شبكة النبأ: الإسراف في ابسط تعريف
له، هو الزيادة في الاستهلاك لأسباب لا تستوجب ذلك، لذلك لا يصح
الاسراف كونه يؤدي الى صرف الموارد في غير محلّها أو مجالها الصحيح،
واذا عرفنا ان الموارد المتاحة للانسان في كوكب الارض، لا تتعلق بمن
يعيش فيه حاليا، واذا اتفقنا على ان هذه الموارد هي ملك للجميع بمن
فيهم الاجيال اللاحقة، هنا سوف نعرف حجم المخاطر والتجاوزات التي تنتج
عن الاسراف، وتؤدي الى تناقص موارد الارض، بسبب عدم التعامل بالصورة
الصحيحة في استهلاك هذه الموارد.
ولا يتوقف الامر عند حالة الاستهلاك الخاطئ للموارد، بل يتعداه الى
نشر التلوث الخطير في الموارد، الامر الذي يجعل منها قاتلة بدلا من ان
تكون مانحة للحياة، وهذه هي وظيفتها الحقيقية، وهكذا تكون عملية الضرر
التي تلحق بالموارد مزدوجة، الاول الاستهلاك الفائض عن الحاجة، والثاني
هو إلحاق التلوث بالموارد، ودائما يكون الانسان هو المسبب، علما ينبغي
ان يكون هو أكثر الكائنات حرصا على موارد كوكب الارض لاسباب عديدة،
منها انه اول المحتاجين لها، والمستفيدين منها، فضلا عن مسؤوليته
وتفوقه على كائنات الارض كلها!.
يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي
(رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (الفقه: البيئة)، حول هذا
الموضوع: (مما يستنـزف موارد البيئة ويزيد فـي تلوّثها الإسراف في كل
شيء، والإسراف عبارة عن الزيادة غير اللازمة في الشيء الذي أصله صحيح
مثل إضاءة مصباحين في الغرفة بينما لا تحتاج الغرفة إلـى أكثر من مصباح
واحد، فالمصباح الثاني يكون إسرافاً). إذن فالاسراف حالة تضر بالفرد
والمجتمع دائما، وهي نتاج للعشوائية واللامبالاة في التعامل مع الموارد،
بمعني ان الانسان يعتاد السلوك الخاطئ فيسيء استعمال الموارد، ربما من
دون ان يقصد، تماما مثل الكائن الذي يؤذي نفسه من وعي منه، مثال ذالك
عندما لا نتعامل بدقة مع استهلاك الطاقة الكهربائية المتوافرة لنا،
ونسرف في استخدامه لاسباب لا توجب ذلك، عند ذاك ستكون هناك مخاطر غير
محسوبة نتعرض لها.
كما يؤكد الامام الشيرازي في قوله: (كذلك لا يصح الإسراف والتبذير
والإفراط في استهلاك الكهرباء حيث أنه يؤدي إلى زيادة عبء محطات
التوليد الكهربائي.ومعنى ذلك زيادة في استهلاك الوقود المستخـدم لإغراض
الإنتاج وزيادة تلوّث الهواء بسبب حرق كميات كبيرة من الوقود).
الاسراف في الماء
ومن صور الاسراف في التعامل مع موارد الارض المتاحة للانسان، منها
على سبيل المثال الاسراف في الماء، فالانسان غالبا ما يتعامل مع هذه
المادة وكأنها مجانية، أو أنها غير قابلة للنضوب، وهو تصور غير صحيح
طبعا، كذلك هذا التعامل يدل على عدم تقدير صحيح لأهمية الماء في حياتنا،
علما أن الماء هو السبب الرئيس لاستمرار الحياة وجعل الاحياء على قيدها،
كما تنص الآية الكريمة (وجعلنا من الماء كل شيء حي)، وهذا يدل على
اهمية الماء في حياة الكائنات الحيّة كلها، وهو ما يجعل الانسان ازاء
مسؤولية مضاعفة بشأن التعامل السليم مع الموارد المائية المتاحة له.
يقول الامام الشيرازي في كتابه المذكور نفسه حول هذا الموضوع: (هناك
صـور مختلفة للإسراف في مختلف المجالات وكلها مما تسيء إلى البيئة
فتستنـزف مواردهـا، وهي محرّمة، مثل: الإفراط في استهلاك المياه، فإن
الله سبحانه وتعالى خلق الماء وجعله سبيلاً للحياة وكان أول مخلوق لله
سبحانه وتعالى الماء فوضع عرشه عليه كما قال سبحانه: وكان عرشه على
الماء/ سورة هود: الآية 7).
