ما بين تصريح جون بايدن وتقرير مجلة "فورين بوليسي"

راسم عبيدات

 

من اعرق الجامعات الأمريكية، جامعة "هارفرد" جاءت تصريحات نائب الرئيس الأمريكي "جون بايدن" عن مشروع الحرب على "داعش" والنصرة" لكي تكشف دور حلفاء أمريكا في تمويل الإرهاب والقتل والجماعات الإرهابية على وجه الخصوص في سوريا والعراق، وتصريحات بايدن تكتسب اهمية خاصة، كونها تصدر عن رجل من اوثق حلفاء قطر والسعودية وتركيا المتورطة معها في دعم وتمويل الإرهاب بشرياً ومادياً وعسكرياً ولوجستياً وإستخباراتياً وسياسياً وإعلامياً.

وليس كتصريحات رئيسة الأرجنتين، "كريستينا فرنانديز والتي رغم صدقيتها في إتهامها لأمريكا وحلفائها في خطابها امام الجمعية العامة للأمم المتحدة بالتغاضي عن جرائم اسرائيل التي ارتكبتها في عدوانها الأخير على قطاع غزة، ودعم ومساندة الإرهاب والجماعات الإرهابية في المنطقة"القاعدة"، النصرة" و"داعش" وبالتحديد في سوريا والعراق، ومن ثم العمل على تشكيل تحالف دولي لمحاربتها في معادلة لا تستقيم، ولأن كريستينا مناهضة للسياسة الأمريكية في المنطقة وامريكا اللاتينية، فإن تصريحاتها لم يكن لها نفس الفاعلية والصدمة كتصريحات بايدن.

بايدن وضع النقاط على الحروف وعرى حلفاؤه عندما يقول "إنّ المشكلة ليست في خصوم واشنطن التقليديين، فلا يمكن على رغم كلّ "البروباغندا" تحميل الحكومة السورية التي يقودها الرئيس بشار الأسد، ولا روسيا ولا إيران مسؤولية نمو الإرهاب وتغذيته، وأضاف: لا بدّ من قول الكلام الصادم لأنه حقيقي، فمَن دعم الإرهاب هم حلفاؤنا، لقد ظنّ الأتراك والسعوديون أن استجلاب المقاتلين المتطرفين، وتسليحهم بآلاف أطنان السلاح، وتمويلهم بمئات ملايين الدولارات، سيسرّع بسقوط الأسد، وها نحن نحصد النتيجة، مضيفاً إنه يأمل أن تكون الحصيلة المدمّرة لسياساتهم قد جعلتهم أخيراً يستفيقون.

اما مجلة "فورين بوليسي" فقد نشرت في 2/10/2014 في تقرير لعبد العزيز الشرفي ومحمد حسن عامر عن "الدور القذر" لـ"الدوحة" فيما يسمى بثورات الربيع العربي، وحسب التقرير المذكور فإن الدولة الصغيرة الغنية بالنفط ضخت ملايين الدولارات من خلال شبكات تمويل غامضة الى مقاتلين معارضين في سوريا ومتطرفين، لتبني سياسات خارجية أكبر من حجمها، وبعد سنوات طويلة من الرضوخ – وربما حتى الإستفادة من علاقاتها وتوسطها لدى تلك الجماعات – بدأت واشنطن تدرك اخيراً حقيقة ما يحدث و"تتحرك". والتقرير يكشف الدور القطري في دعم وتمويل وضخ ملايين الدولارات لجماعات إرهابية بكل الأشكال والأصناف في سوريا وليبيا ومصر، ناهيك عن إستجلاب عشرات الآف الإرهابيين والجماعات الإرهابية من مختلف دول العالم وتسليحها، لكي تعمل على إسقاط النظام السوري، ولكن رغم كل ذلك بدأت ملامح فشل كبير للسياسة القطرية حيث أصيب مشروعها بالفشل في ليبيا، والتي تحولت الى ساحة صراع لـ"مافيات"ومليشيات" مسلحة عشائرية وقبلية تتصارع على النفوذ والسلطة والإمتيازات.

