الجزائر... بين عجز بوتفليقة وتحديات الإرهاب

 

شبكة النبأ: الشعب الجزائري ما زال يتذكر الحرب الاهلية التي دفع لها ثمنا باهظاً، أكثر من 200 ألف انسان ذهبوا ضحية الحرب بين الجيش وجماعات إسلامية متطرفة "بدأت عام 1992 عقب إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية لعام 1991، والتي حققت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ الفوز، ولمخاوف الجيش من سيطرة الإسلاميين على السلطة، تدخل الجيش لإلغاء الانتخابات التشريعية في البلاد، واستمر الصراع حتى عام 2002 بعد اعلان المصالحة الوطنية"، والتي هددت النسيج الاجتماعي من الداخل، وادخلت الجزائر في دوامة من الفوضى استمرت حتى بعد انتهاء الحرب الاهلية لسنوات طويلة، وهو الامر الذي مهد الطريق لصعود بوتفليقة الى السلطة وتغيير الواقع الامني والاقتصادي المتردي، بواقع افضل.

هذا الامر حد بالكثير من المواطنين في الجزائر على اعتبار بوتفليقة الشخص المنقذ، وتم انتخابه لولاية رابعة بأغلبية كبيرة، على الرغم من كونه شبه عاجز عن أداء مهامه الرئاسية، فضلا عن صعوبة الحركة والنطق، وعلى الرغم من رفض الأحزاب والجماعات المعارضة استمرار سيطرة بوتفليقة واعوانه على الحكم في الجزائر من دون افساح أي مجال للقوى الأخرى من اخذ دورها الطبيعي.

وتعيش الجزائر اليوم تداعيات امنية خطيرة، قد تهدد استقرارها الداخلي، فبموقعها الافريقي المميز "تطل شمالا على البحر الأبيض المتوسط ويحدها من الشّرق تونس وليبيا ومن الجنوب مالي والنيجر ومن الغرب المغرب والجمهورية العربية الصحراوية وموريتانيا"، جعلها من الدول المرشحة لعبور المقاتلين الأجانب نحو اوربا او لتنفيذ هجمات محتملة ضد المصالح الغربية، بحسب التحذيرات التي أطلقتها الولايات المتحدة الامريكية مؤخرا، والتي اكدت فيها "إلى دعوة داعش أتباعه لمهاجمة الأجانب أينما كانوا والتي جاءت بعد أن رفضت الولايات المتحدة إيقاف ضرباتها الجوية ضدها في العراق، وشددت المذكرة على أن المناطق المحتملة في هذا الإطار هي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا وآسيا، وشملت التحذيرات في قارة إفريقيا تنظيمات (القاعدة في المغرب، تنظيم المرابطين، تنظيم حركة التوحيد، الجهاد في غرب إفريقيا) والتي تنشط حسب المذكرة على مدى محدود في مالي، مشيراً إلى أن معظم هذه الجماعات أجبرت على الهجرة إلى جنوب الجزائر وجنوب غرب ليبيا وتونس بعد التدخل الفرنسي في مالي، وحذرت من أن المتطرفين يمكن أن يستخدموا أسلحة تقليدية أو غير تقليدية ويستهدفون مصالح رسمية وخاصة بما فيها فعاليات رياضية هامة، والمناطق السكنية، ومكاتب تجارية، وفنادق، ومنتديات، ومطاعم، وأماكن للعبادة، ومناطق عامة، ومراكز تسوق، وعرضت المذكرة تحذيرا من أن الحكومات الأوربية تعتقد بإمكانية ازدياد الهجمات الإرهابية في أوروبا بعد عودة الأوروبيين المنخرطين في صفوف داعش إلى بلدانهم من العراق وسوريا.

وهذا زاد قلق الحكومة الجزائرية من الاضطرابات الأمنية المتاخمة لحدودها، بعد تنامي الحركات المتطرفة والتنظيمات الجهادية في ليبيا والنيجر ومالي وتونس، إضافة الى الحركات المتطرفة داخل الجزائر، والتي كان من نتائجها قطع رائس الرهينة الفرنسي (سائح) على يد جند الخلافة في ارض الجزائر "مجموعة اسلامية متطرفة يتزعمها خالد ابو سليمان، ظهرت في نهاية اب/أغسطس، واعلنت فيه انشقاقها عن تنظيم القاعدة وفرعها في بلاد المغرب الاسلامي وانضمامها لتنظيم الدولة الإسلامية".

