النفط السعودي وحرب الاسعار حيلة استراتجية لمواجهة الخصوم

 

شبكة النبأ: بات الكل ينتظر انعقاد منظمة اوبك في اجتماعها المقرر في 27 من نوفمبر تشرين الثاني، بعد عودة ما وصف بتداخل السياسية بالاقتصاد، (والتي عدها بعض المحللين لعبة قديمة تمارسها دول لاستنزاف غرمائها من الدول الاخرى)، اثر هبوط اسعار النفط إلى 86.22 دولار للبرميل (بعد ان كان يقارب 110 دولار في حزيران الماضي)، وما ستقرره الدول الاعضاء في هذه المنظمة، وسط تجاذبات واتهامات متبادلة بين دول نفطية كبيرة، اعادت الحديث عن مؤامرات وخطط مقصودة للتأثير واخضاع الخصوم، خصوصا في منطقة الشرق الاوسط التي تشهد احرج فتراتها التاريخية، بعد تنامي العداء الطائفي، والتهديدات الارهابية التي تهدد امنها، اضافة الى الخلافات الكبيرة بين العديد من الانظمة السياسية القائمة.

في حين نفى كبار المحللين ان تكون هناك دوافع سياسية كامنة وراء هذا الانخفاض، وان الامر لا يتعدى كونه تخمة نفطية سرعان ما تعاود اسعار النفط نحو الاستقرار والصعود، ومنهم بول هورسنل محلل النفط في بنك ستاندرد تشارترد الذي اشتهر بتنبؤه بانتعاشه طويلة لسوق النفط قبل نحو عشرة أعوام عاد متمسكا بتوقعه اتجاها تصاعديا لأسعار الخام على الرغم من أنها هبطت لأدنى مستوياتها في أربعة أعوام، فقد خفض هورسنل وفريقه تنبؤهم لأسعار النفط الخام برنت في عام 2015 بمقدار خمسة دولارات إلى 105 دولارات للبرميل وهو مع ذلك قريب من الطرف الأعلى لنطاقات التنبؤ بعد موجة من التخفيضات لتنبؤات البنوك خلال الأسابيع القليلة الماضية، وقالوا إنه سيتعين على منظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك خفض انتاجها نحو مليون برميل يوميا لتحول دون زيادة المخزونات العالمية في الربع الأول من العام القادم وإن ضيق إمدادات المعروض الأمريكي سيدعم الأسعار وإن بعض أنشطة الحفر تضررت بالفعل من جراء هبوط اسعار الخام من رأس البئر دون 80 دولارا، وكتبوا في إحدى مذكراتهم البحثية، "التغطية الإعلامية لسوق النفط يغلب عليها في الوقت الحالي الحديث عن حرب أسعار تجري مع وجود وفرة في إمدادات المعروض"، نحن لا نوافق على هذا الوصف، واستنادا إلى حساباتنا للعرض والطلب وحسابات الوكالات الرئيسية لا توجد حاليا تخمة نفطية".

الا ان دولا عديدة، ومنها ايران، ما زالت مصرة بالقول ان دولا مصدرة للنفط تحاول ممارسة الضغط والاضرار بالاقتصاد جراء هذا الانخفاض المتعمد في اسعار النفط، وقال محمد باقر نوبخت المتحدث باسم الحكومة "بعض من تدعى دولا إسلامية في المنطقة تخدم مصالح أمريكا والقوى المتغطرسة (الأخرى) في محاولة الضغط على الجمهورية الإسلامية"، وأضاف "تسبب (الغرب) في انخفاض انتاجنا من النفط من أربعة ملايين برميل يوميا إلى مليون برميل يوميا، وهذا الانخفاض الذي طرأ في الآونة الأخيرة على أسعار النفط هو أحدث حيلهم". بحسب رويترز.

