الانتخابات التونسية تعلن أفول الاسلاميين

 

شبكة النبأ: يدور الحديث في تونس، بعد نجاح الانتخابات التي كانت التهديدات الامنية واعمال العنف تهددها بشكل كبير، عن مرحلة ما بعد الانتخابات التشريعية، وتحديدا عن طبيعة التحالفات الممكنة في ظل الانباء المؤكدة عن تقدم حزب "نداء تونس"، (منتمين سابقين لحزب "التجمع" الحاكم في عهد بن علي ويساريين ونقابيين وشخصيات مستقلة)، على حزب النهضة الاسلامي، بمعنى تقدم العلمانيين في مقابل الاسلاميين الذين وصلوا للسلطة في تونس بعد احداث الربيع العربي عام 2011، كأول حكومة اسلامية في تونس، وقد تعرض حزب النهضة الى ضغوط سياسية وشعبية كبيرة بعد السقوط المدوي للإخوان المسلمين في مصر على يد الجيش المصري، واعتبارهم كمنظمة ارهابية، اضافة الى سجن القيادات الاخوانية، وفي مقدمتهم الرئيس المصري السابق (محمد مرسي)، والتي هددت بسقوط حكم الاخوان في تونس ايضا، الا ان قيادات الاخوان المسلمين في تونس استطاعت الصمود والتحول البراغماتي وصولا الى الانتخابات التشريعية التي جرت قبل ايام واستطاعت الحصول من خلالها على 70 مقعدا كحصيلة اولية مقابل 80 لحزب نداء تونس من اصل 217 مقعدا نيابيا، ما يعني عدم الوصول الى الاغلبية التشريعية (109)، والتي ربما ستجبر القوتين الكبيرتين عن بحث سبيل التواصل او التحالف من اجل عبور الازمة السياسية التي ما زالت تترد اصدائها حتى اللحظة.

من جهته قال الباجي قائد السبسي رئيس "نداء تونس" في تصريح له  إن حزب ""نداء تونس"" لن يحكم وحده وإن فاز بالأغلبية المطلقة في الانتخابات التشريعية، إلا أن الحديث عن التحالف مع بعض الأحزاب سابق لأوانه ولن يحسم القرار إلا بعد صدور النتائج الرسمية ونتائج الانتخابات الرئاسية، ما يعني ان هناك بوادر ايجابية لإمكانية التحالفات المستقبلية او اقتسام السلطة التي اصبحت نوعا من الاعراف السياسية في العالم العربي (كما يحدث في العراق ولبنان وحاليا في اليمن)، على الرغم من وجود العديد من الاختلافات الجوهرية بين الطرفين، الا ان السلطة يمكن ان تجمعهما في تحالف واحد، على حد قوال العديد من المحللين.

وقالت الصحافية نزيهة رجيبة إن دور النخب سيكون مهما جدا في المرحلة المقبلة خاصة إذا أسفرت لعبة الشطرنج عن تحالف الخصمين اللدودين "نداء تونس" و"النهضة"، وأكدت بشأن هذه الفرضية "لا أستبعدها فهناك أشياء كثيرة تؤهلهما للتقارب" مشيرة إلى أن الحزبين يمينيين "أحدهما يمين ديني والآخر سياسي ويتميزان ببرنامج اقتصادي غير اجتماعي"، وقالت إن سيناريوهات أخرى واردة وممكنة، واضافت "كل منهما يحتاج الآخر من أجل الأغلبية المطلقة للحكم" وحذرت "لا يغرنكم التلاسن والعراك الانتخاباوي"، وذكرت بـ"جلسات باريس ومونبليزير (حي بتونس العاصمة حيث يقع مقر "النهضة") وسفارة أمريكا التي تترك الباب مفتوحا" في إشارة إلى لقاءات دارت في هذه الأمكنة بين قادة الحزبين.

