المواطنة.. من قاموس الامام الشيرازي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: ان تكون مواطنا، حسب التعريف الذي يدرجه معجم العلوم الانسانية، يعني ان يعترف بك عضوا فاعلا في جماعة سياسية. هذا يعني اعطاء حقوق (مدنية – سياسية – اجتماعية) وواجبات (مالية – عسكرية) واتاحة امكانية المشاركة المدنية باعمال الحاضرة.

والمواطن هو كل عضو في جماعة سياسية يتمتع بحقوق المواطنة ويؤدي واجباتها. والجماعة السياسية، هنا، هي "المجتمع المنظم" أو "الأمة المنظمة" أو الشعب، أي إن المواطن عضو في دولة حديثة يتمتع بما تقرره المواطنة من حقوق مدنية وسياسية وما تعينه من واجبات مدنية والتزامات قانونية، وفق تعريف الدولة بأنها "مجتمع سياسي"، أو "مجتمع منظم" أو "أمة منظمة"، أو شكل الحياة السياسية والأخلاقية لشعب من الشعوب.

يجمع الباحثون اليوم على أن للمواطنة ثلاثة أبعاد أساسية أو ثلاثة مجالات:

أولها أن المواطنة حالة قانونية، أو وضع قانوني، فهي، بهذا المعنى، ترادف "الجنسية" التي يكتسبها الفرد من عضوية الدولة. يتحدد هذا البعد بالحقوق الاجتماعية، المدنية والسياسية، التي تترتب على علاقاته الاجتماعية والإنسانية بالآخرين، المادية منها والمعنوية، إذ كل علاقة بين طرفين ترتب حقوقًا وواجبات. فالمواطِنة أو المواطِن هنا "شخص قانوني" حر، في أن يعمل ما يريد وفق القوانين النافذة. وله الحق في أن يطالب بحماية الدولة، أي حماية القانون، لحياته وكفالة حقوقه وصون حريته وكرامته، إزاء أي اعتداء عليها أو تهديد لها.

والبعد الثاني، بعد اجتماعي/سياسي، بالمعنى الواسع للكلمة، قوامه النظر إلى المواطنين بصفتهم قوة اجتماعية/سياسية يشاركون بنشاط في الشؤون العامة وفي حياة الدولة من خلال مؤسسات المجتمع المدني، كالجمعيات والنقابات وجماعات الضغط والأحزاب السياسية. وتعد الانتخابات المحلية والتشريعية من أهم أوجه النشاط التي تعبر عن حيوية المجتمع، وهذه لا تقتصر على أوقات الاقتراع، كما في المجتمعات الراكدة، بل هي نشاط دائم موضوعه الحقوق والحريات الخاصة والعامة وقضايا التنمية البشرية والاقتصادية، وتحسين نوعية الحياة العامة وشروطها المادية والمعنوية، فضلاً عن مراقبة عمل السلطات المحلية والمركزية والحيلولة دون تجاوزها على حقوق الأفراد والجماعات وحرياتهم.

أما البعد الثالث فيتعلق بالهوية الوطنية التي يستمدها الفرد من عضويته في "جماعة سياسية"، ويعرِّف نفسه بها لغير مواطنيه، فالجماعة السياسية، أي "المجتمع المنظم" أو "الأمة المنظمة" أو "المجتمع السياسي"، هي المصدر الوحيد للهوية بأبعادها الاجتماعية والثقافية والسياسية والأخلاقية. ما يعيِّن فارقًا جوهريًا بين الأصل والهوية من جهة، وينفي أن يكون العرق أو الدين أو المذهب أو الطبقة الاجتماعية أساسًا للهوية الوطنية، أو أن تكون الهوية الوطنية تعيُّنًا للعرق أو الدين أو المذهب أو الطبقة الاجتماعية، أو امتدادًا لأي منها، أو نتيجة من نتائج انتماء الفرد إلى أي منها.

ومن ثم، فالمواطنة ترتب للمواطنة والمواطن جملة من الحقوق المدنية والسياسية والحريات الشخصية والعامة، تقابلها جملة من الواجبات المدنية والالتزامات القانونية تُلقى على عاتقها وعاتقه، بصفته كل منهما عضوًا كامل العضوية في الدولة التي تمنحه جنسيتها، أو في المجتمع السياسي، أو الجماعة السياسية، التي تمنحه هويته السياسية.

يقترن بمفهوم المواطنة عدد من الحقوق هي:

الحقوق المدنية

وهي مجموعة من الحقوق تتمثل في حق المواطن في الحياة وعدم إخضاعه للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاانسانية او االاستهانة بالكرامة وعدم إجراء أية تجربة طبية أو علمية على أي مواطن دون رضاه، وعدم استرقاق أحد والاعتراف بحرية كل مواطن طالما لا تخالف القوانين ولا تتعارض مع حرية آخرين، وحق كل مواطن في الأمان على شخصه وعدم اعتقاله أو توقيفه تعسفياً، وحق كل مواطن في الملكية الخاصة، وحقه في حرية التنقل وحرية اختيار مكان إقامته داخل حدود الدولة ومغادرتها والعودة إليها وحق كل مواطن في المساواة أمام القانون، وحقه في أن يعترف له بالشخصية القانونية وعدم التدخل في خصوصية المواطن او في شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه او سمعته وحق كل مواطن في حماية القانون له، وحقه في حرية الفكر، والوجدان واعتناق الآراء وحرية التعبير وفق النظام والقانون وحق كل طفل في اكتساب جنسيته.

