الضغط الاقتصادي على الحوزات العلمية

أسبابه ونتائجه

 

شبكة النبأ: قبل البدء بتناول الاسباب التي تقف وراء الضغط الاقتصادي الذي تقوم به بعض الحكومات ضد الحوزات العلمية، لابد ان نوضّح ماذا نعني بالضغط الاقتصادي وما هي الاساليب التي تُعتمَد من لدن الحكومات في هذا المجال، ولعله من الامور المعروفة ان الحوزة العلمية لها كيانها التنظيمي الاداري والعلمي والعملي الراسخ، ومعروف لنا جميعا تلك الخدمات الانسانية العلمية العديدة التي تقدمها الحوزة العلمية، عبر مؤسسات متخصصة تنتمي إليها، وهذا الامر يتطلب تمويلا ماديا كافيا.

فعلى سبيل المثال هنالك طلبة كثيرون يدرسون في الحوزات الدينية، وهؤلاء تُصرَف لهم رواتب شهرية، من مالية الحوزة الخاصة التي غالبا ما تحصل عليها من التبرعات والحقوق الشرعية، فضلا عما يُصرَف في مجالات اخرى كثيرة، تخص التبليغ وسواه، من هنا لابد ان تكون هناك مصادر تمويل للحوزة، وهذه المصادر كما ذكرنا تتمثل بالتبرعات والاموال الشرعية وما شابه، وهي اموال تشترط فيها الحوزة ان تحافظ على استقلاليتها، بمعنى أن هذه الاموال ينبغي أن لا تشكل ضغطا على قراراتها المستقلة.

لذلك تلجأ بعض الحكومات الى الضغط الاقتصادي على الحوزات العلمية وفق أساليب عديدة سنأتي لاحقا على ذكرها، والسبب بطبيعة الحال يهدف الى تحقيق تبعية الحوزة العلمية للحكومة، ومن هذه الاساليب مراقبة التبرعات والمتبرعين من لدن الحكومة، واجهزتها الادارية التي غالبا ما تقوم بوضع المعوقات اللازمة لعدم وصول مبالغ التبرعات الى الحوزة العلمية، كي تبقى دائما بحاجة الى التمويل، وكي تضطر الى قبول المعونات المالية الحكومية لها، والتي لا يمكن ان تقدمها الحكومة للحوزة من دون مقابل.

بمعنى ان الحكومات عندما تقوم بدعم الحوزة العلمية ماليا، فإنها تريد ان تحصل من ذلك على تأييدها لسياسات الحكومة، بغض النظر عن سلامتها تجاه الشعب والفرد على حد سواء، وبهذا ستضمن الحكومة تحييد الرأي العام، اذا ما تمكنت توظيف، الحوزات لصالحها من خلال تمويلها بالأموال، ولكن في حقيقة الامر لا يمكن للحكومات المستبدة أن تشتري الحوزة العلمية الحقيقية بسبب تمسكها باستقلاليتها، لأنها تعي ان الشرط الأول لتأثيرها في الناس عموما، هو عدم تبعيتها للحكومة بأي شكل من الاشكال.

من المعلوم للجميع أن الاسباب التي تعقب إجبار الحوزة العلمية على الرضوخ للارادة الحكومية، سوف تكون وخيمة ليس على الامة وحدها وانما على النظام السياسي نفسه، ومن هذه الاسباب انتهاج الأساليب الخاطئة لبعض الحكومات في ادارة الدولة، وتفرد القائد الأعلى وحكومته في السلطة، وسعي هذه الحكومات المستبدة لفرض سلطتها بالقوة بعيدا عن الراي الحقيقي فيها للناخب، او عبر اساليب الترهيب والترغيب، كي تضمن عدم معارضتها وتفردها في صنع القرار، متناسية أو متغابية عن الدور المهم للمعارضة وللحوزات العلمية في اسناد الحكومات، من خلال تأشير الاخطاء بمختلف انواعها ومجالاتها والحث على معالجتها.

وغالبا ما تكون الحوزة العلمية في الصف المعارض للحكومات الفردية، ونظرا للتأثير الكبير للحوزة العلمية في الرأي العام، فإن هذه الحكومات الفردية، تحاول أن تضمن بشتى السبل والوسائل كسب ميول الحوزات الى جانبها، لكي تضمن تأييد الرأي العام لها، حتى لو كانت سياساتها وقراراتها لا تصب في صالح المجتمع عموما، فتلجأ تلك الحكومات الى اسلوب الضغط الاقتصادي على الحوزات العلمية كي تسلب منها استقلاليتها.

ومن الاسباب الاخرى، محاولة بعض الانظمة السيطرة على مقاليد الدولة، واقصاء الرأي المغاير لرأيها والمضاد لسياساتها، لذلك تعمل هذه الانظمة على ضرب المعارضة باساليب عديدة، قد تصل حد التصفية التي تمثل آخر الكي، بعد أن تستخدم الحكومات القمعية اساليب المنع والملاحقة والنفي والسجن والتعذيب وما شابه، فضلا عن سعيها بصورة مستميتة لاستمالة الحوزة العلمية لجانبها، واذا تحقق ذلك للحكومة فإن الحوزة العلمية سوف تفقد تأثيرها في الناس، وعندما تصبح الحوزة العلمية تابعة للحكومة بسبب الضغوط الاقتصادية عليها، سوف يتبع ذلك نتائج خطيرة على الجميع، بما في ذلك النظام السياسي نفسه، لهذا تُنصَح الحكومات بعدم استخدام الضغط الاقتصادي لتجريد الحوزات العلمية من شرط القرار المستقل لها.

ومن النتائج الخطيرة لاستخدام بعض الحكومات، اسلوب الضغط الاقتصادي على الحوزات العلمية، انها ستؤدي الى اضعاف الحوزات، وعدم قدرتها على اقناع المقلدين لها بصحة قراراتها، لأن العلاقة بين الحوزة والمقلدين لها تقوم على الاستقلالية والصدق والاقناع وانتهاج السبل الشرعية الصحيحة، وكل هذا سوف يتصدع عندما تحاول الحكوما أن تضع الحوزة تحت معطفها.

ومن الملاحظ حسبما يتوافر لنا من تجارب عبر مئات السنين المتعاقبة من الصراع بين الانظمة السياسية والحوزات العلمية، أن الحكومات المستبدة غالبا ما تفشل في هذا الصراع لان الحوزات المؤثرة، تعلم ان فقدانها لاستقلاليتها سيفقدها التأثير في الرأي العام، فضلا عن النهج المستقل للحوزات الدينية عبر تاريخها، لذلك غالبا ما يفشل اسلوب الضغط الحكومي الاقتصادي على الحوزات بسبب تمسك الاخيرة بخيار الاستقلالية، كونه يمثل معيارا أساسيا لثبات علاقتها بالمقلدين الذين يمثلون الشرائح والمكونات المختلفة للمجتمع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 24/آيلول/2014 - 28/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م