إيران في العراق... بين سباق النفوذ وصراع اثبات الوجود

 

شبكة النبأ: يبدو ان ايران منقسمة على امرها بشأن التحالف الدولي الذي سعت الى تشكيله الولايات المتحدة الامريكية لمكافحة ما يسمى (تنظيم الدولة الإسلامية/ داعش) في العراق وسوريا، بعد تباين ردود الأفعال بين المحافظين والاصلاحيين، والتي حسمها رفض المرشد الأعلى لإيران (علي خامنئي)، بعد ان اكد ان مفاوضات وعروض قدمت لدبلوماسيين إيرانيين (من قبل الولايات المتحدة) لتبادل التعاون الدبلوماسي والعسكري بشأن التحالف، وان هناك اطراف إيرانية رحبت بهذه المواقف، وانه (المرشد الأعلى) لن يقبل التعاون مع الولايات المتحدة، التي اتهمها بالكذب والغموض في نواياها المفترضة بمحاربة التنظيم او الحركات الإرهابية المسيطرة على مناطق واسعة من العراق وسوريا.

الولايات المتحدة الامريكية، وعلى لسان وزير خارجيتها، رفضت الدخول في شد وجذب حول توضيح التصريحات وحتى التأكيد او النفي بشأن المفاوضات او العروض المقدمة لإيران، لكنه، هو الاخر، حسم موقف الولايات المتحدة بعدم اشراك ايران في التحالف ضد الإرهاب، وبالتالي لم يتم دعوتها لمؤتمر باريس او غيره من المؤتمرات، الا ان الولايات المتحدة تدرك جيدا ان استثناء ايران من الحرب القادمة ضد المسلحين والمتطرفين في سوريا والعراق، وهي لاعب أساسي في كلا البلدين، يعني الدخول في مواجهة مباشر مع ايران، وبالأخص مع الطرف الذي يرفض أي تعاون او حوار مع الولايات المتحدة، مما يعني تصعيب المهمة على الأطراف الدولية التي تنوي مكافحة الإرهاب في كلا البلدين، بدلا من تسهيلها، بحسب ما يرى الكثير من الخبراء والمحللين.

وتتخوف إيران (التي يربطها تاريخ سيء مع الولايات المتحدة الامريكية عقب نجاح الثورة في إيران عام 1979) من عودة التهديدات الامريكية الموجهة اليها، بحجة مكافحة الإرهاب العالمي في العراق، إضافة الى اسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، والذي يعتبر شريك استراتيجيا لإيران، بعد ان أكد أوباما انه امر بتوسيع الضربات الجوية لتشمل سوريا، إضافة الى تأكيده بتعزيز دور المعارضة السورية.   

رفض الدعوة الامريكية

فقد قال الزعيم الايراني الأعلى علي خامنئي إنه رفض دعوة أمريكية للتعاون في قتال تنظيم الدولة الاسلامية لكن واشنطن أكدت أنها لن تتعاون عسكريا مع إيران ضد مسلحي التنظيم، ونقلت وكالة انباء الجمهورية الإيرانية الإسلامية عن خامنئي قوله "طلب السفير الأمريكي في العراق من سفيرنا (في العراق) عقد جلسة لبحث التعاون في قتال ضد داعش (تنظيم الدولة الإسلامية)"، وأضاف "نقل سفيرنا في العراق ذلك لنا وهو ما رحب به بعض المسؤولين (الإيرانيين) لكنني عارضته، لا أرى جدوى من التعاون مع دولة أيديها قذرة ونواياها غامضة".

وقال إنه خيار إيران ألا تعمل مع الدولة التي تصفها طهران في العادة بأنها الشيطان الأكبر وإنها رفضت مفاتحات مشابهة لوزير الخارجية محمد جواد ظريف ونائبه عباس عراقجي، ورفض خامنئي تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مؤخرا عن أن واشنطن تعارض أي دور إيراني في تحالف دولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وقال خامنئي (75 عاما) الذي غادر المستشفى بعد جراحة في البروستاتا "إنهم (أمريكا) يكذبون بقولهم إنهم هم الذين استبعدونا من تحالفهم، في حين أن إيران هي التي رفضت المشاركة في هذا التحالف أصلا"، وافتتح في باريس مؤتمر لبحث كيفية كبح التنظيم المتشدد الذي استولى على ثلث العراق وسوريا، ولم تشارك إيران في المؤتمر.

