عاشوراء.. لِسُلْطَةِ الحَقْ

نزار حيدر

 

 في واحدة من الرسائل التي تبادلها الحسين بن علي عليهم السلام مع أهل الكوفة، قال فيها {واني أحقّ بهذا الامر}.

 والمقصود بالأمر هنا هو [السُّلْطَة] لان قوله هذا ورد بعد تذكيرهم بحديثٍ عن جدّه رسول الله (ص) يقول: {من رأى سُلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله (ص) يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان ثمّ لم يغيّر بفعلٍ ولا قول كان حقاً على الله ان يُدخله مدخله}.

 هذا يعني، ان الامام عليه السلام كان سيدخل بمدخل الطاغية يزيد بن معاوية اذا لم يتصدى لعملية التغيير في بينة السلطة، وهو القائل {وانا احقّ من غيّر}.

 وأضاف الامام في رسالته: {وقد علمتم انّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، وتولّوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله}.

 بمعنى آخر، فان نهوض الامام بأعباء مسؤولية تغيير السلطة إنما الهدف منه تغيير الأهداف والأدوات وليس فقط تغيير الوجوه والأسماء والمسمّيات.

 انّ قيام الحجة ووجود الناصر حتّم على الامام التصدي لاستلام السلطة التي اغتصبها الأمويون فغيّروا وبدّلوا، ولو لم يبادر لكان قد ادان نفسه عليه السلام بالحديث الذي رواه عن جده، وهل يُعقل ذلك؟.

 لقد برّر أمير المؤمنين (ع) قبله تصدّيه للسلطة بقوله: {أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَوْلاَ حُضُورُ الْحَاضِرِ، وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ، وَمَا أَخَذَ اللهُ عَلَى العُلَمَاءِ أَلاَّ يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِم، وَلا سَغَبِ مَظْلُوم، لاَلقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا، وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِها، وَلاَلفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْز!}.

 ولمّا كان الحسين (ع) هو القائل في وصيته التي تركها في المدينة عند أخيه محمد بن الحنفيّة: {وأسير بسيرة جدي رسول الله وأبي علي بن ابي طالب} فهذا يعني انّه سيتّخذ موقفاً من السلطة يتطابق مع ما فعله ابيه أمير المؤمنين (ع) فلماذا اذن نخشى الحديث عن السلطة التي ارادها الحسين (ع) وهو الذي يرى في نفسه الاجدر والاحق بها من بني أمية؟ او لم يقل أمير المؤمنين (ع) {اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَان، وَلاَ الْتمَاسَ شِيء مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ، وَلكِنْ لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ، وَنُظْهِرَ الاِْصْلاَحَ فِي بِلاَدِكَ، فَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ، وَتُقَامَ الْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ.

 اللَّهُمْ إِنّي أَوَّلُ مَنْ أَنابَ، وَسَمِعَ وَأَجَابَ، لَمْ يَسْبِقْنِي إِلاَّ رَسُولُ اللهِ (ص) بِالصَّلاَةِ.

 وقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ وَالمَغَانِمِ وَالاَحْكَامِ وَإِمَامَةِ الْمُسْلِمِينَ الْبَخِيلُ، فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ، وَلاَ الْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ، وَلاَ الْجَافِي فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ، وَلاَ الحَائِفُ لِلدُّوَلِ فَيَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْم، وَلاَ الْمُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ فَيَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ وَيَقِفَ بِهَا دُونَ المَقَاطِعِ، وَلاَ الْمَعطِّلُ لِلسُّنَّةِ فَيُهْلِكَ الاُمَّةَ} فلماذا نُجادل بعيداً عن الحقيقة؟ ونسعى لليّ ذراع الحق هرباً من الفهم الصحيح والسليم للأمور والذي يحمّلنا مسؤولية التغيير؟.

 لماذا نحكّم العاطفة فيتراجع عندنا الوعي والتعقّل والعقلانيّة كلما اردنا ان نبحث في عاشوراء؟.

 اذن؛ فان الصورة مكتملة لا تحتاج الى كثير عناء لفهمها، وهي قائمة على الاسس التالية:

 اولا؛ لا ينبغي لمن لا يستحق ان يتصدى للسلطة، خاصة اذا اغتصبها عنوة بالضد من إرادة الناس وفي الأمة من هو افضل واجدر منه وقد اجتمع راي الناس عليه.

