كردستان جبهة أمامية لحروب بالنيابة

علي الأسدي

 

في العاشر من شهر يونيو\حزيران الماضي حلت في العراق عبر الموصل مخلوقات غريبة الأشكال متعددة الأجناس والجنسيات واللغات بأزياء ورايات بلون ظلام القبور على متن مئات السيارات الحديثة الصنع المجهزة بكافة أصناف الأسلحة دخلوا وكأنهم في رحلة صيد للتسلية ومروا بسلام دون أن يتحداهم أحد من شرطة حدود الدول التي مروا بها أو خرجوا منها. تركيا لا تعرف عنها شيئا، السعودية والأردن تحشدان قواتهما على حدودهما مع العراق تحسبا من تسللها الى داخل بلديهما، بقية دول الخليج لا تعلم شيئا، الولايات المتحدة تفاجأت، ومع كل ذلك الترحال من مكان انطلاقها حتى دخولها بلادنا المستباحة لم ترصدها أقمارها التجسسية التي ترصد حتى حركة الوطاويط في ظلمة الليل الحالك وبما يدور في غرف نوم قادة دول العالم.

 وحتى بعد مرور أكثر من شهرين على دخولهم بلادنا لا يصرح الأمريكيون من أين جاءوا ومن كان وراءهم أو تهدد بعقابهم، فهل يريدون أن يقنعونا بأنهم هبطوا من السماء أو أنهم خرجوا من جوف الأرض..؟؟

الكثير من التقارير الصحفية أشارت بأصابع الاتهام للولايات المتحدة بعد تدفق تلك المخلوقات المتوحشة الى بلادنا باعتبارها المشرف والمسئول الأول عن انشائها أما الدول الأخرى التي ترددت اسماءها بكونها وراءها كتركيا والسعودية وقطر فكانت تنفذ تعليمات السيد المشرف. وكان أهم القائلين بذلك السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة للرئيس اوباما خلال ولايته الأولى فقد اعترفت في مذكراتها التي صدرت بكتاب في وقت سابق من هذا العام ولا أحد شكك بتلك الادعاءات المهمة أو اصدر نفيا رسميا لرواية السيدة كلينتون.

الناشط في حركة " ANTI WAR " والكاتب المتخصص في الشئون الأمريكية تيد سنايدر ألقى مزيدا من الضوء على حقيقة الدور الأمريكي أنقل للقارئ العزيز مقتطفات مهمة منه حيث كتب فيه قائلا: " أمريكا تفعل ما يعجبها، فاذا لم يمنعوا داعش فيعني ذلك انهم لم يرغبوا بمعارضتها أو تحديها، واذا لم يعارضوها فلأنهم يعتبرون تقدمها متفق مع سياستهم وأهدافهم في المنطقة. فما هي أهدافهم..؟؟ للاجابة على هذا السؤال لابد من القاء نظرة على المناطق التي تتقدم نحوها أو التي احتلتها. لقد احتلت جزءا من سوريا والعراق وتتحرك صوب لبنان وهي مناطق لإيران فيها نفوذ. امتداد داعش لم يكن صدفة، فاهدافها تتماشى مع أهداف الولايات المتحدة بالضبط. واذا ما خرجت داعش عن الخطة المرسومة وتحولت نحو الأردن فان اسرائيل واحتمال أمريكا ستساعد الأردن. امريكا لهذا لم توقف داعش عن تنفيذ خطتها، لأنها في الواقع تنفذ خطة الولايات المتحدة بتغيير الأنظمة واضعاف ايران."

وفي جزء آخر من مقاله الطويل يكتب تيد قائلا: " هذا النموذج جرى تطبيقه مع المجاهدين في أفغانستان وحاليا مع المجاهدين المتطرفين في سوريا ومع النازيين الجدد والنازيين في أوكرانيا. وهذا أمر لا يتنافى مع ما اعتادت الولايات المتحدة عليه خلال تاريخها فهي تعارض داعش في كردستان بينما تسكت عنها في بقية العراق، وتدعمهم في سوريا. نجاحات داعش معناها اسقاط أو تغيير أنظمة غير موالية لها مثل ايران وحليفاتها. الأمر في الظاهر يبدو أن أمريكا غير مؤيدة لداعش، لكنها بتحالفها مع السلطنة الوهابية في السعودية تبدو مؤيدة لداعش وهكذا مع الانظمة اللاديمقراطية والديكتاتورية فما دامت تخدم مصالحها فانها تحظى بدعمها وما أن تتغير المصالح تسحب تأييدها لها. وهذا يسري على داعش، فأمريكا صمتت طوال الوقت عن داعش لأنها تخدم أهدافها في اضعاف الحلف العراقي الايراني. أما لماذا خرجت عن صمتها وهددت داعش فلأنها اقتربت من كردستان فهذه محسوبة على التحالف الأمريكي – الاسرائيلي".

