الأزهر في مصر.. بين التبعية واستقلال القرار

 

شبكة النبأ: يعد الأزهر في مصر احد اهم واكبر المؤسسات الدينية الإسلامية لدى السنّة في العالم. ويسجل التاريخ أن الأزهر أنشئ في أول عهد الدولة الفاطمية بمصر جامعا باسم (جامع القاهرة، وفي الوقت الراهن يرى بعض المراقبين ان سياسة الازهر الحالية، قد تأثرت وبشكل كبير بمجرى الاحداث والمتغيرات السياسية الخطيرة التي تشهده المنطقة العربية بشكل عام ومصر بشكل خاص، خصوصا وان الاحداث الاخيرة التي شهدتها مصر قد أحدثت افراغاً سياسياً أدّى إلى أن يلعب الأزهر دوراﹰ سياسياﹰ ليس جزءاً من عقيدته الأساسية وقد استمرّ في لعب هذا الدور، الذي اصبح يشكل خطر على سياسة الدولة الجديدة خصوصا وانها قد سعت الى اقصاء دور الاسلامين في مصر بعد فشلهم في ادارة الحكم، يضاف الى ذلك ان الازهر قد سعى ايضا الى عقب سقوط نظام حسني مبارك الى فرض استقلالية خاصة تبعده عن سيطرة الدولة.

من جانب اخر يرى بعض المراقبين ان السياسة الجديدة التي يتبعها بعض علماء الازهر، قد تكون لها عواقب وخيمة بين المسلمين في مصر وباقي الدول الاخرى، خصوصا وان العديد منهم يسعى الى تعميق الخلافات الطائفية ونشر افكار التطرف واقصاء الاخر وهو ما يعد مخالف للشعارات واهداف علماء الازهر، ويرى البعض ان تلك التحركات ربما قد تكون لخدمة اطراف وجهات خارجية سعت وبشكل غير مباشر الى فرض هيمنتها على قرارات هذه المؤسسة الدينية المهمة.

آخر معقل للإخوان

وفي هذا الشأن فقد اتخذت السلطات المصرية إجراءات لإحكام السيطرة على جامعة الأزهر أحد آخر معاقل جماعة الإخوان المسلمين بإجراء تعديل قانوني يهدف إلى منع الاحتجاجات العنيفة بالجامعة العريقة. وحظرت مصر جماعة الإخوان المسلمين واعتقل الآلاف من مؤيديها منذ يوليو تموز 2013 عندما أعلن الرئيس الحالي وقائد الجيش آنذاك عبد الفتاح السيسي عزل الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي للجماعة بعد احتجاجات شعبية حاشدة على حكمه.

ومع تضييق الخناق على الجماعة برزت جامعة الأزهر كبؤرة ساخنة في معركتها مع حكام البلاد الجدد. وقال مكتب رئيس الوزراء إبراهيم محلب في بيان إنه شدد خلال اجتماع مع رؤساء الجامعات ووزراء بالحكومة على أن مصر لن تتسامح مع أعمال العنف في أي حرم جامعي. وعادة ما يظهر مفتي الجمهورية وشيخ الأزهر الاحترام للحكام ويصدرون فتاوى تدعم سياسات الحكومة.

لكن جماعة الإخوان تحظى بتأييد قوي بين الطلاب وحتى بين أعضاء هيئة التدريس داخل جامعة الأزهر والكثير منهم يعارض السيسي وحملته على أقدم جماعة إسلامية في مصر. وبينما يستعد الطلاب للعودة إلى الجامعات بعد عطلة صيفية طويلة وافقت الحكومة على تعديل قانون تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها لمنع الاضطرابات داخل الجامعة. وتنص التعديلات على فصل أي طالب أو عضو بهيئة التدريس إذا حرض أو دعم أو شارك في الاحتجاجات التي تعطل الدراسة أو إثارة الشغب أو التخريب.

وخلال العام الدراسي الماضي رسم الطلاب الجرافيتي على المباني وأغلقوا بوابات الكليات ونظموا إضرابات مما دفع إدارة الجامعة لاستدعاء الشرطة. وزاد هذا الإجراء من حدة الغضب بين الطلاب والأساتذة الذين يقولون إن حرم الجامعة مكان له قدسيته. واشتبك الطلاب الموالون للإخوان كثيرا مع الشرطة داخل حرم الجامعة خلال العام الماضي وأشعلوا النيران في إطارات السيارات وألقوا الحجارة على الشرطة في مواجهة الغاز المسيل للدموع. وفي مايو أيار وتحديدا قبل أسبوع من الانتخابات الرئاسية التي فاز بها السيسي قتل مسلحون ثلاثة رجال شرطة عند جامعة الأزهر.

ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية عن مسؤول كبير بوزارة الداخلية قوله إن خطة الوزارة الخاصة بتأمين العام الدراسي الجديد تشمل "تسيير دوريات أمنية ... للمرور على جميع المدارس والجامعات على مدار اليوم الدراسي." وقال حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن التعديلات تأتي في إطار إجراءات أمنية تهدف للتخويف وتضييق الخناق على جماعة الإخوان المسلمين والجماعات المتصلة بها. ويرى نافعة أن الإجراءات الأمنية ليست كافية للتعامل مع المشكلة. ولم يصدر أي تعليق على الفور من المسؤولين بجامعة الأزهر.