ومهما كان التصعيد وتبادل الاتهامات قوي، فان اوضاع السوق النفطية المتقلبة، قد تضر باقتصاديات البلدان التي تعمد في دخلها القومي على السلعة الاغلى ثمنا بالنسبة لها، كما (العراق وايران ودول الخليج وفنزويلا...الخ)، وان حرب الاسعار، لو صحت، لا يمكن ان يقتصر تأثيرها على جهة دون اخرى، وهو امر يفتح الباب واسعا حول مدى جدية اوبك او الدول المصدرة للنفط في اعتماد معايير اخلاقية او مهنية في التصدير وفق حساب العرض والطلب، بدلا من اللجوء الى طرق اخرى قد تضر بالجميع، بحسب خبراء ومراقبين.

صادرات النفط السعودي

فقد أظهرت بيانات رسمية أن صادرات السعودية من النفط الخام نزلت لتسجل أقل مستوى في ثلاثة اعوام في وقت تسعى فيه أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم للحفاظ على حصتها في السوق وسط ضعف في الطلب وتخمة في الامدادات من منتجين منافسين، وهبطت الصادرات السعودية على مدار الاشهر القليلة الماضية نتيجة تراجع الصادرات للسوق الامريكية بفعل زيادة انتاج النفط الصخري هناك وتباطؤ الطلب في آسيا (لاسيما في الصين) عما كان متوقعا، وبحسب بيانات المبادرة المشتركة للبيانات النفطية (جودي) فقد صدرت السعودية 6.663 مليون برميل يوميا في اغسطس آب انخفاضا من 6.989 مليون برميل يوميا في يوليو تموز.

وصادرات اغسطس آب هي الأقل منذ مارس آذار 2011 وجاءت مقابل 7.795 مليون برميل يوميا قبل عام و6.946 مليون برميل يوميا في يونيو حزيران و6.987 مليون برميل يوميا في مايو أيار، وكانت وكالة الطاقة الدولية قد ذكرت في تقرير الشهر الماضي أن طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة بدأت تقلص صادرات النفط السعودي للسوق الامريكية وقدرت أن صادرات النفط السعودي لن تبلغ سبعة ملايين برميل يوميا في آخر أربعة أشهر من العام، ويظهر تحليل لبيانات إدارة معلومات الطاقة الامريكية وخدمة تومسون تريد فلوز أن متوسط واردات الولايات المتحدة من المملكة تراوح بين مليون و1.2 مليون برميل يوميا في الفترة من مايو أيار إلى اغسطس آب مقارنة مع ما تراوح بين 1.3 و1.6 مليون برميل يوميا من منتصف عام 2013 إلى ابريل نيسان 2014. بحسب رويترز.

وذكر مسؤولين سعوديين أطلعوا المتعاملين في أسواق النفط في نيويورك على التحول في سياسة المملكة وأوضحوا لأول مرة استعدادها لقبول انخفاض الأسعار لفترة (حتى إلى 80 دولارا للبرميل) للاحتفاظ بحصتها في السوق، وخفضت السعودية بالفعل أسعار بيع خامها لتحافط على عملاء في اسيا، وذهب جزء كبير من انتاج الخام السعودي للسوق المحلية في اغسطس آب لتوليد الكهرباء التي تحتاجها المملكة في فصل الصيف شديد الحرارة، كما دشنت السعودية مصفاتين لإضافة طاقة لتكرير الخام بواقع 800 ألف برميل يوميا، وكررت المصافي السعودية 2.167 مليون برميل من الخام يوميا في اغسطس آب ارتفاعا من 1.915 مليون برميل يوميا في يوليو تموز و1.551 مليون في اغسطس آب 2013 وفق بيانات جودي، وأحجام الخام التي كررتها المصافي في اغسطس آب هي الأعلى منذ يناير كانون الثاني 2002 على الأقل حين بدأت جودي جمع البيانات.