وحتى تحسم نتائج الانتخابات التشريعية بصورة نهائية يبقى الكلام عن التحالفات مجرد احاديث عابرة، سيما وان المعركة الرئاسية القادمة قد تبدو كأول اختبار حقيقي لإمكانية جمع الخصوم في مكان واحد لإدارة الدولة ومؤسساتها.

هزيمة الاسلاميين

فقد أقر حزب النهضة الإسلامي التونسي بهزيمته في انتخابات من شأنها أن تجعل القوة العلمانية الرئيسية في البلاد أقوى حزب في البرلمان، وحزب النهضة أول حركة إسلامية تتولى السلطة بعد انتفاضات الربيع العربي التي وقعت في عام 2011، ولم تعلن بعد النتائج الرسمية للانتخابات التي جرت وهي ثاني انتخابات برلمانية منذ الإطاحة بالرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، ولكن قياديا بارزا في حركة النهضة التي حكمت من خلال ائتلاف إلى أن أجبرت عن التنحي لصالح حكومة تسيير أعمال خلال أزمة سياسية في بداية العام، أقر بالهزيمة أمام حزب نداء تونس العلماني، وقال لطفي زيتون وهو قيادي بارز في الحركة "قبلنا النتيجة ونهنئ الفائز نداء تونس ونؤكد دعوتنا مجددا لحكومة وحدة وطنية لما فيه مصلحة البلاد".

وفي وقت سابق قال مصدر حزبي إن الإحصاءات الأولية أظهرت أن حزب نداء تونس العلماني فاز بأكثر من 80 مقعدا في البرلمان الذي سيضم 217 نائبا مقابل 67 مقعدا لحركة النهضة الاسلامية، وقال مسؤول بحزب نداء تونس "وفقا للنتائج الأولية نحن في المقدمة بفارق مريح"، ولكنه لم يؤكد الأرقام التي ذكرها المصدر الأول، وتونس واحدة من أكثر الدول العربية علمانية ولقيت إشادة لكونها مثالا على التسوية السياسية بعد تجاوز أزمة بين الحركتين العلمانية والإسلامية وإقرار دستور جديد هذا العام سمح بإجراء الانتخابات، ومن المتوقع أن تعلن الهيئة المستقلة للانتخابات في وقت لاحق النتائج الاولية للانتخابات البرلمانية، ولكن للأحزاب الأكبر مندوبين في مراكز الاقتراع يشرفون على الفرز الأولي مما يسمح لهم بعد الأصوات ومعرفة النتائج بصورة غير رسمية.

وفاز حزب النهضة الذي يتبنى فهما براجماتيا من الإسلام السياسي بأول انتخابات حرة في تونس في عام 2011 بعد أن ذهب ابن علي إلى السعودية فرارا من احتجاجات على الفساد والقمع، وشكل الحزب ائتلافا حكوميا مع شريكين علمانيين ولكنه اضطر للتنحي في مواجهة أزمة اندلعت بعد مقتل اثنين من زعماء المعارضة على يد متشددين إسلاميين، وخلال الحملة الانتخابية صور حزب النهضة نفسه كحزب تعلم من أخطائه ولكن نداء تونس بدا أنه استغل الانتقادات بأن الحزب أساء إدارة الاقتصاد وتراخى في التعامل مع المتشددين الإسلاميين، وسيسمح فوز نداء تونس الطريق لعودة بعض الشخصيات التي عملت في عهد ابن علي بعدما أعادت تقديم نفسها كتكنوقراط لم يلوثهم الفساد الذي كان سائدا في عهده، ولكن لديهم مهارات إدارية لإدارة البلاد.