وشكك خامنئي في عزم الولايات المتحدة على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية الذي استولى على مساحات واسعة من الأراضي في العراق وسوريا وأصبح يمثل أقوى جماعة معارضة للزعيم السوري بشار الاسد حليف إيران، وقال خامنئي "تصريحات المسؤولين الأمريكيين بشأن تشكيل تحالف ضد الدولة الإسلامية هي بلا معنى وجوفاء ولا تخدم إلا مصالحهم الذاتية والتناقضات بين أقوالهم وأفعالهم تثبت هذه الحقيقة"، وأضاف أن واشنطن تريد أن تفعل في العراق ما فعلته في باكستان فتجعله "ساحة يمكنهم الدخول اليها بحرية والقصف كما يريدون"، وأضاف "يجب أن يتذكر الأمريكيون أنهم إذا مضوا قدما في مثل هذا الشيء فإن نفس المشاكل التي واجهوها في العراق في السنوات العشر السابقة سوف تعود" مشيرا إلى سنوات الصراع بين القوات الأمريكية وعدد من الجماعات العراقية المسلحة. بحسب رويترز.

وعبرت ايران عن رفضها التعاون مع واشنطن في محاربة "الدولة الاسلامية" لانها تعتبر التحالف الدولي ضد هذا التنظيم غير شرعي وهدفه الفعلي يبقى الاطاحة بالنظام السوري بحسب طهران، وحرصت الجمهورية الاسلامية على التعبير عن موقفها تزامنا مع انعقاد المؤتمر الدولي في باريس حول امن العراق والذي لم تتم دعوة ايران اليه رغم انها دولة مجاورة للعراق، واوضح المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية ان "وزير الخارجية الاميركي قد قدم بنفسه طلبا للدكتور ظريف بان تعالوا وتعاونوا معنا في قضية داعش الا ان الدكتور ظريف رفض طلبه"، وتابع "هم اليوم يكذبون حينما يقولون اننا لن نضم ايران للتحالف بحيث ان ايران هي التي رفضت فكرة التواجد في مثل هذا التحالف من الاساس"، وقال "الحقيقة هي ان الاميركيين يسعون وراء ذريعة ما ليكرروا في العراق وسوريا ما يقومون به في باكستان، اذ يخترقون اجواءها رغم وجود حكومة مستقرة وجيش قوي، ويقصفون مختلف نقاطها جوا"، واكد ان "هدف اميركا من مشروع محاربة داعش هو التواجد العسكري في المنطقة".

ولم تتلق ايران المتاخمة للعراق دعوة للمشاركة في مؤتمر باريس حول امن العراق والذي شاركت فيه حوالى 30 دولة ومنظمة، واعتبر كيري ان مشاركة طهران في المؤتمر "لن تكون مناسبة" خصوصا بسبب "ضلوع ايران في سوريا وغيرها"، وتقول طهران انها تقدم استشارات للجيش النظامي السوري، لكن وزارة الخارجية الاميركية ابدت انفتاحها على اجراء "محادثات دبلوماسية" مع طهران لكنها رفضت اي تنسيق "عسكري"، وكان الرئيس الاميركي باراك اوباما اعلن توسيع حملة الضربات الجوية ضد تنظيم الدولة الاسلامية في العراق لتشمل سوريا، كما تعهد بتعزيز الدعم العسكري للمعارضة السورية المعتدلة.

وكان مسؤولون عراقيون عبروا عن اسفهم لغياب ايران عن مؤتمر باريس، واكد الرئيس العراقي فؤاد معصوم ان ايران وفرت في الايام الاولى لهجوم الاسلاميين مساعدات انسانية وعسكرية للعراق واقليم كردستان، من جهة اخرى صرح نائب وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان انه لمحاربة التنظيم الاسلامي المتشدد الذي يسيطر على مساحات واسعة في العراق وسوريا، تؤيد ايران تعزيز "الحكومتين العراقية والسورية اللتين تكافحان جديا الارهاب"، بحسب وكالة الانباء الطلابية الإيرانية، واضاف عبد اللهيان ان " ايران لن تنتظر ائتلافا دوليا لمكافحة الارهاب وستقوم بواجبها".

وقدمت ايران مساعدات انسانية واستشارية للحكومة العراقية واكراد العراق منذ الايام الاولى لهجوم تنظيم الدولة الاسلامية في العراق، وافادت مصادر من اكراد العراق ان طهران كانت البلد الاول الذي قدم اسلحة للدفاع عن أربيل، من جانب اخر، قال المحلل الايراني امير مهبيان ردا على اسئلة ان واشنطن تقوم بتشكيل تحالف يضم خليطا متعددا ومصالحه مختلفة عن الهدف المعلن مثل "تركيا التي تستقبل قادة داعش في مستشفياتها وقطر التي تمولهم او السعودية التي ساعدت في انشائه في سوريا".

