الاصلاح والثورة

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كان الاصلاح والثورة يعتبران نقيضين طوال الجزء الاكبر من القرنين التاسع عشر والعشرين، وقد راى فيهما مؤيدوهما وسيلتين للتغيير الاجتماعي لكنهم تمسكوا بنظرات متعارضة تعارضا جذريا حول فاعليتهما والمخاطر التي يتضمنانها.

وانتقلت هذه الاختلافات الى الادراكات المختلفة للتوقعات الخاصة بالاصلاح الجدير بالاهتمام داخل الدول الدستورية الحديثة، لكنهما اصطبغا ايضا بالنظريات المتصارعة للثورة التي ظهرت في اعقاب الثورة الفرنسية عام 1789: اي الاعتقاد من جهة بان الثورة يجب ان تميز حركة تقدمية لا تصد في الشؤون الانسانية، والخوف من جهة اخرى، بانها قد تحصد حياة اهلها، حين تنتقل عبر دورة لا يمكن السيطرة عليها من التقدمات تدمر امال مؤيديها الاصليين، وفي اغلب الاحيان حياتهم ايضا.

قبل الثورة الفرنسية لم يكن مصطلحا الاصلاح والثورة يتعارضان بمثل هذا الوضوح، ومع انهما يحملان معاني مختلفة، فكثيرا ماكانت تتداخل استعمالاتهما.

يعني الاصلاح حرفيا ان (يعيد تشكيل) اي ان يشكل من جديد، ولهذا فهو يمكن ان يفهم بمعنيين مختلفين: تعديل حالة مغلوطة للاشياء، او تحويرها نحو الاحسن، والعودة بشيء ما نحو وضعه الاصلي. وهكذا يمكن النظر اليه اما كشيء جذري او كشيء محافظ، او احيانا في هاتين الحالتين معا. والثورة بمعنى حركة شيء من مكان الى اخر، وقد استخدم المصطلح في فجر الحقبة الحديثة للاشارة الى كل من اندلاع اضطراب سياسي وللدلالة على حدوث تغيير في الحكم.

في العربية تتعدد معاني الاصلاح، فهو يعني: إِزالَةُ الفَسادِ وَإِعادَةُ الأُمُورِ إلى وَجْهِ الصَّوابِ.

وهو في العمل اتيان ما هُوَ صالِحٌ وَجَيِّدٌ.

وأَصْلَحَ بينهما، أو ذاتَ بينهما، أَو ما بينهما: أزال مابينهما من عداوة وشِقاق، وفي التنزيل العزيز: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا )

وأَصْلَحَ الله لِفُلاَنٍ في ذُرِّيَّتِهِ أَو مالِه: جعَلها صَالحة

وأَصْلَحَ إِلَيْهِ: أَحْسَنَ

وأصلح الطَّريقَ: سوَّاه

ويرد الاصلاح في القران الكريم بعدة معاني:

في حقل النزاع الأسري كما في قوله تعالي (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً).

فالإصلاح هنا ورد في حقل النزاع الأسري، والطلاق هنا آخر مراحل النزاع الأسري.

– ثم ورد مفهوم الإصلاح في حقل النزاع العشائري، كما ورد في قصة موسى عليه السلام في قوله تعالى:

(فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ).

– ثم ورد الصراع في صنف آخر, في مجال الحرب الأهلية المباشرة… كما في الآية (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).

يشير الإصلاح هنا الى ان الحقل الذي يرد فيه مفهوم الإصلاح متصل بصلة ما بمفهوم النزاع، كأنما مفهوم الإصلاح انفتح بنا على مسألة النزاع، وبهذه الصورة نحن نقول إنه مفهوم مفتاحي، لأنه لا يقف وحده وإنما يقودك بصورة مباشرة إلى حقل آخر.. وإلى مفاهيم أخرى, وطبعاً هذا يضطرنا بصورة مباشرة إلى حقل آخر وإلى مفاهيم أخرى. ويضطرنا بالتالي إلى الحديث عن مفهوم النزاع .. ما هو النزاع الذي نتحدث عنه والذي يرتبط بالإصلاح؟ ونلاحظ مرة أخرى أن مفهوم النزاع ولفظ النزاع ورد أيضاً في مواضع كثيرة من القرآن الكريم, وبعد استقرار لهذه الألفاظ في القرآن الكريم توصلت إلى تقسيم النزاع إلى مستويين، هناك نزاع سلمي وودي.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 1/تشرين الثاني/2014 - 7/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م