وبلغ استهلاك النفط لتوليد الكهرباء 769 الف برميل يوميا في اغسطس آب انخفاضا من 899 الفا في يوليو تموز ودون تغيير يذكر عنه قبل عام، وتقول مصادر في السعودية انه لا توجد علاقة بين الاستهلاك المحلي والصادرات نظرا لوجود طاقة انتاج فائضة كبيرة في المملكة، وبوسع الرياض رفع الانتاج بيسر وكان سجل 9.6 مليون برميل يوميا في اغسطس آب كما يمكنها السحب من المخزون لتغطية اي زيادة في الطلب المحلي والحفاظ على مستوى الصادرات، لكن من شأن ذلك تقليص طاقة الانتاج الفائضة للمملكة دون المستوى الذي تحبذه بين 1.5 ومليوني برميل يوميا والذي تحتاجه لتغطية أي عجز مفاجئ في الامدادات العالمية في ظل استمرار المخاطر العالية بفعل الاوضاع السياسية المعقدة في الشرق الأوسط، وقال محللون إن خفض الكميات التي تستهلك لتوليد الكهرباء محليا قد يتيح كميات أكبر للتصدير في الأشهر المقبلة.

وبلغت مصفاة ساتورب في الجبيل وطاقتها 400 ألف برميل أقصى طاقة انتاج في منتصف العام الجاري كما بدأ التشغيل التجريبي لمصفاة أخرى في ينبع بنفس الطاقة في الشهر الماضي، وقال أوليفر جاكوب محلل النفط في بتروماتريكس في سويسرا "يتيح انخفاض الطلب على النفط اللازم لتوليد الكهرباء في الربع الاخير مقارنة بأغسطس زيادة الصادرات حاليا لكن زيادة طاقة التكرير في السعودية تمثل تحديا جديدا لدورها كمنتج مرن"، وذكرت مصادر في الصناعة أنها تتوقع استقرار انتاج النفط السعودي في الفترة المتبقية من العام، ويقدر مراقبون للقطاع أن تبلغ صادرات السعودية بين 6.9 مليون و7.1 مليون برميل يوميا حتى ديسمبر كانون الأول، وقال سداد الحسيني المسؤول التنفيذي السابق في ارامكو ان بعض التغيرات ستطرأ على الانتاج السعودي ما إن تنتهي ذروة الطلب في فصل الصيف لكنه أوضح أنه لا علاقة لذلك بالصادرات، وأبدى اعتقاده بأن الصادرات ستظل حول سبعة ملايين برميل يوميا.

خلاف سعودي كويتي

فيما أفاد مصدر مطلع ومذكرة داخلية أن إنتاج النفط الخام من حقل الخفجي السعودي الكويتي توقف بشكل مؤقت لأسباب تتعلق بالقواعد البيئية، ومن المستبعد أن يؤثر التوقف على امدادت الخام من السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم إذ لدى المملكة طاقة انتاج كبيرة تصل حاليا إلى 12.5 مليون برميل يوميا، وفي سبتمبر أيلول ضخت السعودية 9.704 مليون برميل يوميا، وجاء في مذكرة بتوقيع عبد الله الهلال رئيس مجلس إدارة أرامكو لأعمال الخليج التي تدير الجزء السعودي من الخفجي إن الحقل الذي ينتج حوالي 280 إلى 300 ألف برميل يوميا في المنطقة المحايدة بين البلدين سيتوقف عن العمل فورا، وقال المصدر إن الإغلاق بدأ بالفعل ولم يتضح على الفور متى استئناف التشغيل بعد استيفاء المعايير البيئية، ولم يتسن الاتصال بالهلال للتعليق ولم يرد مسؤولون كويتيون كبار في قطاع النفط على طلب للحصول على تعليق.

