التحالف الدولي ضد داعش وذريعة الدخول الى العراق

 

شبكة النبأ: الحرب بالنسبة لكثير من الدول والشعوب في العالم، فرصة لاختبار القوى والقدرات في المجالات كافة، كما هي فرصة لاكتشاف نقاط القوة والضعف، لذا نجد ان الشعوب التي خرجت من تحت انقاض الحروب، تحولت - بمعظمها- الى دول لها شأنها ومكانتها في محيطها الاقليمي وايضاً في العالم أجمع، وهذا يتم عندما يتم تحديد نقاط الضعف والخلل في البنية الاجتماعية والاقتصادية وقبلهما السياسية، بل في عموم النظام السائد، لان الحرب حالة استثنائية أشبه ما تكون بالدخان المنبعث من نار مشتعلة في منطقة سكنية، فانه يخترق الابواب والنوافذ ويدخل البيوت والمحال التجارية وكل مكان.

لقد مرت على العراق اكبر و أعظم تجربة حرب في تاريخه، متمثلة في الحرب التي قادتها الولايات المتحدة مع حلفائها في عام 2003 للاطاحة بنظام صدام بذريعة امتلاكه ما يسمى باسلحة الدمار الشامل، وهو ما حصل فعلاً.. وتمت الاطاحة بهذا النظام كما تم تفكيك كل الاجهزة التي كانت تمثل دعامة وأساس لحكم صدام، مثل الجيش والمخابرات والأمن، ومن المعروف أن أبرز مهمة للجيش هي الحفاظ على الحدود، فيما تعد المهمة الابرز للأمن الحفاظ على الاوضاع الداخلية من أي خرق او تهديد يتعرض له المجتمع.

ومنذ الايام الاولى لاسقاط صدام، تبين للعالم أن العراق عاجز عن مواجهة استحقاقات مرحلة ما بعد صدام، إلا بمساعدة قوات التحالف التي أسقطته، وتحديداً القوات الامريكية. والدليل على هذا الحرب الدموية التي خاضها العراق والعراقيون مع "الارهاب"، التي اندلعت بدايةً بوقود "ايديولوجي" على يد قتلة محترفين جاؤوا من الخارج، يتقدمهم الاردني ابو مصعب الزرقاوي الذي زرع بذرة "الدولة الاسلامية"، ثم باتت تتغذى على شحنات طائفية، وقد اثبتت الايام والاجراءات والاموال بمليارات الدولارات، عجز المسؤولين العراقيين في مختلف مفاصل الدولة، عن إخماد هذه الحرب، او الخروج بالعراق الى واحة السلام، لاسيما وأن الحديث المرادف في العراق، هو "العملية السياسية" و"التجربة الديمقراطية" و"إعادة الاعمار والبناء". حتى أن هذا العجز المفضوح كرس الشعور بالخيبة المؤلمة والشعور بالاحباط وفقدان الثقة عند الناس، بأن يتحول العراق يوماً، ذلك البلد المنيع والمعطاء والمتقدم.

فبعد تلك السنوات المريرة التي تحول فيها العراق الى مسرح لحرب عصابات بالوكالة بين جماعات مسلحة من مختلف الانتماءات وبين القوات الامريكية التي كان يُنظر اليها على أنها "محتل" لابد من "مقاومته"، نشهد بأم أعيننا إثبات جديد على العجز العراقي لمعالجة مشكلة اجتماعية – تاريخية، حسب المتابعين والمراقبين، وهي مشاركة المكونات الرئيسية الثلاث في المجتمع العراقي: الشيعة والكُرد و السُنة، في صنع القرار السياسي وبناء البلد بشكل يضمن مصالح وطموحات الجميع، بمن فيهم سائر المكونات الاجتماعية الموجودة. فقد أشاد المسؤولون العراقيون بالتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والبالغ عدده (40) دولة من مختلف قارات العالم، وتحت راية الأمم المتحدة، من اجل هدف واحد؛ القضاء على "داعش"..!.

الاميركيون والبريطانيون أكدوا على لسان مسؤوليهم الكبار في مقدمتهم الرئيس أوباما، أن لا حرب برية في هذه الحرب الجديدة، ولا مشاركة لقوات امريكية على الارض، والخطة المعلنة حالياً "مساعدة العراقيين على التخلص من داعش"، من خلال استمرار القصف الجوي الذي تقوم به حالياً مقاتلات امريكية واخرى فرنسية لمناطق تواجد الارهابيين. بمعنى أن السيناريو القادم لن يكون عسكرياً بامتياز انما ترتيب اوراق سياسية داخل العراق بضغط عسكري – دولي، وليس فقط اميركي، كون أن "الارهاب الداعشي" تمركز اليوم في العراق وهو يشكل تهديداً للمنطقة والعالم.

