على سبيل الارهاب.. دول الخليج تغض الطرف عن الخلافات الداخلية

 

شبكة النبأ: الخلافات التي عصفت بدول الخليج مؤخرا، كانت سبب اخر في منح منطقة الشرق الأوسط المزيد من عدم الاستقرار، سيما وان الاتهامات المتبادلة بين هذه الدول، اخذت بعدا إقليميا بسبب النزاعات التي تشهدها المنطقة في سوريا والعراق ولبنان، وحتى في داخل دول الخليج، والتي اتهمت فيها كل دول، الدولة الأخرى بإثارة هذه الخلافات لأهداف تخدم مصالحها الخاصة على حساب الأخرى، وزادت حدة الخلافات الخليجية، بعد ثورات الربيع العربي، خصوصا مع قطر التي دعمت الاخوان في مصر للوصول الى سدة الحكم، فيما أصرت السعودية والامارات والبحرين، على دعم الثورة المضادة للإخوان، ودعم السيسي، بعد ان أطاح بحكومة مرسي، والتي أدت الى سحب سفراء الدول الثلاثة من قطر، بعد ان استقبلت قيادات الاخوان الهاربين من حكومة السيسي، إضافة الى اتهام قطر بالتدخل في الشأن الداخلي لدول الخليج.

طبعا العراق لم يكن بمعزل عن اتهام دول خليجية بدعم الإرهاب والعمليات الانتحارية داخل أراضيه، وسمى رئيس الوزراء العراقي السابق (نوري المالكي) دول خليجية (السعودية وقطر) كونها الداعم الرئيس لكثير من الحركات المتطرفة، لأسباب عديدة، منها طائفية، والأخرى تتعلق بإفشال التجربة الديمقراطية الحديثة في العراق خوفا على مصالحهم، بحسب ما أشار اليه المالكي، ويرى مراقبون، ان العديد من هناك العديد من الأسباب التي تقف خلف الخلافات الخليجية، عدم توحد مصالحها، على الرغم من وجود مجلس سياسي وعسكري واقتصادي يجمع دول الخليج بصورة دورية، منها أسباب تاريخية (خصوصا وان العائلات المالكة خاضت حروبا طويلة فيما بينها حول السلطة وترسيم الحدود)، وسياسية واجتماعية واقتصادية، قد لعبت دورا بارزا في تأجيج هذه الخلافات.    

من جانب اخر كانت المرة الأخيرة التي اتفقت فيها دول عربية على الحاجة إلى المشاركة في عمل عسكري بقيادة الولايات المتحدة منذ أكثر من 23 عاما وأقنعها الآن التهديد الذي شكله تنظيم الدولة الإسلامية بأن أي رد فعل شعبي سلبي على تكرار ذلك في المنطقة المضطربة بالفعل ثمن يستحق أن يدفع، ومن بين الدول العربية التي ذكرت واشنطن أسماءها كدول دعمت الضربات الجوية الامريكية على التنظيم الجهادي في سوريا أكدت البحرين والأردن والإمارات العربية المتحدة أن طائراتها شاركت بالفعل في القصف، وقالت السعودية انها شاركت في العمليات العسكرية، ومن المعتقد أن قطر قدمت دعما لوجستيا أو سياسيا فقط.

لكن الاقتران بهذه الهجمات بعد أن أدت سنوات من الحروب تحت قيادة أمريكية إلى استعداء المسلمين في مختلف أنحاء العالم يمثل مجازفة يبدو أن هذه الدول العربية مستعدة لها من أجل التغلب على جماعة تسعى لاعادة تشكيل الشرق الأوسط في ظل دولة خلافة إسلامية، وقال سامي الفرج المستشار بمجلس التعاون الخليجي الذي يضم السعودية والبحرين والامارات والكويت وعمان وقطر "نحن ننظر إلى الدولة الاسلامية كخطر وجودي، إذا لم نوقفها ستتوسع في منطقتنا"، وتهدف الهجمات الجوية والصاروخية إلى اضعاف القدرات العسكرية والتنظيمية للتنظيم الذي يسيطر على أجزاء كبيرة من شمال شرق سوريا واستولى على مساحات كبيرة من الاراضي العراقية منذ يونيو حزيران.