ووسط هذه الأجواء المشحونة مازال المواطنون يتساءلون عن دور بوتفليقة الغائب عن المشهد الحالي، وإمكانية حفاضة على امن واستقرار الجزائر في ظل التهديدات الأمنية المتنامية في الجزائر ومحيطها، خصوصا مع وجود الخلافات والصراعات التي باتت تعصف بالمقربين والموالين للرئيس الجزائري، إضافة الى مطالبة المعارضة بالتغيير والإصلاحات.   

ظهور بوتفليقة

في سياق متصل استقبل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الذي تسري شائعات حول تدهور حالته الصحية، الدبلوماسي الدولي وزير الخارجية الأسبق الأخضر الإبراهيمي، بحسب لقطات بثها التلفزيون الحكومي، وبدا بوتفليقة مرتديا بزة قاتمة اللون وجالسا مع الإبراهيمي في اجتماع، قال التلفزيون إنه دام "قرابة الساعتين"، وظهر فيه الرئيس وهو يحرك يده اليمنى ويتحدث مع ضيفه بصوت بدا خافتا، ولدى خروجه من اللقاء قال الإبراهيمي الذي عين مؤخرا عضوا في لجنة الحكماء في الاتحاد الأفريقي، إن "الهدف الأول كان معايدة الأخ الرئيس بوتفليقة وسعدت أنني وجدت صحته تتحسن باستمرار"، وأضاف في تصريح للصحافيين "تكلمنا مطولا في هموم منطقتنا الكثيرة، بدءا بمالي حيث تقوم الجزائر بدور رئيسي في العمل المشترك مع دول أخرى لمساعدة مالي على حل مشاكلها".

وتابع الإبراهيمي أن البحث تناول أيضا "ليبيا وسوريا واليمن وأيضا علاقات البلاد مع دول أخرى"، وغاب بوتفليقة (77 عاما) عن صلاة عيد الأضحى، كما لم يحضر صلاة عيد الفطر قبل شهرين، وهما مناسبتان يحرص كل الرؤساء الجزائريين على حضورهما، ومنذ إعادة انتخابه في نيسان/أبريل الماضي، لم يظهر الرئيس الذي أصيب بجلطة دماغية قبل سنة، إلا لماما في التلفزيون، وكانت المرة الأخيرة في 21 أيلول/سبتمبر عندما ترأس اجتماعا مخصصا للشأن الأمني على الحدود مع ليبيا ومالي وتونس خصوصا. بحسب فرانس برس.

وكانت الصحف الجزائرية قد واوردت في وقت سابق ان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي ادى اليمين الدستورية لولاية رابعة، فشل في هذا الامتحان الاجباري، ما جعل التساؤل يطرح مجددا حول قدرته على القيام بمهامه، وأدى بوتفليقة (77 سنة) اليمين مكررا القسم وراء رئيس المحكمة العليا سليمان بودي بصوت خافت لا يكاد يسمع وهو جالس على كرسي متحرك ويده اليمنى على القرآن الكريم، ثم قرأ خطابا مقتضبا مع صعوبة في النطق، وكتبت صحيفة الوطن في افتتاحيتها ان "بوتفليقة فشل في الامتحان الشفهي" مضيفة ان الرئيس "غير قادر على الحركة بسبب المرض واضطر لبذل مجهود كبير لاجتياز هذا الامتحان الكبير والمرهق"، وقبل عام اصيب بوتفليقة بجلطة دماغية اقعدته في مستشفى فال دو غراس العسكري بباريس قرابة ثلاثة اشهر.

واشارت الوطن الى ان "الجزائريين الذين تابعوا على شاشة التلفزيون تلك اللحظات الماساوية، تالموا من اجل الجزائر وهم يشاهدون صورا غير مطمئنة حول الحالة الصحية لبوتفليقة الذي سيحكم البلاد خلال الخمس سنوات المقبلة"، وافتتحت صحيفة الخبر صفحتها الاولى بعنوان كبير "خطاب لم يكتمل" لرئيس "تخطى امتحان قراءة 94 كلمة بصعوبة"، واضافت الصحيفة ان "المشهد انتهى بعجز صاحب العرس عن قراءة خطاب قدمه موالون للرئيس للصحافة قبل انطلاق الحفل على انه الدليل بان بوتفليقة يحكم بعقله وليس برجليه، فكان الدليل القاطع على ان الرئيس غير قادر على اداء مهامه"، وتحدثت صحيفة "ليبرتي" عن "مراسم سريعة" مشيرة الى ان بوتفليقة "لم يقرأ سوى مقدمة خطابه (المتكون من 12 صفحة) وانه خلط بين الاستفتاء والاقتراع".