ومنذ الانتفاضة يسود تونس وضع أفضل من جيرانها الذين أطاحوا أيضا بحكام أمضوا في السلطة فترة طويلة خلال انتفاضات عام 2011، وتجنبت البلاد الفوضى التي شهدتها مصر والحرب الأهلية التي شهدتها تونس وليبيا، ويفخر كثير من التونسيين بتاريخ التعليم الليبرالي وحقوق المرأة التي تعود إلى عهد الحبيب بورقيبة، أول رئيس بعد الاستقلال عن فرنسا، وصور الباجي قائد السبسي حزب نداء تونس الذي يقوده بأنه قوة دافعة باتجاه الحداثة، ولكن في البلاد أيضا إسلام متشدد شديد المحافظة وقوات أمن تخوض صراعا على مستوى منخفض مع المتشددين، وحتى مع تقدم نداء تونس على النهضة فإنه بحاجة إلى تشكيل ائتلاف مع أحزاب أخرى للوصول إلى الأغلبية البرلمانية التي تمكنه من تشكيل حكومة جديدة.

وربما ما زال هناك احتمال أن يكون حزب النهضة ممثلا في أي حكومة، ودعا حزب النهضة قبل الانتخابات إلى حكومة وحدة تساعد تونس للخروج من آخر مراحل الفترة الانتقالية وتتعامل مع إجراءات التقشف الشديدة من أجل إنعاش النمو الاقتصادي، ورأس السبسي البرلمان في عهد ابن علي، وبرز حزبه نداء تونس في عام 2012 كقوة سياسية من خلال حشد المعارضة في مواجهة أول حكومة قادها حزب النهضة حينما فاز الإسلاميون بنحو أربعين في المئة من مقاعد أول برلمان بعد الإطاحة بابن علي، ويضم نداء تونس مسؤولين من عهد ابن علي والأحزاب الصغيرة وحتى القيادات النقابية لتشكيل جبهة مناهضة للإسلاميين، وبينما سيطر الجدل حول دور الاسلام في السياسة في انتخابات 2011 يبدو ان التشغيل وغلاء الاسعار والنمو الاقتصادي والسيطرة على متشددين اسلامين من أهم المشاغل في بلاد تعتمد بشدة على السياحة الخارجية. بحسب رويترز.

اختبار للديمقراطية

الى ذلك تملأ الموسيقى الصاخبة والاعلام البيضاء قاعة بمدينة حمام سوسة الساحلية حيث ينظم حزب المبادرة اجتماعا جماهيريا استعدادا لاختبار حظوظه في ثاني انتخابات برلمانية حرة في البلاد منذ الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي في 2011، وقد يكون النسر شعار حزب المبادرة رمزا جديدا لكن عدة رموز من الماضي سيطرت على حملته في انتخابات المقبل التي يطمح نظام بن علي في تسجيل عودتهم من خلالها بعد اقصاء استمر ثلاث سنوات، وخلال اجتماع الحزب يقف ثلاثة من وزراء الرئيس السابق على خشبة المسرح في القاعة بمنتجع سوسة التي تعتبر معقلا لنظام بن علي وحتى الاغاني في القاعة هي نفسها التي كانت تردد في عهده. بحسب رويترز.

ولا أحد يمكنه ان يمثل هذه العودة بوضوح أكثر من زعيم حزب المبادرة كمال مرجان وهو اخر وزير للخارجية لبن علي وأطلق حزبه سعيا لاستعادة موقع سياسي في البلاد، وبدل ان تكون عنوان انتكاسة لانتفاضة تونس فان عودة رموز النظام السابق ينظر اليها ايضا على انها خطوة في الاتجاه الصحيح على عكس بلدان اخرى من دول "الربيع العربي" اختارت منهجا مغايرا، وبعد اربع سنوات من الانتفاضة التي أطاحت بالديكتاتور بن علي وحاشيته وأجبرته على الفرار الى المملكة العربية السعودية فان انتخابات تونس هي اخر الخطوات في طريق انتقال هش من الاستبداد للديمقراطية، وبينما لاتزال لغة العنف والسلاح هي المسيطرة في بعض بلدان "الربيع العربي" مثل ليبيا واليمن تصالح سياسيو تونس مع الماضي وصادقوا على دستور جديد للبلاد واختار الخصوم التوافق لاخراج البلاد من أزمة سياسية.

