الربيع العربي وتجربة الاسلام السياسي

 

شبكة النبأ: لمع مصطلح الربيع العربي بعد الانتفاضة التي قامت بها الجماهير التونسية، اثر الشرارة الاولى التي اطلقها الشاب الكادح (بو عزيزي)، بعد إحراقه لجسده تعبيرا عن رفض الفقراء والطبقة الكادحة، للظلم الذي عانوا منه بسبب السياسات الفاسدة لنظام الحكم العلماني آنذاك، متمثلا بنظام الرئيس المخلوع زين بن علي، وقد شكلت هذه الانتفاضة البوابة الاولى التي دخلت من خلالها حركات الاسلام السياسي في العصر الراهن، كي تستثمر الاحداث بصورة افضل وتصل الى السلطة في عدة بلدان عربية.

لقد فتح ما يسمى بـ (الربيع العربي للثورات) الباب على مصراعيه لصعود الحركات الإسلامية إلى سدة الحكم، مثلما بدأ ذلك في تونس وامتد الى مصر وليبيا واليمن وغيرها من الدول ، وعلى الرغم من أن هذه الحركات الإسلامية تعتمد ضمن مرجعياتها على مفاهيم سياسية كلاسيكية من التراث السياسي الإسلامي، والتي قد لا تتلاءم بصيغتها القديمة مع مصطلحات الدولة الحديثة المبنية على مفهوم المواطنة أساسا، إلا أنها وجدت الأرضية خصبة لتفوز بالمرتبة الأولى لدى المواطن وتضمن الحصول على تأييده وصوته لأسباب سنأتي على ذكرها.

ولعلنا نتفق على أن لفظ او تسمية الإسلام السياسي يمثل مصطلحا سياسيا وإعلاميا وأكاديميا، تم استخدامه من لدن كتاب وباحثين ومراقبين، لتوصيف حركات تغيير سياسية تؤمن بالإسلام باعتباره نظاما سياسيا للحكم. ويمكن  القول بأن هذا المصطلح يضم في طياته حزمة من الآراء والمواقف والأفكار والأهداف السياسية النابعة من الشريعة الإسلامية التي يستخدمها مجموعة من المسلمين الذين يؤمنون بأن الإسلام لا يتوقف عند حدود الفكر الدين او للعبادة فقط، وإنما يمكن ان يتعدى ذلك الى العمل في مضمار السياسة عبر تشكل حركات وانظمة سياسية يمكنها أن تدير انظمة حياتية كالنظام الاجتماعي والقانوني والاقتصادي التي تصلح بمجموعها لبناء مؤسسات الدولة النموذج، القادرة على تحقيق اهداف وتطلعات الطبقات المجتمعية الواسعة التي عانت من الحرمان، في ظل الانظمة الفردية التي تمت الاطاحة بها جماهيريا، في عدد من الدول التي تتخذ من الاسلام دينا رسميا لها.

بمعنى أن هذه الحركات والانظمة السياسية لم يتم استثمارها كجهات واحزاب سياسية جماهيرية جاءت كخلاص مرتقب للناس، انما رد الفعل ضد الانظمة الفردية التي اساءت التعامل مع الجماهير، هو الذي قاد حركات الاسلام السياسي الى السيطرة على مقاليد السلطة في عدد من الدول التي حدثت فيها انتفاضات الربيع العربي، وهكذا تنحصر تجربة الاسلام السياسي الراهنة بكونها حصيلة ردود افعال جماعية، دفعت بهذه الحركات الى القمة، ويرى خبراء ومراقبون ان حركات والحكومات الاسلام السياسي، لم تستثمر الظروف الملائمة كما يجب، بل ظلت تدور في فلك الجماهير الغاضبة على الانظمة السابقة، وانشغلت هذه الحركات بتكريس السلطة، والاستحواذ على المناصب، ومناصبة الآخرين العداء، واللجوء الى اقصاء الجميع، عن السلطة، وهو ذات الاسلوب الذي كانت تستخدمه الحكومات الفردية المطاح بها ضد كل من يطالبها بالمشاركة في السلطة.  

لذلك وصف المعارضون لحركات الاسلام السياسي،  الحكومات الاسلامية الجديدة، أي حكومات ما يسمى بالربيع العربي، بأنها حاولت بطريقة أو بأخرى الوصول إلى الحكم والاستفراد به، وبناء الدولة الدينية الثيوقراطية التي ألغت الجميع، وحاربت الصوت الاخر، وصادرت الآراء المختلفة، وأقصت الخصوم جميعا حتى اولئك الذين شاركوا في اطاحة الانظمة المستبدة، وجعلت من تكريس السلطة بقبضتها هو الهدف الأول، في حين وضعت الآمال العريضة للطبقات المحرومة خلف ظهرها.

وهناك امثلة تقارب هذا الوصف، وحكومات اسلامية قبل وبعد الربيع العربي، نادت بحرية الشعب، وقالت بأهمية تحقيق مطالب الجماهير المحرومة، لكنها عندما وصلت الى السلطة، استبدلت تلك الاهداف بأخرى جديدة، يتعلق جلّها بجانب تكريس السلطة والاستحواذ عليها، ومحاصرة الآخر المختلف، حتى الاعلام لم يسلم من الاجراءات الخاطئة لحركات الاسلام السياسي، حيث المنع والمحاصرة والتبويب الضيق في مسار الرأي الحكومي، جعل من هؤلاء ينفرون الى الجانب المعادي لهذه الحركات التي استثمرت انتفاضات الربيع العربي، بصورة خاطئة، عندما وظفتها لصالح حماية السلطة فحسب.

في حين كان الاجدر بها معالجة التردي الاقتصادي، والقضاء على اسباب الحرمان الذي عانى منه المنتفضون، او غيرهم كما في الدول الاسلامية التي قادتها انظمة اسلامية قبل الربيع العربي بوقت طويل، ومع ان الكثير من المحللين السياسيين الغربيين يعتقدون أن نشوء ظاهرة الإسلام السياسي يرجع إلى المستوى الاقتصادي المتدني لمعظم الدول في العالم الإسلامي، كما أشرنا الى ذلك، إلا أن الحكومات الاسلامية قبل وبعد الربيع العربي، لم تشغل نفسها بمعالجة هذا الخلل الكبير، ولم تشرع بمعالجة العوز والفقر من خلال دعم الاقتصاد.

إنما كان انشغالها بحماية السلطة، والاستحواذ على المناصب، وتوجيه الاعلام في مسار واحد، واهمال الاقتصاد والصحة والتعليم، كلها مؤشرات تؤكد تراجع حركات الاسلام السياسي، في ادارة الحكم كما دلت على ذلك تجارب ما بعد وقبل فاصلة الربيع العربي!.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 25/تشرين الأول/2014 - 30/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م