 اما في سوريا والتي ركزت عليها قطر وبنت عليها إستراتيجيتها في الدعم والتمويل، مراهنة على أن سقوط النظام هناك سيشكل رافعة أساسية لنجاح مشروعها في المنطقة، ولكن صمود النظام والجيش والشعب السوري في وجه المؤامرة والحرب الكونية التي شنت وتشن عليها للحظة، كان بمثابة الصدمة للسياسة القطرية، وهذا الفشل الذريع، قاد الى ترك دفة القيادة للجماعات المسلحة والإرهابية في سوريا للسعودية وليس لقطر، والتي على ضوء ذلك أجبرت على إجراء تغيرات في الأسرة الحاكمة، حيث انقلب الإبن على أبيه، ولتكون الكارثة والطامة الكبرى بسقوط حكم مرسي والإخوان المسلمين في مصر، اوثق حلفاء قطر والذين صرفت عليهم مئات الملايين من الدولارات.

هذا الفشل الذريع للسياسة القطرية ولحكامها في تحقيق نصر على النظام السوري، جعل الإدارة الأمريكية والتي ضاقت ذرعاً بسياسة حليفتها قطر للقول على لسان نائب وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الإرهاب "ديفيد كوهين" في آذار الماضي، أن قطر هي بيئة مناسبة ومتساهلة لتمويل الإرهاب، وكانت تلك التصريحات وقتها غير مسبوقة وبمثابة انتقاد صارخ.

نحن قلنا بأن الحرب على سوريا ومن قبلها العراق وما يجري الان في مصر، وتحديداً في سيناء، ليس حرباً على الإرهاب، او لجلب ما يسمى ب"الحرية " و"الديمقراطية" وتخليص الشعوب العربية من الأنظمة الديكتاتورية، والقضاء على الجهل والتخلف والجوع والفقر والفساد، وتحقيق التنمية الإقتصادية والعدالة الإجتماعية وإقامة دول المواطنة الكاملة، بل حرباً يراد منها للعرب أن ينتحروا بالتقسيط، وان يدخلوا جهنم سايكس – بيكو الجديدة من اوسع أبوابها، فـ"داعش" وأمها واخواتها، مطلوب منها أن تعمل على نشر نوع من الفوضى في المنطقة، وكذلك تكريس الخلافات والصراعات المذهبية والطائفية، تلك الصراعات والخلافات المذهبية التي ستتكرس مع الوقت، ولكي تتحول لاحقاً الى مشروع تقسيم وتجزئة وتذرير وتفكيك للجغرافيا العربية، ليعاد تركيبها على أسس طائفية ومذهبية وعبر تشكل كيانات هشة وضعيفة، محمية اسرائيلياً وامريكياً، فسايكس – بيكو الأولى جاءت من أجل إقامة دولة اسرائيل، وفي ظل سقوط الدولة العثمانية، اما سايكس – بيكو الجديدة، فهي تأتي في ظل إنهيار وسقوط النظام العربي، والهدف هو إستمرار بقاء اسرائيل دولة متسيدة في المنطقة، تخضع لها كل المحميات العربية التي ستنشأ على أساس مذهبي وطائفي، سايكس- بيكو مهد لنشوء دولة اسرائيل، وسايكس بيكو جديد مع إختلاف في الظروف التاريخية، سيمنح دولة اسرائيل القوة والتفوق والسيطرة على المنطقة لعشرات السنوات القادمة.

هذه حقيقة المشاريع الإستعمارية التي يجري التخطيط لها من قبل أمريكا والغرب الإستعماري لفرضها على المنطقة، ويجري إستخدام توابعها من مشيخات النفط والكاز في الخليج وجماعة التتريك والخلافة في أنقرة لتنفيذها، عبر تقديم الرجال والمال والسلاح لجماعات إرهابية متعددة هي مسميات مختلفة لنفس المنتج "قاعدة"، "نصرة"، "داعش" ووهابية وغيرها، لكي تحطم وتدمر ركائز المشروع القومي العربي، وتمنع إنبعاثه من جديد، لصالح اجندات واهداف تفكك وتعيد تركيب جغرافيا المنطقة العربية من جديد خدمة لأمريكا واسرائيل والغرب الإستعماري.

واعتقد بعد ما قاله كل من جون بايدن وديفيد كوهين وما كشفته "فورين بوليسي" من تعرية لكل من قطر والسعودية وتركيا في دعمها للجماعات الإرهابية والمتطرفة، فإن الحديث عن ما يسمى ب"الثورات" و"الربيع العربي" نوع من "الفنتازيا" و"التحشيش الفكري" لمن هم مصابون بالخبل والشيزوفرينيا والمرتزقة والمأجورين.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 8/تشرين الأول/2014 - 13/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م