في اليوم الوطني أمنيات وأزمات تتجدد

علي ال غراش

 

لقد تحولت المناسبات الوطنية، إلى مناسبة ليحلم المواطن بأمنيات وطنية هي من حقوقه الطبيعية منها: أن يتسع الوطن لكافة المواطنين، وأن تكون قوانين الوطن منبثقة من الشعب مباشرة عبر صناديق الانتخابات، وأن يكون المواطن شريكا في السلطة ويوجد ممثل له في مجلس الشورى عبر الانتخابات لا التعيين، وأن يأخذ رايه في القرارات الوطنية المصيرية، وأن يحصل كل مواطن على حقوقه، وأن تسود العدالة الاجتماعية والمساواة واحترام الحقوق والحريات والتعددية، وأن ينعم الجميع بالكرامة والامن والأمان، لا ظلم ولا نهب ولا سرقة ولا وفقر ولا بطالة ولا تشدد ولا تكفير وتخوين للمواطنين، ولا إعتقالات تعسفية للمواطنين الشرفاء المخلصين المحبين للوطن بسبب المطالبة بالإصلاح الشامل ومحاربة الفساد والمفسدين، ولا لمنع المرأة من الحصول على حقوقها كمواطنة.

وازدادت أحلام وأمنيات المواطنين من عام 2006م حيث حددت السلطة "اليوم الوطني" مناسبة وطنية وإجازة رسمية يحتفى بها لأول مرة، بعدما كان بدعة محرمة من قبل المؤسسة الدينية.

لماذا الشعب يحلم بحقوقه الوطنية التي كان ينبغي أن يحصل عليها؟.

من منع الشعب من حقوقه، وعلى أي أساس يحتفل الشعب وحقوقه مسلوبة طوال هذه العقود منذ تأسيس الدولة الحديثة؟.

ولماذا يحرص البعض على استغلال المناسبة الوطنية للسفر خارج الوطن، هل ضاق الوطن على أهله، أما هو هروب من الواقع المر الذي يتلون باللون الأخضر؟.

الاحتفاء بالمناسبات الوطنية في كل بلد يحكم باسم الشعب حالة طبيعية، وفرحة المواطنين بهذه المناسبة تظهر بشكل تلقائي لرد الجميل للوطن الغالي، وليس الشعب بحاجة إلى تذكير وتشجيع لأحياء المناسبات الوطنية، عبر حملات تكلف مبالغ خيالية للترويج وللعلاقات العامة في الداخل والخارج من خلال وسائل الاعلام المتعددة، وإجبار الدوائر والمؤسسات والشركات الحكومية والأهلية، والموظفين وطلاب المدارس على أحياء المناسبة وإظهار الفرح، والحضور إلى الساحات المخصصة للاحتفاء، كمحاولة لزرع حب الوطن لدى المواطنين!!.

الفرحة بالمناسبات الوطنية، تنبع من حب وقناعة وبطرق حضارية لرفع أسم الوطن عاليا، ونتيجة طبيعية لأن كل انسان له وطن - أرض - ينتمي إليها عاش عليها وتحتضن في داخلها رفات أجداده قبل تأسيس الدول الحديثة، والمواطن يشعر بالكرامة والستر والأمان و الحصول على حقوقه كاملة. وهي مناسبة للتذكير بالحقوق والواجبات الوطنية والمطالبة بها، ومن الغريب أن يُذكر المواطن - المحروم من حقوقه ويعيش في دوامة الخوف والفقر والتخوين والترهيب بالاعتقال بسبب التعبير عن الرأي - بأهمية المناسبات الوطنية ودعوته لأحيائها، وتكريس وسائل الأعلام لاظهار محبة الوطن، وكأن المواطنين مشكوك في وطنيتهم..، وهذا يدل على وجودة أزمة وطنية.

ما أسباب الازمة الوطنية، وهل نجحت الحكومة في تكريس الوطنية لدى المواطنين؟.

