سيادة

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: بعد العام 2003 وما حدث في العراق، لم نستطع اجبار قوة الاحتلال الامريكية على تنفيذ برنامج عمل واحد يشبه مشروع مارشال الاوربي بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت الفرصة متاحة، ولم تستطع (المقاومات) باشكالها وانتماءاتها المتعددة ان تضع لنفسها وللعراق برنامج عمل للبناء والتغيير، واكتفت بسيمفونية السيادة الوطنية التي يراق الدم على جوانبها الشريفة.

قبل العام المذكور، ابتليت شعوب بلداننا العربية بانظمة حملت لواء الدفاع عن السيادة الوطنية، وعن الوقوف بوجه قوى الاستعمار والاستكبار والاستحمار والصهيونية، وقوى العمالة والسفالة والخونة والمتامرين دفاعا عن الشرف الرفيع للمصونة (السيادة الوطنية)، والتي كانت تعني الاستقلال عن الدول المستعمرة، وتبادل السلطة بعد ذلك ولو حتى عن طريق الانقلابات العسكرية.

في الحاضر الراهن، في سوريا وفي اليمن وفي مصر وفي لبنان وفي العراق وفي ليبيا، في اي مكان من جغرافية بلداننا العربية، لا زال شعار السيادة الوطنية عاليا خفاقا، يرفعه الجميع بوجه الجميع.

بعد (نكسة – مؤامرة – هزيمة – اندحار – انكسار) الجيش العراقي في الموصل وما تبع ذلك من مناطق اخرى تشكل اكثر من ثلث مساحة العراق، وبعد عمليات القتل والتهجير للعديد من الاقليات، وبعد تدخل العالم على مستوى المساعدات الانسانية ومساعدة المهجرين واللاجئين، جاء دور التدخل العسكري، وعاد الجميع ليعزف سيمفونية السيادة الوطنية ضد التدخلات الخارجية لمحاربة داعش والمجاميع الارهابية الاخرى، وكلها من دول قد فقدت سيادتها منذ زمن طويل وانتهكت عذريتها ولم يسلم شرفها الرفيع من الاذى.

في العراق، تعلو هذه النبرة من الجميع الذين ساهموا في تكريس الخراب وتمكين الفساد في كل زاوية من زوايا هذا البلد الذي اسمه العراق.

ما هي السيادة؟

(سُلْطة - هيمنة وغلبة - سيطرة - حرّيّة التَّصرُّف).

(سِيادَةُ البَلَدِ : رِفْعَتُها، سُلْطَتُها، مَجْدُها).

(دَوْلَة ذات سيادة: دولة مستقلّة).

والسيادة، السيادة هو مبدأ القوة المطلقة غير المقيدة.

وهي سلطة سياسية مستقلة ويخاف البعض من فقدانها إذا ما التحق بلدهم ببعض التنظيمات كالمجموعة الأوربية. وتعني الكلمة أيضا تمتع شخص بسلطة مطلقة كأن يمنح مجلس وطني سيادة وصلاحيات مطلقة.

وتشمل السيادة على سلطة الدولة المطلقة في الداخل و استقلالها في الخارج، وتمتلك الدولة سلطة الهيمنة فوق أقليتها وأفرادها وأنها مستقلة من اي سيطرة خارجية والسيادة أعلى درجات السلطة.

والحكومة هي السلطة التي تمارس السيادة في الدولة لحفظ النظام وتنظيم الأمور داخليا وخارجيا والحكومة كبنية هي أجهزة ومؤسسات الحكم في الدولة التي تقوم بوضع القواعد القانونية وتنفيذها وتفصل في نزاعات الأفراد مشتملة على أعمال التشريع والتنفيذ والقضاء.

يستخدم مصطلح السيادة بصورتين مختلفتين -وإن ظلتا مترابطتين- للإشارة إلى السيادة الداخلية والسيادة الخارجية، ففي حين ترتبط الثانية بوضع الدولة في النظام الدولي ومدى قدرتها على التصرف ككيان مستقل (مفهوم السيادة الوطنية أو الدولة ذات السيادة)، فإن السيادة الداخلية تشير إلى القوة أو السلطة العليا داخل الدولة ممثلة في الهيئة صانعة القرارات الملزمة لكافة المواطنين والجماعات والمؤسسات داخل حدود الدولة.و ترتبط السيادة الداخلية بهذا المعنى الداخلي بمفاهيم مثل (السيادة البرلمانية) و(السيادة الشعبية).