وقال كمال مرجان عقب التجمع الذي نظمه حزبه في سوسة "اذا كانت هناك فرصة لتشكيل حكومة وطنية فانا ادعمها تماما، ومثلما نرغب في ان لا يقصينا أحدا لا نريد اقصاء أحد"، وستفضي الانتخابات الى تشكيل برلمان جديد مكون من 217 نائبا وستفرز رئيسا جديدا للوزراء يخلف حكومة الكفاءات التي تقود البلاد حاليا، ومنذ الثورة أصبحت المساومات لبناء التحالفات السمة الميزة للمشهد السياسي في تونس، وفي ظل توقع عدم فوز اي حزب بأغلبية واضحة عقب الانتخابات المقبلة يبدو تشكيل حكومة وحدة وطنية من أكثر الخيارات ترجيحا، وقد يكون خيار حكومة وحدة وطنية من الخيارات التي تحتاجها تونس لانجاح انتقالها الهش، ويتعين على الحكومة المقبلة ان تخلق فرص عمل للشبان العاطلين والذين مازالوا ينتظرون جني ثمار الحرية والديمقراطية التي وهبتها اياهم الثورة، ولكن هذه الديمقراطية الناشئة فتحت الباب أيضا لظهور جماعات اسلامية متشددة عانت كثيرا من قمع بن علي، ويمثل المقاتلون المتشددون اكبر تحد تواجهه تونس التي اصبحت من اكبر المصدرين للمقاتلين الى سوريا، ويقول انتوني دوركين في تقرير للمجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية عن الانتخابات ان "ترسيخ ديمقراطية ناجحة في تونس قد يكون اشارة قوية الى ان الاصلاح السياسي والتعددية ليست محكومة بالفشل في العالم العربي دائما".

وفي تونس توصل اثنان من اكثر الاحزاب اختلافا من الناحية الايديولوجية الى اتفاق حول مسائل ذات حساسية مثل دور الاسلام بعد جدل استمر وقتا طويلا، ويواجه حزب نداء تونس الذي يقوده الباجي قائد السبسي وهو رئيس برلمان سابق اثناء حكم بن علي حركة النهضة الاسلامية التي فرت قياداتها الى اوروبا او سجنوا تحت حكم الديكتاتور السابق، وفازت حركة النهضة بأغلب مقاعد المجلس التأسيسي في 2011 وكونت حكومة مع حزبين علمانين لكن اغتيال اثنين من قادة المعارضة العلمانية دفع بالبلاد للسقوط في اتون أسوأ ازمة سياسية، وبعد أشهر من الاحتجاجات وعقب اطاحة الجيش المصري بالرئيس الاسلامي العام الماضي تخلت حركة النهضة عن الحكم لصالح حكومة كفاءات بعد اتفاق مع المعارضة العلمانية قاده اتحاد الشغل ذو التأثير القوي، وأظهرت النهضة بشكل لافت انها أكثر مرونة وواقعية من الحركات الاسلامية في بلدان أخرى مثل مصر وليبيا وقبلت بعودة مسؤولي النظام السابق للسياسة بل رفضت مشروع قانون لعزلهم بعد ان منعوا من المشاركة في اول انتخابات حرة قبل ثلاث سنوات.

