الفلسطينيون يهددون بقنابل صوتية!

د. عادل محمد عايش الأسطل

 

منذ يوم الجمعة الفائت تعهّد الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" خلال كلمته بمقر الهيئة العامة للأمم المتحدة، بمحاكمة قوات الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه ضد الإنسانية، وملاحقاتهم جنائيًا في محكمة الجنايات الدولية، من خلال مساعدة المجتمع الدولي وذلك في أعقاب عدوانها – الجرف الصامد- ضد المقاومة الفلسطينية داخل القطاع، حيث أقدمت على إراقة دم ما يزيد عن 2500 شهيد، وأكثر من 11 ألف جريح، وتدمير مئات المنازل والمدارس والمؤسسات الصناعية والمستشفيات، والبنى التحتية بشكلٍ عام.

وكانت حركات مقاومة فلسطينية وعلى رأسها حركتي - المقاومة الإسلامية حماس، والجهاد الإسلامي قد أبدت دعمها صراحةً أمام الرئيس "أبومازن" بعد أن قدم كل من رئيس الدائرة السياسية لحركة حماس "خالد مشعل" والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي "رمضان شلح" وأيّدت حركات مقاومة وجهات سياسية أخرى وقانونية وحقوقية وأكاديميّة وشخصيات من مؤسسات رسميّة وأهلية هذه التوجه، حيث كان "أبومازن" ينتظر مثل هذه التوقيعات وتلك التأييدات كي يكون لديه سنداً فلسطينياً كاملاً، يكون قوة أمام المجتمع الدولي وشهادة أمام المحكمة الدولي على جرائم الاحتلال، وفي نفس الوقت، أن يذهب بنفسه بعيداً عن ايةّ جدالات أو انتقادات في هذا الخصوص قبل أو أثناء أو بعد ذلك التوجّه.

صحيح أنه من المفروض قانونياً وأخلاقياً، تقديم كل يهودي أو إسرائيلي ساهم في إيذاء الفلسطينيين أيّاً كانت صورة ذلك الإيذاء، ولكن في ظل مجتمع دولي منافق للعرب بشكلٍ عام أو ضعيف باتجاه إسرائيل على وجهٍ خاص، فإن من المستبعد أن يتم ذلك التوجه بالصورة التي نتوخاها كعرب تحت الهيمنة الأمريكية والغربية أو كفلسطينيين تحت الاحتلال. وحتى حين تقديم أوراقنا الثبوتية بالكامل لا تنقص واحدة، فإن ذلك لا يعني أن إسرائيل ستصبح مباشرةً بين يدي محكمة الجنايات الدولية، وحتى في حالة الوقوف، فإن أحداث المحاكمة لن تكون قصيرة تكون قضائية أو مهنية بالمعنى المطلوب، وأن المحكمة لن توفر كامل العدالة التي يستحقها الفلسطينيون، ناهيكم عن الأثمان والتكاليف الباهظة التي ستلحق بها. وكنا قد رأينا عدم استطاعة أو عدم جديّة المحكمة في اتمام سعيها بشأن محاكمة الرئيس السوداني "عمر البشير" على الرغم من صدور مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس السوداني في 4 مارس/آذار 2009، وصدور قرار من مجلس الأمن والذي يحمل الرقم 1593، بينما سعت سعيها في محاكمة الرئيس اليوغسلافي السابق "سلوبودان ميليوسوفيتش" لدواعٍ سياسية، والذي عُثر عليه ميتاً في سجنه فى مارس/آذار 2006، قبل اتمام محاكمته.

وعلاوةً على ذلك فإن هناك محددات وعوائق من شأنها عرقلة أيّة مساعٍ من هذا النوع ومنها: أنه في حال الذهاب إلى محكمة الجنايات، فإنه يتوجب علينا الاستعداد ليس للتهديدات الإسرائيلية وحسب، بل للتهديدات الأمريكية والأوروبية والتي ستتضمن التراجعات مختلفة في المواقف المؤيدة للقضية الفلسطينية أو بمحو قائمة المساعدات المالية وتقليص التفاعلات في العلاقات المختلفة مع الفلسطينيين، برغم الأثمان التي دفعها الفلسطينيون مسبقاً بناءٍ على اتفاق أوسلو وما بعده. وبالمقابل فإن لإسرائيل المقدرة بتقديم شكاوى في نفس اللحظة ضد قادة فلسطينيين وبخاصة قيادات في السلطة وضد قادة المقاومة الفلسطينية بشكلٍ خاص، على الرغم من أنهم مستهدفون على أي حال، وبرغم أن هناك حجج قانونية عديدة يمكن استعماله البيان الفرق، إلاّ أن الجانب الإسرائيلي سوف يكون له الميزة لدى قضاة المحكمة بناءً على المشيئة الأمريكية والغربية، سيما وأن الفيتو الأمريكي متواجد في كل زمانٍ ومكانكما أن انسحاب إسرائيل من ميثاق روما سيعمل على عرقلة المساعي الفلسطينية وعمل المحكمة بالذات.

يجب علينا الاعتراف بأن المحاكمات الدولية دائماً ما تكون ذات طابع سياسي بحت، وأن المدعي العام الدولي ومجلس الأمن تابعين للولايات المتحدة وإسرائيل، بما يعني بأن ليس هناك شيء اسمه العدالة الدولية، وبالتالي فتهديدات الفلسطينيين لن يكون لها أي تأثير وإن في هذا الوقت.

وبرغم المصاعب وقلة الآمال في أن تكون هناك محاكمات جدّية، إلاّ أن ذلك لا ينفي أن تكون لها مردودات وفوائد وإن كان جزئية ورمزية في آنٍ معاً ومنها: أن وجودها ولو بعد حين، أفضل أن يبقى قادة الاحتلال طليقي الأيدي ضد الفلسطينيين، ويمكن اعتبارها ورقة تحِد من الأنشطة العسكرية الإسرائيلية في المستقبل.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 2/تشرين الأول/2014 - 6/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م