والعمليات المشتركة في الخفجي مشروع مشترك بين وحدة تابعة أرامكو السعودية والشركة الكويتية لنفط الخليج، وفي خطاب بتاريخ 16 أكتوبر تشرين الأول موجه إلى محمد الخطيب المدير التنفيذي للعمليات في شركة العمليات المشتركة في الخفجي أشار الهلال لعدم الالتزام بمعايير جديدة لانبعاثات الغازات اصدرتها الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة السعودية في الآونة الأخيرة، وقال المصدر مطلع على سياسة النفط السعودية "قضية الخفجي بيئية محضة" مضيفا أن أرامكو وجميع الشركات العاملة في المملكة ملزمة بالانصياع للتعليمات التي تصدرها رئاسة الأرصاد وحماية البيئة، وقالت مصادر أخرى إن محطة تجميع الغاز البرية في الخفجي تحتاج إصلاحات بعد تسرب للغاز وإن الإصلاحات تستغرق نحو ستة أسابيع، وقالت المصادر "رفض الكويتيون الموافقة على الاغلاق لإجراء الإصلاحات نظرا لنقص الغاز في الصيف، تصاعدت حدة المواجهة بين الكويت والسعودية في هذا الصدد"، وتابع المصدر "تجمع المحطة الغاز من جميع المنشآت البرية في المنطقة المحايدة لذا ينبغي اغلاق المنطقة بأسرها خلال الاصلاحات أو يجري حرق جميع كميات الغاز أثناء الاصلاحات". بحسب رويترز.

ودانت نقابة النفط الكويتية قرار السعودية الاحادي بوقف عمليات انتاج النفط في المنطقة المشتركة مع الكويت، داعية الحكومة الى التدخل، ودعا فدغوش العجمي رئيس مجلس ادارة نقابة نفط الخليج الحكومة الكويتية الى التحرك لضمان استئناف انتاج النفط من حقل الخفجي، ويقع حقل الخفجي في المنطقة المحايدة بين الكويت والسعودية ويشغله البلدان ويضح نحو 700 الف برميل يوميا يتقاسمها البلدان بالتساوي، ونقلت صحيفة الراي الكويتية عن مصادر لم تكشف عنها في قطاع النفط الكويتي قولها انها تفاجأت بقرار السعودية، نظرا لان البلدين تفاهما على معالجة القضايا البيئية بحلول العام 2017، واشار الاعلام المحلي الى ان اغلاق الحقل قد يكون ناجما عن خلافات بين البلدين حول منشأة تصدير صغيرة في منطقة الزور القريبة التي قررت الكويت ان تقيم فيها مصفاة كبيرة جديدة.

من جانبه، طالب النائب المستقل فيصل الكندري وزير النفط الكويتي علي العمير باطلاع البرلمان على اسباب وقف الانتاج في الخفجي وما اذا كانت السعودية ابلغت الكويت بهذه الخطوة قبل اتخاذها، وسأل الكندري العمير ما اذا كانت الكويت، العضو في منظمة اوبك، ستتمكن من تعويض الانتاج النفطي الذي ستخسره من الخفجي، وعن الخسائر المالية المتوقعة لعملية الاغلاق، وتضخ السعودية، اكبر مصدر للنفط في العالم، نحو 9,6 ملايين برميل نفط يوميا، ولديها قدرة اضافية تقدر بنحو 3 ملايين برميل يوميا، اما الكويت، فتزيد قدرتها الانتاجية عن 3,2 مليون برميل يوميا، وتضخ ما معدله 3 ملايين برميل يوميا، وكانت الحكومتان وقعتا اتفاقا يتعلق بالمنطقة المحايدة قبل نحو 50 عاما.