تغييرات مثيرة

فيما تزايدت الضغوط على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي كي يتنحى عن منصبه كرئيس للوزراء الشهر الماضي التزمت إيران أشد مؤيديه الصمت بينما عمل مسؤولون إيرانيون كبار على إخراجه من منصبه، كذلك بقيت طهران هادئة عندما بدأت الولايات المتحدة التي يصفها كبار المسؤولين الإيرانيين عادة بالشيطان الأكبر قصف مناطق داخل العراق الشهر الماضي، وهذا التحول الملحوظ في نهج إيران تجاه العراق جاء ردا على المكاسب التي حققتها جماعة الدولة الإسلامية التي اجتاحت شمال العراق وأصبحت على مسافة مؤثرة من الحدود الإيرانية.

ونفذ مقاتلو الدولة الإسلامية في العراق أعمالا وحشية من بينها قطع الرؤوس والإعدامات الجماعية التي تستهدف غالبا الشيعة الذين تعتبرهم جماعة الدولة الإسلامية خارجين عن الإسلام، وغالبية الإيرانيين مسلمون شيعة، ويقول خبراء إنه نتيجة لهذا التهديد تعين على إيران تبني نهج أكثر مرونة في سياستها في العراق مما أدى إلى سلسلة من التحولات المثيرة، ولم يتخل المسؤولون في طهران عن دعم للمالكي وتجاهل تجدد الهجمات الأمريكية في العراق وحسب وإنما تواصلوا أيضا مع السعودية عدوتهم اللدود وشاركوا في محادثات عن الوضع الأمني في العراق.

قال مهدي نوربخش وهو استاذ مساعد للشؤون الدولية في جامعة هاريسبرج للعلوم والتكنولوجيا "هناك تغير مثير في السياسة الخارجية الأمريكية فيما يتعلق بالعراق"، وفي آخر مرة اختار فيها العراقيون رئيسا للوزراء في عام 2010 فازت الكتلة التي يقودها أياد علاوي بمعظم المقاعد في البرلمان، ويقول منتقدون إن علاوي شيعي معتدل شكل تحالفا ضم شيعة وعددا من السياسيين السنة البارزين لم يصبح رئيسا للوزراء وإنما المالكي ويرجع ذلك أساسا إلى ضغوط من إيران، وأجرى علاوي أجرى محادثات مع رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي حول دور محتمل في الحكومة الجديدة لكنه لا يزال منتقدا للنفوذ الإيراني في ذلك الوقت، وقال إن ذلك حرمان للعراقيين من حقهم على أيدي قوة أجنبية معتبرا ذلك إهانة للعراقيين.

ولم يتغير الموقف كثيرا عندما أجريت الانتخابات البرلمانية في العراق في الربيع الماضي وواصلت إيران دعمها القوي للمالكي، ويقول مسؤولون عراقيون وخبراء إن المسؤولين الإيرانيين لم يدركوا التهديد المباشر لبغداد وللمزارات الشيعية في البلاد وتغير مسار سياستها إلا بعد استيلاء الدولة الإسلامية على الموصل في منتصف يونيو حزيران، وقال مسؤول عراقي كبير طلب عدم الكشف عن شخصيته نظرا لحساسية الموضوع "كانت إيران مؤيدة للمالكي وتقول ليذهب الآخرون للجحيم حتى انهار جيشه (المالكي)"، وأضاف المسؤول "الإيرانيون واقعيون بشدة وصبورون للغاية، يقيمون مصالحهم الوطنية بحرص شديد، لا يريدون جبهة مع تنظيم الدولة الإسلامية تمتد من إيران وحتى سواحل البحر المتوسط". بحسب فرانس برس.

وجرى تسليط الضوء على أهمية الموضوع عندما سافر قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليمان إلى بغداد في يونيو حزيران الماضي، وقوة القدس فرع من الحرس الثوري مكلف بالعمليات خارج إيران وكثيرا ما تضم جماعات مسلحة تابعة في المنطقة، ويقول مسؤولون عراقيون حليون وسابقون إن سليماني اجتمع مع مسؤولي أمن عراقيين كبار للمساعدة في إعداد هجوم عسكري مضاد لتقدم الدولة الإسلامية، واشتملت الخطة على استخدام آلاف رجال الميليشيا الذين سلحتهم إيران ودربتهم وكذلك آلاف المجندين الجدد الذين تطوعوا بعد أن أصدر آية الله علي السيستاني أكبر مرجع شيعي دعوة لحمل السلاح ضد الدولة الإسلامية في يونيو حزيران الماضي.

