الموت.. عدو الانسان الغامض

 

شبكة النبأ: الموت هو احد اهم الاسرار العظيمة التي عجز الانسان وبكل قدراته العلمية والتكنلوجية الهائلة عن مقاومته او الفرار منه او حتى تأخيره، فهو الحقيقة التي سلم بها كل مخلوق وأيقن بها كل إنسان، وقد بين الله سبحانه وتعالى ذلك في الكثير من الآيات القرائية ومنها قوله تعالى ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (آل عمران:185)، قوله تعالى (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) (النساء:78).

والموت كما تشير بعض المصادر، هو حالة توقف المخلوقات (الحية) نهائيا عن النمو والاستقلاب والنشاطات الوظيفية الحيوية (مثل التنفس والأكل والشرب والتفكر والحركة والخ) ولا يمكن للأجساد الميتة أن ترجع لمزاولة النشاطات والوظائف الآنفة الذكر. وتختلف طقوس الموت من شعب لآخر وبحسب الثقافات المختلفة، فهناك ثقافات تعمل على التخلص من جثّة الميت إما بدفنها أو بحرقها كما قامت الحضارات الفرعونية في مصر القديمة في تحنيط الجثث وذلك لاعتقادهم بان الروح سترجع مرة أخرى، يقوم أتباع بعض الديانات كالإسلام بغسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، وفي الثقافات الغربية عموما، يتم تجهيز الميت بشكل مقبول نسبيا وذلك في إطار طقوس توديعه وإلقاء النظرة الأخيرة.

 وبحسب بعض الخبراء فقد اصبحت قضية الموت اليوم محط اهتمام الكثير من العلماء والمؤسسات الخاصة التي اهتمت بهذا الامر، هذا بالإضافة الى ان هذه القضية ايضا قد احتلت موقع الصدارة، لدى الكثير من الاشخاص والحكومات خصوصا في تلك الدول ذات الكثافة السكانية العالية والتي لها ثقافات وعادات خاصة بهذا الجانب.

الحديث عن الموت

وفيما يخص الموت فقد أظهر استطلاع للرأي أجري مؤخرا أن الحديث عن الموت أو خطط ما بعد الحياة لا يزال أمرا محظورا لدى العديد من الناس في بريطانيا. وأشار الاستطلاع، الذي شارك فيه ألفان من البالغين لصالح منظمات الرعاية التابعة لما يعرف "بائتلاف شؤون الموت"، إلى أن 21 في المئة فقط من بين من استُطلعت آراؤهم تحدثوا عن رغباتهم فيما بعد الوفاة. وقال نحو ثلث من استطلعت آراؤهم فقط إنهم كتبوا وصية لما بعد وفاتهم، فيما أبلغ 29 في المئة فقط أحباءهم برغباتهم الخاصة فيما يتعلق بجنازاتهم.

وأعلن عن نتائج الاستطلاع بالتزامن مع إطلاق المبادرة السنوية لرفع الوعي التي ينظمها "ائتلاف شؤون الموت"، وكان ذلك الائتلاف قد أسس عام 2009 من قبل المجلس القومي للرعاية التلطيفية. وقالت كلير هنري المديرة التنفيذية للمجلس والائتلاف إن "الموت هو أحد الأمور القليلة المحتومة في حياتنا، لكن يبدو أن الكثير منا يحاول تجنب الحديث عنه، أو إنكاره تماما". لكنها أضافت بأن "الحديث بصورة أكثر صراحة عن الموت والتخطيط للمستقبل يأتي في مصلحة كل شخص".

وأشار الاستطلاع أيضا إلى أن نحو أربعة أخماس العامة يعتقدون أن مناقشة موضوع الموت والوفاة يثير القلق لدى الناس. وذكر 51 في المئة ممن شاركوا في الدراسة أنهم لم يبلغوا شركاءهم برغباتهم فيما بعد الوفاة. وأظهر استطلاع منفصل لألف طبيب عائلة أنه بالرغم من زيادة أعداد أطباء الممارسة العامة الذين يناقشون هذه القضية مع المرضى، فإن 25 في المئة منهم لم يتطرق إلى الحديث عن الرغبات الخاصة للمرضى لما بعد الوفاة. وقال البروفيسور مايور لاخاني رئيس الائتلاف إن القائمين على الرعاية الصحية ومرضاهم بحاجة إلى أن "يشعروا بقدر أكبر من الارتياح" إزاء مناقشة هذا الموضوع، وذلك لضمان تقديم "الرعاية والدعم المناسب" لهم. بحسب بي بي سي.