ويقول لطفي زيتون المستشار السياسي لرئيس النهضة "نحن لا نستطيع أن نفعل هذا بأنفسنا حتى إذا كان لدينا أغلبية، نحن بحاجة لجلب أكبر عدد ممكن من الأطراف الأخرى"، ويحظى دستور تونس الجديد باشادة واسعة من الغرب وينظر اليه على انه من أكثر الدساتير الحداثية والتقدمية في المنطقة وانهى جدلا بشأن مسائل خلافية تتعلق بالدين والسياسة، ويقول دبلوماسي غربي ان "تونس نجحت في ان تتميز عن بلدان المنطقة ورسمت لنفسها اتجاها واضحا لا يقصي احدا ويضم كل المكونات"، وبينما سيطرت النقاشات حول دور الاسلام والهوية خلال اول انتخابات في تونس قبل ثلاث سنوات فما يشغل بال الناخبين التونسيين الان هو توفير فرص العمل وغلاء المعيشة وتوفير الامن، وقد يصب حنين بعض التونسيين لأيام ما قبل الثورة من استقرار أمني واوضاع اقتصادية في مصلحة حركة نداء تونس وبعض الاحزاب التي يقودها مسؤولون عملوا مع بن علي ويقولون ان أيديهم ليست ملوثة بالفساد.

ويصور رموز النظام السابق او ما يعرفون باسم "فلول" أنفسهم على انهم يمتلكون المهارات والكفاءات اللازمة لمعالجة المشاكل الاقتصادية وتأمين المساعدة الدولية التي تحتاجها تونس لمكافحة المتشددين الاسلاميين، وبعد خروجها من الحكم تسعى النهضة للبروز على انها تعلمت من اخطائها خلال فترة حكمها خصوصا بعد انتقادات معارضيها لادارتها للملفات الاقتصادية وموقفها المتساهل مع المتشددين في المرحلة الاولى من حكمها، وقررت حركة النهضة التي يقودها راشد الغنوشي الذي قضى سنوات في منفى بلندن عدم تقديم مرشح لها للانتخابات الرئاسية المقبلة سعيا لما قالت انه دعم للتوافق الوطني وعدم رغبة في السيطرة على كل المنافسات، وخلال حملة انتخابية بمنطقة الحرايرية بتونس العاصمة المكتظة بورشات اصلاح السيارات ومحلات البقالة كان رئيس الوزراء السابق والقيادي بحركة النهضة علي العريض وجها لوجه مع الحقائق الاقتصادية المؤلمة التي تواجه الطبقات الضعيفة، وخلال جولته في المنطقة كان العريض وهو من الوجوه القوية في النهضة يتلقى طلبات لا تتوقف من شبان عاطلين يبحثون عن شغل ويريدون تحسين ظروفهم الاجتماعية، وقال لطفي زيتون مستشار النهضة انه لا يمكنهم عمل ذلك بأنفسهم حتى لو كانت لديهم أغلبية، واضاف انهم يحتاجون الى ضم اكبر عدد ممكن من الاحزاب للعملية السياسية.

كسر الاستقطاب

بدوره قال مصطفى بن جعفر زعيم حزب التكتل من أجل العمل والحريات التونسي إن حزبه قادر على كسر الاستقطاب الثنائي بين الاسلاميين والعلمانيين ويسعى للعب دور أساسي في تحقيق الاستقرار السياسي في البلد الذي انطلقت منه شرارة الربيع العربي، وتستعد تونس لاجراء انتخابات تشريعية تليها انتخابات رئاسية في 23 نوفمبر تشرين الثاني في خطوة أخيرة نحو إرساء ديمقراطية مستقرة بعد ثلاث سنوات من الاطاحة بحكم الرئيس زين العابدين بن علي، وقال بن جعفر "كنا السباقين للتنبيه من خطورة الاستقطاب الثنائي منذ اليوم الاول لهروب الطاغية ودعونا بضرورة الابتعاد عن مسألة الهوية وتقسيم التونسيين بين إسلاميين وغير إسلاميين، هذا لا يفيد تونس باي شكل من الاشكال وحذرنا منه كثيرا".

