إنتاجية العنف: نساء غير منتجات

علياء الانصاري

 

يتصدر العراق، اليوم.. لائحة الدول التي تنتج العنف للنساء.

هل سمعتم بهكذا لائحة من قبل؟!

اعتقد نحن بحاجة الى هكذا لائحة، لنرى كيف تعيش النساء في العالم اليوم وما هي الظروف التي تتحكم في مصيرها.

وسأمهد في هذا المقال لتلك اللائحة من خلال القاء نظرة سريعة على اوضاع النساء في العالم العربي/الاسلامي بشكل عام، والعراق بشكل خاص، لأهمية هذا الأمر وخطورة تداعياته على الحياة بأبعادها المختلفة، فالحديث عن النساء لا يخص النساء وحدهن، بل يختزن الحديث عن الاسرة والتربية وانتاج افراد المجتمع ورسم ملامح التغيير في ذلك المجتمع ومدى قابليته للتطور والانتاج. وكذلك يتعلق برسم السياسات وتحديد مناهج الاقتصاد والاجتماع لكل بلد، وسيأتي تفصيل كل ذلك في كتاب خاص سيصدر قريبا.

ما يهمني الاشارة اليه في هذا المقال، هو العنف المنتج ضد النساء في العالم، وما أقصده من (المنتج)، هو القصدية والبرمجية لهذا العنف، اي هو عنف مقصود بذاته وليس حدثا عرضيا ناتجا لظروف معينة قد تكون بإرادتنا او خارج هذه الارادة.

العنف المنتج هو: عنف مخطط له يراد منه الوصول الى غاية محددة تم برمجت الظروف المحيطة والامكانيات المتاحة لتسانده وتسهل تحقيق غاياته على المديات المختلفة.

وهذا العنف منتج، لانه ينتج لنا عنفا! ينتج لنا واقعا مترديا يساهم في إفشاء العنف وتحويله الى ظاهرة طبيعية.. وهذه الظاهرة تنتج لنا عنفا آخر.. وهكذا دواليك.

ما تعانيه النساء اليوم في العالم بشكل عام، هو عنف من هذا القبيل. فلو ألقينا نظرة على اوضاع النساء في العالم العربي/الاسلامي في مجالات: التعليم والصحة والثقافة والسلامة النفسية والامن والسياسية والاقتصاد والنشاط المجتمعي، لوجدنا النساء في مراحل متدنية جدا، كما أنهن مازلن يعشن في دوامة الاستبداد السياسي والديني والعرفي، هذا المثلث الاستبدادي الذي حولهن الى انسان مستهلك، جاهل، حائر، إتكالي، خائف، متردد لا يملك القدرة على اتخاذ القرار او صناعة التغيير في الحياة، اي هنّ (كائن غير منتج).

فالواقع الذي تعيشه النساء اليوم في العالم العربي/الاسلامي، هو واقع تم برمجته لأجل ان يكون واقعا منتجا للعنف، فالعنف لا يشمل فقط ما هو متعارف عليه من انواعه (الجسدي/النفسي/والجنسي و...)، العنف ايضا يشمل الاهمال من قبل الدولة في تغييبها للمرأة في المشاركة والمساهمة في صناعة القرارات او إقصائها من المناصب التنفيذية والتشريعية المهمة في الدولة، وكذلك تضييق فرص حصولها على امكانية القيادة والريادة في المجتمع، ويشمل ايضا عدم وجود تشريعات وقوانين عادلة ومنصفة تضمن حقوقها وحماية حقها في الحياة الكريمة، او تساعد على تمكينها من ممارسة دورها الريادي والقيادي في سياسية البلد على مستوى التشريع والتخطيط او على مستوى التنفيذ.

المرأة في العالم العربي/الاسلامي، تم عزلها وإقصائها وتفريغها من القيمة الانتاجية التي تجعل منها إنسانا، لتبقى قيمة إغوائية باعتبار جسدها الانثوي... وهذا لعمري، أشدّ أنواع العنف الذي وجه إليها والذي للأسف الشديد لا يشار إليه ولا يصنف ضمن أنواع العنف التي تدرس وتعطى في كل مناهج التدريب والتأهيل في العالم والتي تناهض العنف ضدها وتعمل على التقليل منه.