في سياق متصل ومع استقاء التنظيم الدعم من جماعات أخرى أقل نجاحا وبفضل الأسلحة الامريكية المتطورة التي استولى عليها من القوات العراقية أوضح تنظيم الدولة الاسلامية أنه لا يسعى لأقل من ضم العالم الاسلامي كله تحت لواء الحكم الديني وذلك في رسالة يبغضها حكام دول الخليج، ولم يحدث منذ التحالف الدولي الذي طرد القوات العراقية من الكويت عام 1991 أن شارك مثل هذا العدد الكبير من الدول العربية علانية في عمل عسكري بقيادة الولايات المتحدة في العالم العربي، وقال الباحث الاكاديمي البريطاني كريستوفر ديفيدسون إن هذه الدول "لم تعد دولا محايدة نشطة ذات نفوذ بل بدأت تتحول إلى دول مواجهة في حرب من المرجح أن تشمل المنطقة بأسرها".

ورغم أن مشتريات دول الخليج من العتاد العسكري الغربي كبيرة وأن قطر والامارات قدمتا دعما عسكريا للقوات الليبية التي أطاحت بمعمر القذافي بمساعدة غربية في عام 2011 فإن هذه الدول تعتبر في العادة من الاطراف المعتمدة على الغرب في الدفاع عن نفسها في أي ظروف طارئة مثلما كان الحال في الكويت، كذلك فإن الكشف عن مشاركة السعودية في الهجمات يكسر العزوف التقليدي للمملكة عن تسليط الضوء عليها خاصة في مثل هذا الموضوع الحساس، وقال نيل باتريك الباحث بمعهد رويال يونايتد سيرفيسز في لندن "الانطباع هو أن السعوديين مستعدون للاعلان عن دورهم، وهذا تطور لافت رغم أننا لا نعرف ما هو دورهم"، وقال الأمير سلمان ولي العهد وزير الدفاع في خطاب بمناسبة العيد الوطني نقلته وسائل الاعلام السعودية إن المملكة بحاجة لتعزيز تصديها للتطرف.

ونقلت صحف محلية عنه قوله "ما يؤرقنا اليوم إننا كمسلمين لم نفعل ما يكفي لحماية أمتنا من التطرف وشبابها من التشدد والغلو ما قاد بعض المغرر بهم لانتهاج العنف واستبدال العقيدة السمحة بعقيدة التكفير والارهاب والتفجير"، وقال الفرج مستشار مجلس التعاون إن التحرك الخليجي الان "رسالة للمتشددين وللمتطرفين بين شعوبنا أننا جادون في وقف الدولة الاسلامية"، كما يبدو أن الإمارات مستعدة لا للمشاركة في العمل فحسب بل لتقديم نفسها في صورة أكثر ثقة وأكثر إيجابية، وقالت ابتسام الكتبي رئيسة مركز الإمارات للسياسات إن الدعم الإماراتي يتفق مع قدراتها المتنامية، وأضافت "فقد أصبحت قوة عسكرية واقتصادية وسياسية يعتد بها"، وسئلت عن خطر احتمال وقوع هجمات على الإمارات فقالت إن "الارهاب" احتمال قائم سواء شاركت الإمارات أو لا في العمل العسكري، وأضافت "ما من شيء بدون مخاطر، لكنك جزء من تحالف دولي ولا يمكنك أن تقف ساكنا في وجه الارهاب عندما تملك كل هذه الموارد".

أما الدولة الاسلامية نفسها فقد هددت بمهاجمة أي دولة تدعم الحملة الامريكية، وكرر المتحدث باسمها أبو محمد العدناني تهديد السعودية ووصف حكامها بأنهم "كلاب حراسة لليهود وعصا بيد الصليبيين ضد الاسلام والمجاهدين"، وتمثل الدولة الاسلامية للرياض هاجسين كبيرين الأول انها ستعزز حكمها في العراق بما يخلق ملاذا آمنا للمتشددين على حدودها الشمالية والثاني أنها ستشجع المتشددين داخل المملكة نفسها على شن عمليات، وقال الفرج إن مستوى التأهب بين قوات الأمن في الدول العربية الخليجية رفع منذ أسابيع "ووصل إلى أعلى مستوى" بسبب الهجمات التي قادتها الولايات المتحدة على المتشددين، وأضاف أنه سيتم تشديد اجراءات الأمن بصفة خاصة قرب القواعد الجوية ومنشات الامداد والتموين والوقود، لكن الأمن ليس هو مصدر القلق الوحيد للدول العربية الاعضاء في التحالف المناهض للدولة الاسلامية. بحسب رويترز.

