يبدو إن الحصار الإيراني نجح الى حد بعيد في فرض رؤية طهران التي
تريد لها أن تحكم المنطقة، فالخطأ الأمريكي المتمثل بإحتلال العراق
العام 2003 كان أحد أهم عوامل نجاح المشروع الإيراني حيث عرف
الإيرانيون كيفية إستغلال الفرصة التاريخية التي لاتتكرر إلا كل عشرة
آلاف عام، أو أكثر واحكموا نفوذهم في العراق بفعل الغالبية الشيعية
التي تمكنت من زمام الحكم والسلطة، بينما شعرت الدول العربية السنية
إنها خسرت نفوذها وبوابتها الشرقية وجبل النار الذي كان يقيها من نفوذ
الإمبراطورية الفارسية المتجذر، ولم تكتف إيران بذلك بل تقدمت على جميع
المحاور ومتنت علاقتها بالمنظمات الدينية السنية والشيعية من شمال
أفريقيا حتى جنوب تركيا بما فيها الحركات المقاومة للإحتلال الإسرائيلي
في فلسطين.
التحالف التاريخي مع نظام الرئيس الراحل حافظ الأسد في سوريا كان
فاعلا في ترسيخ ذلك الحضور المتزامن مع وجود روسي متصاعد في المنطقة
وعلى ضفاف المتوسط النقطة الوحيدة المتبقية بالفعل لمحور روسيا إيران،
لكن حنكة الأسد وقدرته على الإمساك بزمام قضايا عدة في آن واحد دفع
بإتجاه حلف أكثر حيوية من كل الأحلاف في المنطقة، ولم تستطع المحاولات
السعودية الأمريكية من تقويضه خاصة مع إمتداده الى لبنان ووجود حزب
الله القوي، ثم تحالفه مع حركة حماس التي تواجه إسرائيل بقوة وتحقق
مكاسب نوعية، وكان نجاحها متكررا، حيث تستغل إيران خوف العرب من أمريكا
وعدم قدرتهم على الوقوف في وجه إسرائيل، ولم يكن من بد لحماس سوى
التعايش مع الإيرانيين الذين يخالفونهم في المذهب لكنهم يقابلونهم في
الرؤية المتشددة بالنسبة لإسرائيل.
كل تلك المكاسب المتحققة لإيران لم تكن كافية، حيث تحولوا الى اليمن
متحالفين مع الحوثيين الذي يملكون القوة والنفوذ والقدرة والخبرة
الكافية للتحرك بإتجاهات مختلفة مكنتهم من الوصول اخيرا الى صنعاء التي
تعد العاصمة الثانية للسعودية، ليكونوا اليوم أقرب الى تشكيل جديد
لنظام حكم مختلف عن السابق المعهود في اليمن، بينما لاتمتلك الرياض
الكثير من الخيارات وهي تترقب التطورات وتحاول معاضدة بعض القوى التي
تعمل على وقف التمدد الحوثي. ربما نجحت السعودية في وقف التوسع
الإيراني في السودان ومصر مؤقتا لكنها لن تنجح لأسباب مرتبطة بالطبيعة
الإيرانية التي لاتستسلم ولاتتردد ولاتتوقف ولاتترك مشروعا قبل تحقيق
منجز فيه، وهو مايخالف الطبيعة العربية التي لاتمتلك الصفات التي
تمكنها من المنافسة طويلة الأمد.
تحاصر طهران الرياض من الشمال والجنوب وتعمل على تطويق المنطقة
بالكامل، بينما لايريد العرب إدراك ذلك والتفاهم معه، بينما تعرف
واشنطن حقيقة مايجري وتحاول العمل على تفاهمات جديدة في حين تصر
السعودية على الإعتراض والرفض لاأكثر، ولاتقدم شيئا ملموسا على الأرض،
وهي بحاجة الى نوع من البراغماتية التي تمكنها من التعاون والتفاوض
وصناعة الصفقات..
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة
النبأ المعلوماتية |