واضاف بن جعفر وهو رئيس المجلس الوطني التأسيسي "في الوقت الذي تحتاج فيه تونس اليوم لبرامج اقتصادية واجتماعية لمواجهة التحديات العديدة مثل البطالة والفقر والتهميش والفوارق الاجتماعية يقع التركيز مرة ثانية على مسألة الهوية، هذا خطأ وخطر على تونس"، وتابع أمين عام حزب التكتل من أجل العمل والحريات "كل استقطاب ثنائي يقسم التوانسة ويخوف بعضهم من بعض نحن ضده وسنتصدى له وسنسعى للعب دور اساسي لتحقيق الاستقرار في المشهد السياسي"، وبعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي اعقبت الانتفاضة الشعبية عام 2011 انتخب بن جعفر رئيسا للمجلس الوطني التأسيسي وشارك حزبه مع حزب حركة النهضة الاسلامي وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية في ائتلاف حكومي، وتنحى الائتلاف الثلاثي تحت ضغط المعارضة عقب اغتيال المعارضين العلمانيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي ليسلم السلطة لحكومة مستقلة ستقود البلاد للانتخابات.

واعتبر امين عام حزب التكتل (يسار وسط) أن الخيار الذي سار فيه حزب التكتل بالدخول في ائتلاف حكومي مع حزب النهضة الاسلامي وحزب المؤتمر من اجل الجمهورية لم يكن مفهوما للطبقة السياسية ووقع تشويهه، لكنه أكد أن "انعكاساتها الايجابية واضحة اليوم بعد انجازات المرحلة الانتقالية التي يعتبرها العالم نموذجا يحتذى به"، ورأى بن جعفر ان تجربة الحكم الثلاثي ناجحة رغم بعض النقائص قائلا "نعتبر التجربة ناجحة بعد تحقيق ما كنا نصبو إليه خلال انتخابات 2011 بوضع دستور ومؤسسات دستورية مثل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة المستقلة الاعلام السمعي البصري وهيئة مراقبة دستورية القوانين"، وبينما سيطر الخلاف حول دور الاسلام في السياسية ومسألة الهوية في انتخابات 2011 فان الناخبين الان يرون ان المشاكل الاقتصادية ومعالجة غلاء الاسعار وبسط الامن من ابرز المطالب الملحة التي يتعين ان توفرها الحكومة المقبلة. بحسب رويترز.

ويقول بن جعفر "لا ننكر انه بعد اكثر من ثلاث سنوات ما زال الناس يعتبرون ان مشاكلهم لم تحل مثل البطالة والتهميش ووضع البنية التحتية التي كانت اسباب في اندلاع الثورة لم تحل لأننا ركزنا جهودنا على الجانب السياسي"، وتابع قوله "بعد تحمل المسؤولية في اصعب الظروف نحن مرتاحون لوضع القاعدة الاساسية لبناء تونس ديمقراطية جديدة"، وبن جعفر الذي أسس حزب التكتل في 1994 كان معارضا شرسا لنظام بن علي، واكد بن جعفر ان حزبه يطمح لحصد اكبر عدد ممكن من المقاعد في الانتخابات التشريعية المقبلة تتويجا لدوره في تأمين المرحلة الانتقالية التي اعقبت الانتفاضة التي اطاحت بحكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وكان حزب التكتل من أجل العمل والحريات حل رابعا في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عام 2011 بعد فوزه بعشرين مقعد. بحسب رويترز.

وأكد بن جعفر على ضرورة تكوين حكومة وحدة وطنية عقب الانتخابات لقيادة البلاد في المرحلة المقبلة بالقول "الحل لا يمكن ان يكون الا بحكومة وحدة وطنية"، وقال زعيم حزب التكتل من أجل العمل والحريات" نحن كحزب نحترم دولة القانون والمؤسسات، لدينا قانون انتخابي يجب ان نحترمه ونطبقه"، وتابع "الكرة بين يدي المواطنين لكن يجب ان نبين لهم انه لن يستطيع بناء النظام الديمقراطي، الا الديمقراطي الذي يؤمن بالديمقراطية ومقتنع بها وناضل من أجلها ونثق ان سيختار الاختيار السليم والصحيح".