من جانبها اعتبرت صحيفة "لوكوتيديان دوران" ان حفل تادية اليمين "اعادنا مرة اخرى الى السؤال المقلق حول قدرة الرئيس على القيام فعلا بمهامه"، وكتبت الصحيفة "يمكن للنظام ان يطمئن بان كل شيء على ما يرام لكن النقاش الطبي (حول الوضع الصحي للرئيس) سيستمر بتشعباته السياسية"، واعيد انتخاب عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة بنسبة 81% من الاصوات، في انتخابات 17 نيسان/ابريل التي اعتبرها معارضوه مزورة.

أين الرئيس

الى ذلك ومنذ عودته من فرنسا حيث قضى فترة نقاهة دامت ثلاثة أشهر إثر تعرضه لجلطة دماغية في مارس/آذار 2013، لم يطل عبد العزيز بوتفليقة على الساحة الجزائرية إلا قليلا، فعدا ظهوره لأداء اليمين الدستورية في نهاية أبريل/نيسان 2014 بعد انتخابه رئيسا جديدا للجزائر وترأسه لبعض جلسات الحكومة، غاب الرئيس الجزائري عن المواعيد الوطنية والدولية الهامة، مكلفا وزيره الأول عبد المالك سلال بتمثيله في المحافل الدولية، لكن هذا الغياب المتكرر بات يثير قلق أحزاب المعارضة التي دعت من جديد إلى تفعيل المادة 88 من الدستور والتي تقر بفراغ في السلطة، يستوجب تعيين رئيس انتقالي ثم تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، وتقول أحزاب المعارضة أن بوتفليقة ليس هو الحاكم الحقيقي في الجزائر منذ دخوله مستشفى "فال دو غراس" الباريسي وإنما المقربين منه، كأخيه الأصغر سعيد ووزير الدفاع قايد صالح.

وحذرت نفس الأحزاب من "الجمود السياسي" الذي يمكن أن تعيشه مؤسسات الدولة ومن "الأخطار التي يمكن أن تهدد مستقبل الجزائر" في حال استمر غياب بوتفليقة لوقت طويل، لكن مناصري الرئيس الجزائري، وعلى رأسهم الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعيداني الذي رد بنوع من السخرية على انتقادات المعارضة قائلا: "من يريد الإطاحة بالرئيس بوتفليقة، فما عليه إلا أن ينتظر خمس سنوات"، وهي الفترة المحددة لنهاية عهدة بوتفليقة الرابعة، من جهته قال عمار غول رئيس حزب "تاج" الموالي للرئيس إن نقاش المعارضة عقيم بما أن "مؤسسات الدولة تسير بشكل عادي وهذا هو الأهم".

أكثر من ذلك، أكد غول الذي يشغل أيضا منصب وزير المواصلات "أن بوتفليقة يعمل ليلا ونهارا وأنا شاهد على ذلك"، مضيفا أن "انتقادات المعارضة لا أساس لها من الصحة"، لكن رغم ما يقوله الموالون لبوتفليقة، إلا أن تساؤلات شرعية أصبحت تفرض نفسها على الساحة السياسية الجزائرية، خاصة وأن الجزائر تمر بأوقات عصيبة من الناحية الأمنية، فبعد مقتل السائح الفرنسي إيرفيه غورديل مثلا، بقي بوتفليقة صامتا ولم يحرك ساكنا، فالوزير الأول عبد المالك سلال هو الذي قام بتنسيق العمليات مع فرنسا وتحدث هاتفيا مع الرئيس هولاند، ونفس الشيء أيضا عندما تم إلغاء الاحتفالات التي كانت مقررة خلال عيد الاستقلال في 5 يوليو/تموز بالجزائر بسبب صحة بوتفليقة المتدهورة، الرئيس الجزائري اكتفى فقط بوضع باقة من الزهور على "مقام الشهيد" بالعاصمة، هذا وتشير معلومات إلى إمكانية إلغاء مراسم افتتاح السنة القضائية لـ2014 والتي غاب عنها بوتفليقة منذ 2011؟ ويبقى السؤال "أين هو بوتفليقة"؟

