الاسلام السياسي وغياب الرؤية الاستراتيجية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الفكر السياسي يبتغي بالدرجة الاولى الى بناء دولة يمكنها مواكبة العصر عبر الوصول الى السلطة، وادارة شؤون الدولة والمجتمع، وفق الرؤى الاستراتيجية والمرحلية التي يقترحها هذا الفكر على القادة السياسيين، لتحويلها من حيّز الفكر النظري الى التطبيقي، وكلنا نتفق على أن الاحزاب والجماعات والشخصيات السياسية، التي تخطط وترسم خطوات الوصول الى السلطة، لديها فكر سياسي ينطوي على رؤية او مجموعة رؤى استراتيجية، تقود العاملين في الساحة السياسية الى السلطة، وترسم لهم كيفية ادارة الدولة والمجتمع.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا: بعد وصول جماعات واحزاب سياسية تندرج تحت مسمّى الاسلام السياسي الى السلطة في عدد من الدول العربية وسواها، هل تمكن من ادارة تلك الدول وفق رؤية استراتيجية واضحة، تم استخدامها بعد الوصول الى السلطة؟، وهل توافرت الرؤية الاستراتيجية لهذه الاحزاب والجماعات بما يمكنها من بناء دول تواكب مستجدات العصر؟، أم أنها بقيت تراوح في الكيفية التي تضمن لهم البقاء في السلطة أطول مدة ممكنة؟.

في التجارب المتوافرة لدينا في هذا المجال، معظم الدلائل تشير الى غياب الرؤية الاستراتيجية للاسلام السياسي، بمعنى هناك فرص كثيرة وكبيرة حصل عليها السياسيون الاسلاميون، ونعني الاحزاب والجماعات والشخصيات الاسلامية المتنوعية، فهل نجح هؤلاء في بناء الدولة الاسلامية التي توكب طبيعة العصر؟.

في الحقيقة ليس هناك ما يدل بشكل قاطع على تحقيق مثل هذا الهدف، وهذا يعني عدم قدرة العاملين المنضوين تحت يافطة او مسمى الاسلام السياسي على تحقيق الهدف الاسمى لهم وللمسلمين عموما، وهو يتمثل في بناء الدولة التي يمكنها محايثة ما يجري في العالم ضمن الحقل السياسي الذي يصب بالنتيجة في مجمل مجالات الحياة الاخرى.

وعندما نبحث عن الاسباب التي تقف وراء ذلك، سنجد أن الخلل الجسيم يكمن في غياب الرؤية السياسية، والتخبط في التخطيط والتنفيذ معا، والتركيز المستميت، على حماية السلطة وترصين العرش بشتى الاساليب والوسائل، الامر الذي يدل على اهتمام الاسلام السياسي وتركيزه على الاحتفاظ بالسلطة، حتى لو اضطرهم الامر الى اللجوء للقمع، والتشبّه بالحكومات الدكتاتورية التي كانوا يناضلون ضدها، كما حدث في مصر مثلا.

هذا التراجع في القدرة على استثمار الفرصة بصورة سليمة لدى المندرجين تحت الاسلام السياسي، يعود بالدرجة الاولى الى حالة التأرجح بين نموذج الدولة الاسلامية القديمة المنتمية لما يُعرف بالخلافة، وبين الدولة المدنية التي يمكنها مماشاة العصر ومجاراته، بكل ما ينطوي عليه من قضايا وافكار ومنطلقات نظرية وعملية، تتعارض وتتناقض من منهج الاسلام السياسي، ليس المجاراة بمعنى الخضوع والتنازل، وانما بمعنى التقارب والانسجام والتلاقح بين الرؤى والافكار.

وهو امر لجأت إليه بعض حركات واحزاب الاسلام السياسي، ولكن بصورة متذبذبة، لا تقوم على رؤية استراتيجية راسخة، لذلك طالما كانت هذه الرؤية ضعيفة او غائبة في مسيرة الحركات والجماعات الاسلامية، فإن الضعف وعدم القدرة على بناء الدولة السليمة، سيبقى أمرا قائما، ويشكل عقبة امام تحقيق ما تصبو اليه هذه الجماعات، وقد أوضحت لنا التجارب القائمة على ارض الواقع طبيعة هذا الفشل وبيّنت لنا أسبابه ايضا.

من هنا لابد من معالجة الاخطاء التي تكمن وراء تراجع ادوات الاسلام السياسي، وعدم قدرتها على تحقيق النجاح في بناء الدولة المدنية، وأول هذه الاخطاء الشروع في بناء الرؤية السياسية الاستراتيجة، ولا ضير في المرحلية التي تحقق بعض الاهداف الحاسمة، ولكن ينبغي ان يبقى الهدف الاساس قائما، متمثلا بوضوح الرؤية السياسية وثباتها، والكفّ عن التمسك بالاساليب البالية التي تركّز السلطة بيد فرد او قائد اعلى او حزب أوحد، لأن النتيجة لمثل هذا السلوك هو الدكتاتورية اليت لا يمكنها العيش إلا في ظل دولة احادية قامعة لكل شيء، فتبدو الدولة شاحبة ضعيفة وإن ظهرت للخارج كأنها قوية، فما فائدة أن تكون الدولة قوية خارجيا وتشكو الضعف من الداخل، بسبب السياسات الدكتاتورية التي تقوم عليها وتلجأ إليها كي تبقى الجماعات الاسلامية على رأس السلطة بغض النظر عن المخاطر التي تحيق بها.

لذلك ليس ثمة امام الاسلام السياسي ومن يندرج ضمنه، إلا الذهاب الى المنهج السياسي الاستراتيجي، لبناء دولة لا تقوم على الفردية، أو الفئوية، ولا تنشغل بتكريس السلطة وتنسى واجباتها في حماية الحقوق والحريات المختلفة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 20/آيلول/2014 - 24/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م