فما يضفي على الموضوع المزيد من الجد والهزل بنفس الوقت قيام الولايات المتحدة هذه الأيام بتأسيس حلف دولي يشارك فيه حوالي الأربعين دولة من اصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة بما فيهم عشرة دول عربية للقيام بعمليات عسكرية ضد منظمة قاموا هم بتمويل نشاطاتها وتشجيع مواطنيها للسفر والمشاركة في نشاطاتها الارهابية في سوريا والعراق. والمضحك المبكي أنه رغم الأربعين دولة التي ستساهم فيها لا يوجد لتلك الدول أي قوات على الأرض تقاتل بها العدو الجبار داعش فما معنى حرب بدون عساكر على الأرض، ليت كل الحروب القادمة على هذا الطراز. أليست هي حرب جديدة بكل المواصفات تشنها الولايات المتحدة ضد عدو وهمي اوجدته وتريدنا نحن دول المنطقة المشاركة فيها لتحقيق اهدافها التي لا نعرف عنها غير هدف مقاومة داعش.. ؟؟

انه السياق نفسه الذي شنت وفقه الحرب على العراق عام 2003 لاحتلاله بدعوى اسلحة الدمار الشامل، وعبر النموذج نفسه يحاول الرئيس الأمريكي اقناع شعبه وحلفائه بضرورة الاستعداد لقتال داعش التي تهددهم جميعا، أنه أسلوب للاستخفاف بعقول الشعوب، لكن ليس لأوباما وحلفائه الجرأة لقول الحقيقة والافصاح عن الغرض الحقيقي وراء الاستعداد لحرب عالمية مصغرة جديدة. فقد تستغرق ثلاث سنوات أو اكثر كما قال الرئيس أوباما ما يعني أنها جاءت للعراق لتبقى وليس لقيادة حرب خاطفة على غرار الحرب لتحرير الكويت. فهذه المرة وقد تعلمت الولايات المتحدة الدرس فبدلا من ارسالها جنودها والتضحية بحياتهم أتت بجيوش من صنعها توجه هي نشاطاتها لقتلنا على الأرض بينما تقوم طائراتها بالقتل من فوق، هذا ما تفتق عنه عقل صناع السياسة الأمريكيون الذي كان وراء انشاء منظمة القاعدة الارهابية في ثمانينيات القرن الماضي التي هي داعش اليوم.

الهدف غير المعلن هو في التفاصيل التي لم تعلن عنها، وهذا ما يثير مخاوفنا، فنحن دولة صغيرة تداولتها دول كبرى وفرضت عليها سياساتها التي تخدم مصالحها اولا فاستنزفوا جزء كبيرا من ثرواتنا ولم يتيحوا لنا حق اختيار طريقنا أو حكومات نحن نختارها، وما أن نختارها بارادتنا الحرة حتى نواجه العزل والتآمر وتشجيع النزاعات بين مكونات شعبنا ولا يتوقفوا حتى يعيدونا الى العصر الحجري. وها نحن في مواجهة عدو خرج ألينا من حيث لا ندري بحجج ومشاريع سياسية – دينية ما قبل الحضارات تتعارض مع عصرنا الذي نحن فيه وان لم نقبل تشهر السيوف لقطع رؤوسنا.