من جهة أخرى، قال البروفيسور توني والتر، مدير أحد المراكز التابعة لجامعة "باث" البريطانية والمتخصص في الأبحاث بشأن الجوانب الاجتماعية للوفاة: "لا يتعرض الكثيرون منا لموقف يفقدون فيه أحد أفراد عائلتهم أو أصدقائهم المقربين قبل بلوغ منتصف العمر". وأضاف قائلا: "نتيجة لذلك، فإن الخوف من المجهول يعني أن الناس أحيانا يتجنبون المرضى أو الأشخاص الذين يشارفون على الموت، ولا يشعرون بأن لديهم القدرة لمساندتهم."

الموت في الصين

في السياق ذاته تعتبر الصين الدولة الأكثر سكانا في العالم، ما جعلها أيضا الأكثر ازدهارا من حيث النمو السريع لطقوس خدمات دفن الموتى. ويبلغ عدد السكان في الصين حوالي 1.4 مليار شخص، فيما عدد الوفيات يعتبر الأكبر سنوياً في العالم، إذ بلغ 9.7 ملايين شخص في العام 2012. ومن المتوقع أن يصل إلى 10.4 مليون شخص في العام 2017.

وتعتبر الأعمال المرافقة لتوفير الخدمات في موقع الجنازة من الأعمال التجارية المربحة. ووفقا لـ"يورومونيتور" فإن كلفة هذه الأعمال بلغت 15 مليار دولار العام الماضي، ومن المتوقع أن تزيد بمعدل عشرة في المائة سنويا على مدى السنوات الخمس المقبلة. وتشمل الاحتفالات المرتبطة بدفن الموتى، والتي يمكن أن تستمر لعدة أيام عروض حرق الجثة لضمان حياة مريحة للأحباء في الآخرة، واستخدام روائح البخور، وتقديم الطعام والشراب، وهدايا من بينها أجهزة "أي باد"، وحقائب "شانيل."

وتستأجر بعض العائلات الصينية أشخاصاً للتعبير عن الحزن لدفن الميت، والذين قد يستمرون بالبكاء والنحيب لساعات عدة. وتغرق الطلبات على موقع الدفن بعض المدن الصينية، إذ أن أسعار المتر المربع الواحد في المقبرة يمكن أن تتجاوز كلفة الشقق الفاخرة، وفقا لـ"يورومونيتور." وتبلغ كلفة المقابر في العاصمة الصينية بكين حوالي 12 ألف دولار، أي ثلاثة أضعاف سعر المتر المربع الواحد للسكن في العاصمة.

وكجزء من حملة كبيرة على الفساد، طالب مسؤولون في الحكومة الصينية بتجنب الإنفاق ببذخ على مراسم الدفن. ونقلت وسائل إعلام صينية عن جهات رسمية قولها إن المسؤولين الحكوميين "يجب أن يكونوا مثالا للجنازات البسيطة والحضارية، بدلا من استخدامها لاظهار الثروة والجاه."

على صعيد متصل قبل وفاة لي تشن شوان عن 101 عام أوصى الربان البحري السابق ابنه بنثر رماد رفاته في البحر مع رماد والدته التي توفت عام 1965 وزوجته التي توفت في 1995 . وفي يوم سبت ممطر نثر الابن ثلاث حقائب من الرماد في الهواء من فوق قارب لتسقط في البحر بالقرب من مصب نهر يانغتسي لتتحقق وصية والده الأخيرة.