طموحات رئاسية

بدوره اتخذ الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة قرارا بالغ الاهمية ابعد بموجبه عن الحياة السياسية والحزبية مستشاره الخاص عبد العزيز بلخادم، الشخصية المرموقة التي لم تخف طموحها لخلافته، ولا تترك عناوين الصحف اي شك حول ابعاد القرار غير المسبوق، فقد كتبت "لوسوار دالجيري" "بوتفليقة يبعد بلخادم"، و"الوطن" "إقصاء بلخادم" و"الشروق" "بوتفليقة انهى مهام بلخادم من كل المسؤوليات في الدولة"، اما "الحرية" فكان عنوانها "قرار مفاجئ بطعم العقوبة والتحذير والابعاد"، وقد اعلن عن اقصاء هذه الشخصية المرموقة مصدر في الرئاسة نقلت اقواله وكالة الانباء الجزائرية، بينما كان الرئيس يترأس اجتماعا لمجلس الوزراء، وقال المصدر ان بوتفليقة "أنهى بموجب مرسوم، مهام عبد العزيز بلخادم بصفته وزير دولة، ومستشارا خاصا لدى رئاسة الجمهورية"، وأضاف المصدر ان "قرار إنهاء المهام يشمل كذلك كل أنشطة بلخادم ذات العلاقة مع هياكل الدولة".

واوضح المصدر ان بوتفليقة طلب من "الأمين العام لجبهة التحرير الوطني عمار سعداني اتخاذ الإجراءات الضرورية لوضع حد لبلخادم داخل الحزب ومنعه من المشاركة في أي نشاط داخل الهياكل الحزبية"، ولم يتسن على الفور اي تفسير لهذا القرار المفاجئ، لكن الصحافة تقول ان بلخادم اقيل "لانه ارتكب اخطاء كبيرة"، وتؤخذ عليه مشاركته من دون موافقة الرئاسة في افتتاح الجامعة الصيفية لكوادر حزب جبهة التغيير الاسلامي في حضور شخصيات من المعارضة، وخصوصا علي بن فليس ابرز منافسي بوتفليقة الى الانتخابات الرئاسية في نيسان/ابريل، كما ذكرت صحيفة "الشروق" نقلا عن مصادر حكومية، ولم يخف بلخادم، الاسلامي المحافظ الذي تلقبه الصحافة "لحية جبهة التحرير الوطني"، طموحاته لخلافة بوتفليقة لو لم يترشح لولاية رابعة في نيسان/ابريل الماضي. بحسب فرانس برس.

وبلخادم شخصية سياسية رفيعة المستوى في الجزائر، بعدما دخل المعترك السياسي في 1977 نائبا في الجمعية الوطنية الاولى ابان حكم جبهة التحرير الوطني الحزب الواحد السابق، وكان رئيسا للجمعية الوطنية لدى فوز جبهة الانقاذ الاسلامية (منحلة) في اول انتخابات تشريعية تعددية في البلاد العام 1991، واغرق إقدام العسكريين على الغاء تلك الانتخابات، الجزائر في أتون حرب اهلية استمرت عقدا وحصدت 200 الف قتيل، وكان بلخادم اعلن آنذاك تأييده متابعة العملية الانتخابية، فانهالت عليه الانتقادات من قادة الجيش، وفي اعقاب متاهة استمرت حوالى ثماني سنوات، اعاد بوتفليقة لدى وصوله الى الحكم في 1999، الاعتبار الى بلخادم الذي سيصبح موضع ثقته من خلال منحه مسؤوليات كبيرة، فقد عينه وزيرا للخارجية من 2000 الى 2005 وممثلا شخصيا للرئيس من 2005 الى 2006 واخيرا رئيسا للحكومة من 2006 الى 2008.

وفي 2005، تسلم مقاليد جبهة التحرير الوطني بعد سقوط الامين العام السابق ورئيس الوزراء السابق علي بن فليس، نتيجة خلاف بين انصاره وانصار الرئيس بوتفليقة الذين كانوا يتنازعون السيطرة على الحزب تمهيدا للانتخابات الرئاسية في 2004، وفي نيسان/ابريل 2012، بدأت نكسات بلخادم عندما طالبت اكثرية من اعضاء اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني باستقالته، متهمين اياه بأنه يريد الاحتفاظ بسيطرته على الحزب، استعدادا للانتخابات الرئاسية في نيسان/ابريل 2014، وقال منتقدوه الكلمة الاخيرة عبر ابعاده عن رئاسة الحزب الذي يتولى فيه بوتفليقة منصب الرئيس الفخري، وذلك خلال اجتماع صاخب اواخر كانون الثاني/يناير 2013، اما تعيينه مستشارا خاصا للرئيس في منتصف اذار/مارس، قبيل انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية في 17 نيسان/ابريل التي فاز بها بوتفليقة، والذي اعتبر مثابة نهاية لهزيمته، لم يكن في نهاية المطاف سوى استراحة وجيزة استفاد منها بلخادم قبل القضاء على طموحه الرئاسي، وبحرمانه من الهيئة الناخبة لجبهة التحرير الوطني، سيواجه بلخادم صعوبة في خوض اي معركة انتخابية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/تشرين الأول/2014 - 18/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م