الحوزة العلمية ومخاطر التشويه السلطوي

 

شبكة النبأ: من الامور الواضحة للمتابعين كافة، أن الحكومات أو الانظمة السياسية، تحاول بأقصى ما تستطيع أن تضمن تأييد الجماهير لها، لأن الأخيرة تشكل خطورة كبيرة على النظام السياسي، في حالة إهماله لحقوقها المشروعة، وكلنا نتفق تقريبا على أن إهمال الشعوب هو الاسلوب الدائم للانظمة السياسية الجائرة، ونعني بها، تلك الانظمة التي تسيطر على الحكم بالقوة الغاشمة عبر الانقلابات العسكرية، ومن ثم السيطرة على مقاليد الحكم، بعيدا عن صناديق الاقتراع التي تمثل رأي وصوت الشعب، ولكن عندما يضمن النظام الحاكم صمت الجماهير، عبر اساليب عديدة ومتنوعة، فإنه عند ذاك يطمئن على قضية أساسية في حياة الحكام المستبدين، وهي وجوده في العرش لفترة أطول، ويضمن ايضا تمتعه المتواصل بالامتيازات الكبيرة للسلطة.

من جانب آخر هناك علاقة وطيدة بين الحوزات العلمية وبين الناس، وغالبا ما تشعر الحكومات، أن الحوزة العلمية تنافسها في التأثير على الجماهير، وهو امر قائم على الارض، بمعنى ان الحوزة العلمية هي المؤسسة المستقلة الأكثر تأثيرا في الجماهير، لأسباب كثيرة تم توضيحها في مقالات سابقة، وهذا التأثير الحوزوي يشكل مصدر قلق كبير ودائم للسلطات، وللانظمة السياسية غير العادلة، ومن البديهي القول ان الانظمة التي تنصف الجماهير تكون على علاقة متوازنة مع الحوزات العلمية.

ولكن المشكلة الكبرى تقع بين النظام السياسي الظالم وبين الحوزة العلمية، بسبب قدرة الاخيرة على التأثير الكبير في رأي وتوجهات ومسارات الشعوب، وهذا ما لا ترضاه الحكومات ولا تحبذه، لانه يمثل مصدر خطر دائم عليها، وخوف دائم من فقدانها للسلطة وامتيازاتها، من هنا تبحث الحكومات الفاسدة عن سبل وطرائق متعددة لتعكير العلاقة بين الحوزات العلمية والجماهير، والهدف هو تقليل تأثير الحوزة في الناس، حتى تصبح الحكومات في مأمن من السقوط، فهذا هو الهدف الأهم للانظمة السياسية الظالمة.

عند ذاك لا تجد الحكومات بدّا من بذل المزيد من المحاولات لإضعاف العلاقة المصيرية بين الشعب والحوزة العلمية، فتلجأ الحكومات الظالمة الى اسلوب خبيث، يقوم على التشويه ولصق التهم الباطلة بالحوزات العلمية، عبر طرق وأساليب رخيصة ومفضوحة في وقت واحد، لذلك لا تدّخر الانظمة السياسية جهدا في هذا المجال، ولا تترك سبيلا يساعدها على تشويه الحوزات العلمية إلا واستندت عليه، وهي تبذل المزيد من الجهد الخبيث المخطط له في هذا المجال، وتبذل المزيد من الاموال، حتى تعكّر صفو العلاقة بين الحوزة العلمية والشعب.

ومن بين أساليب التشويه والتهم الباطلة التي تعتمدها الحكومات الظالمة في مجال محاربتها للحوزات العلمية، هناك مساران هما الاكثر اعتمادا للحكومات في هذا المجال، المسار الأول عندما تحاول الحكومات والانظمة الحاكمة لصق تهمة العمالة بالحوزة، وهو اسلوب معروف لجأت إليه حكومات معروفة بتعلقها بالسلطة وامتيازاتها على حساب الناس، كما لاحظنا ذلك في العراق وايران مثلا.

فقد لجأت بعض الحكومات في هذين البلدين المسلمين، الى اسلوب اتهام الحوزات العلمية ومرجعياتها بالعمالة للغرب مثلا او للدول الكبرى، والهدف كما ذكرنا هو تشويه سمعة الحوزات العلمية، ومحاولة التقليل من مكانتها في نفوس وعقول الطبقات الاجتماعية الواسعة من المجتمع، ثم محاولة نسف العلاقة بينها وبين الجماهير الواسعة التي تأخذ توجيهاتها الصحيحة مباشرة من الحوزة العلمية، وغالبا ما تلتزم الجماهير بهذه التوجيهات التي غالبا ما تزيد من الوعي الشعبي، وتضاعف من حالات الانتباه والحذر من الحكومات المستبدة التي لا تدخر جهدا في التجاوز على الحقوق والحريات الفردية والجماعية.

وعندما تصف الحكومات الحوزة العلمية بالعمالة لهذا الطرف او ذاك، فإنها تبذل كل ما في وسعها بجعل حالة التشويه المزيفة تظهر للجماهير وكأنها حقيقية، ولكن هناك براهين تاريخية تثبت بالأدلة القاطعة، أن الحوزة العلمية الشريفة هي اول من دعا الى الثورة على القوى الكبرى المحتلة لاوطان المسلمين، فضلا عن الادلة الاخرى الكثيرة، فكيف تكون تابعة او عميلة لها؟!، من هنا يفشل هذا الاسلوب التشويهي المزيّف الذي لا يؤثر في العلاقة المتينة بين الناس والحوزات العلمية، ومع ذلك لا تكفّ الحكومات القمعية من محاولاتها في هذا المجال، فتبحث عن اساليب اخرى تحاول من خلالها الاساءة للحوزات العلمية.

مثال ذلك المسار الثاني من التشويه، يتمثل بلصق الرجعية بالحوزات العلمية، إذ تبذل الانظمة السياسية الفاسدة جهدا كبيرا في ها الجانب، عندما تركّز عبر أبواقها وأدواتها الاخرى بوصف الحوزات العلمية ورجالها بالفكر الرجعي، وهو امر غالبا ما يكون مصيره الفشل ايضا، كونه لا صحة له في الواقع، ولا يجد دعما أو أسانيد مأخوذة فعليا او فكريا من الانشطة المتنوعة للحوزات العلمية، القائمة على التنوير ورفع مستوى الوعي لعموم الناس، الامر الذي يتناقض مع ما تذهب إليه الانظمة الظالمة، فالحوزات هي اول من يبادر الى زرع الفكر الانساني الواعي المتنور في عقول الناس المقلدين لها، وهي اول من يدعو الى التوازن والاعتدال في الفكر والسلوك، وغير ذلك من انشطة فكرية ودينية وعملية، ترفع من مكانة الانسان وحرمة التجاوز على حقوقه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 15/تشرين الأول/2014 - 20/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م