هذا العنف، الذي اسميته في هذا المقال بـ (العنف المنتج)، هو أخطر أنواع العنف الذي على العاملين في مجال حقوق المرأة ان يناهضوه ويضعون الخطط والبرامج لاجل التقليل منه، لانه الجذر الاساس في شجرة العنف ضد المرأة، وهو المؤسس لبقية أنواع العنف والمنتج لها.

وهذا الكائن غير المنتج، يعاني اليوم نوع آخر من العنف، عنف الحياة! العنف الذي يصادر منهن الحياة، سواء حياتهن او حياة ذويهن من الرجال والاطفال، عنف يغتال مصادر الامن في حياتهن، فالرجل سواء كان أبا او اخا او زوجا او ابنا، يشكل مصدرا للامن في حياتهن، وبفقدان هذا المصدر تصبح المرأة كساحة حرب مكشوفة، يمكن لأي عدو ان يجتاحها وبسهولة!

وقد تم اجتياح الساحة المقدسة للمرأة العربية/المسلمة وهتك حرمتها!

فما يحدث للنساء في العراق وفلسطين وسوريا ولبنان واليمن وليبيا ومصر.. والبقية تأتي لاحقا ضمن مخطط انتاج العنف، أوضح وأصدق دليل على ان بلداننا هي الاكثر انتاجا للعنف لنسائها، مع ملاحظة ان هناك بلدان عربية أخرى لم يكشف عن عورتها بعد، ولم تتناولها وسائل الاعلام او الرأي العام بالكشف والإعلان عما يحدث فيها كالبحرين او هناك تشويه للحقائق وعدم الكشف عن حقيقة واقع النساء فيها كما في دول الخليج وبلدان أخرى.

الحياة فينا تمرّ بأخطر مراحلها، النساء في بلداننا العربية والاسلامية يتعرضن للعنف المنتج بقسوة وشراسة، أمام أنظار المجتمع الدولي الصامت غير المبالي، والأدهى من ذلك، أمام أنظارنا نحن..

جلّ ما نفعله، التحليل والنقد وعقد المؤتمرات واقامة ورش عمل واصدار بيانات استنكار والسعي للحصول على منح دولية لأجل سد احتياجات حياتية آنية للنساء وأسرهن والامتنان يغمرنا بان هناك من يعطينا خيم او معونات او ينشر في نشرته الاخبارية صور عنا!!

أي مهزلة نعيشها... وأي انحدار أخلاقي وقيّمي قدنا أنفسنا إليه.

النساء مع اطفالهن في العراء.. يلتحفن السماء ويفترشن الخوف، يطاردهن الموت والاغتصاب والفقر والمجهول، واموال المسلمين تصرف على الفضائيات والعهر وشراء السلاح ومؤتمرات الموت. النساء يقتلهن الخوف والفقر ووجع فقدان الحبيب، وبترول العرب يستثمر في تقدم التكنولوجيا في العالم الغربي وانتاج العنف لنا! يشربون بترولنا ويسقوننا الموت.

 يا ترى كيف سنخطط لأجل مناهضة العنف المنتج ضد نسائنا؟!

وما هي برامجنا للتقليل من هذا العنف على مدى السنين القادمة؟!

علامة استفهام كبيرة ومهمة ترتسم الافق أمام الناشطين في مجال حقوق المرأة والعاملين على إنصافها وتأمين حقها في الحياة الكريمة.

ومهمة حياتية ذات اولوية في جدول أعمال النساء أنفسهن، فلا يمكن ان يحدث أي تغيير بمعزل عنهن وبعيدا عن إرادتهن.. العنف المنتج لا يمكن مناهضته إلا بإرادة النساء أنفسهن.. ورغبتهن في الحياة كإنسان منتج لا كائن مستهلك.

الاستبداد الديني: المقصود منه هو استبداد الخطاب الديني والمفسرين له، فهناك دينان: دين الله القيّم والذي اوصله إلينا عن طريق رسوله وحبيبه محمد (ص)، ودين الاصنام الذي يقوده مجموعة من الاشخاص الذين نصبوا انفسهم اوصياء الله على خلقه، وجاءوا بدين من عند أنفسهم. وهؤلاء هم الان من يقود الخطاب الديني الحالي. وكذلك هم دعامة الاستبداد السياسي وشركاء له.

* كاتبة وناشطة في مجال حقوق المرأة

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 28/آيلول/2014 - 2/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م