الحقوق السياسية:

وتتمثل هذه الحقوق بحق الانتخابات في السلطة التشريعية والسلطات المحلية والبلديات والترشيح، وحق كل مواطن بالعضوية في الأحزاب وتنظيم حركات وجمعيات ومحاولة التأثير على القرار السياسي وشكل اتخاذه من خلال الحصول على المعلومات ضمن القانون والحق في تقلد الوظائف العامة في الدولة والحق في التجمع السلمي.

الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:

وتتمثل الحقوق الاقتصادية أساسا بحق كل مواطن في العمل والحق في العمل في ظروف منصفة والحرية النقابية من حيث النقابات والانضمام إليها والحق في الإضراب، وتتمثل الحقوق الاجتماعية بحق كل مواطن بحد أدنى من الرفاه الاجتماعي والاقتصادي وتوفير الحماية الاجتماعية والحق في الرعاية الصحية والحق في الغذاء الكافي والحق في التامين الاجتماعي والحق في المسكن والحق في المساعدة والحق في التنمية والحق في بيئة نظيفة والحق في الخدمات كافية لكل مواطن، وتتمثل الحقوق الثقافية بحق كل مواطن بالتعليم والثقافة.

تطرق الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) الى المواطنة وان كان في تناوله لها لم يجري عليها تلك التسمية، الا انه تحدث كثيرا عن الحقوق والواجبات المرتبطة بها.

في كتابه (القانون) يتحدث عن الغاية منه ومن وضعه فهو يرى: (انّ من أهم الاُمنيات بالنسبة إلى القانون هو: أن يكون القانون بحيث يراعي عواطف الناس ويماشي مذهب ودين كل طائفة، حسب معتقده وما جرت عليه تقاليده، بشرط أن لا يكون ذلك خلاف مصلحته الشخصيّة التي يعرف تلك المصلحة الأعلم والأبصر منه، ولا خلاف مصلحة الجماعة، لأنه إذا تعارضت المصلحتان قدمت الثانية على الاُولى، وذلك من جهة قانون الأهم والمهم، أو قانون لا ضرر، أو لأن مصلحة الفرد بالأخرة في مصلحة الجماعة، أو لغير ذلك).

ويوجب الامام الراحل في كتابه على الدولة (وضع القوانين التطبيقية المتكفلة نفع المستضعفين وإنقاذهم من أيدي المستبدّين نفساً ومالاً وعرضاً).

ويفصل الامام الراحل في كتابه حقوق المواطنة مسلما كان او غير مسلم بقوله: (ثم ان غير المسلم في بلاد الإسلام، أو المسلم في بلد إسلامي له مذهب غير المذهب الرسمي الذي عليه الأكثرية، يحق له البيع والشراء، والرهن والإجارة والمضاربة والشراكة، والمزارعة والمساقاة، والزواج والطلاق، والتوريث والوصية، والوقف والتحجير، وشراء حتى الأرض عامرة أو يباباً، وبيعها وأخذ ثمنها، والإنتقال بزوجته وكل ممتلكاته إلى بلد آخر من بلاد المسلمين، أو بلاد غير المسلمين).

ولحاظ ذلك عند الامام الراحل في عدم التفريق هو القاعدة التي يسميها (القانون ولحاظ الأشخاص) اذ يلزم  على القانون ملاحظة الأشخاص، فإن (الأصل في كل شخص الحريّة إلاّ ما خرج، من غير فرق بين المسلم وغير المسلم. ولا فرق بين طوائف المسلمين ومذاهبهم وقومياتهم ولغاتهم واُصولهم، كما لا فرق بين غير المسلمين في كل ذلك.

نعم، الفارق هو: ان المسلم يُلزم بحكم الإسلام، ولكل اجتهاده ومذهبه، وغير المسلم يُلزم بما التزم به).

غاية القانون شرعيا كان او وضعيا هو (ان يحفظ الفرد والمجتمع الحاضر والآتي عن الأخطار ويوجب له التقدم). كما يرى الامام الراحل، ويضيف قائلا: (لذا سنّ قانون الإلزام وما أشبه ذلك: من إقرار الناس على عقائدهم وعدم اكراههم على عقائد غيرهم، ليقرّب بذلك قلوبهم إلى الإسلام وليخالطوا المسلمين، فيعرفوا فضل الإسلام وواقعيته ويرجوا ثواب الآخرة ويخافوا عقابها، فيسلموا).

ويسجل الامام الراحل عددا من التحفظات حول القانون اذا طبق بتعسف دون النظر الى غاياته، ويسميها الاخطاء من ذلك:

(اجبار الناس على توحيد أزياء ملابسهم، وتوحيد مأكلهم، ومشربهم، وخصوصيات مسكنهم، وأعمار زوجاتهم وأزواجهم، وأوقات عملهم و فراغهم، وألف شيء وشيء آخر من التصوّرات التي هي خلاف الطبيعة والفطرة البشرية).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 1/تشرين الأول/2014 - 5/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م