لكن سليماني اجتمع كذلك مع المالكي لبحث منصب رئيس الوزراء، وخاب أمل الإيرانيين لعجز المالكي عن حشد الجيش لمواجهة مقاتلي الدولة الإسلامية، وقال مسؤول سابق طلب عدم الكشف عن شخصيته نظرا لحساسية الموضوع إن الإيرانيين "صبوا غضبهم على المالكي"، وتبعت زيارة سليماني زيارة لعلي شامخاني الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني الذي اجتمع مع السيستاني وعدد من كبار رجال الدين الشيعة وسياسيين من السنة في منتصف يوليو تموز، ويقول خبراء إن زيارة شامخاني مهمة ليس فقط لكونه مسؤولا أمنيا كبيرا وإنما أيضا لأنه معتدل نسبيا ومقرب من الرئيس حسن روحاني ومن الزعيم الأعلى الإيراني آيه الله علي خامنئي، وبعد الاجتماع مع شامخاني أصدر السيستاني (الذي كان يضغط بشكل ضمني على المالكي كي يتنحى) بيانا يدعو فيه الزعماء السياسيين لعدم التشبث بالسلطة.

وعندما اعلن الرئيس العراقي أن العبادي هو المرشح ليكون رئيس الوزراء الجديد أرسل شامخاني برقية تهنئة حتى قبل أن يعلن المالكي ما إذا كان سيتنحى، وقال نوربخش "إيران كانت من بين الدول الأولى التي أيدت العبادي، وكذلك أشادت السعودية التي طالما انتقدت ما ترى أنها سياسات طائفية للمالكي بترشيح العبادي، وبالرغم من الخلافات العميقة بين السعودية وإيران بسبب الحرب في سوريا في السنوات القليلة الماضية فإن البلدين يواجهان الآن تهديدا مشتركا من تنظيم الدولة الإسلامية، وهدد مقاتلون من الجماعة المتشددة بمهاجمة السعودية في تسجيلات مصورة وضعت على شبكة الإنترنت.

وكسرت إيران الجمود الدبلوماسي وأرسلت حسين أمير عبد اللهيان نائب وزير الخارجية في زيارة رسمية إلى جدة في أول اجتماع على هذا المستوى منذ أن أصبح روحاني رئيسا للجمهورية قبل عام، وبحث عبد اللهيان نمو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق إلى جانب موضوعات أخرى مع نظيره السعودي، لكن الأكثر مفاجأة من دفء العلاقات بين البلدين هو قبول إيران الضمني للقصف الأمريكي في العراق بعد مرور ما يقرب من ثلاث سنوات على انسحاب القوات الأمريكية من العراق، وهنا أيضا تراجع إيراني عن موقف تقليدي في سياستها الخارجية في مواجهة تهديد مشترك، وقال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري إن تنظيم الدولة الإسلامية عدو مشترك لكل من الولايات المتحدة وإيران، وأشار إلى أنه كان يقول دائما إن هناك مصلحة مشتركة بين البلدين حتى في أصعب الأوقات وحتى لو لم يعترفا بذلك.

ولم ينتقد المتشددون في إيران الهجمات الأمريكية في العراق والتزمت الصحافة المحافظة التي كثيرا ما تهاجم الولايات المتحدة الصمت، وقال نوربخش "لم يكن هناك انتقاد من أي نوع"، وتابع قائلا "لايمكن أن تجد شيئا في خطب خامنئي تنتقد ما تفعله الولايات المتحدة داخل العراق الآن"، وخلافا لذلك انتقد خامنئي الولايات المتحدة بخصوص مجموعة كبيرة من القضايا الأخرى في خطبه التي ألقاها في الآونة الأخيرة بما في ذلك الموقف الأمريكي من المحادثات بين إيران والقوى الخارجية بخصوص برنامج إيران النووي.

مخاوف في إيران

الى ذلك يبدو أن تقدم تنظيم "الدولة الإسلامية" في شرق العراق يثير حالة من الخوف والقلق لدى الجار الإيراني، فسرعة انتشار الشائعات رغم تكذيب السلطات لصحتها يشي ببوادر حرب نفسية، وثمة شائعة غريبة يتداولها الإيرانيون على هواتفهم المحمولة منذ أسابيع، وتقول إن تمرا في أسواقهم حقن "بمواد كيماوية سامة" من قبل تنظيم "الدولة الإسلامية"، هذا على الأقل ما نقله موقع "تابناك" المحافظ، الشائعة انتشرت بسرعة قياسية دفعت السلطات الصحية الإيرانية إلى نفيها مؤكدة "أن التمر في الأسواق هو تمر إيراني المصدر" حسب موقع "خبر آيلاين".