وفي مواجهة ارتفاع أعمار المواطنين وارتفاع أسعار العقارات وندرة الأرض تحاول الحكومة الصينية على مدى سنوات اقناع عدد أكبر من الناس بالتخلي عن عاداتهم القديمة ودفن احبائهم في البحر. لكن يبدو أن الأمر لا يسير بوتيرة جيدة اذ يعارض كثير من المسنين الصينيين احراق جثث الموتى ويفضلون ان يدفنوا إلى جوار أسلافهم وفقا للتقاليد في أرض خضراء عند سفوح التلال. وتتغير التوجهات مع تنامي المجتمعات الحضرية في الصين إلا أن عدد الذين يدفنون في البحر هم مجرد نقطة في محيط. ويقول الابن الذي رفض نشر اسمه ان والده اتخذ قراره بكل بساطة. وأضاف "أراد ان يقدم لنا نموذجا تحتذي به الأجيال القادمة."

وذكرت صحيفة تشانيا ديلي إنه منذ 1991 نثر رماد أكثر من 28 ألف شخص في البحر في شنغهاي مما أسهم في توفير نحو كيلومتر مربع من الأرض. وينظم هذا العام مركز خدمات الدفن في شنغهاي التابع لمكتب الشؤون المدنية 33 جنازة جماعية للدفن في البحر بزيادة عشر جنازات عن العام الماضي. وقد تشمل كل رحلة دفن بحرية في نهر يانغتسي والمحيط الهادي نحو 250 شخصا يستقلون عبارة مجهزة. ويسمح المنظمون بستة أفراد من كل عائلة كحد أقصى لمرافقة الجرة التي بها الرماد المتبقي من احراق الجثة. وتقدم عدة مدن أخرى خدمة الدفن البحري من بينها بكين وتشينغداو وتيانجين.

وقال يو يي جون الذي كان ينثر رماد جدته "المفاهيم تتغير. الأرض محدودة والسكان في تزايد ولذلك سترتفع الكثافة على الأرض. هذا يوفر الموارد." واضاف "الأجيال السابقة لا تزال تهتم بالتقاليد لكن الشبان قد لا يعطونها أهمية بعد ذلك." وبالنسبة للبعض فان التكلفة هي العامل الحاسم. وتشجيعا منها تقدم الحكومة دعما بقيمة 2000 يوان (320 دولارا) لكل عائلة وتوفر الباخرة مجانا.

وفي المقابل يمكن أن تتكلف مراسم الدفن التقليدية في شنغهاي -احدى أكثر مدن الصين غلاء- بين 40 ألف يوان (6450 دولارا) وأكثر من نصف مليون يوان (80 ألف دولار). وأراضي المدافن بالمناطق الحضرية الجديدة محدودة واللوائح معقدة. وهناك قائمة انتظار تمتد إلى نحو عامين للحصول على قبر.

من جانب اخر لا يزال هناك شيء واحد يصعب على أغنياء هونج كونج شراؤه رغم وجود أكثر من 40 مليارديرا يعيشون فيها .. مكان للدفن بعد الموت. وأجبر نقص الأراضي في نهاية السبعينات هونج كونج على حظر بناء مواقع دفن جديدة وصدرت أوامر للمقابر العامة باستخراج رفاة المتوفين وحرقها بعد مضي ست سنوات لإتاحة مكان للمتوفين الجدد. ولم تسفر هذه السياسة عن حل لمشكلة المقابر في المدينة.

وقد يحالف الحظ البعض اذا اختار الأقارب استخراج رفاة قريب لهم من مقبرة عامة وحرقها لأن هذا يفتح الباب أمام طرح المكان الدائم في نظام يانصيب لكن هذا قد لا يحدث إلا كل بضعة أعوام. والسبيل الآخر الوحيد هو ان يكون المتوفي أحد أبناء كنيسة تملك مقبرة خاصة لها مساحة أرض محددة وهي حالة نادرة جدا قد تصل تكلفتها إلى ثلاثة ملايين دولار هونج كونج (386900 دولار أمريكي). بحسب رويترز.

