الثورة الحسينية وتحرير المجتمع من الاستبداد

همام عبد الكاظم ربيح/مركز المستقبل للدراسات والبحوث

 

مثلت ثورة الامام الحسين عليه السلام منذ ان كانت وجدان الامة النابض واستمرت ينبوع فعلٍ وقولٍ يؤسس لفعل ينبثقان منها ويجرييان فيحييان ويؤتيان الثمار، فالمعروف عن الثورات والتغيرات والانتفاضات والاحداث التي حدثت في التاريخ العربي تستهدف تغيير انظمة الحكم التي كانت نتائجها تستهدف تبادل مواقع الاستغلال وليس القضاء على ظاهرة الاستغلال. لذلك فأنها تنقل المجتمع من مستبد الى مستبد آخر، ويلاحظ ان هذه الظاهرة اصبحت احدى سمات السلوك السياسي العربي الذي بدأ يقبل بالمستبد ويتولى به ويتغنى به وينسج الاساطير حوله لكي يزيده ظلما وطغيانا، وهذا ما لاحظناه منذ العهد الاموي الى العهد العثماني ثم استمر بعد الحرب العالمية الاولى والثانية وحتى يومنا هذا.

ومن الجدير بالذكر ان هذا المنهج السلبي قد استمر حتى بعد ما يعرف بـ(ثورات الربيع العربي) التي حدثت في بعض البلدان العربية، لأنها تعبر عن اشكالية عميقة تعاني منها هذه البلدان هي العلاقة بين المجتمع والسلطة قوامها التسلط على المجتمع والمباعدة بين الحاكم والمحكوم وافتقارها للشرعية السياسية امام شعوبها، وهي ليست وليدة اليوم او الأمس القريب بقدر ما كانت وريثا لمحطات تاريخية أسهمت في تبلور هذه الإشكالية التي تتمثل بصورة طاعة السلطة لمظاهر الاستبداد التي تجسدت في محطات عدة عبر التاريخ في الواقع العربي.

 حيث يلاحظ ان الشعوب العربية بعد ان تحررت من سطوة الطغاة سرعان ما أنتجت طغاة جدد باسم الدين او المذهب ليحلوا محل الطغاة السابقين، بل ان بعضهم بدأ يبحث عن طغاة صغار يتلذذ بالخضوع لهم وتنفيذ أوامرهم ونسج الأساطير والقدسية حولهم.

ويبقى الاستثناء الوحيد في التاريخ العربي كامنا في ثورة الإمام الحسين عليه السلام اذا مأخذنا بمفهوم الثورة كظاهرة سياسية اجتماعية تهدف الى تغيير المجتمع تغييراً جذرياً وشاملاً والانتقال به من مرحلة تطورية معينة الى مرحلة أكثر تقدماً، وإنها ثورة واقعية أي أنها تنطلق من الواقع لتنقلب عليه في خط تطوري ومحكومة برؤية فكرية تستمدها من الإسلام وتعاليمه في رفض الظلم والتسلط والاستبداد، وايضاً ترسم صورة للمستقبل (اهدافها)، فالثورة الحسينية هي عملية هدم للواقع الفاسد في كافة مفاصله السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وإعادة بناء هذا المجتمع وفق هذه الرؤية الفكرية للثورة تغييراً فكرياً ثقافياً ولا تقتصر على عملية التغيير السياسي (تغيير السلطة) بل تمثل المرحلة النهائية لمرحلة إزالة السلطة والبناء.

 حيث انها الثورة الوحيدة في التاريخ العربي التي كانت تهدف الى القضاء على ظاهرة الاستبداد وليس استبدال مواقع الاستبداد، فثورة الإمام الحسين كانت تهدف الى الإصلاح وليس الاستيلاء على السلطة. وإن جوهر الإصلاح يكمن في تصحيح مسار العملية السياسية التي سنها الرسول الأعظم وأكملها الأئمة عليهم السلام.

إن عظمة الثورة الحسينية وجوهرها يكمن في ما يأتي:

1-انها اول ثورة في التاريخ العربي استهدفت القضاء على ظاهرة الاستبداد ولم تستهدف تبادل مواقع الاستبداد او الاستغلال.

2- إن عظمة الثورة الحسينية تكمن في كونها اندلعت في مجتمع يمجد المستبد ويتغنى به، حيث كانت الثورة السبب في انبعاث الروح النضالية في الانسان المسلم من جديد بعد فترة طويلة من الهموم والتسليم، لذلك عاشت الثورة الحسينية غربة عن المجتمع الذي اتت من اجله، لدرجة ان المجتمع ترك الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه يقتلون بشكل مروع دون أن يقدم على نصرتهم او تقديم الدعم له، حيث كانت آثار هذه الثورة انها حطمت كل حاجز نفسي واجتماعي يقف في وجه الثورة ضد الظلم والفساد والاستبداد في المستقبل.

3- ان عظمة الثورة الحسينية يكمن في توقيتها ايضا فالامام الحسين لم يقم بثورته في عهد معاوية لأن حكمه لم يأت عم طريق التوريث فضلا عن مصادقته على الصلح مع الامام الحسن عليه السلام والذي يقضي بعودة الحكم بعد معاوية الى الشورى، لقد ادرك الامام الحسين ان المبادرة في التصدي للاستبداد في اول عهده افضل من التصدي له في عهد متأخر لأن الاضرار تكون اقل وان فرص الاطاحة به تكون اكثر رجحانا، عليه ساهمت الثورة الحسينية في الاطاحة بالحكم الاموي الاستبدادي ولو بعد حين.

فالثورة الحسينية لها ابعاد عالمية حيث انها لم تستهدف الاستيلاء على السلطة بقدر ما تستهدف تحرير المجتمع من الاستبداد والظلم والنهوض به اي اعادة بناءه على اسس صحيحة مستقاة من تعاليم الاسلام ومبادئه الحية. كما انها ثورة تؤمن بالإنسان وقدرته على التغيير دون ان تحيله الى عالم من التبعية والانقياد او التسليم او ترحيل الحقوق وترفض الاغتراب الفكري او السلوكي للفرد.

ثورة امتحن ابطالها بأقسى ما امتحن به الثائرون على مدى التاريخ وهي أنبل ثورة قام بها جماعة من الناس فالثائرون لم يستهدفوا من ثورتهم مغنماً شخصياً لأنفسهم، وانما استهدفوا من ثورتهم تحرير مجتمعهم من الطغاة.

* باحث مشارك في مركز المستقبل للدراسات والبحوث

http://mcsr.net

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 9/تشرين الثاني/2014 - 15/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م