ويبدو أن الإيرانيين الذين اعتادوا السخرية حتى من الأخبار الجسام، خرجوا هذه المرة عن عادتهم ما يشير إلى حالة قلق واقعية، قلق من اقتراب مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" من حدودهم الأمر الذي أعاد إلى ذاكرتهم أبشع أيام الحرب العراقية – الإيرانية والتي دامت زهاء 8 سنوات، 1980/1988، والتي خسروا خلالها نصف مليون شخص.

في الواقع يبدو أن استيلاء "داعش" على بلدة جلولاء العراقية في 11 أغسطس/آب أثار حالة من الذعر لدى المواطنين الإيرانيين، البلدة على مسافة 30 كلم من الحدود مع الجار العراقي، وقوات البشمركة الكردية ما زالت تقاتل لاستعادتها، كما هي المرة الأولى الذي يهدد فيها التنظيم المتشدد إيران من هذه المسافة القريبة، وتحديدا من بلدة تحمل معان رمزية للطرفين، ففي جلولاء انتصر العرب على الفرس في العام 637 ما فتح الباب أمام الغزو العربي لإمبراطورية الفرس بعد ذلك.

كما أشارت بعض المواقع الإعلامية الإيرانية إلى انخراط عدد من الإيرانيين في صفوف التنظيم السني المتشدد، ولكن هذه الظاهرة تظل محدودة، وتتخوف طهران من تسلل "داعش" إلى أراضيها عبر بوابة الأقلية السنية الإيرانية المهمشة والتي يقطن أبناؤها المناطق الحدودية، كردستان في الغرب وبلوشستان في الشرق، ولكن هذا التخوف من "انتفاضة" سنية لا أساس له ويستبعده عدة خبراء بشؤون المنطقة، فبالنسبة للصحافي الإيراني الكردي سمان راسوبور، احتمال اختراق كبير لتنظيم "الدولة الإسلامية" في المنطقة الكردية الإيرانية ضعيف للغاية، قد تجد إيديولوجية "داعش المتشددة أذانا صاغية لدى أقلية من الكرد ولكن الأغلبية الكردية تتبنى ثقافة علمانية" ويسترجع سمان ذكرياته مطلع القرن الحالي وكان وقتها يعيش في المنطقة الكردية من إيران ويتذكر رؤيته لجماعة من السلفيين في المنطقة "يحرضون على الجهاد ولكن تأثيرهم كان محدودا للغاية".

الوضع في بلوشستان على الحدود مع باكستان قد يبدو مختلفا وأكثر خطورة، فالإقليم الذي تقطنه أغلبية سنية فريسة لعمليات خطف ولاعتداءات يتبناها "جيش العدل" الإسلامي، وكانت هذه الجماعة المتشددة أعطت طهران في 22 أغسطس/آب مهلة للانسحاب من بلوشستان قبل حلول فصل الربيع، ولكن هدف "جيش العدل" رغم قربه من فكر "داعش" المتشدد يظل استقلال بلوشستان وليس الانضمام إلى الخلافة، يضاف إلى ما سبق أن السلطات الإيرانية تراقب عن كثب أي نشاط للمتشددين السنة على أراضيها وذلك منذ سنوات وقبل نشوء تنظيم "الدولة الإسلامية"، فتفكيك خلايا "القاعدة" في إيران كان من الأولويات ويشير أكثر من مصدر إلى أن عدد عناصر التنظيم المذكور الذين يرزحون في السجون الإيرانية لا يزال مرتفعا.

وطهران التي تعي بأن الحرب تخاض على المستوى النفسي نددت عبر وسائل إعلامها الرسمية ببث "الأخبار المغلوطة التي تهدف إلى رفع معنويات إرهابيي داعش بعد الضربات التي تلقوها من الجيش العراقي"، ويضيف البيان نقلا عن "مصدر أمني مطلع، أن الاستخبارات تسيطر بشكل كامل على الوضع عند الحدود، وجاهزة في أية لحظة للرد بعنف على أية محاولة اقتراب للإرهابيين من أراضيها"، وفي النهاية تبدو طهران مستعدة لهذه المعركة التي لن يكون الميدان فقط مسرحها ولكن أيضا الرأي العام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 17/آيلول/2014 - 21/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م