فالحفاظ على جبهة موحدة قد يكون صعبا بفعل خلافات بين قطر وبعض جيرانها من الدول العربية حول دور الاسلاميين في الحياة السياسية العربية، ورغم أن الدول الخليجية كلها تعارض الرئيس السوري بشار الأسد فقد مارست السعودية ضغطا على قطر العام الماضي للتوقف عن تقديم المال والسلاح لبعض الفصائل الاسلامية الأكثر تشددا في سوريا، ولذلك قال دبلوماسيون إن من المرجح ألا ترضى قطر عن استهداف الغارات جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة والتي يبدو أنها تعتبرها جماعة معارضة سورية حقا، وقال مصدر مقرب من الحكومة القطرية إن الغارات الليلية لن تحل شيئا، وأضاف أن من الظلم استهداف الدولة الاسلامية فقط في حين أن الأسد "ترك ليقتل شعبه منذ سنوات".

اتهامات متبادلة

فيما اتهمت البحرين قطر بانها مستمرة في تجنيس مواطنين بحرينيين رغم تعهدها وقف ذلك ضمن اتفاق مع جيرانها الخليجيين، حسبما افادت وكالة الانباء البحرينية، وتجنيس البحرينيين هي من المسائل الخلافية بين قطر من جهة والسعودية والبحرين والامارات من جهة اخرى، علما ان الدول الثلاث سحبت في اذار/مارس سفراءها من الدوحة في خطوة غير مسبوقة، ونقل عن وكيل وزارة الداخلية لشؤون الجنسية والجوازات والإقامة قوله ان "دولة قطر لا زالت مستمرة في عملية تجنيس البحرينيين ولم تلتزم بإيقاف ذلك وفقا لما تعهدت به سابقا"، واوضح المسؤول ان "اكتساب جنسية دولة اخرى يستوجب الحصول على الموافقة المسبقة من وزير الداخلية".

وتاتي تصريحات المسؤول في سياق الاعلان عن توقيف شخص يدعى صلاح محمد الجلاهمة بسبب "اكتسابه الجنسية القطرية وتنازله عن جنسيته البحرينية بطريقة مخالفة للقانون"، وقد تم اخلاء سبيل الجلاهمة "بعد تقديمه لاعتذار مكتوب عما صدر منه وتعهده بتصحيح أوضاعه القانونية بموجب قانون الجنسية البحريني" بحسب الوكالة، وتتهم السعودية والامارات والبحرين قطر بانتهاج سياسات معادية لها، لاسيما من خلال دعم الاخوان المسلمين، ومن بين المسائل الخلافية قيام الدوحة بتجنيس بحرينيين، وتتهم الدوحة بالقيام بتجنيس بحرينيين ينتمون الى اسر وقبائل سنية لها امتدادات خارج البحرين.

واكدت الدول الخليجية الثلاث ان قرار سحب السفراء من قطر سببه عدم التزامها باتفاق خليجي ينص بحسب مصادر متطابقة على عدة مسائل من بينها مسالة وقف التجنيس، بما في ذلك وقف تجنيس معارضين خليجيين، واعلنت الدول الخليجية في آب/اغسطس الماضي تنحية خلافاتها الداخلية جانبا لمواجهة المخاطر الاقليمية معا، لاسيما صعود تنظيم الدولة الاسلامية، دون اتخاذ قرار باعادة السفراء، وفي الايام الاخيرة، اكد اعضاء في جماعة الاخوان المسلمين ان قياديين في الجماعة يغادرون الدوحة تلبية على ما يبدو لمطلب خليجي اساسي من اجل تسوية الازمة مع قطر. بحسب فرانس برس.