حب الوطن حالة طبيعية وفطرية، وليست الحكومة بحاجة أن تذكر المواطنين بالمناسبات التي كان من المفترض أن تكون من أهم المناسبات، وليس بحاجة لتصرف السلطة الأموال الطائلة على استعراضات خارجية وتشجيع على ارتداء ملابس لونها أخضر، بطريقة ساخرة تعبر عن حالة الإحباط لدى الشعب الذي جعل المناسبة فرصة ليعبر عما بداخله من غضب، الوطنية لا تتوقف على ارتداء تلك الألوان دون روح لا تعبر عن حقيقة محبة الوطن بل تحولت المناسبة إلى فرصة عظيمة لسرقة المزيد من الثروة الوطنية، واستغلال المناسبة من قبل أصحاب المصالح الشخصية الذين هم سبب في انتشار الفساد في أرجاء الوطن، والوطنية ليست مادة للتدريس في المناهج التعليمية، مما يدل على وجود أزمة وطنية، ومن أهم أسبابها هي محاولات السلطة لتكون هي فوق الوطن، وأن يكون ولاء المواطنين لها كسلطة حاكمة فقط!.

من المستحيل أن تحصل أي سلطة على الحب الحقيقي للمواطنين، وهي تنصب نفسها مكان الوطن، وتجعل أسم العائلة الحاكمة أسما لوطن عريق له أسماء منذ الاف السنين ويعتبر محل الفخر للعرب وللمسلمين ويحتضن أهم وأعظم شخصية بشرية وهو سيدنا خاتم الأنبياء والمرسلين النبي الكريم محمد (ص)، وذلك بدون أخذ رأي الشعب في اختيار الاسم ونوع الحكم والدستور، وإذا سلطة ما تقوم بتلك الأعمال فالمواطن لن يتفاعل و لن يشعر بأن هذا الاسم يمثله، ولهذا لا بد أن يكون الوطن فوق الجميع وللجميع وفي خدمة الجميع، وليس لشخص أو لأسرة حاكمة.

الوطن ليس مجرد أسم لأرض جغرافية محددة لشعب يعيش على ترابها، إنما هو اندماج بين الدم مع تراب الوطن لتجسيد المواطنة في ظل روح المواطنة الكريمة لوطن عزيز بمثابة الأم الرؤوم الذي يحتضن أبنائه ويعتني بهم ويرعاهم ويدافع عنهم وعن حقوقهم ويساوي بينهم ولا يفرق بينهم، وطن يمثل كافة المواطنين من كل الاطياف والالوان والتنوع الفكري والمناطقي والديني والمذهبي والقبلي، وطن أسمه يمثل المواطنين لا العائلة الحاكمة، ولا لفكر أحادي معين، وطن دستوره وشعاره منبثق من الإرادة الشعبية.

اليوم الوطن - أزاح الغبار عن روح الوطنية الحقيقية المغيبة - وتحول إلى فرصة للشعب للبوح بالحلم الوطني الذي كان غير ممكن سابقا البوح به، حلم بدستور وطني يمثل إرادة الشعب، وحلم بالعدالة والتسامح والحرية والتعددية، والمساواة بين المواطنين والتوزيع العادل للثروة بين الجميع لا ميزة لشخص أو أسرة أو تيار أو منطقة، وتطبيق قانون المحاسبة للمسؤولين وتجريم كل من يستغل السلطة.

لا وطنية مع الظلم والتهميش والاعتقالات التعسفية ومنع المواطنين من حق التعبير عن الرأي والمطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد والإستغلال، والفقر والبطالة وسرقة الاراضي وحرمان المواطنين من الحياة الكريمة عبر امتلاك أرض ومنزل ملك ووظيفة محترمة.

وتتجدد في كل مناسبة وطنية، أحلام وأمنيات الشعب بالحصول على الحقوق الوطنية، والعيش في ظل حياة كريمة لكافة المواطنين، والإفراج عن كافة معتقلي الرأي والاصلاحيين الشرفاء، وتحقيق المطالب الشعبية بالإصلاح الشامل، وطن بلا فقر ولا فساد..، وطن يتسع للجميع.

والأحرار الشرفاء يفتخرون بوطنهم أرضهم، ونحن نحب وطننا، حمى الله الوطن من كل شر.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 27/آيلول/2014 - 1/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م