أوجه التشابه بين الروح والمدينة

في جمهورية افلاطون

حاتم حميد محسن

 

من الثابت ان الجمهورية ليست الترجمة الدقيقة للكلمة اليونانية القديمة politeia، والتي يتراوح معناها من "ظروف وحقوق المواطن" الى "دستور الدولة". الترجمة الصينية للكلمة والتي تعني الدولة المثالية تذهب ابعد من ذلك في تعريف جمهورية افلاطون ككتابة طوباوية. غير ان السرد الاسطوري لافلاطون او سقراط عن المدينة المثالية وقوانينها يبدأ لاحقاً في الكتاب الثاني من الجمهورية. حيث هنا سيواجه تحدّي غلوكون (Glaucon) الصارم، اي، ليوضح ما هي العدالة والكيفية التي تكون بها العدالة افضل من اللاعدالة. هذه المهمة تقود سقراط الى تبنّي استراتيجية في الجدال. فهو بدلاً من الفحص الديالكتيكي للتعريفات التقليدية للجمهورية في الكتاب الاول، سيحاول بناء نظريته الخاصة في العدالة بطريقة اكثر صراحة ووضوحاً.

(ادمينتوس) يقاطع سقراط مشيراً الى انه من غير السار للإنسان ان يكون حاكما. فاذا كان الحاكم ليست لديه ملكية خاصة، فهو لا يستطيع ابداً ان يذهب في سفرة او يحافظ على عشيقته، او يعمل الاشياء التي يعتقد الناس انها تجعلهم سعداء. يرد سقراط بتذكير اصدقائه ان هدفهم ببناء هذه المدينة هو ليس لجعل كل جماعة منفردة سعيدة على حساب الجماعات الاخرى. الهدف هو لجعل المدينة بأكملها سعيدة باقصى ما يمكن. نحن لا نستطيع تزويد الحكام بنوع من السعادة التي يمكن ان تجعلهم شيئا آخراً غير الحكام. هو يقارن هذه الحالة ببناء التمثال. افضل الالوان جمالاً في العالم هو اللون البنفسجي purple- اذا كانت نيتنا هي جعل عيون التمثال بأجمل ما يمكن، فمن الافضل ان نصبغها بلون بنفسجي. ولكن طالما لا يوجد انسان لديه عيون بنفسجية فان هذا سوف ينتقص من جمال التمثال ككل، وبالتالي سوف لن نصبغ العيون بلون بنفسجي. في التمثال، كما في المدينة، يجب ان نتعامل مع كل جزء بشكل تناسبي، لكي نجعل الموقف جيدا لكل الاجزاء.

يستمر سقراط في معالجة عدة مواضيع بشأن اسلوب حياة الحكام. هو يقول لمحب النقود ادمينتوس بانه سوف لن تكون هناك ثروة او فقر في المدينة ابداً طالما لا توجد هناك نقود. ادمينتوس يعارض ذلك بالقول بان المدينة بدون نقود لا تستطيع الدفاع عن نفسها ضد الغزاة، لكن سقراط يذكّر ادمينتوس بان مدينته ستمتلك احسن المحاربين ويشير الى ان اي مدينة مجاورة ستكون سعيدة لتأتي لمساعدتنا لو وعدناها بجميع غنائم الحرب. سقراط يحدد حجم المدينة محذراً من ان لا تصبح المدينة كبيرة لدرجة يصعب حكمها جيدا في ظل النظام الحالي. هو يقترح بان يضمن الحكام تعليمهم قبل كل شيء آخر، وانهم يتقاسمون كل شيء بشكل مشترك بما في ذلك الزوجات والاطفال. هو يصرح بان المدينة العادلة لا حاجة فيها لإستخدام القوانين. اذا كان تعليم الحكام يتم وفق ما مخطط له، عندئذ سوف يكون الحكام في موقع يقرروا فيه اي قضية تبرز في مجال السياسة. كل شيء يتعلق بمسائل القانون يمكن تركه لحكم الحكام المتعلمين جيدا.

