السعودية وانفلات الاسنان الوهابية

حيدر الجراح/مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

 

في العام 2007 رفع الشيخ نمر باقر النمر عريضة الى امارة الشرقية ضمنها ديباجة في شؤون الحكم وما ينبغي ان يكون عليه الحاكم كي يستحق ولايته على المواطنين، وكان اهم ما تبتني عليه شرعية اي حاكم هي العدل والعدالة في ممارسته لوظيفته كحاكم.

من منطلق العدل والعدالة، تضمنت العريضة المشار اليها عدة مطالب عامة منها:

(العدالة والحرية العقائدية والفكرية - العدالة والحرية المهنية - العدالة والحرية الإقتصادية - العدالة والحرية السياسية - العدالة والحرية الإجتماعية - العدالة القضائية).

وحتى لاتبقى تلك المطالب تدور في الاطار العام وتضيع في العموميات، يقوم الشيخ النمر بتحديد مطالب دقيقة يراها مهمة وضرورية لتحقيق العدل والعدالة، منها:

التدوين والإقرار دستورياً للمذهب الشيعي - يحق لأي إنسان مسلمٍ وغيره أن يعتنق المذهب الذي يرتأيه - إلغاء كافة القوانين والنظم والتعميمات والإجراءات التي تتعدى أو تنتهك أو تُقصي المذهب الشيعي أو أتباعـه - بناء أضرحة أئمة البقيع عليهم السلام في المدينة المنورة - الإستقلال الكامل للمحاكم الجعفرية عن المحاكم الشرعية الكبرى، ومنعها عن التدخل في أي شأن من شؤون القضاء الشيعي - السماح بتشكيل مجلس للعلماء الشيعة تحت مسمى [ مجلس فقهاء أهل البيت ] يدخل في عضويته فقط كل من بلغ درجة الفقاهة، الإجتهاد - الإجازة لبناء المساجد والحسينيات والمراكز والمؤسسات الدينية - السماح للناس بممارسة جميع شعائرهم الدينية - إعطاء الشيعة حصة منصفة تتناسب ونسبتهم وكفاءتهم لبيان الأمور الدينية في الإعلام الرسمي بجميع أنواعـه - إعطاء الشيعة حصة منصفة تتناسب ونسبتهم وكفاءتهم في إمامة الصلاة في المسجد المكي والمسجد النبوي - فسح المجال للكتاب الشيعي بالدخول من الخارج والطباعة في الداخـل - إعطاء الشيعة حصة منصفة تتناسب ونسبتهم وكفاءتهم في المؤسسات التي تشرف عليها الدولة مثل رابطة العالم الإسلامي و كذا أخواتها الأخرى - إعطاء الشيعة حصة منصفة تتناسب ونسبتهم وكفاءتهم في ارتقاء المناصب العليا في الدولة مثل الوزراء وعضوية مجلس الشورى والسلك الدبلوماسي - إعطاء الشيعة حصة منصفة تتناسب ونسبتهم وكفاءتهم في إدارة تعليم البنات بدء بمديرة مدرسة فما فـوق - إعطاء الشيعة حصة منصفة تتناسب ونسبتهم وكفاءتهم في إدارة وارتقاء المناصب العليا في شركة أرامكو وغيرها من الشركات العائدة للدولة - إعطاء الشيعة حصة منصفة تتناسب ونسبتهم وكفاءتهم في فرص العمل وإدارته في جميع أجهزة الدولة ومرافقها ومؤسساتها - بناء مدينة جامعية في القطيف شاملة لكل التخصصات المهمة والضرورية التي يحتاج إليها الناس وسوق العمل - إعادة جميع الموظفين والعمال الذين فصلوا من أعمالهم بسبب الإعتقال في عام 1400هـ وما بعده - إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين - فرز الأمور والقضايا عن بعضها وعدم التعامل معها بشكل أمني دائماً - أن تقف الدولة على مسافة واحدة من جميع فئات المجتمع ومذاهبه.

رغم مرور سبع سنوات على تلك العريضة لم يتحقق من مطالبها شيء جوهري يذكر، رغم دعوات الاصلاح الخارجي او الداخلي، والضغوط التي مارستها الكثير من القوى الخارجية او الداخلية على العائلة الحاكمة، وعلى ارباب المذهب الوهابي وحراسه، والذين تطلق عليهم تسمية (الحمائيون) اي الذين يحمون هذا المذهب من دعوات النقد او المراجعة.

ورغم التبريرات التي يقدمها الطرفان (الحكام – الحمائيون) حول بعض الموانع التي تقف امام تسارع وتيرة الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المملكة الا ان الملاحظ ان تلك الممانعات هي بنية جوهرية في مرتكزات نظام الحكم او (الحمائيون)، يعود الى العام 1932 وهو عام قيام الدولة السعودية الثالثة بعد استحكام السيطرة على جميع المناطق التي تم اخضاعها بالقوة والعنف لصالح المذهب الوهابي، وتحوّل هذا العنف الى مفصل مهم من مفاصل سياسة الحكومة مع السكان من أجل بسط السيادة وإخضاع المناطق، وانعكس هذا العنف في مصادرة حرية الاعتقاد وإكراه السكان والمقيمين على التعبّد بطريقة محددة، وتكفير المخالفين، والدعوة الى استئصالهم والتحريض على القتل والتضييق على من لا يعتنق العقيدة الدينية الرسمية.

ويرى أحد الباحثين السعوديين، ان مواصفات مثل هذه الثقافة، أنها ثقافة أحادية، بمعنى أنها تفترض إمتلاك الحقيقة المطلقة، وأنها ثقافة إقصائية لمن خالفها، فهي لا تحترم الرأي المخالف حتى ضمن الدائرة الفكرية الواحدة، وضمن المذهب الواحد. وهي فوق هذا ثقافة تميل الى العاطفة أكثر من العلمية، وتنهج الى الشعار والحماسة وإلهاب عواطف الجمهور من أجل حشده وتحريكه، لا من أجل ترشيده، ولذا فهي تميل الى التحريض، وتميل الى التكفير، وهي أخيراً لا تفكّر كثيراً في العواقب السلبية، لا في المدى المنظور ولا البعيد.

ومن نوع عدم التفكير في العواقب السلبية في مداها القريب او البعيد، كان اصدار حكم القتل تعزيرا على صاحب المطالب في تلك العريضة المشار اليها وهي الشيخ نمر النمر، والذي بقي محتجزا في سجون النظام السعودي منذ العام 2012، وتوجيه عدة تهم له، دون النظر الى الاسباب القائمة والتي قادته الى موضع الاتهام، في وقت يجادل القائمون على الحكم في السعودية، وهم يبتكرون الذرائع والتبريرات للجماعات الارهابية من مثل القاعدة وداعش، ويعيدون اسباب التطرف والعنف الى الاقصاء والتهميش، ويبررون لتلك الحركات اعمال العنف والدفاع عنها وان بطريقة غير رسمية، والتجربة العراقية ماثلة في الاذهان طيلة احد عشر عاما، وموقف السعوديين المعروف من دعم السنة ضد الشيعة، وفي سوريا كذلك ومطالبتهم برحيل بشار الاسد من اجل مشاركة سنية اوسع في ادارة الدولة السورية.

الحكم بالقتل تعزيرا ضد الشيخ النمر، وفي ظل هذه الظروف التي تتعالى فيها حراب الاقتتال السني الشيعي، هي دعوة مفتوحة لصب المزيد من الوقود على النار المشتعلة، واعلان حرب صريح ضد الشيعة في السعودية.

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 16/تشرين الأول/2014 - 21/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م