ظهر مفهوم السيادة في القرنين السادس عشر والسابع عشر كنتيجة لتطور الدولة الحديثة "القومية" في أوروبا. فمع تراجع سلطة المؤسسات عبر القومية ممثلة في الكنيسة الكاثوليكية والإمبراطورية الرومانية، تمكنت الملكيات المركزية الطابع في فرنسا وإنجلترا وأسبانيا وغيرها من إدعاء امتلاك القوة المطلقة على أقاليمها تحت مسمى "السيادة". واستخدمت كتابات جان بودان وتوماس هوبز مفهوم السيادة كتبرير للنظم الملكية المطلقة. فوفقا لبودان، لا يتجاوز القانون كونه تعبيرا عن إرادة صاحب السيادة التي ينبغي أن يخضع لها الجميع. إلا أن بودان وافق على تقييد الملكية المطلقة بإرادة الله أو القانون الطبيعي. في المقابل، عرف هوبز السيادة بأنها احتكار قوة الإرغام ودعا إلى تركيزها في يد حاكم واحد دون أن ينازعه فيها أي طرف. ووارتكن كل من بودان وهوبز في تبرير السيادة الداخلية- وفق تصورهما - إلى ضرورة ذلك لحماية النظام والاستقرار، لاسيما هوبز الذي خير المواطنين بين الملكية المطلقة والفوضى المطلقة. وقد ظهرت تصورات أخرى للسيادة في فترات لاحقة: فمثلا طرح روسو تصورا للسيادة "الشعبية" ممثلة في فكرة الإرادة العامة وهو ما يعني ربط السيادة بالديمقراطية. كما قدم جون أوستن مذهب السيادة البرلمانية أو "البرلمان صاحب سلطات الملك، أي ربط السيادة بالدستورية.

ينطلق (إيزمان) في تعريفه للسيادة من الدولة التي يرى بأنها تشخيص قانوني للأمة وعنده أن الذي يجعل من الأمة دولة هو توافر السلطة العامة التي تعلو إرادات أعضاء هذه الأمة، ولا توجد فوقها سلطة تخضعها لها، وينتهي الى أن السلطة العليا في المجتمع السياسي هي التي لا توازيها أو تماثلها سلطة أخرى، وهي حسب وجهة نظرها السلطة التقديرية المطلقة.

في حين يرى كاري دي مالبرغ بأن السيادة لها معنى سلبي يتمثل في إنكار كل مقاومة أو قيود على السلطة العامة، فالسيادة وفقا لرأي هذا الفقيه صفة أو هي إحدى خصائص السلطة العامة التي بموجبها لا ترضى بأي حال وجود سلطة أخرى فوقها.

أما "لي فير "فيعرفها بأنها صفة في الدولة تمكنها من عدم الالتزام والتقيد إلا بمحض إرادتها في حدود المبدأ الأعلى للقانون وطبقا للهدف الجماعي الذي تأسست لتحقيقه.

أما "دابان " فيعرفها بقوله أن الدولة تكون ذات سيادة في مواجهة الأفراد والجماعات الخاصة والعامة التي تعيش أو تعمل داخلها، فهي المجتمع السامي الذي يخضع له الأفراد والجماعات.

إلا أن الملاحظ أن جميع الاتجاهات السابقة رأت إمكانية - بل ضرورة- تركيز السيادة في هيئة أو كيان معين (الملك أو الإرادة العامة أو البرلمان)، وهو ما يفسر تزايد الانتقادات الموجهة ضد هذه التصورات " التقليدية" للسيادة في ضوء عدم تماشيها مع النظم التعددية الديمقراطية القائمة على شبكات معقدة من علاقات الرقابة والتوازن. فمبادئ الديمقراطية الليبرالية تتناقض جوهريا مع مفهوم السيادة إذ تدعو هذه المبادئ عدم تركيز القوة وتوزيعها بين عدد من المؤسسات لا تستطيع إحداها إدعاء السيادة. ويظهر ذلك بوضوح في النظم الفيدرالية القائمة على التشارك في السيادة  مع ما يقتضيه ذلك من توازنات. وعلى خلاف الوضع بالنسبة للسيادة الداخلية المتقادمة نتيجة للتطورات الديمقراطية، فإن قضية السيادة الخارجية أضحت أكثر أهمية. فالعديد من الخلافات الأكثر عمقا في العالم المعاصر (مثل الصراع العربي الإسرائيلي والخلافات في يوغوسلافيا السابقة) ترجع أسبابها-في نسبة كبيرة منها- إلى مطالب متعارضة لفرض السيادة على أقاليم معينة. كما أن مفهوم السيادة الخارجية أصبح يعبر عن مبدأ الاستقلال الوطني. فالدولة ذات السيادة هي وحدها التي يستطيع مواطنوها تحديد وجهتها ومصيرها وفقا لاحتياجاتهم ومصالحهم. ومن ثم يضحي التفريط في السيادة مرادفا للتنازل عن حرية المواطنين، وهو ما يفسر الحساسية الشديدة تجاه أي مساس بالسيادة الخارجية أو الوطنية ،و التمسك بالدفاع عنها.و عادة ما يشار إلى الجاذبية الكامنة في الأيدلوجيات القومية وقدرتها على اجتذاب الأنصار والمؤيدين كدليل على ذلك. إلا أن ثمة انتقادات أخلاقية ونظرية موجهة لمفهوم السيادة الخارجية. فمن الناحية الأخلاقية، يمثل مفهوم السيادة الخارجية حاجزا يحول دون التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى حتى حال انتهاك هذه الدول الحقوق الطبيعية لمواطنيها. وتنبع المشكلات النظرية من عدم تلاؤم مقولة الدول المستقلة ذات السيادة مع الواقع وما يشهده من تزايد الاعتماد المتبادل. فالعولمة مثلا تعني- في أحد أبعادها- انتهاء عصر السيادة السياسية مع تقليص نطاق السيادة القانونية.

