في خضمّ تخبّط الأحداث والاضطرابات في سوريا، لم يلاحظ الكثيرون أنّ
سفينتيْن تابعتيْن للبحرية الصينية هما مدمرة الصواريخ "تشانغتشون"
وفرقاطة الصواريخ "تشانغتشو"، قد قامتا بزيارة ميناء بندر عباس
الإيراني يوم الاثنين، وبدئتا بعدئذ تدريبات مشتركة مع القوات البحرية
الإيرانية دامت أربعة أيام. ووفقاً للبحرية الصينية كانت هذه أول زيارة
تقوم بها سفن حربية صينية إلى إيران.
ومع ذلك، لم تكن هذه أوّل زيارة يشهدها عصرنا هذا لسفن تابعة
للبحرية الصينية إلى ميناء في المنطقة. ففي مارس/آذار 2010، رست سفن
صينية في ميناء زايد في الإمارات العربية المتحدة. وكانت تلك السفن
التي زارت دولة الإمارات قبل بضع سنوات وهذه الأخيرة التي زارت إيران
هذا الأسبوع تشارك في عمليات لمكافحة القرصنة في خليج عدن. وبعد بضعة
أشهر على زيارة السفن ميناء زايد، قامت طائرات صينية بالتزوّد بالوقود
في إيران في طريقها إلى تدريبات في تركيا، وكانت تلك أوّل زيارة تقوم
بها طائرات حربية أجنبية لإيران منذ ثورة عام 1979. كما لاحظ المراقبون
أنّ إخلاء الجيش الصيني لآلاف المواطنين الصينيين من ليبيا في عام 2011
كشف عن قدراته العالية في عمليات التدخل السريع.
ولا يعكس هذا التواجد الأمني المتزايد في المنطقة إلا جانباً
واحداً من تدخّل الصين الآخذ في الترسّخ في الشرق الأوسط، إذ يشمل هذا
التدخّل أيضاً رفع مستوى الزيارات الدبلوماسية وإقامة مشاريع اقتصادية
جديدة طموحة، على غرار صفقة أُبرمت مؤخراً لبناء ميناء في إسرائيل. وفي
حين ينبع اهتمام بكين بالشرق الأوسط إلى حدّ كبير من عطش البلاد إلى
الأسواق والموارد، إلا أن اعتماد الصين على النفط الأجنبي يتزايد بسرعة
تضاهي تناقص اعتماد الولايات المتحدة عليه. ولا تشكل الأسباب
الاقتصادية الدافع الوحيد لهذا الاهتمام المتزايد. فالاعتماد على
واردات النفط يهدّد أمن الطاقة في الصين، الذي أدّى - مقروناً برغبة
البلاد في ممارسة المزيد من النفوذ العالمي - إلى البحث ليس فقط عن
شراكات تجارية بل استراتيجية أيضاً.
ومع ذلك، إن مسار بكين نحو توسيع نفوذها في الشرق الأوسط ليس خالياً
من العقبات بأيّ شكلٍ من الأشكال. فقد سعت الصين حتى الآن إلى بناء
علاقات ودية مع مختلف دول المنطقة، ولكن مع اتساع رقعة تدخّلها
الإقليمي، من المرجح أن تجد بكين نفسها تتلقى الضغوط من حلفائها ومن
الأحداث لتتّخذ جانباً مع فريقٍ معيّن، على غرار ما فعلت في حالة سوريا
باستخدامها حقّ النقض ("الفيتو") في مجلس الأمن الدولي لحماية نظام
الأسد.
وقد يتّضح أنّ علاقة الصين مع إيران هي الأقرب مع أيّ دولة من دول
المنطقة، فهذه الأخيرة توفّر لبكين مصادر طاقة يمكن الوصول إليها عن
طريق البحر والبر على حد سواء، كما تشتري إيران الأسلحة من الصين.
وتجمع بين طهران وبكين علاقات تعود إلى ما قبل الفترة التي بدأت فيها
الأخيرة تحتاج إلى الواردات النفطية. فإيران هي الدولة الوحيدة المطلة
على الخليج وغير المتحالفة مع واشنطن، الأمر الذي يُعدّ واقعاً حاسماً
بالنسبة إلى استراتيجيي "جيش التحرير الشعبي" الصيني الذين يعتبرون
الولايات المتحدة خصم الصين الأكثر احتمالاً. هذا، وقد خفّفت العقوبات
الدولية على طهران من التعاون بين الصين وإيران إلى حدّ ما، ولكن من
المرجح أن تزداد وتيرته مجدداً في أعقاب إبرام اتفاق نووي.
ولا يدعو شيء مما سبق إلى أن يكون مدعاة للقلق في واشنطن، ولكنّ ما
يحصل هو بمثابة توجّه طويل الأمد يجب أن تنتبه إليه الولايات المتحدة
في خضمّ متطلبات الشرق الأوسط على المدى القصير. وتفتقر الصين اليوم
إلى القدرة اللازمة (وربما إلى الرغبة) لتحدّي مواقف الولايات المتحدة
في الشرق الأوسط. وفي الواقع هناك مصالح متداخلة في المنطقة لكلا
البلديْن، بما في ذلك النفور المشترك من تنظيم «الدولة الإسلامية».
وتعتبر الصين مكافحة الإرهاب غطاءً لإبراز القوة الأمريكية، بينما يقلق
الغرب من اتّجاه الصين إلى الخلط بين التطرف والمعارضة السياسية. إن
إحجام الصين عن الانضمام إلى الحملة لمواجهة «داعش» يوضّح كيف يمكن
لاستراتيجيتين مختلفتين تماماً، تعتمدهما الولايات المتحدة والصين
لتحقيق مصالحهما وللتوترات المتزايدة بين البلديْن، أن تجعل من غير
المرجح أن يتعاونا بينهما.
* مايكل سينغ هو المدير الإداري لمعهد
واشنطن. وكان قد عمل في قضايا الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي في
الفترة 2005 - 2008.
http://www.washingtoninstitute.org/
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة
النبأ المعلوماتية |