وقال هوي بونج كووك منسق الجنازات في شركة هيونج فوك اندرتيكر "في هونج كونج لا يستطيع الناس شراء مكان للدفن حتى لو كان معهم مال الدنيا كله." وأضاف "لم يعد على الحكومة ان تلبي حاجة السكن للأحياء فحسب .. عليها ان تلبي هذا الأمر للموتى ايضا." وفي هونج كونج حيث يعيش أكثر من سبعة ملايين شخص فوق 30 بالمئة فقط من مساحة الأرض يعني عدم اخلاء الارض بعد ستة أعوام ان الحكومة ستقوم باستخراج الجثث وحرقها ووضعها في قبر جماعي. ورغم ما أدت اليه سياسة الدفن من ارتفاع في عدد الجثامين التي يتم حرقها -90 بالمئة من موتى المدينة تم حرق جثثهم في عام 2013 مقارنة مع 38 بالمئة في 1975- إلا ان الحرق لا يبدو هو الطريقة المثلى لعلاج المشكلة.

نقص النعوش

من جهة اخرى يسعى متعهدو دفن الموتي جاهدين في فنزويلا لتأمين ما يكفي من النعوش وسط تراجع الانتاج بسبب النقص في النحاس وطلاء التلميع وقماش الساتان مما يعقد عملية دفن الموتى. وفي محاولة لتخطي هذه العقبة يلجأ متعهدو دفن الموتى لاستعارة النعوش من بعضهم البعض أو السفر إلى كولومبيا لشرائها. ويشجع آخرون زبائنهم على إحراق جثث موتاهم حتى تستغل النعوش في نقل الجثث وليس دفنها ليعاد استخدامها مجددا.

وبرر الرئيس نيكولاس مادورو النقص في البضائع الذي شمل جملة من المنتجات مثل المحارم الورقية والنبيذ بأنه نتيجة "حرب اقتصادية" يشنها مخربون من المعارضة يسعون للإطاحة به من منصبه. وازدهر نشاط متعهدي دفن الموتى في فنزويلا نتيجة زيادة عدد الجرائم العنيفة التي أسفرت عن مقتل 11 الف شخص على الأقل في العام الماضي.

وقالت ميريام كاسترو وهي مديرة دار لدفن الموتى في منطقة إل بارايسو (الجنة) في كراكاس "اذا كنت متعهد دفن موتى فعليك أن تضمن إقامة الجنازات حتى لو كان هذا يعني ذهابك الى اي مكان مهما كان لاستعارة نعش." وأشارت إلى أنها وزملاءها في المهنة يتبادلون النعوش فيما بينهم لتلبية الطلب.

وقال مسؤول في المقبرة الشرقية في كراكاس إن إحراق الموتى زاد بنسبة 50 في المئة في الأشهر الأخيرة ليبلغ 12 جثمانا يوميا. وقال ريكاردو جويديز عضو الغرفة الوطنية لشركات دفن الموتى إن إنتاج النعوش انخفض بنسبة نحو 50 في المئة في الأشهر القليلة الماضية. وأرجع هذا الى عدم قدرة المنتجين على استيراد المواد الخام للصعوبات التي يواجهونها للحصول على الدولارات نظرا للقيود الشديدة التي تفرضها الحكومة على العملة. بحسب رويترز.

وقالت كاسترو "كانت العملية أسرع بكثير من قبل. الآن ينبغي الانتظار لبضعة ايام بسبب الجثث التي تنتظر الدفن." وأشارت إلى أن 70 في المئة من الجثث التي تدفنها شركتها هي لضحايا جرائم قتل. والكثير من هؤلاء إما قتلوا في معارك بين عصابات في الأحياء الفقيرة أو كانوا ضحايا لسرقات في المناطق الثرية.

منظمة خاصة

في السياق ذاته قالت منظمة سويسرية تقدم المساعدة للذين يريدون التخلص من حياتهم ومن يدافعون عن حقهم في رفض العلاج الطبي إنها تلقت عدد طلبات أكثر من المعتاد هذا الصيف. وقالت إكزت إنها تتلقى ما بين 60 إلى 100 طلب عضوية جديد يوميا من أشخاص يريدون كتابة وصاياهم بشأن أوضاعهم الحياتية في المستقبل وهي وثائق تحدد الطريقة التي يريدون معاملتهم طبيا وفقها اذا اصيبوا بمرض شديد واصبحوا غير قادرين على التواصل مع الاخرين.