يعلن سقراط ان المدينة العادلة هي تامة. بما ان هذه المدينة خُلقت لتكون الافضل، فان كل مانحتاج عمله هو النظر الى مدينتنا ونعرّفها. لذا سننظر الآن في كل من الفضائل الاربع وهي الحكمة والشجاعة والاعتدال والعدالة.

نأتي اولا الى الحكمة. الحكمة تكمن في الحكام guardians بسبب معرفتهم بكيفية ادارة المدينة. اذا كان الحكام (الفلاسفة) لا يحكمون – اي في حالة الديمقراطية، فان فضائلهم سوف لن تُترجم الى فضيلة للمدينة. ولكن طالما هم في ظل المسؤولية، فان حكمهم يصبح فضيلة للمدينة. الشجاعة تكمن في المحاربين auxiliaries. هي تُنسب لهم فقط. الشجاعة تُحسب كفضيلة للمدينة لأن المحاربين هم الذين يجب ان يقاتلوا لأجلها. الفلاح الشجاع وحتى الحاكم، سيجعل المدينة غير جيدة. الاعتدال والعدالة هما على عكس الحكمة والشجاعة، تنتشران في كل انحاء المدينة. الاعتدال يتحدد بالاتفاق حول منْ يجب ان يحكم المدينة، والعدالة، اخيرا،هي المكمل لها – مبدأ التخصص، هو قانون فيه يقوم الجميع بأداء الوظيفة المناسبة.

الآن وصلنا الى احد اهدافنا الاثنين، نحن عرّفنا العدالة في مستوى المدينة. مهمتنا القادمة هي ان نرى ان كان هناك مقابل او نظير اخلاقي على مستوى الفرد.

سقراط عرض في النهاية تعريفا للعدالة. هذا التعريف يحمل تشابها قويا لتعريفين للعدالة وردا في الكتاب الاول. سيبولوس اعتبر العدالة تكريماً او تمجيداً للالتزامات القانونية بينما ابنه بوليمارشس نظر الى العدالة باعتبارها مساعدة اصدقاء المرء وايذاء اعدائه. هذان التعريفان ارتبطا بأهمية اداء ما هو مطلوب، او اعطاء كل شخص ما يناسبه. هذه الاهمية الحاسمة هي ذاتها تجد تعبيراً مختلفاً لها في تعريف افلاطون للعدالة – كترتيب سياسي يلعب فيه كل فرد الدور الملائم. ما هو مطلوب لكل فرد هو ان يُخصص له دور في المجتمع يناسب طبيعته بافضل ما يمكن ويخدم بافضل صورة المجتمع ككل.

الآن وبعد ان عرّف سقراط العدالة المجتمعية، يعود للبحث عن العدالة الفردية. العدالة في الفرد كما في المدينة تستلزم علاقات سلطة صحيحة بين الاجزاء، كل جزء يشغل دوره المناسب. في الفرد ليست "الاجزاء" طبقات المجتمع، بل انها مظاهر للروح او مصادر للرغبة.

