شبكة النبأ: يتحدث الخبراء والمحللون
الاستراتيجيون عن أهم وابرز درس تعلمته الولايات المتحدة من حربها في
فيتنام، كيفية صناعة النصر وتحاشي الهزيمة، فاذا كانت الاضواء مسلطة
آنذاك على السياسي الشهير والمخضرم "هنري كيسنجر" الذي رعى جولات
المفاوضات مع الفيتناميين للتوصل الى حل سياسي، وكان يشغل حينها وزارة
الخارجية، فان سياسي آخراً من الطراز الاول كان يعد نظرية جديدة
للسياسة الاميركية ما تزال تعتمدها حتى اليوم، وهو وزير الدفاع حينها
"روبرت ماكنمارا" الذي أوصى بعدم خوض اميركا أية حرب لوحدها، واذا
ارادت البحث عن مكاسب سياسية وعسكرية فان عليها الاعتماد على حلفاء في
الغرب وفي الشرق الاوسط المسكونة بالحروب والاضطرابات السياسية
والامنية، وهذا ما حصل حقاً في أول حرب واسعة النطاق تخوضها اميركا منذ
فتينام، عندما جيشت الجيوش وقادتها لاستعادة الكويت عام 1991، ثم الحرب
الاخرى التي شنتها لغزو العراق عام 2003، ثم الحرب التي تخوضها وما
تزال ضد ما يُسمى بـ "الارهاب" في المنطقة.
ولنأت الى العراق الجديد (الديمقراطي)، الذي ما يزال يتأرجح بين
الوصول الى المستوى المطلوب من التجربة الديمقراطية والتعددية والحريات
وغيرها، وبين الوصول الى المستوى المطلوب – ايضاً- للأمن والاستقرار
بعد أن وجد على حين غفلة، أنه بات مختبراً ومصنعاً لأعتى العصابات
الاجرامية واكثرها وحشية ودموية في العالم. فالدلائل تشير الى أن
الساسة في بغداد، ربما ما يزالون يعيشون لحظات النصر على الطاغية صدام
بفضل المخطط الاميركي، ويريدون تكرار نصر جديد بسيناريو اميركي آخر.
إن مجرد شيوع فكرة عدم نجاح التغيير في العراق، إلا بتدخلات اقليمية
ودولية، كلّف العراق والعراقيين الكثير من الدماء والخسائر الفادحة في
الثروات والبنية التحتية، ولعل أمرّ شاهد على ذلك، ما صرّح به رئيس
الوزراء السابق نوري المالكي من أن الاميركيين امتنعوا من الأدلاء
بمعلومات عن تفاصيل خطة تشكيل "الصحوات" عام 2006، وقال: انهم "لم
يعطوني حتى اسماء القادة او المناطق التي يسكنها عناصر الصحوات ومن أين
هم.."؟!. واذا كان هذا "المسؤول" يتكلم بعظمة لسانه وهو يحتفظ برباطة
جأشه، فيعني أنه مطمئن من الدعم والاسناد من طرف اقليمي.
إذن؛ لن يأتي النصر والتغيير للعراقيين كما يريدون وكما تشتهي
سفنهم.. إنما بما يحقق المصالح للاطراف الاقليمية والدولية، لذا يمكن
القول إن المسؤولين العراقيين وجدوا انفسهم اليوم في وضع غاية في
الاحراج، عندما يُبرئ الاميركيون اطراف اقليمية أجرمت بحق العراق
وتسببت في إزهاق آلاف الارواح، بهدف تشكيل التحالف المطلوب للحرب
المفترضة ضد ما يسمى بتنظيم "داعش" في العراق وسوريا.
فقد تجمعت الادلة الكافية على تورط كل من السعودية وقطر وتركيا في
مساندة ودعم هذا التنظيم وغيره، وجاء إقرار نائب الرئيس الاميركي جو
بايدن، تتويجاً للحقائق الموجودة على الارض، وكان يفترض بالحكومة
العراقية التحرك بسرعة لاستثمار الفرصة وإثبات الوجود والضرب بيد من
حديد بوجه كل المسؤولين عما جرى ويجري في العراق، او على الاقل،
التأكيد للعالم بأن هذه الدول او غيرها غير مؤهلة لأن تكون شريكة نظيفة
وصادقة في الحرب على الارهاب الذي رعته ونشأ على يديها، وذلك من خلال
مقاضاتها قانونياً امام العالم.