انخفاض الاسعار

من جانبها نشرت صحيفة الفايننشال تايمز مقالا تحلل فيه انخفاض أسعار النفط في الأسواق الدولية، وموقف السعودية منه، وتقول الفايننشال تايمز إن السعودية اتخذت موقفا محسوبا بدقة، رغم ما فيه من المجازفة، بدعمها انخفاض أسعار النفط إلى نحو 80 دولار للبرميل، ونقلت الصحيفة عن ديبورا غوردن، مديرة الطاقة والبيئة في برنامج كارنيجي، قولها إن دعم السعودية لانخفاض أسعار النفط، يسبب مشاكل لغريمتيها روسيا وإيران، فأسعار النفط المنخفضة تؤثر سلبا على اقتصاد روسيا التي يتعرض لعقوبات أمريكية وأوروبية، بسبب موقف موسكو من الأزمة في أوكرانيا، وستتأثر إيران أيضا من انخفاض أسعار النفط، مما قد يجعل طهران، حسب الفايننشال تايمز، تتنازل في محادثاتها مع الغرب بشأن برنامجها النووي، والتي تتمنى السعودية أن تصل إلى طريق مسدود.

وتتوقع الصحيفة أن تتحمل السعودية عبء انخفاض أسعار النفط، باستخدامها احتياطي العملة الصعبة الضخم الذي تتمتع به، لسد العجز في الميزانية، وفي الوقت ذاته، تضيف الصحيفة، سيكون انخفاض أسعار النفط بشير خير لاقتصادات الدول الأوروبية والصين، التي هي أكبر زبائن السعودية، كما سيصب موقف السعودية في صالح المستهلك الأمريكي، لأن الولايات المتحدة، وعلى الرغم من ازدهار الغاز الصخري، تبقى مستوردا كبيرا للنفط، وتهدف خطوة الرياض أيضا إلى إثبات دورها في سوق النفط الدولية، من خلال كبح جماح صناعة الغاز الصخري في الولايات المتحدة، إذ أن انخفاض الأسعار سينعكس سلبا على هذه الصناعة الناشئة، ولكن الولايات المتحدة مرتاحة لهذا الموقف، لأن انعكاساته الإيجابية أكبر من انعكاساته السلبية، فهو بمثابة خفض للضرائب على المستهلك الأمريكي.

وتعمل السعودية في هدوء على إبلاغ المتعاملين في أسواق النفط بأن الرياض لا تنزعج من استمرار الانخفاض الملحوظ في أسعار الخام لفترة طويلة وهو ما يمثل تحولا صارخا في سياسة المملكة قد يكون الهدف منه إبطاء وتيرة توسع منافسين من بينهم منتجو الخام الصخري في الولايات المتحدة، ويدعو بعض أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) من بينهم فنزويلا إلى خفض عاجل للإنتاج من أجل دفع الأسعار العالمية للصعود مجددا فوق 100 دولار للبرميل، لكن المسؤولين السعوديين بعثوا رسالة مختلفة خلال لقاءات خاصة مع مستثمري ومحللي أسواق النفط في الآونة الأخيرة مفادها أن المملكة وهي أكبر منتج للنفط في أوبك مستعدة لقبول سعر يقل عن 90 دولارا وربما يصل إلى 80 دولارا لفترة قد تمتد إلى عام أو عامين بحسب مصادر اطلعت على المناقشات الأخيرة.

وتعكس المناقشات التي أجري جانب منها في نيويورك أكثر المؤشرات وضوحا حتى الآن على أن المملكة تنحي جانبا استراتيجيتها القديمة التي تعمل بموجبها على إبقاء سعر خام برنت قرب مئة دولار للبرميل سعيا للحفاظ على حصتها بالسوق في السنوات المقبلة، وقالت المصادر التي طلبت عدم ذكر أسمائها نظرا لسرية المناقشات إن السعوديين باتوا يراهنون فيما يبدو على أن انخفاض الأسعار لفترة (بما قد يؤثر سلبا على ماليات بعص أعضاء اوبك) سيكون ضروريا لتمهيد السبيل لجني إيرادات أعلى في الأمد المتوسط من خلال تقليص الاستثمارات الجديدة والحد من الزيادة في الإمدادات من مصادر أخرى مثل النفط الصخري في الولايات المتحدة أو المياه العميقة.