وقال بيرنار سوتر نائب رئيس إكزت -التي تأسست في 1982- إنه على النقيض من السنوات الماضية لم يتراجع عدد الاستمارات في شهري يوليو تموز وأغسطس اب في الوقت الذي يقضي فيه الناس عادة عطلاتهم الصيفية. وقال سوتر الذي يتوقع أن يرتفع عدد الاستمارات لأكثر من 100 خلال ايام العمل فور انتهاء فصل الصيف "هذا مؤشر على أن عددا متزايدا من الناس أكثر من زي قبل يريد الانضمام لنا." وقبل نحو 18 شهرا كانت إكزت تتلقى بين 30 إلى 60 استمارة يوميا.

وأرجعت إكزت هذا الارتفاع إلى الرغبة المتزايدة بين الناس في تحديد مسار حياتهم وقبول أوسع بالفكرة بين جيل أصغر من الأطباء. وقال "الجيل الذي تصل أعماره الآن إلى 40 و50 و60 عاما -وهو العمر المعتاد أن ينضم الناس فيه إلى إكزت- اعتاد أن يتخذ قراراته بنفسه." وأضاف "الناس تريد أن تطمئن انه حتى عندما يكونون غائبين عن الوعي وحتى اذا اصيبوا بالخرف فانهم سوف يعاملون وفقا لرغباتهم." بحسب رويترز.

وقالت إكزت -التي توفر عقاقير قاتلة لمساعدة المصابين بأمراض عضال على الموت- إنها تضم نحو 75 ألف عضو. وساعدت المنظمة 459 شخصا في الشطر الناطق بالألمانية من سويسرا على الموت بطريق الانتحار العام الماضي بزيادة 100 شخص عن العام السابق. والمساعدة على الانتحار مسموح بها قانونا في سويسرا منذ 1942 اذا أداها شخص ليست له مصلحة مباشرة في الوفاة. ولا يجوز قانونا أن يقوم أحد بأكثر من اتاحة الجرعة القاتلة للشخص الذي يتمنى الموت.

حرية الرومان التامة

من جانب اخر كشف النقاب في موقع أوستيا الذي كان في ما مضى يشكل مرفأ روما القديمة عن مقبرة كبيرة تعكس "الحرية التامة" التي كان يتمتع بها الرومان عند اختيار ضرائحهم. ويعد موقع أوستيا أنتيكا ثالث موقع أثري في إيطاليا يشهد أكبر عدد من الزيارات بعد الكولوسيوم وبومبي. وقالت باولا جيرموني مديرة الموقع إن هذه المدينة القديمة "لطالما كانت جد منفتحة ودينامية".

وشرحت أن "الأمر الفريد من نوعه هو أن ضرائح من طقوس مختلفة شيدت جنبا إلى جنب في هذه المقبرة التابعة لعائلة واحدة كبيرة جدا على الطراز الروماني". واعتبرت عالمة الآثار أن هذا التنوع "يعني أن طريقة التفكير في الموت كانت تختلف داخل العائلة الواحدة". وعثر في هذا الموقع الممتد على 15 ألف متر مربع على هيكل عظمي كامل مدفون وجرات تحتوي على رماد وحوالى 10 ضرائح مختلفة.

وصرحت باولا جيرموني أن "هذا التنوع يدل على حرية تامة في اتخاذ القرارات الخاصة بالجثث، خلافا لعادة دفن الجثث التي باتت سائدة مع انتشار المسيحية". وحفرت على بعض الضرائح كتابات تدعو بالشر لمدنسي قدسية المقابر. وبحسب النصوص القديمة، أسس الملك أنكوس مارتشيوس رابع ملوك روما أوستيا لكي تصبح روما مطلة على البحر ولتأمين إمدادات الملح والقمح لها ومنع الأعداء من سلوك نهر التيبر.

وقد بدأت أعمال التنقيب هذه في العام 2012. وعثر إثرها أيضا على دارة رومانية تقليدية كانت ملك عائلة رومانية أرستقراطية في الحقبة الأخيرة من التاريخ القديم. ويعمل في الميدان الواقع بالقرب من الطريق الذي كان يربط مدينة روما القديمة بأوستيا نحو 30 طالبا من المعهد الأميركي للثقافة الرومانية. وهم أتوا من الولايات المتحدة وكندا وسويسرا ليشاركوا في هذه الحفريات لمدة شهر في إطار دراساتهم.

