ثمن الدور الايراني في قتال داعش ..

تبادل المصالح ومقايضة البرنامج النووي

 

شبكة النبأ: الى حدٍ بعيد اصبحت الرؤية واضحة لمحاور الصراع في المنطقة، فهنالك المحور الايراني، يقابله المحور الخليجي – العربي، وفي الوسط يقف المحور الاميركي – الغربي، والساحة هي العراق، أما الهدف والغاية فهي تحقيق مصالح اقتصادية وسياسية بعيدة المدى تحت شعار محاربة الارهاب متمثلاً بتنظيم ما يسمى بـ "داعش" في العراق، ولم يعد خافياً الدور الايراني في هذه الحرب. حيث ترد معلومات من مصادر متطابقة قيام عسكريين ايرانيين بتدريب افراد الحشد الشعبي على فنون القتال للدفاع عن مدنهم او المشاركة في إلحاق الهزيمة بعناصر "داعش" في المناطق التي يحتلونها، وهذا يتم في داخل العراق وايضاً في المدن الايرانية.

لكن الحديث هنا عن الثمن والآثار المترتبة على هذا الدور وغاياته، والذي يعده البعض في العراق بانه "تدخلاً" في الشؤون الداخلية وتضعيفاً للروح الوطنية.

المتابعون لمجريات الامور في الميدان، يرون أن ايران غير معنية بالمرة بما يروج له من حديث عن تهديدات "داعش" في المنطقة والعالم، ولا يشكل هذا التنظيم أي خطر عليها، لا من قريب ولا من بعيد، بفضل النظام الامني والمخابراتي المتبع هناك، مما يؤهلها لأن تعرض خدماتها العسكرية والفنية على العراقيين لمواجهة الخطر الداهم الذي على مدنهم، لاسيما وأن اقدام "داعش" وصلت على مسافة حوالي مائة كيلومتر عن العاصمة بغداد، حسب مصادر متطابقة، بعد ان سيطروا بصورة بالكامل على مدن رئيسية مثل الموصل و تلعفر وتكريت.

بالمقابل فان الولايات المتحدة والعواصم الغربية المعنية بالملف العراقي، يعنيها كثيراً تحركات هذا التنظيم الارهابي، كون جذوره لم تنحصر في الاردن وسوريا ومصر، إنما في اميركا وبريطانيا وبلاد غربية اخرى، فمن قاعات المحاضرات والمراكز والمؤسسات التي يديرها متطرفون ومتعصبون "اسلاميون" تخرّج الذباحون والقتلة المحترفون وتم تصديرهم الى بلادنا، وهم يحملون عقلية مغلقة ومنطوية على تفسير خاص للدين، فهم يريدون تسيير هؤلاء في العراق وسوريا في الوجهة التي لا تصطدم مع مصالحهم في المنطقة والعالم، ولا يتكبدوا خسائر كبيرة.

وتأتي في المقدمة مسألة النظام السياسي الحاكم في العراق، الذي لم يستقر حتى الآن على صيغة مرضية لجميع الاطراف الداخلية والخارجية، ويؤكد سياسيون في بغداد، أن ظهور رئيس للجمهورية ورئيس للوزراء ورئيس لمجلس النواب مع الوزراء والنواب والمساعدين والمستشارين و.. كل ذلك لا علاقة له بالمشكلة الاجتماعية والسياسية القائمة على جذور طائفية في العراق.

فثمة علاقة طردية بين المكون السنّي وبين الدول الراعية لها، وتحديداً السعودية والاردن وتركيا، وهي دول تحيط بالعراق حالياً بما يشبه الطوق الخانق، يضاف الى الحدود مع سوريا التي تعد في كثير من الاحيان تابعة لهذا المحور، نظراً لسيطرة "داعش" على اجزاء كبيرة منها. فهنالك مصلحة قومية عميقة الجذور لدى هذه الدول في العراق، وتعد هذا البلد عمقها القومي أمام التوسع الايراني في المنطقة. كما للمكون السنّي ايضاً، وتحديداً لانصار النظام السابق مصلحة كبيرة تمثل الحياة او الموت في هذا الصراع الدائر. فعندما يلتقي الاثنان في نقطة ما، نشهد ارتفاع وتيرة التفجيرات والاغتيالات على الهوية والقتل الجماعي البشع، وعندما تصل القضية الى التسوية والتفاوض لايجاد حلول سلمية وسياسية، نلاحظ تحركات مريبة للتخريب ما لم تتحقق المصلحة للاثنان معاً وليس لطرف دون آخر.

المحللون في وسائل الاعلام يذهبون الى أن ايران تقايض الولايات المتحدة بالمشاركة في قتال "داعش" بإظهار مزيد من المرونة في الملف النووي، وإعطاء ايران هامشاً آخر من حرية تخصيب اليورانيوم الذي قيدته اتفاقية جنيف العام الماضي بنسبة (5) بالمئة، وفي الفترة الماضية حاولت ايران خلال جولات التفاوض حول هذا الملف، ومن خلال تحركاتها في المنطقة تحقيق هذا المطلب الاستراتيجي والحيوي، إلا انها – حسب الظاهر- اخفقت لوجود الرفض الاميركي – الاسرائيلي المزدوج.

بينما هنالك محللون آخرون يرون العكس من ذلك، وهو مقايضة الاميركيين ايران، الانتصارات العسكرية في العراق أمام "داعش" بالإصرار على إطلاق المشروع النووي الايراني. فاذا كان الايرانيون يصرحون بأن التكنولوجيا النووية تمثل لهم مصدر قوة واقتدار ومنعة امام التحديات الخارجية، فان الوجود السياسي والعسكري في العراق  لايقل اهمية، اذا لم يفق باهميته المشروع النووي، لان ببساطة هذا المشروع ماضٍ في طريقه بشكل او بآخر وتحت الاقبية السرية، بيد ان الساحة الملتهبة في العراق لا تسمح بأي حال من الاحوال بالغياب ولو لحظة واحدة.

وهذا ما يفسر التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف مؤخراً في نيويورك بأنه "في الوقت الذي كانت الاطراف الاخرى منهمكة بالعمل لعقد اجتماع استعراضي، بادرنا عملياً وبصورة جدية لدعم الحكومة والشعب العراقي للتصدي لتهديدات تنظيم داعش الارهابي على الفور". وهو بذلك يشير الى المؤتمر الدولي الذي عقد في جدّة والآخر الذي عقد في باريس لمناقشة سبل مواجهة هذا التنظيم الارهابي. من هنا يمكن القول أن الحديث عن تنسيق اميركي – ايراني في الحرب ضد "داعش" يُعد امراً مفروغاً منه في الوقت الحاضر، رغم التصريحات والادعاءات الايرانية بنفي أي تنسيق وتعاون او مشاركة ايرانية في التحالف الجديد بقيادة واشنطن، لان الاخيرة مصرّة على جر الجميع في خيمة واحدة وتحقيق توازن مطلوب للقوى في المنطقة، والتقليل من حالة التغوّل الايراني المزعج للدول الخليجية والعربية، بحيث تقبل ايران الموجودة في العراق اساساً، بتوازن قوى بين المكونات الموجودة، وأي فشل او اخفاق في هذه الصفقات فان الشعب العراقي سيدفعها، وهو يفعل ذلك باستمرار وبشكل يكاد يكون بديهياً رغم الآلام والنزيف الرهيب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 22/آيلول/2014 - 26/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م