ولم يطرح المسؤولون السعوديون خلال المناقشات الخاصة تصورا بخصوص ما إذا كانت المملكة ستوافق على خفض الإنتاج أو حجم هذا الخفض وهي خطوة يتوقع كثير من المحللين أن تدعم السوق العالمية التي تنتج كميات أكبر بكثير من حجم طاقتها الاستهلاكية، وتضخ السعودية نحو ثلث إنتاج أوبك من النفط ويقدر إنتاج المملكة بنحو 9.7 مليون برميل يوميا، وقال أحد المصادر إن مسؤولا سعوديا سئل عن خفض إنتاج المملكة في المستقبل فأجاب "أي خفض؟"، ولم يتضح إن كان ما أبلغت به السعودية مراقبي سوق النقط يمثل نهجا جديدا تلتزم به أو محاولة لإقناع أعضاء آخرين في أوبك للانضمام للرياض في تقليص الإمدادات مستقبلا، وقال مصدر لم يشارك في المناقشات مباشرة إن المملكة لا تريد بالضرورة أن تواصل الأسعار انخفاضها ولكنها لا ترغب في تحمل عبء خفض الإنتاج وحدها وهي مستعدة لقبول انخفاض الأسعار حتى يتعهد أعضاء آخرون في أوبك بالتحرك.

ومن المتوقع أن يكون الاجتماع المقبل لأوبك في 27 نوفمبر تشرين الثاني هو الأصعب منذ سنوات نظرا لعدم قدرة معظم الأعضاء الآخرين على خفض الإنتاج أو لعدم رغبتهم في خفضه، ولم تقر أوبك خفض الإنتاج إلا بضعة مرات في العقد الأخير كان آخرها في أعقاب الأزمة المالية في عام 2008، وأضحت فنزويلا (وهي من أكثر أعضاء أوبك تأثرا بالأسعار) أول دولة تطالب علنا بتحرك عاجل حتى قبل الاجتماع الدوري، وقال وزير الخارجية رفاييل راميريز "لن يستفيد أحد من حرب الأسعار أو هبوطها عن 100 دولار للبرميل"، ويبدو وزير النفط الكويتي على العمير كان أول من يوضح التوجه الجديد للسعودية أكثر الأعضاء نفوذا في أوبك إذ قال إن خفض الإنتاج لن يسهم كثيرا في تعزيز الأسعار في مواجهة زيادة الإنتاج من روسيا والولايات المتحدة.

ونقلت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) عن العمير قوله إنه لا يعتقد أن هناك مجالا في الوقت الحالي لأن تخفض دول أوبك إنتاجها، وقال الوزير إن الأسعار قد تنحدر إلى 76 أو 77 دولار للبرميل وهي تكلفة الإنتاج في دول من بينها الولايات المتحدة حيث أدت طفرة النفط الصخري لبلوغ الإنتاج أعلى مستوياته منذ الثمانينات، ولم يدل مسؤولون سعوديون بتصريحات علنية عن انحدار الأسعار ولم يجب مسؤولون سعوديون عن تساؤلات بشان اللقاءات الأخيرة.