هنا تكمن اهمية الماء عندما يكون المخلوق الاول، وعلى الرغم من أن
الدين الاسلامي أوجب الغسل والوضوء بالماء لاداء الصلاة، إلا أنه قنّن
هذا الامر، فوجّه بعدم الافراط بالماء حتى لو كان الامر يتعلق بفريضة
الصلاة وهي عمود الدين، وفي هذا درس واضح وكبير للانسان على أهمية
التعامل السليم مع الموارد المائية، حرصا على عدم الاستهلاك الخاطئ لها،
وتفكيرا في الاجيال القادمة وحقها في الماء كما هو حق الاحياء تماما.
لذلك يؤكد الامام الشيرازي هذا الامر، ويوجّه به، من خلال ما ورد في
كتابه نفسه عندما قال الامام: (وإن أوجب الاسلام الغسل والوضوء لكن جعل
الإسراف في استعمال الماء فيهما محرماً أيضـاً). وعندما يصل الامر الى
تحريم الاسراف في استخدام الماء حتى من اجل اداء فريضة الصلاة، فإننا
نستطيع أن نستكشف مدى الاهمية التي يوليها الاسلام لقضية اساسية في
حياة الانسان، ألا وهي مقارعة الاسراف بكل انواعه.
الاسراف في الطعام والتجمّل
ومن صور الاسراف الاخرى التي نلاحظ وجودها في حياتنا بقوة، هي
الاسراف في تناول الطعام، عندما يغدو الانسان ضعيفا امام الاطعمة
والمأكولات، وعندما يجهل من ناحية اخرى تلك المخاطر الصحية التي قد
تكون قاتلة، بسبب تناوله للاطعمة من دون مراعاة النوع او الكمية، تحت
ضغط الشهية، وغالبا ما يؤدي هذا النوع من الاسراف في الطعام الى نتائج
تؤذي صحة الانسان، منها ما يحدث بشكل آني فوري، ومنها ما يتفاقم ويشكل
خطرا على حياة الانسان بمرور الزمن، أما الضرر الآني نتيجة للاسراف في
الطعام فهو يتمثل بالتخمة وعسر الهضم، فتتحول نكهة الطعام الطيبة الى
ألم يؤذي الانسان الأكول، فيما تكون امراض ارتفاع ضغط الدم والسكري
والجلطة القلبية او الدماغية وسواها، من الامراض التي تنتج بصورة
تراكمية تزداد مخاطرها مع تقدم الانسان في العمر.
لذا يؤكد الامام الشيرازي محذّرا في هذا المجال وقائلا في كتابه
نفسه: (لا يصح الإسراف في الطعام، فإن الإنسان إذا أسرف في الطعام لم
يستطع أن يهضمه بشكـل صحيح حيث يصاب بالتخمة وعسر الهضم، والمعدة بيت
الداء كما إن الحمية رأس الدواء). ويؤكد الامام الشيرازي قائلا في هذا
الصدد: (إن الإسـراف في الطعام يؤدي إلى الجسامة ومن ثم يعرِّض الإنسان
لأمراض القلب وارتفـاع الضغط وأمراض الكلى والسكر والدهن وغير ذلك من
الأمراض الكثـيرة).
كذلك هناك اسراف في مجال التجمّل أو التجميل، واذا كان التبرّج
قديما في حضوره وتاريخه المعروف، عندما كانت النسوة يتبرجن بصورة
مغالية، أي أكثر من المقبول، فإن التجميل لم يعد محصورا بالتبرّج، ولا
بنوع الملابس التي يرتديها النساء والفتيات، فقد تطوّر التجمّل! ليشمل
ملابس الفتيان والشباب تقليدا للغرب، فضلا عن التجميل الذي انتقل الى
جسد الانسان، فهناك آلاف العمليات التجميلية التي تُجرى يوميا على
اجساد النساء وحتى الرجال، وهذا في الحقيقة يمثل اسرافا غير معقول في
التجمّل، الامر الذي يدل على انشغال في امور ليست جوهرية، خاصة اذا
فاقت المعقول والمقبول.
نعم إن الله جميل ويحب الجمال، ولكن على الانسان أن لا يسرف في هذا
المجال، فكل شيء يتجاوز حدّه ينقلب ضدّهِ، إن الجمال مستحب، ولا احد
يكره التجمّل أو الجمال، ولكن شرط أن يبتعد الانسان عن الاسراف.
كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي في قوله: (من موارد الإسراف، الإسراف
في التجمل لأنه يوجب إسرافاً في المادة وفي العمل اللازمين لصنع مواد
التجمـل ؛ صحيح: إن الله جميل يحب الجمال. كما ورد في الحديث
الشريف وذلك مستحب لكن بالقدر المقرر شرعاً، إذن الإسراف في
الجمال أيضاً كالإسراف في سائر الأشياء). |