جماعة

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: استعملت الجماعة لاول مرة في القرن الرابع عشر للاشارة الى (هيئة ممثلي الشعب) او كيان اجتماعي او سياسي. ومنذ ذلك الحين صارت الكلمة تستخدم استخدامات متنوعة لتدل على الرفقة او الملكية المشتركة، او الدولة او المجتمع المنظم، او الهوية المشتركة، او المصالح المتداخلة. واستنادا الى هذا يتحدث الناس عن جماعة علمية، او اكاديمية، او قانونية، او دينية، او جماعات عمل.

في الاعم تستخدم الجماعة باعتبارها (كلمة مقنعة اقناعا تاما لوصف شبكة قائمة من العلاقات)، تدل على ارتباط – مثل القرابة، والتراث الثقافي، والقيم والاهداف المشتركة – يحس انه اكثر عضوية او طبيعية، لذلك فهو اقوى واعمق من الاقتران العقلي او التعاقدي للافراد، مثل السوق او الدولة.

تختلف تعريفات الجماعة اختلافاً كبيراً، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل:

1. أننا نحيا في جماعات متعددة، كالأسرة والرفاق وزملاء العمل وأهل الحي. وتختلف هذه الجماعات في حجمها وأنشطتها ومدة بقائها ودرجة تنظيمها.

2. يستخدم لفظ "الجماعة"، ليدل على عدة معانٍ منها:

أ. مجموعة من الناس يجلسون معاً أو يسيرون معاً. أي أن الخاصية المميزة للجماعة في هذه الحالة هي التجاور المكاني ، بغض النظر عن الهدف الذي يسعى إليه أعضاؤها.

ب. مجموعة من الناس تجمع بينهم خاصية مشتركة، مثل جماعة المدرسين والمهندسين والأطباء، أي يُستخدم لفظ الجماعة على هذا النحو للتصنيف.

ج. أعضاء تنظيم معين يشعر أفراده بالانتماء إليه والإخلاص له، مثل أعضاء حزب ما أو نقابة معينة.

3. اختلاف وجهات نظر أصحاب التعريفات:

أ. تعريف الجماعة من خلال تصورات أفرادها

الجماعة هي وحدة تتكون من مجموعة أفراد يشكّلون تصوراً مشتركاً عن وحدتهم، ويكون في قدرتهم التصرف كوحدة واحدة إزاء بيئتهم.

ب. تعريف الجماعة من خلال دوافع أفرادها

الجماعة جمع من الأفراد يكون في تجمعهم فائدة تعود عليهم. أي أن العامل الأساسي لقيام الجماعة هو إشباع حاجة أعضائها. فالتاجر ينضم لعضوية الغرفة التجارية، التي تدافع عنه وتحقق له بعض رغباته، وينضم المدرس لنقابة المعلمين، لأنها تعبّر عن مطالبه وتسعى للمحافظة على حقوقه.

ج. تعريف الجماعة من خلال وجود أهداف مشتركة

الجماعة هي وحدة تتكون من فردين أو أكثر، يتفاعل بعضهم مع بعض تفاعلاً بناءً ذا معنى، لأنه يكون من أجل تحقيق هدف معين أو غرض معين. ففريق كرة القدم، مثلاً، يتفاعل أعضاؤه بعضهم مع بعض تفاعلاً بناءً، من أجل إحراز النصر.

د. تعريف الجماعة من خلال تنظيمها

الجماعة وحدة اجتماعية تتكون من مجموعة من الأفراد يكون لكل منهم دور معين فيها، ومركز خاص به. وتقوم هذه الوحدة بوضع القيم والمعايير، التي تنظم سلوك أعضائها فيما يختص بشؤون الجماعة على الأقل.

هـ. تعريف الجماعة بناءً على الاعتماد المتبادل لأفرادها

الجماعة مجموعة من الأفراد يشتركون في علاقات متبادلة تجعلهم يعتمدون بعضهم على بعض. وقد يكون هذا الاعتماد إيجابياً، عندما يؤدي تحرك الفرد لتحقيق أهدافه إلى تحقيق أهداف الآخرين (التعاون). وقد يكون هذا الاعتماد سلبياً، عندما يؤدي تحقيق الفرد هدفه إلى إعاقة وصول الآخرين إلى الهدف نفسه (التنافس).

