مأزق المشروع الإسلامي

وخارطة الطريق للخروج من الصراعات الدامية

قاسم قصير

 

في لقاء خاص في بيروت مع المفكر الاسلامي السوداني الدكتور حسن مكي تحدث هذا القيادي الاسلامي التاريخي بألم وحسرة عن واقع المشروع الاسلامي والعربي اليوم في ظل الصراعات الدموية التي تشهدها معظم دول المنطقة والتي لم يكن الاسرائيليون يحلمون بها منذ تأسيس الكيان الصهيوني.

ومع ان الدكتور مكي يؤكد ان القوى والتيارات الاسلامية لا تزال هي الطرف الاقوى في العالم العربي والاسلامي، رغم كل ماتعاني منه من قمع وظلم وما تواجهه من حروب وصراعات، فانه يعترف ان القيادات الاسلامية تحتاج للتدريب والتطوير حتى تستطيع فهم اليات الصراع وعدم الدخول في معارك خاسرة.

كما قدّم الدكتور مكي معلومات ومعطيات حول موجات التطرف والعنف التي تسود الساحة الاسلامية فاعتبر : ان بروز داعش في العراق وسوريا وبوكو حرام في نيجيريا يحمل الكثير من علامات الاستفهام لانه خلال الخمسين سنة من العمل الاسلامي لم تكن قيادات هذه التنظيمات بارزة وهي تقدم افكارا وتقوم بممارسات لا علاقة لها بكل المشروع الاسلامي الذي انتشر في العالم العربي والاسلامي القائم منذ اكثر من ثمانين عاما، ويتخوف الدكتور مكي من ان الاجهزة الاستخبارتية الغربية والاجنبية هي التي شجعت الشباب المسلم في اوروبا للالتحاق بداعش وذلك لتصفية العمل الاسلامي في اوروبا.

وعندما سألت الدكتور مكي حول امكانية وجود ضوء في اخر النفق الذي نعاني منه، اجاب: انني لا ارى النفق اليوم فكيف تريدني ان ارى الضوء، لقد دخل الجميع في حروب دامية وخاسرة واصبح الخروج من هذه الحرب غير ممكن حتى من قبل الذين يشاركون فيها لان هذه الحروب اصبحت خارج السيطرة.

وعن امكانية الحوار مع داعش او تشكيل لجنة حكماء للبحث عن حلول للازمات رد الدكتور مكي: وهل نستطيع الوصول لداعش وهل نبقى احياء ومن يحاور من؟

هذه بعض الاجواء القاسية والمؤلمة التي تحدث عنها الدكتور مكي والتي تكشف عن عمق المأزق الذي يواجهه المشروع الاسلامي اليوم، لكن هل يمكن القول ان الخروج من هذا المأزق مستحيل وانه ليس هناك خارطة طريق للوصول الى النفق اولا ومن ثم للخروج منه لاحقا؟.

لقد تعلمنا من كل التجارب الاسلامية التي عشناها طيلة العقود السابقة في لبنان والعراق وسوريا ومصر والجزائر واليمن والبحرين وافغانستان وبين ايران والعراق وبين العراق والكويت وفي دول اخرى، ان كل الصراعات الداخلية هي صراعات خاسرة حتى لو ربح نظام او حزب او جهة هذه الحرب وان الجميع سيعود ليجلس على طاولة الحوار والمفاوضات او يعود للمصالحة الداخلية بعد ان يسقط الالاف او مئات الالاف وحتى الملايين احيانا من الضحايا، وانه بعد مرور سنوات وعودة الجميع الى الهدوء والتعقل يكتشفون ان هذه الصراعات لم تكن مفيدة بل انها قدّمت خدمات كبرى للاعداء سواء الاميركيين او الاسرائيليين، وان كل التضحيات والخسائر وكل الدمار لم يؤد الى اية نتيجة.

وعلى ضوء كل ذلك يصبح الامر الاكثر الحاحا اليوم قبل الغد، ان تعود القيادات الاسلامية والعربية الفاعلة للحوار فيما بينها من اجل اعادة تشخيص ما يجري وفهم ابعاد هذه التطورات والبحث عن حلول حقيقية لوقف كل الصراعات الدموية حتى لو ادى ذلك الى تقديم تنازلات كبيرة او التراجع عن مواقف او السكوت عن ظلم ما.

ففي لبنان اليوم بدأنا نسمع مجددا الاصوات والمواقف الداعية للعودة الى الحوار والجلوس على الطاولة وضرورة البحث عن حلول للازمات القائمة، وبغض النظر اذا كانت ستتم الاستجابة لهذه الدعوات ام لا، فان مجرد الاعتراف بان الصراع العسكري او الامني ليس هو الحل وان هناك حاجة للجلوس على طاولة الحوار فان ذلك يشكل بداية جيدة، وان التجربة التونسية قدمت لنا نموذجا مهما في ادارة المرحلة الانتقالية ولولا التنازلات الكبرى التي قدمتها حركة النهضة على صعيد ادارة البلاد في السنوات الثلاثة الماضية لما نجحت هذه التجربة.

فهل نجد من يضع خارطة طريق جديدة للعودة الى الحوارات الداخلية والبحث عن حلول لهذه الازمات، ام سنظل جميعا نلحس المبرد ونشرب دماء بعضنا البعض خدمة للاعداء؟

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 8/تشرين الثاني/2014 - 14/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م