المشروع الداعشي يثير فينا الشكوك والحذر من اي خطوة نخطوها وأي نصيحة نسمعها فذاكرتنا تحمل الكثير من الألم ومشاعرنا جبلت على الحزن والحسرة وانعدام الأمن والثقة وضياع الآمال. ولهذا ننظر بخشية لتوجهات حلفائنا الأمريكيين وخططهم التي يضعونها التي ظاهرها الحرب على داعش أما باطنها فغير مفهوم ولا واضح، ولا ندري ان كانت هناك نوايا تدفعنا للهاوية. هل يسعون لفرض مشروع بايدن لتقسيم بلادنا التي لا نحبها الا موحدة بشمالها وجنوبها وشرقها وغربها، ولانرضاها إلا بالعيش معا عربا وكردا وتركمانا، مسيحيين ومسلمين وصابئة وأيزيديين وشبك، سنة وشيعة. ولا نحترمها الا بوجود الجوامع والكنائس ودور العبادة الأخرى جنبا الى جنب يؤمها من يرغب بسلام ومحبة وإخاء وحرية. هكذا كنا وهكذا نريد للعراق أن يكون، ولا نشعر بوجودنا بأننا أحياء إلا في هكذا عراق وإلا فلا نعتبرها حياة.

ما نخشاه أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتحويل العراق وبخاصة كردستان الى أوكرانيا ثانية كقاعدة أمامية للتحالف الغربي وكأداة للحرب الباردة الجديدة ضد روسيا وهذا لا يخدم استقرار بلادنا والمنطقة. وما يثير شكوكنا ما يجري حاليا على ارض كردستان من قواعد عسكرية ومراكز تجسس غربية أمريكية واسرائيلية والعمل بكثافة غير معهودة لتحويل كردستان الى ترسانة للاسلحة. وقد باشرت دول الحلف الأطلسي بشحن مختلف الأسلحة الخفيفة والثقيلة وبكميات كبيرة اليها بحجة تمكينها من محاربة داعش. ويجري على قدم وساق تدريب المزيد من الشباب الكردي على استخدام الاسلحة الحديثة يشارك في تدريبهم أمريكيون واسرائيليون وقادة عسكريون سابقون من النظام الصدامي السابق. ومع التمهيد لبناء قواعد عسكرية في كردستان ما يؤشر الى ان هناك حروبا وليست حربا واحدة على داعش. ويطرح هنا تساؤل مشروع: أليس على جدول حلفائنا الأمريكيين هدف تغيير الأنظمة غير المرغوب فيها مثل سوريا وايران..؟؟

فما يجعلنا نثير ذلك السؤال هو وجود جماعة مجاهدي خلق الايرانية المعارضة الموجودة في بلادنا على مقربة من الحدود الايرانية تحت حمايتنا لكن باشراف الأمريكيين. ان داعش قد تكون غطاء بنفس الوقت الذي يشير دخولها العراق ونجاحها في فرض هيمنتها على حوالي 30% من مساحة العراق اختبارا ممتازا لما يمكن القيام به من قبل مجاهدي خلق وداعش لاقتحام الحدود الايرانية للاستيلاء على الحكم بتعاون مسبق مع متآمرين من داخل القوات المسلحة الايرانية. ان مثل هذه الخطة فيما لو بوشر بتنفيذها فعلا وفي حالة يتم اكتشافها فأن تبعاتها ستكون خارج التصور وستجعل من كردستان هدفا سهلا ومشروعا للقوات الايرانية الارضية والجوية لن تتعافى منه أبدا.

الحجة بأن رفع جاهزية الشباب الكردي لمحاربة داعش هي خدعة سياسية يرتكب البرزاني خطأ كبيرا إن لم يكشفها لشعبه والأسوء من ذلك أن يتكتم بها عليه حلفائه الأمريكيون والاسرائيليون. التبرع بالسلاح بتلك الكميات وراءها ما وراءها، فلا اسرائيل ولا أمريكا ولا بريطانيا ولا فرنسا جمعيات خيرية يتبرعون لوجه الله، انهم يبحثون عن وجود في كردستان ووقودا لحروبهم القادمة في المنطقة. وما الحرب على داعش الا واحدة من لعب الأطفال مقارنة بالحروب الأخرى غير المعلنة، ويخطأ سيادته إن اعتقد انه يحقق الانتصار فيها مع كل تلك الترسانة من السلاح، فلو كان للأمريكيين لوحدهم القدرة على هزيمة القاعدة لما استمروا يقاتلونها في افغانستان للسنة الرابعة عشرة وهم من اوجدها ولم يحققوا صفرا في المئة من هدفهم بينما ما يزالون يقدمون التضحيات هناك.