 اما من يُفلسف سلطة الظالم بنظرية التمكّن بالقوة والقهر والعصبية كما يفعل الأموي الجاهل ابن خلدون، ليبرّر له، فذلك الاحمق بعينه، لانّ هذه الفلسفة تتناقض كليا مع معاني وجوهر وروح الاسلام الذي دعا الى سلطة الحق والعدل والمساواة، كعقد اجتماعي يتراضى عليه الناس والحكام بلا قهرٍ او غصبٍ او اكراه.

 ثانيا؛ ولو تصدّى مثل هذا للسلطة فغيّر وبدّل وظلم واعتدى، كان حقاً على من يرى في نفسه القدرة على التغيير ان يتصدّى له والا فانه والظالم سيّان.

 ثالثاً؛ والتصدّي للتغيير لا يكون الا مع الناصر والمعين ووضوح الرؤية، اي انه يتحقق بالحجّة لأن شرط التغيير قبول الناس والا فسيكون كالسلطة التي يغتصبها الحاكم الجائر.

 رابعا؛ والتغيير يجب ان يكون نحو الأفضل والاحسن، بعد ازاحة سلطة الظلم، ولعلّ من ابرز مصاديق التغيير نحو الأفضل هو حاكمية الحرية والكرامة في المجتمع والتي تهدرها وتسحقها سلطة الظالم بمجرد ان ينزو عليها بلا إرادة من الأمة وبلا اي تفويض من المجتمع.

 وبقراءة متأنّية ودقيقة لنص رسالة الامام الحسين (ع) سنتيقّن بأنه عليه السلام استهدف التغيير أولاً، وتحديداً تغيير السلطة التي تجاوزت كل الحدود لكونه كان يرى نفسه الاقدر على تحقيق ذلك، وانه لو لم يفعل فسيدخل ما دخل به الحاكم الظالم، فهل يعقل ذلك؟.

 اذن؛ لا ينبغي التردد في الحديث عن سلطة الحق التي استهدفتها عاشوراء لإرضاء جاهل او معاند او ربما لإرضاء أهواءنا واحيانا جهلنا بجوهر عاشوراء.

 ان التغيير في حال انحراف السلطة عن مسار الحق والعدل والمساواة واجب انساني ووطني وشرعي، يجب على كل من يجد في نفسه القدرة على انجازه ان يتصدّى له والا فستتدهور امور البلاد والعباد الى الاسوء حتى يكون ثمن التغيير انهار من الدماء وتدمير كل شيء كما يحصل اليوم في البلاد العربية التي تدفع شعوبها ثمن التغيير باهظاً بعد ان سكتت دهراً على الظلم تبرّر للحاكم وتتجاوز عن جرائمه بمسميات وعناوين كثيرة، يخدّرها جيش من الكتّاب والاعلاميّين والمثقّفين اصحاب الضمائر الميّتة التي باعت شرف المسؤولية بحفنة من أموال البترودولار التي ينفقها نظام القبيلة الفاسد لإسكات الاقلام الشريفة، الى جانب جيشٍ من وعّاظ السلاطين الذي يبصقون فتاواهم صباح مساء على احذية الحكام لإرضائهم.

 ويتساءل المرء مستغرباً، لماذا؟ يجيب الامام الحسين (ع) بقوله {اعتبروا أيها النَّاس! بما وعظ الله به أولياءه من سوء ثنائه على الأحبار إذ يقول {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} وقال {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} وإنما عاب الله ذلك عليهم لأنهم كانوا يرَون من الظّلَمَة الذين بين أظهرهم المنكر والفساد فلا ينهَونهم عن ذلك رغبةً فيما كانوا ينالون منهم، ورهبةً ممّا يحذرون، والله يقول {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} وقال {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} فبدأ الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضةً منه لعلمه بأنّها إذا أُدّيت وأقيمت، استقامت الفرائض كلها هيّنها وصعبها، وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الاسلام مع رد المظالم، ومخالفة الظّالم، وقسمة الفيىء والغنائم وأخذ الصدقات من مواضعها، ووضعها في حقّها}.

nhaidar@hotmail.com

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 26/تشرين الأول/2014 - 1/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م