شبكة النبأ: لا يُخفى على الجميع تلك
الأعباء الثقيلة التي تقع على عاتق المرجعية، في حفظ توازن المجتمع،
والاسهام في استقرار الدولة، وتهيئة الظروف الملائمة للفرد والجماعة من
اجل الابتكار والتجديد، لكي يستمر الناس في طريق البناء والانتاج
الاكثر جودة وارتقاءً، فالمرجعية تشكل حجر الاساس في خلق التوازن
المجتمعي وتحصين السلم الأهلي، وتقويم الانشطة الفردية والجماعية،
وحمايتها من الانزلاق في مهاوي الانحراف والظلم والجريمة.
وكما يؤكد الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني
الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم، الموسوم بـ (المرجعية
الاسلامية) حول دور المرجعية وأهمية ذلك في دفع الناس نحو تحقيق الوئام
المجتمعي والخير والسعادة الدائمة، إذ يقول الامام في هذا المجال: )بناءً
على المرويات وما أخذ به شيوخنا حتّى الآن، تعتبر المرجعية قيادة دينية
لدفع الناس إلى أعمال الخير والسعادة). فالعمل القيادي للمرجعة يهدف
بالدرجة الاولى الى تحقيق سعادة المجتمع من خلال تشجيعه على القيام
بأعمال الخير.
ولكن هناك أشخاص انتهازيون، يظهرون في المجتمع، هدفهم إعاقة عمل
المرجعية وسعيها الحثيث لتحقيق اهدافها التي سبق ذكرها، وهولاء
الانتهازيون لا علاقة لهم بالاسلام، فأما هم اسلاميون مزيفون، بمعنى
يتخذون من الاسلام دينا لهم بالاسم فقط، واما هم غير مسلمين اصلا، وفي
الحالتين يعمل هؤلاء الانتهازيون بالضد من المرجعية بشتى السبل المتاحة
لهم، بسبب تضارب مصالحهم مع الاسلام، كونها تقوم على ركائز محرمة دينيا،
لذلك لا تسمح لهم المرجعية بتمرير هذه المصالح التي تخالف مبادئ
الاسلام.
لذا يؤكد الامام الشيرازي في كتابه نفسه على أن: (هناك العديد من
الأشخاص في المجتمع من المسلمين الذين لم يفهموا الإسلام أو غلبت عليهم
الأهواء أو غير المسلمين ممن تتضارب مصالحهم والإسلام ممن يعمل على سلب
- القيادة الدينية- وحصرها بنفسه إما لدعوة الناس إلى فكرة معينة أو
رغبة منه في السيطرة والتحكّم والاستعلاء، ويتخذ هؤلاء دائماً من
التهريج والكذب والتهم والهمز واللمز وسيلة لتثبيت مركزهم، وأحياناً
تصل الوسيلة إلى المال والقوة). ويضيف الامام قائلا: (وفي بعض الأحيان
يلتف حول هؤلاء أناس طيبون انخدعوا بالشعارات المضللة التي يطلقها
هؤلاء .فعلى المرجع أن يعي أساليب هؤلاء وأن لا تنطلي عليه ألاعيبهم)
تحصين قاعدة المرجعية
من هنا لابد أن تضع المرجعية في حساباتها، كيفية حماية قاعدة
المرجعية من الانتهازيين وافكارهم ودسائسهم، ويمكن ذلك من خلال مقارعة
الجهل، وتنوير القاعدة الواسعة للمرجعية، وزيادة وعي الناس عموما
بالطرائق المخادعة التي يلجأ اليها الاشخاص او الجماعات المعادية
للمرجعية، وهذا الدور بالغ الاهمية، كونه يفضح أولئك الذين يحاولون أخذ
دور المرجعية في توجيه المجتمع وتحصينه من الزلل بكا اشكاله.
لذلك يؤكد الامام الشيرازي في هذا المجال قائلا بوضوح تام: على
المرجع (تحصين قاعدته من عوامل الضعف والجهل، وحمايتها من الدعايات
والتهم والأساليب الشيطانية التي يمارسها الأعداء) فهناك اساليب لا
يمكن الصمت عليها، لانها تتطور وتصبح اكثر خطورة على الناس، لذلك ليس
هناك مفر من التصدي لها وكشفها بوضوح لا يدع مجالا للغموض او الارباك.
وفي الوقت نفسه، لابد أن تقوم المرجعة بمراجعة جميع الامور التي
تتعلق بها، وتحاول باقصى ما يمكن ان تكشف عن الثغرات التي قد تتواجد في
منظومة عملها والمؤسسات التي تتبع لها، ثم الشروع بمعالجتها بصورة
فورية، بما لا يترك المجال مفتوحا لاستغلالها من لدن الانتهازيين الذين
يحاولون الاساءة للمرجعية ودورها الرصين.
كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي عندما يدعو الى: (سدّ الثغرات في
المرجعية، لأنّ أية ثغرة في المرجعية سيستغلها الأعداء، وسينفذون من
خلالها، وملء الفراغات التي يمكن من خلالها يستطيع الطامعون بالقيادة
من السيطرة) وما اكثر الطامعين بالقيادة بسبب امتيازاتها اولا، وبسبب
سيل لعاب الانتهازيين لاستغلال تلك الامتيازات، من اجل تحقيق منافع
ومكاسب فردية وعائلية، لا علاقة لها بمصالح الناس وبناء المجتمع، لذلك
لا يصح ترك مثل هذه الثغرات في العمل المرجعي المؤسساتي او سواه، فجميع
المؤسسات الثقافية والاعلامية والتنويرية التابعة للمرجعية لابد ان
تقوم بدورها على افضل وجه ممكن، لسد الطريق امام الانتهازيين الذين
يحاولون بشتى الطرق، أن يستثمروا الثغرات التي قد يجدونها هنا او هناك
.
أهمية الكتب وطباعتها
هناك ثغرات كثيرة يمكن ان يستغلها الانتهازيون، كي يفرضوا سلطتهم
على الناس، ومنها على سبيل المثال، اذا حدث تراجع في طباعة الكتب التي
تساعد الناس على الفهم والتفكير السليم، والتفريق بين الخاطئ والصحيح،
فقد يلجأ الانتهازيون الى استغلال هذه الثغرة لتحقيق أهدافهم الشريرة
التي تسعى لابعاد المرجعية عن الناس، وإضعاف دورها القيادي التوجيهي
لهم، كذلك اذا حدث خلل في الجانب الاعلامي للمرجعية، فإن هذا الامر سوف
يشكل ثغرة واضحة، يمكن لاعداء المرجعية ان يستثمروها لصالحهم.
مثال ذلك كما يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (إذا أهمل المرجع
موضوع النشر والتوزيع للكتب، فإنّ من يريد القيادة سيستطيع أن يفرض
سيادته من خلال هذه الكتب، وإذا أهمل الجانب الإعلامي، فإنّ الطامع في
القيادة سيحاول استثمار الصحف والإذاعات للنفوذ داخل المجتمع) .ولعل
الاعلام كما نعرف جميعا له قصب السبق في الترويج للافكار المعادية،
فاذا حدث خلل في اعلام المرجعية ولم يستطع أن يأخذ دوره المؤثر في
الناس، فإن الانتهازيين سوف يدخلون من هذه الثغرة لتحقيق مآربهم
المسيئة.
لهذا ينصح الامام الشيرازي باتخاذ جميع الخطوات التي تمنع هؤلاء من
تنفيذ مخططاتهم، ولابد من اتخاذ الاجراءات والخطوات المناسبة، لتحجيم
دورهم في التأثير على العلاقة الوطيدة والمصيرية بين المرجعية وعامة
الناس، ومنها على سبيل المثال إبعاد الانتهازيين من الدائرة المقرّبة
لعمل المرجعية، فهناك أناس مندسون يحاولون التغلغل شيئا فشيئا بين
المرجعية، بل هناك اشخاص يسايرون المرجع، وعندما يصبح قويا ويشعر انه
صار مؤثرا يعلن انفصاله عن المرجعية.
كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي في قوله: لابد من (إبعاد العناصر
المندسة والعناصر الانتهازية من دائرة المرجعية، فهناك البعض من
المنحرفين يحاول في بداية الأمر أن يساير المرجع، وبمجرد أن يقوى ويشتد
عوده يعلن انفصاله عن المرجعية) .كذلك ليس هناك مجال سوى الصمود وعدم
التنازل، فيما لو تضاعفت الضغوط على المرجعية، بل على العكس لابد أن
يكون هناك تمسك بالاهداف والادوار التي تؤديها المرجعية للناس، لأنها
أمانة لا يصح التخلي او التنازل عنها.
كما نقرأ ذلك في قول الامام الشيرازي بكتابه نفسه: لابد من (الصمود
في موقع المرجعية وعدم الانسحاب أو التنازل عند اشتداد الضغوط على
المرجع، لأن المرجعية ما هي إلاّ أمانة ، فلابدّ أن يؤدي المرجع هذه
الأمانة حقها بعدم التنازل عنها). |