ان القوة العسكرية المنوي تشكيلها من دول صديقة للولايات المتحدة لمحاربة داعش هي أول الغيث فهي على غرار القوة التي شكلتها في خمسينيات القرن الماضي للحرب ضد كوريا الشمالية. تلك الحرب التي دخلتها تركيا مفتونة بشعار الحرب ضد الشيوعية تحت راية الحلف الأطلسي ففقدت معظم قواتها ولم يعد منها الى بلادهم الا عددا ضئيلا من حسني الحظ، ولهذا السبب تتردد تركيا اليوم من المشاركة في الحرب الحالية، فالواضح أن دور الأمريكيين في حروب أوباما الحالية والقادمة هي الاشراف على موت الآخرين فقط.

وكجزء من الثمن المطلوب من البرزاني تقديمه مقابل اعتراف الغرب واسرائيل باستقلال كردستان هو جعلها قاعدة أمامية لتلك الحروب يكون شبابها وقودا سهلا، ولو كانوا يؤمنون حقا بحق تقرير مصير الشعوب لاعترفوا بحق شعب فلسطين بتقرير مصيره على وطنه المحتل من قبل اسرائيل منذ عشرات السنين وهو دليل لا يحتاج الى اثبات. انهم ياسيادة الرئيس يحولون كردستان الى أوكرانيا ثانية في الشرق الأوسط. فالولايات المتحدة غير مستعدة لفقد قطرة دم واحدة في الصراع مع روسيا وهذا ما يمكن ملاحظته بوضوح في حرب الأوكرانيين لبعضهم بعضا بينما يكتفي التحالف الأطلسي باصدار بيانات التحريض على مزيد من سفك الدماء. انها حرب بالنيابة وهذا ما يخطط لشعبنا الكردي وشعوب المنطقة، اليوم داعش وغدا سوريا وبعدها ضد أخوتهم العراقيين في بقية العراق، وربما خلالها أو بعدها ضد ايران في قادم الأيام. فالهدف الامريكي من كل ذلك هو روسيا ولكن قبل ذلك يجب قلب ميزان القوى في ايران لصالح التحالف الغربي.

رسالة الولايات المتحدة الى داعش كما عبر عنها الكاتب والصحفي الأمريكي مايك ويتني هي على الوجه التالي: " يمكنكم قتل أي عدد من العرب والمسيحيين كما تشاؤون، لكن اذا وضعتم اصبعكم على النفط فنحن سنحولكم الى رماد ". ويتساءل: أليست هذه هي الرسالة..؟؟ ويجيب: بالطبع هي." لكن الكاتب ويتني الخبير بشئون رئيسه أوباما لم يشر الى مستقبل نفط الوسط والجنوب العراقي الذي لم تهيمن عليه أوكسون موبايل وأخواتها بشكل مطلق كما في كردستان. وهو أمر غير مقبول من قبل الولايات المتحدة التي ضحت بحوالي خمسة آلاف من قواتها في احتلالها للعراق من اجل الهيمنة على احتياطياته النفطية بينما آلت أكثر تلك الاحتياطيات للصينيين والروس والبرتغاليين والفرنسيين.

وهذا ما لم يعرفه المالكي ويأخذه في الاعتبار قبل أن يتعاقد وزير نفطه مع تلك الشركات النفطية. ساذج ومسكين المالكي لم يعرف حتى اليوم الأخير من وجوده في منصبه أنه على قائمة الموظفين المؤقتين لدى الأمريكيين ولم يتعلم أبدا من تجارب التاريخ ان ليس للامبرياليين أصدقاء أو حلفاء دائمين وان العلاقة معهم تعتمد على مقولة شعبية عراقية حكيمة " سلمِ - بلمِ " وليته هو من أخذ بها وليس الأمريكيين. لقد تجاوز المالكي الخطوط الحمراء الأمريكية دون أن يدري، فعقده صفقة سلاح مع الروس باربعة مليارات دولار كانت بحجم خطيئة آدم ولذا وجب عليه أن يدفع الثمن ويقبل بأي منصب في حكومة العبادي ويجلس جنبا الى جنب مع أعدائه السياسيين السابقين... وإلا.. !!

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 22/آيلول/2014 - 26/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م