الوضع الامني

من جانب اخر قالت وزارة الداخلية التونسية أنها جهزت حوالي 50 ألف رجل أمن لحماية الانتخابات من هجمات محتملة لمتشددين ودعت التونسيين للاقبال بالكثافة على التصويت في ثاني انتخابات برلمانية حرة، وتتجه تونس نحو ديمقراطية كاملة مع استعداداها لاجراء انتخابات برلمانية، وانتخابات رئاسية الشهر المقبل وينظر اليها على انها نموذج في المنطقة المضطربة، لكن المراحل الاخيرة من انتقالها للديمقراطية تواجه تهديدا من جماعات اسلامية متشددة هاجمت في الاشهر الماضية قوات الامن وقتلت عدة جنود، وقال محمد علي العروي المتحدث باسم وزارة الداخلية إن 23 رجل أمن سيؤمنون مراكز الاقتراع بينما سيكون أكثر من 25 الفا منتشرين في كل البلاد لبث الطمأنينة وللتصدي لاي هجمات محتملة من متشددين اسلاميين، ويتوجه حوالي 5.2 مليون لمراكز الاقتراع لانتخاب 217 نائبا في البرلمان المقبل الذي سيعين ايضا رئيسا للوزراء، والانتخابات البرلمانية الاولى بعد المصادقة على دستور جديد للبلاد هي أخر خطوات الانتقال الديمقراطي في تونس مهد انتفاضات الربيع العربي.

وقال العروي ان وزارة الداخلية جاهزة للتصدي لاي هجمات ويقظة مضيفا ان قوات الامن أحبطت عدة هجمات واعتقلت عناصر خطيرة على صلة بتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي، ومع اقتراب موعد الاقتراع الذي تسعي تونس لان يكون ناجحا صعدت قوات الامن حملتها على المتشددين واعتقلت مزيدا من الاسلاميين ممن يدعمون مقاتلين يحتمون بجبال الشعانبي قرب الحدود الجزائرية، وأعلنت وزارة الداخلية انها إعتقلت اعضاء "خلية إرهابية" تضم إمرأتين على علاقة بالجهاديين المتحصنين بالجبال قرب الحدود الجزائرية كانت تخطط لشن هجمات بهدف ادخال البلاد في فوضى، وأضاف العروي ان وزارة الداخلية حققت نجاحات هامة زادت في ثقة التونسيين وبعثت للخارج رسائل بقدرة البلاد على ضبط الامن بعد سنوات من الاضطراب وعدم الاستقرار، وتابع قوله إن المسلحين المختبئين في جبال الشعانبي لا يتجاوز عددهم 40 وقوات الامن ضيقت الخناق عليهم وضربت أجنحتهم اللوجستية والمالية التي تصلهم. بحسب رويترز.

وكشف المتحدث باسم وزارة الداخلية ان قوات الامن تلاحق المقاتلين العائدين من سوريا وتقدمهم للقضاء بينما تراقب بصرامة البعص الاخر ممن اطلق سراحهم تحسبا من هجمات محتملة او دور لهم في تحدي قوات الامن، وقال رئيس الوزراء مهدي جمعة ان عدد المقاتلين التونسيين في سوريا يصل إلى ثلاثة آلاف مقاتل قتل منهم مئات وعاد مئات اخرين للبلاد، وأضاف أن بلاده اعتقلت منذ بداية العام 1500 متشدد سيمثل حوالي 600 منهم امام القضاء هذا الشهر، وقبل ثلاث سنوات شهدت تونس بروز جماعات اسلامية متشددة من بينها أنصار الشريعة التي أعلنتها تونس والولايات المتحدة منظمة ارهابية بعد هجوم استهدف السفارة الامريكية واغتيال اثنين من قادة المعارضة العلمانية العام الماضي، وانزلقت تونس العام الماضي الى اسوأ ازمة سياسية استمرت شهورا بعد اغتيال اثنين من قادة المعارضة العلمانية على يد مسلحين اسلاميين، وانتهت الازمة بتخلي حركة النهضة الاسلامية عن الحكم بموجب اتفاق مع المعارضة، ودعا ايضا الجيش التونسي قوات الاحتياط للعمل في فترة المقبلة وتشديد المراقبة على الحدود للتوقي من اي هجمات محتملة، وأشار العروي ان السلطات عززت حضورها بشكل لافت في المناطق الحدودية اين يحتمي مسلحون مضيفا ان الامن والجيش على أهبة الاستعداد لحماية اخر مراحل الانتقال الديمقراطي في البلاد.