وقبل الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك في انتفاضة شعبية عام 2011 كان هناك ما يعرف بالحرس الجامعي وهو قوة شرطية مكلفة بحراسة الجامعات إلى جانب قمع الاحتجاجات ومراقبة المعارضين. وصدر حكم قضائي قبل الانتفاضة بوقت قصير يمنع الحرس الجامعي من دخول الجامعة لكن صدر حكم آخر في وقت سابق هذا العام يسمح للشرطة بالتدخل إذا ارتكبت أفعال مخالفة للقانون.

وقال نافعة إن هناك شعور عام داخل الجامعات بفقدان الحريات وتزايد القمع. وأضاف أن التضييق لا يشعر به مؤيدو جماعة الإخوان وحدهم بل تشعر به مجموعات أخرى من بينها اليساريون والليبراليون. ومع اتساع دائرة قمع الدولة للمعارضين تراجعت احتجاجات الشوارع. ويعتقل ناشطون بتهمة خرق قانون لتنظيم التظاهر أقر العام الماضي والذي يمنع التجمعات العامة لأكثر من عشرة أفراد دون موافقة مسبقة من وزارة الداخلية. بحسب رويترز.

ومنذ تطبيق هذا القانون أصبحت الجامعات من بين الأماكن القليلة في مصر التي يمكن التعبير فيها عن المعارضة. لكن المخاوف من عام دراسي جديد حافل بالاضطرابات دفع بعض الجامعات لإصدار تعليمات تمنع الطلاب من التعبير عن انتمائهم الحزبي داخل الحرم الجامعي. ونقلت صحيفة المصري اليوم الخاصة عن رئيس جامعة القاهرة جابر نصار قوله "دائما نقول: لا بد أن تخلع عباءتك الحزبية عند باب الجامعة لأنها مكان للعلم لكن للأسف عقب ثورة ٢٥ يناير (2011) تحولت إلى ساحة للصراع السياسي." وأضاف "هذا القرار سيطبق على كل الأسر (الجامعية) المؤيد منها للسلطة والمعارض لها دون استثناء."

الأزهر والشيعية

على صعيد متصل وبعد يوم على نفي جامعة الأزهر لسفر وفد منها برئاسة الاستاذ المعروف، الشيخ أحمد كريمة، إلى إيران، عادت المؤسسة الدينية الأكبر لدى السنّة في العالم إلى الإقرار ضمنا بحصول الزيارة واتخاذ قرار بتجميد عضوية كريمة لدى المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، بانتظار البت بقضية الزيارة وقيامه بإلقاء محاضرات في حوزات شيعية.

وكانت جامعة الأزهر قد نفت سفر وفد منها برئاسة كريمة، الأستاذ المتفرغ بالجامعة، إلى الحوزات الشيعية في إيران، مشددة على "عدم صحة" ما تداولته وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في هذا الصدد، معربة عن "استيائها الشديد من هذا الخبر" وأنها "لم توفد أحدا أو مجموعة في مهمة رسمية إلى الجهة المذكورة."

واستطردت الجامعة بأنه في حال صح ذلك فإنه يعد "افتئاتا صارخا على الأزهر وجامعته وتصرفا مخالفا للقانون" مع تأكيد أن أي حديث يصدر عن الوفد "لا يعبر إلا عن صاحبه فقط وتحتفظ الجامعة بحقها في اتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة في هذا الشأن." وقرر أحمد علي عجيبة، الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، والذي يرأسه شيخ الأزهر أحمد الطيب "تجميد عضوية" كريمة من أعمال ولجان المجلس، "لحين انتهاء التحقيقات التي حولته إليها جامعه الازهر، بسبب سفره إلى إيران وإلقاء محاضرات بالحوزات الشيعية دون تنسيق مع الجامعة" وفقا لبوابة الأهرام الرسمية.

وكانت زيارة كريمة قد جددت الجدل حول وصول "المد الشيعي" إلى الأزهر، بعد نحو أربعة شهور على انتشار مقاطع فيديو تظهر أحد شيوخ الأزهر يرفع "الأذان الشيعي" في أحد المساجد بالعراق. وذكرت "وكالة أنباء الحوزة الشيعية" أن "زيارة كريمة كانت رسمية من الأزهر"، تفقد خلالها مؤسسات إعلامية ودينية في مدينة "قم"، مركز الحوزات الشيعية في إيران، ولفتت إلى أنه "أثنى على جهود الحوزة، وتطور المؤسسات الإعلامية التابعة لها."