لكن المصادر الرسمية الغربية لم تفصح حتى الآن عن كيفية "مساعدة العراقيين" في الانتقال الى مرحلة جديدة في العملية السياسية؟. وهو ما فعلته بالضبط، حتى الساعات الاخيرة من الحرب ضد نظام صدام، حيث بقيت الاحزاب والجماعات السياسية المعارضة في الداخل والخارج في حيرة من أمر الاميركيين وما سيفعلونه مع صدام ونظامه والعراق بشكل عام..!.

بيد أن المعطيات على الارض، وتبلور صورة المشهد  السياسي بعد تجربة حكم مشتركة بين الشيعة والسنة الكُرد، ربما يبين ملامح المرحلة القادمة التي تمثل الهدف والغاية القصوى من كل هذا الحشد الدولي والاهتمام البالغ بالامر العراقي في العالم.

المراقبون يشيرون الى وجود اتفاق شبه مبرم بين الاطراف الاقليمية والدولية على تحقيق التوازن النهائي في الحكم بالعراق بما يضمن وجود الجميع في مركز القرار الكائن في بغداد. وأن عهد الحكومة المركزية القوية، وما سعى  اليه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بـ "حكومة الاغلبية السياسية"، وما شابه ذلك، سيكون من الماضي ولا عودة له. ولعل الكلمة الاولى لهذا السيناريو كتبت في جدّة ثم جاءت المتابعة في باريس وبموازاتها ثمة اجتماعات هناك وهناك في العواصم المعنية للخروج بصيغة مرضية للاطراف الاقليمية والدولية يجد فيها الجميع مصالحهم محفوظة في هذا البلد، وإلا ما سر التحول في الرأي بخصوص مشاركة ايران في هذا التحالف، فبالأمس القريب كانت مبعدة، والآن صارت مقربة..؟!.

وما يؤكد هذا وجود جيوب تمرّد عصيّة على الاختراق في اكثر من منطقة حرب تخوضها القوات العراقية معها مجاميع "الحشد الشعبي"، ابرزها في ناحية "حرف الصخر" في محافظة بابل والمجاورة لقضاء المسيب القريب من كربلاء المقدسة، وايضاً في قضاء "الصقلاوية" شمال غرب الفلوجة، وتبعد عن بغداد (65) كيلومتراً، وعندما نقول: "قضاء" بمعنى وجود سكان مدنيين واهالي لهم مساكنهم ومراعيهم واراضيهم الزراعية. وقد ذكرت المصادر أن في "الصقلاوية" حوالي (300) جندي وضابط عسكري محاصرون من قبل "داعش" وينتظرون الامداد لانقاذهم..! إذن؛ يمكن تأكيد القول، بأن الحديث عن "داعش" في هذه المقاومة الشرسة والعنيدة امام كل الحملات العسكرية المدعومة بالقصف الجوي والمدفعي، يبدو مبالغاً فيه، ومحاولة واضحة لابعاد الفتنة الطائفية عن الساحة. وقد بات واضحاً للجميع أن الحالة الاجتماعية متمثلة بالعشائر لها دور كبير في استمرار القتال ضد القوات الحكومية تحت "الراية السوداء"، فمن الصعب التأكيد على أن معظم الملثمين تحت هذه الراية انهم من غير العراقيين الساكنين في هذه المناطق.

من هنا يشير المراقبون الى أن الاطراف الاقليمية والدولية، وبعد ان رتبت اوراقها وقاربت بين مصالحها، تحاول ان تقارب من وجهات نظر ومصالح الاطراف الموجودة في جهاز الحكم ببغداد من خلال سيناريو جديد ربما يدخل العراق في مرحلة جديدة من الحياة السياسية الخالية من التوتر والاحتراب الطائفي والسياسي، وهذا لن يكون بالمجان، إنما بثمن يجب ان يدفعه المكون الشيعي على وجه التحديد، ربما في مقدمته حل  المليشيات المسلحة، في مقابل التخلص من الجماعات الارهابية، أما النتيجة فهي دمج الجميع في صفوف القوات المسلحة، بما يمكن ان يكون نسخة معدلة ومحسنة من "الصحوات" التي ابتكرها أول مرة الجنرال الاميركي الضائع الصيت "ديفيد بترايوس". وفي غير ذلك فان شبح داعش سيبقى مخيماً على العراق والعراقيين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 21/آيلول/2014 - 25/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م