لكي يجعل حالة العدالة الفردية توازي العدالة السياسية، يؤكد سقراط ان هناك ثلاثة اجزاء دقيقة ومتميزة للروح. بتصنيف مختلف الرغبات الانسانية، هو يحدد الجزء العقلي من الروح الذي يتوق لقوة الحقيقة، والجزء العاطفي من الروح الذي يتوق الى الشرف، والجزء الشهواني من الروح الذي يتوق الى كل الاشياء الاخرى مثل الطعام والشراب والجنس والثروة. الجزء الرغبي، او الجزء المحب للنقود، هو مظهر الروح الاكثر بروزا بين الطبقة المنتجة، الجزء المحب للشرف هو الاكثر بروزا بين المحاربين، اما الجزء المحب للمعرفة فهو المهيمن في طبقة الحكام. العلاقات العادلة بين الاجزاء الثلاثة للروح تعكس العلاقات العادلة بين طبقات المجتمع. في الفرد العادل، الجزء العقلي من الروح هو الذي يحكم الاجزاء الاخرى، بينما الجزء العاطفي يعمل كمساعد للمحافظة على الشهوات لتسير في نفس الخط. لنقارن هذا بالمدينة حيث نجد طبقة الحكام الحاكمة المحبة للحقيقة، وطبقة المحاربين المحبين للشرف تعمل كمساعد لهم من اجل ابقاء المنتجين المحبين للنقود في نفس الخط. ما يعنيه لأحد الاجزاء من الروح لـ "يحكم" الاجزاء الاخرى هو لكي تتابع كامل الروح رغبات ذلك الجزء. في الروح المحكومة بالجزء الروحي، مثلا، كل الروح تهدف لتحقيق الشرف. في الروح المحكومة بالرغبة، كامل الروح تهدف لتحقيق هذه الشهوات سواء كانت طعام او شراب او جنس او ثروة.

في الروح العادلة، تُسخّر الروح كليا نحو انجاز ما ينتجه العقل من رغبات حب المعرفة.

بوليمارشس polemarchus وسيبوليس cephalus لم يكونا مخطئين كثيرا، حيث انهما باتباعهما الافكار التقليدية كانا يعتقدان ان العدالة مجموعة من الافعال وليست تركيب للمجتمع. شجاعة المدينة حسب سقراط، تقع على المحاربين لأن شجاعتهم وحدهم هي التي تؤثر على كل المدينة. يستمر سقراط بالقول ان ما يمتلكه المحاربون هو ليس مجرد الشجاعة وانما شيء آخر يسمى الشجاعة المدنية civic courage. المحاربون يمتلكون العقيدة الصحيحة حول ما يجب الخوف منه وما لا يجب. بعض الباحثين اعتبر هذا النوع من الشجاعة كصنف ثاني للشجاعة. شجاعة المحاربين تقوم على العقيدة الصحيحة وليس على المعرفة. هو يشير في آخر الكتاب، ان الفضيلة الحقيقية يجب ان تتأسس على المعرفة، مقترحا ان الفضيلة المرتكزة على العادات والعقائد وليست على المعرفة ستفشل عندما يصبح الموقف اكثر خطورة. بما ان الحكام هم فقط منْ يمتلك المعرفة فهم سيكونون فضلاء حقا.

الآن يكون سقراط قد انجز بالكامل هدفه الاول: هو عرّف العدالة في كل من المستويين السياسي والفردي. لكنه مع ذلك في اعطاء تفسير للعدالة، هو انحرف عن مفاهيمنا البديهية حول ماهية هذه الفضيلة. نحن نميل للتفكير في العدالة كمجموعة من الافعال، غير ان سقراط يدّعي ان العدالة هي حقا نتيجة لتركيب الروح. بعد تحديده للعدالة الفردية هو يبين ان الفرد الذي روحه في الترتيب الصحيح سوف يتصرف طبقا للمفاهيم البديهية للعدالة. يحتاج سقراط اثبات ان فكرة العدالة التي وصلنا اليها توا هي ليست في تضاد مع بداهتنا. سقراط يشير الى انه طالما ان الفرد العادل محكوم بحب الحقيقة، فهو سوف لن يكون في قبضة الرغبة، او الطمع او الرغبة في الشرف. وبسبب هذا يدّعي سقراط نحن نستطيع الاطمئنان بانه سوف لن يسرق او يخون الاصدقاء او مدينته او يرتكب الزنا او لا يحترم والديه او ينتهك القسم والاتفاقيات او يتجاهل الله او ارتكاب اي شيء آخر غير عادل. حبه القوي للحقيقة يُضعف الرغبة التي تقود للرذيلة.

...................................

المصادر:

1- sparkNotes, philosophy study guide, The republic, Plato, book IV, 419a-434c

2- rethinking Bernard william’s criticism of the city-soul analogy in plato’s republic, pcking university

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 24/آيلول/2014 - 28/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م