كما نقلت أن أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر "قدم مشروعاً للتعاون المشترك بين الحوزة الشيعية الإيرانية وجامعة الأزهر"، كما اقترح تنظيم مؤتمرات مشتركة لمواجهة "التطرف الإسلامي"، بحسب التقارير، كما دعا "رئاسة الحوزة" إلى نقل تجاربها ونشاطاتها إلى الدول العربية والإسلامية.  كما أشارت التقارير، ووفقاً للوكالة الإيرانية، إلى أن الحوزة الشيعية عرضت على "وفد الأزهر" مشروعاً لتبادل البعثات الدراسة بين مصر وإيران، وأعلنت استعدادها لاستقبال الطلبة المصريين، وغيرهم من دول عربية وإسلامية أخرى، للدراسة بالجامعات والحوزات الشيعية في إيران.

ويُذكر أن الشيخ كريمة كان قد أثار جدلاً في وقت سابق من العام الجاري، بعد ظهوره في مقابلة على فضائية "المنار"، التابعة لـ"حزب الله" اللبناني، الموالي لإيران، وأدلى بتصريحات اعتبرها البعض "مسيئة" لصحابة النبي محمد و"الخلفاء الراشدين"، كما وصفت بأنها تعكس "حقيقة اعتقاداته الشيعية." وقال الشيخ خلال المقابلة: "الشاهد في المسألة، أن الخلافة، بغض النظر عمن تولاها، الصديق أو الفاروق أو عثمان أو علي، رضي الله عن الجميع، انتزعت من سيدنا علي انتزاعاً، وأمور دبرت بليل ضده، وضد سيدنا الإمام الحسن رضي الله عنه، وضد سيدنا وإمامنا الإمام الحسين رضي الله عنه وأرضاه." بحسب CNN.

وكان وكيل الأزهر، الدكتور عباس شومان، قد أكد في مايو/ أيار الماضي، أنه سيتم تطبيق قرار منع تلاوة القرآن في الجامع الأزهر، على كل من ثبت رفعه للآذان "الشيعي الباطل"، في أعقاب نشر مقطع فيديو يظهر القارئ المصري المعروف، فرج الله الشاذلي، يقوم برفع "الأذان الشيعي" في مسجد بالعراق.

وقال شومان، في تصريحات أوردها موقع "أخبار مصر"، نقلاً عن وكالة أنباء الشرق الأوسط آنذاك، إن الشيخ الشاذلي "تعرض للخداع"، لافتاً إلى أن "الحادث" وقع قبل سنوات، ويجب أن يكون عبره للأخرين من أجل التنبه إلى "مكر وخداع الشياطين"، على حد قوله. وتُثار قضية التشيع في مصر بين فترة وأخرى، حيث تتهم قوى سلفية السلطات الإيرانية بمحاولة نشر المذهب الشيعي، الأمر الذي تنفيه طهران، ومرت العلاقات السياسية بين القاهرة وطهران مؤخراً بمراحل من "المد والجزر"، وإن كان الفتور هو المسيطر عليها.

دكتوراه فخرية

من جانب اخر وللمرة الثانية في غضون شهر واحد، يحصل العاهل السعودي، الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، على شهادة الدكتوراه الفخرية من "الأزهر الشريف"، أو إحدى أكبر المؤسسات التابعة له، وهي "جامعة الأزهر" في مصر. وقرر "المجلس الأعلى للأزهر" منح "الدكتوراه الفخرية العالمية" إلى الملك عبدالله بن عبدالعزيز، "تقديراً لجهوده المخلصة في خدمة الإسلام والمسلمين في العالم"، بحسب ما أورد موقع "اخبار مصر"، نقلاً عن وكالة أنباء الشرق الأوسط.

وأشاد المجلس الأعلى، خلال اجتماعه برئاسة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الذي يُعد أحد أكبر المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي، بـ"جهود خادم الحرمين الشريفين، لخدمة قضايا الإسلام والمسلمين، والأمة العربية والإسلامية، ولما يقوم به لدعم وحدة الأمة الإسلامية." من جانبها، نقلت وكالة الأنباء السعودية عن الطيب قوله إن قرار منح الدكتوراه الفخرية للملك عبدالله، يأتي "تقديراً لاهتمامه البارز، الذي يعرفه القاصي والداني، بقضايا الأمة العربية والإسلامية، وكذلك لموقفه المشرف وموقف المملكة العربية السعودية الشقيقة تجاه مصر، الذي يطوق أعناق المصريين جميعاً." بحسب CNN.

وأكد شيخ الأزهر أن قرار منح الدكتوراه للعاهل السعودي "ليس من باب المجاملة، لكنه من باب الإحساس الصادق، والتقدير الكامل لمواقفه.. التي لا ينكرها أي مسلم على وجه الأرض"، لافتاً إلى دعم الملك عبدالله "الدائم والمستمر، للقيادة المصرية، وللشعب المصري." ويُذكر أن مجلس جامعة الأزهر، أكبر مؤسسة تعليمية دينية في مصر، كان قد قرر في يوليو/ تموز الماضي، منح شهادة "الدكتوراه الفخرية" للملك السعودي، مستنداً إلى نفس الأسباب التي أوردها المجلس الأعلى للأزهر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 24/آيلول/2014 - 28/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م