انخفض مزيج برنت في العقود الآجلة بشكل مطرد على مدار أربعة أشهر تقريبا ونزل 23 بالمئة عن مستوى مرتفع فوق 115 دولارا في يونيو حزيران مع انحسار المخاوف من تعطل إمدادات الشرق الأوسط وفي ظل طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة وبوادر على تراجع الطلب من أوروبا والصين، وحتى وقت قريب دأبت الدول الخليجية الأعضاء في أوبك على وصف هبوط الأسعار بأنه ظاهرة مؤقتة مراهنة على أن الطلب الموسمي في الشتاء سيعزز الأسعار، ولكن عددا متزايدا من المحللين باتوا ينظرون إلى الهبوط الأخير على أنه أكثر من كونه تراجعا موسميا ويقول البعض إنه بداية تحول مهم إلى فترة طويلة من الوفرة النسبية في المعروض، ويبدو أن السعودية تهيئ المتعاملين لتحول كبير في الأسعار بدلا من محاربة هبوط الأسعار وتخليها عن حصتها في السوق في مواجهة منافسة متزايدة، وقال أحد المصادر إن السعوديين يريدون من العالم أن يدرك أنه "يجب ألا يندهش أحدا" من انخفاض الأسعار عن 90 دولارا، ولمح مصدر آخر إلى أن مستوى 80 دولارا قد يكون حدا أدنى مقبولا للمملكة رغم أن بعض المحللين الآخرين يقولون إنه يبدو منخفضا جدا، ويقترب متوسط سعر برنت من 103 دولارات منذ عام 2010 وتراوح معظم الوقت بين 100 و120 دولارا، وفي حين أن المناقشات الأخيرة هي أكثر الجهود إبرازا للتغير في الاستراتيجية السعودية حتى الآن إلا أن المؤشرات المبكرة أثارت قلقا بالفعل في سوق النفط، ففي مطلع أكتوبر تشرين الأول خفضت المملكة سعر البيع الرسمي لنفطها أكثر من المتوقع سعيا للاحتفاظ بعملائها في آسيا في خطوة اعتبرت على نطاق واسع شرارة حرب أسعار لجذب عملاء في آسيا.

وقال روبرت مكنالي مستشار الرئيس السابق جورج دبليو بوش ورئيس مجموعة رابيدان لاستشارات الطاقة في مذكرة للعملاء بعد زيارة للسعودية الشهر الماضي إن السعوديين "سيقبلون بانخفاض الأسعار الضروري لأي تخفيضات لازمة في الإنتاج لتحقيق توازن في السوق في مواجهة قطاع النفط الصخري الأمريكي"، ومع اتضاح فحوى الرسالة تسارعت وتيرة هبوط الاسعار ويقترب خام برنت من أقل مستوياته منذ عام 2010، وقال مكنالي "حتى نحو ثلاثة أيام مضت كانت السوق تجمع على أن السعوديين سيخفضون الإنتاج، لكن لم يعد هذا أمرا محسوما، فقد أدركت السوق فجأة أنها تعمل بلا حماية".

وأبلغت السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) أنها رفعت إنتاجها من الخام في سبتمبر أيلول بواقع 100 ألف برميل يوميا وهو ما يزيد من العلامات التي تظهر عدم إقبال المملكة حتى الآن على خفض الإنتاج لمواجهة نزول الأسعار كثيرا عن 100 دولار للبرميل، وقالت أوبك في تقرير شهري إن السعودية أبلغت عن إنتاج 9.704 مليون برميل يوميا في سبتمبر أيلول ارتفاعا من 9.597 مليون برميل في أغسطس آب، وقد يعزز عدم خفض الإنتاج السعودي الاعتقاد بأن المملكة تتطلع لحماية حصتها السوقية بدلا من الأسعار، ونزل سعر النفط في سبتمبر أيلول عن 100 دولار للبرميل (وهو المستوى الذي تفضله السعودية) وذلك للمرة الأولى في 14 شهرا. بحسب رويترز.

تحذير من تراجع الاسعار

بدوره قال الملياردير السعودي الأمير الوليد بن طلال إن موجة الهبوط الأخيرة في أسعار النفط العالمية يجب أن تثير قلق المملكة أكبر مصدر للنفط في العالم وحذر من التأثير السلبي لهذا الهبوط على إيرادات الدولة، وقال الأمير الوليد في رسالة مفتوحة إلى وزير البترول السعودي علي النعيمي ووزراء آخرين "نود أن نعبر عن دهشتنا واستغرابنا بل واستنكارنا" لتصريحات نقلت عن النعيمي وتهدف إلى "التقليل أو التهوين من الآثار السلبية الكبيرة التي ستلحق بميزانية واقتصاد المملكة العربية السعودية من جراء التراجع الكبير في أسعار النفط"، وكان الأمير يشير في رسالته المؤرخة بتاريخ 13 أكتوبر تشرين الأول إلى تصريحات أدلى بها وزير البترول السعودي في الكويت يوم 11 سبتمبر أيلول وقلل فيها من أهمية المخاوف من نزول أسعار النفط عن 100 دولار للبرميل.