و. تعريف الجماعة بناءً على التفاعل بين الأفراد

الجماعة مجموعة من الأفراد يتفاعل بعضهم مع بعض، وبناءً على هذا التفاعل تتميز الجماعة عن أي جماعة أخرى.

يمكن تعريف الجماعة بانها " وحدة اجتماعية تتكون من فردين أو عدد من الأفراد بينهم علاقة صريحة على النحو يسمح بأن يدرك الأنا الآخر كعضو في الجماعة ، و لكل فرد من أفراد الجماعة دوره الذي يؤديه "

 و الجماعة هي " وحدة اجتماعية تتكون من ثلاثة أشخاص فأكثر يتم بينهم تفاعل اجتماعي. وعلاقات اجتماعية وتأثير انفعالي ونشاط متبادل على أساسه تتحدد الأدوار والمكانة الاجتماعية لأفراد الجماعة وفق معايير وقيم الجماعة إشباعا لحاجيات أفرادها ورغباتهم وسعيا لتحقيق أهداف الجماعة دائما".

في كل اجتماع بشري يولد مبدأ سلطة، مبدأ امرة او قيادة، وتكون سياسة او سياسات للجماعات. بكلام اخر، اساس الجماعة الفرد، الانسان المضاعف اجتماعيا باخوانه وبني جلدته، المتكون اجتماعيا للاستقواء بالجماعة على مصاعب الوجود في البيئة الاجتماعية والبيئة الطبيعية، ومتاعب الوجود في العالم.

وهو حين يتقوى بالسياسة او التدبير، انما يصطنع اطارا مرجعيا لواقعة الجماعة، للوقائع الاجتماعية، ولاسباب استمرارها وتواصلها في التاريخ.

الجماعات اصناف شتى، لامجال لحصرها وتصنيفها الا بالاعتماد على المعايير المرجعية المعمول بها في تعريف الجماعة وتحديدها. ابرز هذه المعايير:

(حجم الجماعة ونوعية الروابط بين افرادها – مدى الانصهار الداخلي او مدى التباعد بينهم – ديمومة الجماعة).

في علم الاجتماع يستحسن استقراء مسارات الجماعات من زاويتين: الزاوية الارتقائية، والزاوية التاريخانية، ويمكن تناولها من زوايا العناصر المكونة لتفاعلاتها:

1 - من زاوية تاريخ علم الاجتماع، اهتم الباحثون والدارسون الاجتماعيون بما اسموه (الجماعات الصغرى) ذوات المصالح المشتركة (سكنى – هجرة – مدرسة – الخ) والخدمات المتبادلة والمنافع المحولة الى قضايا عامة.

2 – في المقابل، انشأ كورت لوين تقنية دينامية الجماعة، التي اعتمدها علماء النفس الاجتماعي المنتمون التى مدرسته.  وتعرف دينامية الجماعة بانها ”جموع القوى النفسية والاجتماعية المتعددة والمتحركة والفاعلة التي تحكم تطور الجماعة”. و يعرفها ( بونر ) " بأنها فرع من فروع علم النفس الاجتماعي يبحث في تكوين وبناء الجماعة وتغيرها عن طريق جهود أعضائها لإشباع حاجاتهم " . أما ( ليفين ) فهو يرى أن " الجماعة كل دينامي ، و هذا الكل الدينامي لا يساوي مجموع أجزائه أو أعضائه ، بل هو محصلة لصراع القوى المتمثلة في هذه الأجزاء ".

    هذا التعريف يأتي على أنقاض مجموعة من التفسيرات للظاهرة الاجتماعية و الجماعة منها بالخصوص ، سواء تلك التي ركزت على أن المجتمع هو مصدر تشكيل الفرد و قولبته أو تلك التي تقول بدور الارادة الواعية للفرد في تشكيل المجتمع، و أصبح التصور الدينامي أساس مهم في العلاجات النفسية ، لذلك سوف تتناول هذه المقاربة أهمية تماسك الجماعة ضمن الإطار النظري الدينامي .

