب وتزكية النفس، وأن لا يزكوا أنفسهم ويروا أنفسهم فوق الآخرين، وقد قال سبحانه: ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا.).

الوفاء بالوعود

لقد اعتاد المسلمون في بلدانهم على عدم تنفيذ الحكام والقادة للوعود التي يقطعونها على أنفسهم، وغالبا ما تكون وعودهم وتعهداتهم حبرا على ورق، لذلك لا يحبّذ الامام الشيرازي إعطاء الوعود خارج القدرة، لأنها ستكون بمثابة الضحك على الذقون، فالقائد الذي يسعى لاحداث التغيير الجيد، ينبغي عليه ان يعرف قدراته، وما يمكنه فعلا، استنادا الى واقع الحال، وعندما يعرف انه غير قادر على تنفيذ أمر معين، عليه أن لا يعطي الناس وعدا بذلك، فإعطاء الوعود من دون تنفيذ يسيء للقادة، ويجعلهم يخسرون ثقة المجتمع بهم، ولكن ربما يندفع بعض قادة التغيير الى اعطاء الوعود البراقة للناس من اجل الالتفاف حوله وتأييده وما شابه من امور يسعى لها القائد من اجل البقاء في منصبه، او القفز الى مناصب اعلى، ولكن كما يرى الامام الشيرازي، على قائد التغيير أن لا يمنح وعودا للناس غير قادر على تنفيذها لأنه ستقوده الى خسائر قادة لا يتوقعها.

لذلك يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع في كتابه المذكور نفسه:(ينبغي على ممارسي الحركة عدم اعطاء الوعود للناس - بلا ميزان -، سواء قبل الوصول إلى الحكم أو بعد الوصول إليه، فإن الإنسان قد يحاول بسبب الوعود الخلابة أن يجمع الناس حوله، بينما ذلك يأتي بعكس النتيجة فإنه كثيراً ما لا يتمكن الإنسان من الوفاء بوعده فينفض الناس من حوله).

ومن المقومات الاخرى التي ينبغي الحرص عليها من لدن قادة التغيير، تقويم الاعوجاج في جميع المجالات، وهذا التقويم من شأنه أن يدفع المجتمع نحو التغيير المطلوب، كذلك لا يصح أن يصمت من يهدف الى التغيير على الانتهاكات التي يقوم بها الحاكم او معاونوه من اصحاب السلطة، ففي جميع الاحوال لا يمكن القبول بانتهاك حريات الناس سواءً كان قادة التغيير في الحكم والسلطة او خارجها، بل من اهم ما ينبغي عليهم القيام به عندما يكونوا من اصحاب صنع القرار، هو حماية حريات المجتمع، وعدم السماح بالتجاوز على الحريات والحقوق، ونبذ الحجج والمبررات التي يحاول الحكام التذربها لانتهاك حرية المجتمع.

لذلك يؤكد الامام الشيرازي في كتابه المذكور نفسه، قائلا ومؤكدا: (على القائمين بالتغيير أن لا يدّخروا وسعاً لتقويم كل اعوجاج، وللوقوف في وجه كل من يعمل ضد حرية الناس وضد حقوق المسلمين وغير المسلمين، وأن يتحملوا في ذلك مسؤوليتهم الكاملة أمام الله عز وجل وأمام الأمة وأمام الأجيال القادمة).

المناداة بالحق أولا

ومن المقومات المهمة لتحقيق التغيير الامثل للمجتمع، هو الالتزام بقول الحق في جميع الظروف والاحوال، إذ ليس هناك ما يبرر الوقوف ضد الحق، لذلك لابد من مناصرة الحق واصحابه، من دون تردد، وبعيدا عن المصالح او التأثيرات الاخرى، وعندما يلتزم اصحاب التغيير بقول الحق دائما، فإنهم سوف يلمسون قدرتهم على التأثير في المجتمع، وسوف يقطفون ثمار انتصارهم للحق.

من هنا يرى الامام الشيرازي أهمية الوقوف الى جانب الحق في جميع الاحوال، لذلك يقول الامام في كتابه نفسه: لابد من (الالتزام بقول الحق في المنازعات سواء كان الحق للإنسان أو عليه). وعندما يلاحظ افرد المجتمع ومكوناته، إلتزام صانعي القرار، ورجال السلطة بالحق، والنطق به في جميع الاحوال، فإن هذا الامر سوف يزيد من ثقة المجتمع بقادته، وسوف يساعد المجتمع على بلوغ مرحلة مهمة من التغيير نحو الافضل.

كذلك هناك من المقومات حسبما يؤكد على ذلك الامام الشيرازي، عدم الطغيان، فمن يبتغي تحقيق قفزات مهمة للمجتمع نحو الامام، عليه أن لا يمارس الطغيان بكل اشكاله ضد المجتمع، لأن الطغيان هو العدو الأول للتغيير، لأنه يدفع الناس الى نبذ التغيير، والانشغال بتوافه الامور، فضلا عن أن القادة انفسهم غير منشغلين بنقل المجتمع الى مرتبة أعلى، ويطالب الامام الشيرازي الافراد والجهات التي تعمل على التغيير، أن يبتعدوا عن اساليب الطغيان، قبل استلامهم للحكم وبعد الاستلام، أي ينبغي الابتعاد عن اسلوب الطغيان، في مرحلة ما قبل استلام الحكم وما بعدها، لأن المجتمع يرفض الطغاة ولا يثق بهم ولا يتعاون معهم.

لذا يؤكد الامام الشيرازي قائلا في هذا الجانب: (على ممارسي التغيير عدم الطغيان بسبب حصول القدرة لهم قبل الحكم أو بعده، وذلك لا يكون إلا بتوفير النفسيات الرفيعة من جانب، وهو رادع نفسي عن الطغيان، وتوزيع القدرة على الجهات الكفوءة في البلاد من جانب آخر، وهو رادع خارجي عن الطغيان). وعلى قادة التغيير أن يستثمروا القدرات والكفاءات المتوافرة لهم، واعتماد الطاقات والمواهب في تحقيق الهدف الاسمى للجميع، وهو تحقيق التغيير والارتقاء، من خلال التزام المقومات التي تساعد المجتمع وقادته على تحقيق هذا الهدف المصيري.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/تشرين الثاني/2014 - 16/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م