من جهتها قالت صحيفة "الخليج" إن السلطات الإماراتية ألقت القبض على "عناصر استخباراتية قطرية" في الإمارات، في مؤشر جديد على تواصل  توتر العلاقات بين البلدين، وأكدت الصحيفة التي تعكس رأي الحكومة إن الموقوفين القطريين في الإمارات الذين تحدث عنهم تقرير في صحيفة قطرية هم "عناصر استخباراتية قطرية تعمل على أرض دولة الإمارات"، وبحسب الصحيفة، فقد تم "إلقاء القبض عليهم" و"يتم التحقيق معهم حاليا، ونقلت الصحيفة عن "مصدر إماراتي" قوله إنه "بعد انكشاف هذا التورط يبدو أن الجانب القطري ومن خلال صحيفة (العرب) القطرية أراد أن يقوم بضربة استباقية لمسلسل من التدخلات القطرية في شؤون الجيران".

وتابع المصدر أن "هذا التصرف يؤكد الانطباع العام الذي بات يترسخ يوما بعد يوم بأن قطر غير صادقة في تأكيداتها تعهد إبعاد جماعة الإخوان المسلمين، أو صدقية التزاماتها نحو آلية تنفيذ اتفاق الرياض"، وكانت صحيفة العرب القطرية أعلنت في عنوان رئيسي قبل ثلاثة أيام عن "اعتقال وتعذيب" ثلاثة قطريين في أبوظبي، وتدهورت العلاقات القطرية الإماراتية بشكل كبير في السنة الأخيرة، خصوصا بسبب دعم قطر لجماعة الإخوان المسلمين، وفي مارس/آذار الماضي، أعلنت السعودية والإمارات والبحرين سحب سفرائها من الدوحة في خطوة غير مسبوقة عزتها الدول الثلاث إلى "تدخل" قطر في شؤونها الداخلية.

مصادرة حرية التعبير

الى ذلك تتضافر منظمات حقوق الإنسان مع منظمة هيومن رايتس وتش للتنديد بانتهاك حقوق الإنسان في كل مكان، وكان آخرها التنديد باحتجاز شابين سعوديين منذ عامين بتهمة الردة، ودعت منظمة حقوقية خليجية إلى إطلاق سراح الآلاف من معتقلي الرأي في الدول الخليجية لمناسبة ما تطلق عليه "يوم معتقلي الخليج"، ولا تسمح الدول الخليجية بتشكيل الأحزاب السياسية، وقد يؤدي انتقاد الحكام بسهولة إلى السجن، وقال أنور الرشيد رئيس منتدى الخليج للمجتمعات المدنية "ندعو إلى إطلاق سراح السجناء والمعتقلين الذين وضعوا خلف القضبان ببساطة بسبب التعبير عن رأيهم"، وبحسب الرشيد فانه في الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي (البحرين والكويت وقطر وعمان والسعودية والإمارات) يوجد "بين ثلاثين وأربعين ألف سجين ومعتقل رأي"، وأشار إلى أن تلك الأرقام تعتمد على معلومات جمعها ناشطون حقوقيون في الخليج ومنظمات دولية ومجموعات حقوقية.

ووفق الرشيد فان غالبية السجناء معتقلون في السعودية ثم البحرين، وأوضح أن منظمته شكلت فريقا قانونيا مع محامين من أوروبا والولايات المتحدة لزيارة المعتقلين في الدول الخليجية حين تسمح الحكومات بذلك، ويشمل المعتقلون أطباء ومعلمين وكتاب وناشطين وسياسيين ونواب وغيرهم، وفق المنظمة، وتطرق الرشيد إلى حالات معينة بقي خلالها المعتقلين في السجن حتى بعد انتهاء مدة حكمهم، وفي بعض الحالات، حرم المفرج عنهم من حقوقهم الأساسية ومن بينها منعهم من السفر، وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، اتهمت منظمة العفو الدولية السعودية بالقيام بـ"اعتقالات عشوائية ومحاكمات جائرة، والتعذيب وغيرها من المعاملة السيئة خلال السنوات الأربع الماضية". بحسب فرانس برس.

وفي آذار/مارس، قالت المنظمة إن "سجناء الضمير" في البحرين لا يزالوا خلف القضبان بعد ثلاث سنوات على قمع القوات الأمنية لتظاهرات ضد الحكومة، كذلك أشارت إلى أن الناشط الحقوقي الإماراتي محمد الركن معتقل في سجن انفرادي ومعرض لخطر التعذيب، والركن من بين 69 شخصا آخرين حكم عليهم بالسجن 15 عاما في تموز/يوليو الماضي بتهمة التآمر للإطاحة بالنظام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 1/تشرين الأول/2014 - 5/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م