في علم الاجتماع الفرنسي تصنف الجماعة الى :

جماعة اولى – جماعة انداد – جماعة مرجعية – جماعة منوالية – جماعة كامنة – جماعة منتظمة.

يقابل ذلك تصنيف في علم الاجتماع الامريكي يشتمل على:

جماعة اجبارية – جماعة تنازعية – جماعة ضابطة – جماعة رسمية – جماعة غير رسمية – جماعة اختبارية – جماعة هامشية – جماعة اولية – جماعة نفسية.

يتطابق المفهوم الانثروبولوجي للجماعةgroup مع المفهوم السوسيولوجي للمجتمع المحلي، اذ ان مفهوم الجماعة انثروبولوجياً هو مجموعة من الافراد، يربطهم رباط عام ثابث من العلائق الاجتماعية. ويمتازون عن غيرهم من الجماعات بطراز سلوكي جمعي خاص بهم، وبوجود درجة من التكامل الاجتماعي والاتصال المباشر، والالفة، وقدر من الشعور بالمصالح المشتركة بينهم واحساس بروح الجماعة .

الخصائص السيكولوجية للجماعة

يشير موشييللي إلى أن الجماعة تنبني على مجموعة من الخاصيات السيكولوجية الأساسية ويجملها في:

التفاعلات.

وجود أهداف مشتركة.

بروز مقاييس أو قواعد التصرف.

بروز بنية غير شكلية لنظام العواطف والود والنفور.

وجود انفعالات ومشاعر جماعية مشتركة .

وجود لاشعور جماعي.

إقامة توازن داخلي ونظام للعلاقات المستقرة مع محيطها

اكثر ما يعني به الباحثون هو تكوين الجماعة، أي دراسة الدوافع النفسية و الاجتماعية التي تؤدي بالافراد إلى تكوين الجماعات المختلفة، او العوامل المشجعة لهم على الانتماء إلى جماعات قائمة بالفعل، وتختلف تفسيرات الباحثين ليلك الدوافع، فيكتفي البعض بتقديم تفسيرات عامة، بينما يعني آخرون بتقديم تفسيرات نوعية لدوافع تكوين الجماعات، حيث تتضمن تفسيراتهم تصنيفات مختلفة للحاجات النفسية التي يشبعها الافراد من خلال عضويتهم في الجماعة.

من التفسيرات العامة، ماقدمه تيبوت وكيللى على سبيل المثال، وهو التفسير الذي يشير إلى ان الافراد ينضمون إلى الجماعات لاشباع حاجات خاصة، ولم يحدد في هذا التفسير، على نحو مفصل طبيعة تلك الحاجات، وان اكد الباحثان ان الفرد يقيم الاشباعات التي يحصل عليها من الجماعة في ضوء محكين رئيسيين هما:

محك المقارنة الشخصي

ويعني ان الفرد يحافظ على عضويته في الجماعة التي تحقق له الحد الأدنى من الإشباع كما يتصوره هو، أي بمقارنة الاشباعات بمحك شخصي، فإما ان يقنع الشخص بالاشباعات التي توفرها له الجماعة فيرضى عن الجماعة، او لا يقنع بما تمنحه من اشباع فينصرف عن الاشتراك فيها.

محك المقارنة بين البدائل

ويقصد به ان الفرد يقارن الاشباعات التي يحصل عليها من علاقة معينة، بكم ونوع الاشباعات التي يمكنه ان يحصل عليها من علاقة اخرى بديلة، و المسلم به ان الفرد يسعى إلى العلاقة التي توفر له اعلى مستوى من الإشباع، ويستمر في الحفاظ عليها، مالم تتوفق عليها علاقة بديلة مع جماعة اخرى في التفسيرات النوعية، عنى الباحثون بتصنيف مصادر التدعيم، او انواع الاشباعات التي تتيحها الجماعة للافراد، والتي تشجع على الانضمام اليها والحفاظ على عضويتهم فيها، ومنها صور الإشباع للدوافع او الحاجات النفسية التالية:

الحاجة إلى الانتماء.

التجاذب بين اعضاء الجماعة.

جاذبية نشاطات الجماعة واهدافها.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 18/تشرين الأول/2014 - 23/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م