وبالرغم من الإدعاءات هنا وهناك بعدم وجود خطة للعمليات البرية ضد
"داعش" إلا ان المعطيات السياسية والميدانية على الارض تشير الى
تحضيرات واستعدادات على قدم وساق لبدء عمليات عسكرية برية من محاور عدة
في الاراضي العراقية تحت ذريعة "القضاء على داعش"، وهذا ما أفصح عنه
المسؤولون العسكريون الاميركيون من أن القصف الجوي لن يفضي الى القضاء
نهائياً على هذا التنظيم، إنما الحدّ من بعض تحركاته ونشاطاته في
العراق، ولعل نظرة خاطفة على خارطة الحرب، نجد أن هذا التنظيم يسيطر
حالياً على مدينتين رئيستين؛ الموصل وتكريت الى جانب قضاء الفلوجة مع
قرى ونواحي عديدة شمال وغرب العراق، الى جانب مساحات صحراوية شاسعة
باتجاه الحدود مع الاردن وسوريا، كلها متاحة لتحركات ومستودعات وقواعد
هذا التنظيم.
كما تأتي التطورات الميدانية من سوريا بشأن تقدم "داعش" على مشارف
مدينة "عين العرب" ذات الاغلبية الكردية المحاذية للحدود التركية والتي
يسميها الاكراد "كوباني"، لتعزز هذه المعادلة الجديدة في الصراع بين
"داعش" والدول المتحالفة ضده، فقد ذكرت مصادر سياسية وعسكرية متطابقة
أن خذلان كردي – تركي لسكان المدينة ربما يتسبب في انهيار المقاومة في
هذه المدينة وسقوطها في أيدي "داعش". وذهبت بعض المصادر السياسية
الكردية الى مخطط تركي لإفساح المجال لـ "داعش" لاحتلال هذه المدينة
لتكون ذريعة للتدخل العسكري البري والمشاركة بقوة في التحالف العسكري
الى جانب الولايات المتحدة.
وربما تفعل الشيء نفسه السعودية وحليفتها في حليفتها في المصير
الطائفي؛ قطر، لايجاد منافذ اختراق او مبررات للتدخل العسكري البري في
العراق بشكل او بآخر، لاسيما اذا سمعنا بتحركات اوعمليات لـ "داعش"
لضرب المصالح السعودية انطلاقاً من الاراضي العراقية، كما جرّب هذا
التنظيم بعض التهديدات ضد النظام السعودية لجسّ النبض واختبار ردود
الفعل في الآونة الاخيرة.
وسط هذه التجاذبات الخطيرة، نجد أن المسؤولين العراقيين، ليس بوسعهم
حالياً سوى الكلام والتصريحات برفض التدخل العسكري البري و"الحفاظ على
سيادة العراق"، او ان العراق ليس بحاجة الى قوات عسكرية برية، إنما الى
اسناد وتغطية جوية لمواجهة "داعش"، في حين ان التناقض يفضح الادعاءات
عندما تكون قواعد عسكرية ضخمة بين ليلة وضحاها، محاصرة من قبل عناصر
"داعش"، وتكون حياة المئات من الجنود والضباط على كف الذباحين والقتلة
المحترفين، كما حصل في "سبايكر" وبعدها في "الصقلاوية". هذه الهشاشة في
الموقف العسكري، ليس من قبيل التحليل او الافتراض، إنما هو مدعوم بدليل
يقدمه شخص رئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي عندما أعرب عن دهشته وهو
يتحدث خلال زيارة ميدانية لمواقع القتال غرب بغداد، حيث قال: "لم أصدق
صراحة.. السيد اللواء... اتصل بي، وقال نحن وصلنا الى فك الحصار عن
اللواء 1 و2 و3 التابعة للفرقة الاولى، وكان أشبه بالخيال.."!! بمعنى
إن هنالك معجزة حصلت، على العراقيين التعرف عليها، وهي انقاذ ثلاثة
ألوية من حصار عناصر "داعش" ونجاة ربما المئات بانفسهم!
إن الاطراف الاقليمية والدولية بصدد البحث عن نصر جديد في العراق
تحت شعار محاربة "داعش"، سواء بالقضاء عليها بالكامل او تحديد قواها،
بينما المسؤولون في بغداد يبحثون عن الطريقة التي يحافظون فيها على
ارواح الجنود والعسكريين من الهجمات المباغتة او الحصار المفاجئ، ثم
يتوقعون أن يأتي النصر على طبق من ذهب وبالمجان. |