شبكة النبأ: الكثير من الباحثين
يؤرخون لبداية دور مراجع الدين في حياة الشيعة بالعام 329 للهجرة، وهو
عام غيبة الامام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) وانتهى في ذلك الوقت
دور السفراء أو الوسطاء الأربعة بين الشيعة وإمامهم.
في العام 448 للهجرة، بدأت مرجعية النجف بانتقال شيخ الطائفة محمد
بن الحسن الطوسي إليها من بغداد، وقام بانشاء الحوزة الدينية، وحيث
توجد تلك الحوزة يكون مراجع الدين، وتعتبر حوزة النجف هي الاقدم وهي
الحوزة الام، أما حوزة قُم الإيرانية فقد تأسست في فترة متاخرة جدا على
يد الشيخ عبد الكريم الحائري المتوفى في العام 1937.
منذ نشأة الحوزة الدينية، وتكريس العلماء المراجع لوجودهم فيها،
بلورت عددا من النقاط: كان منعقد المرجعية الدينية هو الرابطة الدينية
وترصين المنهج العقائدي, والتعمق العلمي, والتوغل في عرض الأدلة وتحليل
الأدلة ونقدها.
تبنت المرجعية الدينية الاجتهادية منذ نشأتها وحتى الآن مقولة
استمرار الاجتهاد - ولكن لم تعتمده هدفاً بلا آليات ووسائل محكمة بل مع
ضبط محكم للأدوات والممارسة الاجتهادية.
لذلك فان عملية الإفتاء الشرعي في الوسط الشيعي عملية منضبطة جداً,
فلا تقبل الفتوى من غير المجتهد الجامع للشرائط, وبذلك لم تبرز ظاهرة
فوضى الإفتاء في الوسط الشيعي في حين لا تزال هذه الفوضى ماثلة في
الوسط الفقهي غير الشيعي.
قرنت المرجعية الشيعية بالاجتهاد ((قضية التقليد)) الذي اعفي غير
القادر أو من لم تتح ظروفه إن يتوصل إلى درجة الاجتهاد من الإلزام
بالاجتهاد, وأجازت له العمل على وفق افتاء من يراه متمكناً من حملة
درجة المجتهدين المعترف بهم, وبذلك شكلت ثنائية الاجتهاد والتقليد
واحده من وسائل الضبط الاجتماعي والسياسي فضلاً عن الضبط المعرفي
الديني.
تركز المرجعية الدينية باصرار شديد ومتابعة جادة على خصائص العفة
والنزاهة والسلوك القويم وتجعل للبناء الروحي والأخلاقي مكانه مهمة,
وتقرر إن صفة العدالة شرط في إمامة الصلاة وتقليد المقلد, لذلك فإنها
ترسم دائماً برنامجاً للتطهير الذاتي وبناء القيم النبيلة في السلوك
الإنساني.
تمارس المرجعية الدينية وظائفها في جو من الاستقلال التام عن
الحكومات والمؤسسات والأحزاب والقوى الاجتماعية, وتصر إن يكون الجانب
المالي في الحوزة حصراً من المتطوعين لذلك فأنها تأخذ قرارها مستقلة عن
كل مؤسسات الضغط, ويكون موقفها الإفتائي والعملي مبنياً على مراقبة
الله والخشية منه ومراعاة المصالح الحقيقية للمجتمع والأخذ بنظر
الاعتبار متطلبات المستقبل بقدر الوسع, الا انها لا تزال بحاجة الى
مزيد من الاستشرافات.
والمرجعية الدينية عند الشيعة الإمامية، كيان فقهي كبير يحتل في
الحياة السياسية والدينية مساحة واسعة جداً يرتبط بها الشيعة بأوثق
العلاقات وأمتنها، وتكتسب تعليمات المرجعية بالنسبة للفرد الشيعي صفة
الأمر والحكم الشرعي الملزم دينياً، الذي لا يجوز التخلف عنه ومخالفته.
في كتبه العديدة تناول الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي
(قدس سره) الكثير من المفردات المتعلقة بالحوزة العلمية وبمرجع الدين
و(دورها / دوره) في حياة الشيعة..
وكثيرا ماركز على مسؤوليات مرجع الدين، نتيجة لوظائفه الجسيمة
والملقاة على عاتقه..فمن مسؤولية المرجع، حسب الامام الراحل، باعتباره
المتصدّي لأمور الأمة، (أن يكون على أعلى مستويات التفكير، والقدرة على
إنضاج الأفكار والرؤى، في مختلف الشؤون الفقهية منها والسياسية
والاجتماعية والثّقافية، وما إلى ذلك).
والتفكير ثيمة اساسية في كتابات الامام الراحل ووصاياه ونصائحه،
فقيادة الامة بلا تفكير تعني الفشل الذريع، والمرجع المفكر، هو المرجع
المؤثر في احوال امته حاضرا ومستقبلا.
وهو تاثير يمتد الى الحكومة والشعب، من خلال قوة تاثير المرجع نفسه،
وهو يحذر من ان تكون كلمته استعارة لكلمات الحكومة، وصوته يردد ماتقوله
هي، لأنه حينئذ سيخسر الشعب والقاعدة المؤمنة، ويصبح أمره كموظف بسيط
في هذه الدّولة.
والامام الراحل في حديثه عن المرجع والمرجعية، يزجي عددا من
التوجيهات والنصائح، فالدين النصيحة، فعلى المرجع على سبيل المثال، أن
يكون دائم الازدراء بنفسه، دائم التفكير في التقدم، دائم العمل لأجل
رفع راية الإسلام وكلمة لا إله إلاّ الله.
وعليه أن يقيس عمله بالهدف الكبير والواسع، وإلاّ فإنه سيحصر نفسه
في نطاق ضيق.
وعليه ايضا، أن يرى نفسه دائماً مقصّرا،ً وأن ما يقوم به من عمل هو
قليل جدّاً في قبال المطلوب منه. وهذا هو السبيل القويم إلى التقدم،
أما لو اعتبر ما يقوم به عملاً كبيراً وكثيراً، فإنه سيكتفي بما يقوم
به, ولا يتجاوز لما هو أكثر من المنتظر منه.
ثم هو (قدس سره) ينزع عن المرجع صفة الاستبداد من خلال مطالبته
بالاصغاء الى (جميع ما يوجّه إليه من النقد، سواء أكان هذا النقد
يستهدفه أم يستهدف جهازه من الوكلاء والخطباء والمؤلّفين ومن أشبه ممن
يدور في فلكه، فالإصغاء المستمر إلى النقد، ومحاولة تفادي بعض الأخطاء
الّتي يمكن تفاديها، يوجب إصلاح المرجع وإصلاح جهازه).
لان المرجع الذي يستمع إلى النقد، سيرتفع عن صفة الاستبداد بالرأي،
وعدم الاعتناء بآراء الآخرين, وسيتصف بصفة أخلاقية هي من صميم الإسلام،
وهي احترام آراء الآخرين والاعتناء بما يقولون عندما يكون ذلك بنّاءً.
ثم ان عدم التفات المرجع إلى صوت الناقدين المخلصين سيوجب تراكم
الأخطاء، وأحياناً يتسبّب ذلك في انحراف الجهاز، الأمر الّذي سيؤدّي
إلى انحراف النّاس. |