وقال رئيس الوزراء التونسي مهدي جمعة ان بلاده اعتقلت منذ بداية العام الحالي حوالي 1500 جهادي مشيرا إلى استعداد حكومته للتصدي للمقاتلين العائدين من سوريا ضمن حملة تهدف لانجاح الانتقال الديمقراطي في تونس مهد انتفاضات "الربيع العربي" مع استعدادها لاجراء ثاني انتخابات حرة، وتخشى السلطات التونسية -التي شددت حملتها على الجهاديين منذ تعيين جمعة هذا العام من اي تهديد قد يشكله المتشددون الاسلاميون على التحول الديمقراطي الهش في البلاد، ومع ظهور جماعات اسلامية متشددة بعد الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي في 2011 اصبحت تونس من ابرز المصدرين للمقاتلين الأجانب الذين انضموا "للدولة الإسلامية" والجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة التي تقاتل في العراق وسوريا، وقال جمعة "منذ بداية العام الحالي اعتقلنا حوالي 1500 من المشتبه فيهم بالارهاب وسيمثلون امام القضاء في الاشهر المقبلة من بينهم حوالي 500 سيمثلون امام القضاء هذا الشهر".

وقال جمعة ان عدد المقاتلين التونسيين في سوريا يصل الى حوالي ثلاثة الاف مقاتل تونسي بينما عاد مئات منهم الى تونس اعتقل بعضهم وتجري ملاحقة اخرين، وردا على سؤال ان كان هؤلاء يمثلون نواة لتركيز تنظيم الدولة الاسلامية قال رئيس الوزراء التونسي "نعم، فعلا ممكن ان يكونوا نواة لها ونحن واعين بخطورة هذه المسألة وهذا مشكل نتقاسمه مع عدة دول اخرى"، وتتحسب تونس لاي هجمات من جماعات متشددة بينما يستعد ملايين التونسيين للتوجه الى مكاتب الاقتراع لاجراء انتخابات برلمانية واخرى رئاسية الشهر المقبل في اخر خطوات الانتقال الديمقراطي بعد أكثر من ثلاث سنوات من الانتفاضة التي أطاحت بزين العابدين بن علي.

وقال جمعة ان حكومته أعدت خططا للتصدي لاي محاولات محتملة من الجهاديين التي تهدف لافشال اخر مراحل الانتقال الديمقراطي في تونس عبر استهداف الانتخابات المقبلة، وأضاف "عززنا حضورنا الامني خصوصا على الحدود مع الجزائر وليبيا وعشرات الالاف من الجنود والشرطة سيؤمنون الانتخابات"، وتابع "رغم كل التهديدات الجدية فان الانتخابات ستنجح وستجري في مناخ من الامن ونحن انتهينا من وضع خطط امنية (وعاجلة) لمواجهة اي طوارئ"، ومنذ ثلاث سنوات شهدت تونس بروز جماعات اسلامية متشددة من بينها أنصار الشريعة التي أعلنتها تونس والولايات المتحدة منظمة ارهابية بعد هجوم استهدف السفارة الامريكية واغتيال اثنين من قادة المعارضة العلمانية العام الماضي، لكن جمعة قال ان تونس أحكمت الحصار على هذه المجموعات المتحصنة بالجبال والتي تنسق مع "ارهابيين" في ليبيا التي وصفها بانها مصدر السلاح الرئيسي للجهاديين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 30/تشرين الأول/2014 - 5/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م