تكريس السلطة وفرض الامر الواقع

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: في تجربة الاسلام السياسي، مع السلطة، ظهرت للعيان وقائع ومواقف وسياسات، كانت الحركات الاسلامية ترفضها بشكل مطلق، وكانت تعيب على الانظمة السياسية السابقة تمسكها بمثل هذه السياسات، بل كانت تلك المواقف المعيبة منطلقا للحركات السياسية الاسلامية كي تعارض الانظمة السابقة وتطيح بها من عروشها، وهذا ما حدث فعلا في عدة دول عربية واسلامية، إذ تمكنت تلك الحركات من الاطاحة بالانظمة الفردية، مع التداخلات الاخرى التي سرَّعتْ باطاحة تلك الانظمة، لتحل محلها بعض الحركات التي تنضوي تحت خيمة الاسلام السياسي في استلام السلطة، ولكن ما الذي حدث بعد ذلك، وهل استطاعت هذه الحركات والاحزاب الاسلامية التي انتقلت من الموقع المعارض، الى الموقع المستلم والمتحكم بالسلطة، أن تقدم بديلا ناجحا للحكم، ومختلفا عما سبق من انظمة سياسية كان همّها الاول والأخير تكريس السلطة في قبضتها؟؟.

تدل الحقائق والواقع الشاخصة، أن منهج او اسلوب التمسك بالسلطة، وتكريسها لدى أقلية حاكمة، لا يزال قائما لدى بعض أنظمة الاسلام السياسي، وتشير الدلائل أنه لا يوجد فارق كبير بين الانظمة الفردية المطاح بها وبين بعض أنظمة الاسلام السياسي اللاحقة، بل حتى الانظمة الاسلامية التي لها تجربة طويلة مع الحكم، خاصة ما يتعلق بمنهج حماية السلطة من (الاعداء)، تحت هاجس المؤامرة وما شابه من تبريرات، لم تعد قادرة على الصمود امام الوقائع الداحضة، والتي تتعلق بتكريس السلطة وقمع الآخر بكل السبل والأساليب المتاحة لها.

وثمة منهج درجت عليه بعض انظمة الاسلام السياسي، يقوم على سياسة فرض الامر الواقع، حتى يتم القضاء على المعارضة الحقيقية بصورة كاملة، لذلك نلاحظ ان بعض هذه الانظمة حاولت ان تصنع معارضتها بنفسها، حتى تكون المعارضة تابعة للسلطة!!، ولا نعرف كيف يمكن لمعارض تصنعه السلطة أن يصطف الى جانب الشعب وحقوقه، لذلك دأبت بعض الانظمة الاسلامية التي كرّست السلطة بيدها، على محاصرة الصوت الآخر، محاربة الرأي الذي لا يتفق مع رأيها، وهذا كله يصب في منهج تكريس السلطة وفرض الامر الواقع على الجميع، تحت حجج لا أساس لها من الصحة، ولا علاقة لها بالواقع، بل تساعد هذه الحجج في قمع المعارضة، وتعمل في اتجاه حصر السلطة وامتيازاتها لدى افراد وقادة الحركات الاسلامية فقط.

بطبيعة الحال لا يمكن لأي نظام سياسي في العالم أن يكون قادرا على تغطية سياساته حتى لو كانت غير معلنة، أو مبطنة، خاصة اذا تعلق الامر بحدود السلطة، فهناك دستور ينظّم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ولابد ان يكون الدستور هو الفيصل العادل بين الطرفين، ولا يمكن أن يكون الطرف الحاكم، هو الذي يكتب الدستور ويحدد فقراته وبنوده، لسبب بسيط، ان هذا الدستور اذا كُتب بأقلام وعقول السلطة، لا شك انه سيحمي تلك السلطة ورموزها ومصالحها، وسوف يعمل وفق منهج تكريس السلطة وفرض الامر الواقع، لكن ما حدث ان الدستور الجديد في معظم الدول التي يحكمها الاسلام السياسي، تم كتابته بقلم السلطة نفسها!.

وثمة نماذج للحكم يمكن أن نتذكر بعض اجراءاتها المتعسفة في استخدام السلطة، بحجة انها تقوم بخطوات مشروعة مصدرها الدستور، وكلنا نتذكر كيف تصرفت حركة (الاخوان المسلمون) مع السلطة بعد استلامها في مصر، لقد كان واضحا منهج تكريس السلطة وفرض الامر الواقع، من خلال عمليات الاقصاء الشاملة التي قام بها النظام السياسي برئاسة مرسي، وكانت خطوات محاصرة الاعلام هي الأكثر جلاءً و وضوحا، فضلا عن اصدار القوانين التي تكرس سلطة حركة الاخوان على مقاليد الحكم في عموم المحافظات المصرية.

ولا تبتعد انظمة سياسية اسلامية اخرى وصلت الى السلطة، عن هذه الاساليب التي تذهب الى احتكار السلطة، وفرضها عبر قرارات يُقال انها دستورية، ولكنها تأخذ شرعيتها من دستور تكتبه ارادة النظام السياسي والسلطة نفسها، من هنا لابد من اعادة نظر لما تقوم به بعض هذه الانظمة المندرجة تحت يافطة الاسلام السياسي، فليس هناك متسعا من الوقت امامهم، خاصة ان الجماهير الواسعة بدأت تعي بوضوح، أن انظمة تكريس السلطة، لا تضع في حساباتها مصلحة الشعب بقدر حماية مصالحها هي، بكل الاساليب المتاحة بمساعدة منهج تكريس السلطة وفرض الامر الواقع على الشعب.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 11/تشرين الأول/2014 - 16/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م