هناك عدة معان للسيادة وهي:

الأول: السيادة القانونية: والذي يمتلك هذه السيادة وصاحبها أن يكون شخص أو هيئة خولها القانون سلطة ممارسة السيادة.

 الثاني: السيادة السياسية: وفقا للنظم الديمقراطية أن القوة التي تكفل تنفيذ القوانين هي الشعب.

الثالث:السيادة الشعبية: وهذه تختلف عن السيادة السياسية بأنها تعني اشراف الشعب على الحكومة.

الرابع: السيادة الفعلية: وهذا النوع يختلف عن السيادة القانونية وعلى الشعب أن يطيع الأوامر سواء مستندة الى قانون أم لا.

ماهو مضمون السيادة؟

أ- المضمون السلبي: السيادة هنا، هي السلطة السياسية باعتبارها سلطة عليا لا تخضع الى سلطة أخرى تعلوها وتأمرها أو توجهها من الخارج أو تماثلها أو توازيها وتنافسها في الداخل.

هذا يعني أن الدولة تمارس صلاحيتها دون الخضوع الى جهة أو سلطة بشرية ما تعلوها من الناحية الخارجية وتأثر فيها ولا تتعرض في الداخل الى سلطة منافسة لها تعرقلها وتقيد إرادتها

ب- المضمون الإيجابي: يقصد بالسيادة هنا مجموع الاختصاصات والصلاحيات التي تمارسها الدولة خارجيا وداخليا، ولذا تقسم السيادة الى سيادة خارجية وسيادة داخلية.

1- السيادة الخارجية: هي مجموعة الحقوق والصلاحيات التي تمارسها الدولة في المجتمع الدولي، مثل حقها في الانضمام الى المنظمات الدولية والمشاركة في المؤتمرات وإبرام المعاهدات والاتفاقيات، والدخول في علاقات دبلوماسية مع الدول الأخرى بكل حرية، وكذلك العلاقات التجارية والثقافية وغيرها، وكذلك حق متابعة ورعاية شؤون مواطنيها في الخارج وحمايتهم..إلخ.

2- السيادة الداخلية: هي كل الصلاحيات والمهام التي تمارسها الدولة على كل إقليمها وكامل السكان الموجودين فيه دون منازعة أو منافسة أو تدخل خارجي، حيث تشرع وتقيم القضاء والأمن وتنشأ المرافق، الى غير ذلك مما يستلزمه تنظيم المجتمع وقياداته.

والمظهر السلبي والمظهر الإيجابي للسيادة، لا يشكلان إلا وجهين لعملة واحدة بحيث أن الدولة التي تكون سلطتها خاضعة ومأمورة أو محل منافسة لا يمكن أن تكون لها حرية التصرف وممارسة أي اختصاص أو صلاحيات بحرية داخليا.

بناء على ذلك فإن السيادة تسمح للدولة بما يلي:

1-احتكار الاختصاص: أي أن سلطة الدولة هي وحدها التي تمارس على إقليمها وعلى شعبها دون منافسة ويتضح ذلك على المستويات التالية:

* احتكار ممارسة الإكراه المادي وحدها دون منافسة.

* احتكار ممارسة القضاء بمنع أي قضاء آخر سواء للخواص أو لدولة أخرى إلا بإدارتها الحرة.

* تنظيم المرافق العامة من تعليم وصحة وبريد ودفاع وأمن...إلخ بالطريقة التي تريد، ومنع المرافق الأجنبية إلا إذا سمحت بذلك.

2- استقلال الاختصاص: أي أن الدولة مستقلة تماما في ممارسة سلطتها بطريقة تقديرية أي لها حرية اتخاذ القرار والتحرك والعمال حسبما تراه ملائما ودون الخضوع الى توجيهات أجنبية أو عرقلة داخلية.

3-شمولية الاختصاص: أي أن الدول تنشط في جميع الميادين دون استثناء ودون اعتراض بعكس المجموعات الأخرى (البلدية، الولاية، الأشخاص المعنوية الأخرى)، المقيدة بأهدافها وموضوعها.

بعد هذه التعريفات والمضامين للسيادة هل هناك من سيادة فعلية على ارض الواقع لكي نبكي عليها وننادي بالويل والثبور لانتهاكها؟

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 11/تشرين الأول/2014 - 16/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م