وكرر الأمير الوليد تحذيراته السابقة من أن المملكة تحتاج لتقليص اعتمادها على النفط الخام وتنويع مصادر إيراداتها، وقال في الرسالة التي نشرت على حسابه بموقع تويتر إن ميزانية المملكة لعامي 2014 و2015 قد تتكبد خسائر تقدر قيمتها بمليارات الريالات، والأمير الوليد هو صاحب شركة "المملكة القابضة" الدولية للاستثمار ويتحدث بصراحة غير معتادة من كبار رجال الأعمال السعوديين، غير أن تحذيره قد يعكس قلقا متزايدا غير معلن لدى كثير من السعوديين بشأن تأثير تراجع أسعار النفط على اقتصاد المملكة واعتمادها على إيرادات الخام، وكتب الأمير في رسالته "90 بالمئة من ميزانية الدولة لعام 2014 تعتمد عليه (النفط)، فهذا التهوين هو بحد ذاته كارثة لا يمكن السكوت عليه". بحسب رويترز.

وعلى مدى العامين الأخيرين اتخذت الحكومة السعودية بعض الخطوات الأولية لتنمية الاقتصاد وتقليص اعتماده على النفط، ومن بين هذه الإجراءات على سبيل المثال تحرير قطاع الطيران وتقديم تمويلات للشركات الصغيرة ورواد الأعمال في قطاعي الخدمات والتكنولوجيا، وكان النعيمي قال في الماضي إن السعودية يجب أن تقلص اعتمادها على إيرادات النفط الخام وتطور قطاع أنشطة المصب لحماية اقتصادها من تقلبات الأسواق العالمية، وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن سعر النفط الذي يصل بالميزانية السعودية إلى نقطة التعادل يبلغ 86.1 دولار للبرميل في عام 2014، وبلغ متوسط سعر النفط في معظم هذا العام نحو 106 دولارات للبرميل ومن المستبعد أن يتسبب الهبوط الأخير لأسعار الخام في الضغط على المملكة بفضل الاحتياطات المالية التي جمعتها المملكة على مر السنين.

وقال صندوق النقد في تقرير الشهر الماضي إن الميزانية العامة للسعودية قد تسجل عجزا في العام المقبل وربما تبدأ البلاد في السحب من احتياطاتها الأجنبية إن لم تكبح نمو الإنفاق الحكومي، لكن إذا سجلت السعودية عجزا فإنه لن يكون أمرا كارثيا للحكومة، ويرى خبراء اقتصاديون أنه علاوة على استخدام الاحتياطات التي قد تساعد في الحفاظ على الإنفاق عند مستوياته الحالية لسنوات يمكن للسعودية بسهولة اقتراض أموال من الأسواق مثلما تفعل معظم الحكومات الأخرى في العالم، ونزلت ديون الدولة إلى 2.7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2013 وهو أحد أدنى مستويات الديون الحكومية في العالم، ولن يؤدي انخفاض أسعار النفط مباشرة إلى تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الذي لن يتباطأ إلا إذا انخفض الإنتاج أيضا، وعلاوة على ذلك بدأ القطاع الخاص غير النفطي بالسعودية في الازدهار، وأظهر متوسط تقديرات 18 محللا استطلعت آراءهم في أواخر سبتمبر أيلول أن من المتوقع نمو الاقتصاد السعودي بنسبة 4.2 بالمئة هذا العام و4.3 بالمئة في العام المقبل، وتبلغ قيمة الاقتصاد السعودي 748 مليار دولار وهو الأكبر بين اقتصادات الدول العربية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/تشرين الأول/2014 - 28/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م