وشرح داريوس آريا مدير هذه المؤسسة الناشطة جدا في روما أن الطلاب "عاينوا هنا أعمال الترميم مع اعتماد نهج أكثر ارتباطا بالإنسان إذ أن الحفريات كانت تجرى في مقبرة". ومن بين هؤلاء الطلاب، ميشال آن موريسن من مدينة أوستن الأميركية (ولاية تكساس) التي تدرس تاريخ الديانات. وأخبرت الطالبة البالغة من العمر 24 عاما "أعمل هنا كمتدربة تعنى بالقطع القديمة. وهذه فرصة رائعة إذ أنها تسمح له بمعاينة القطع التي عثر عليها الفريق". بحسب فرانس برس.

واعتبر ميكيله رادي عالم الآثار الإيطالي الذي يشرف على أعمال التنقيب أن اكتشاف هذه المقبرة الكبيرة التي باتت تعرف باسم منتزه رافيناتي على مقربة من قصر شيده البابا يوليوس الثاني "يدفعنا إلى التساؤل عن أسباب توزيع العقارات بهذه الطريقة حول هذا المعلم الذي يعود للجمهورية الرومانية لكنه بقي يستخدم حتى الحقبة الأخيرة من التاريخ القديم". ويضاف هذا الاكتشاف إلى اكتشاف حديث قام به فريق إيطالي بريطاني كشف النقاب عن حي بكامله في منطقة مرفأ روما القديمة يعود للقرن الأول قبل الميلاد. ويضم هذا الموقع الذي يمكن معاينته من الطائرة أبراجا ومستودعات وأسوارا.

تجميد الأجساد

على صعيد متصل يرغب ماكس مور أن يُجمد دماغه بعد وفاته، وهو ليس الوحيد الذي تحدوه هذه الرغبة. الصحفية روز إفيليث سألته عن الدافع لذلك، وعن الطريقة الغريبة لحفظ الجثث بالتجميد بعد الموت وكيفية إجرائها. ففي عام 1972 شاهد ماكس مور برنامجا تليفزيونيا من برامج الأطفال للعلوم والخيال اسمه "انزلاق الزمن"، وقد ظهرت فيه شخصيات تجمدت في الجليد. ولم يولِ اهتماما لذلك الأمر إلا بعد سنوات عندما بدأ يخرج مع مجموعة من الأصدقاء الذين اعتادوا عقد اجتماعات حول المستقبل.

ويقول مور عن أصدقائه: "كانوا يأتون بمجلة عن تجميد الأعضاء، ويسألوني عن رأيي فيها ليعرفوا مدى اهتمامي بالمستقبل. وبدا لي على الفور أن الأمر منطقي." ويعمل مور الآن مديرا تنفيذيا ورئيسا لشركة ألكور، وهي إحدى أكبر شركات تجميد الأعضاء في العالم. وقرر مور، وهو أحد عملاء هذه الشركة أيضا منذ عام 1986، اختيار عملية الحفظ العصبي؛ أي تجميد الدماغ وحسب وليس حفظ الجثة بأكملها. ويقول مور: "أعتقد أن المستقبل سيكون مكانا لائقا جدا لكي أعيش فيه، وأريد الاستمرار في العيش والاستمتاع والإنتاج."

وتعتبر عملية حفظ الموتى بالتجميد على أمل التوصل لعلاج لأمراضهم المستعصية، والتي تعرف باسم "كرايونيكس"، عملية مثيرة بالنسبة لمجتمع المولعين بالمستقبل. والافتراض العام لهذه العملية بسيط جدا، ومفاده أن الطب يحرز تقدما كل يوم، وأن أولئك الذين يموتون اليوم ربما يمكن شفاؤهم في المستقبل. ويعد الحفظ بالتجميد وسيلة لسد الهوة بين طب اليوم وطب الغد. ويقول مور: "نعتبر هذه العملية امتدادا لطب الحالات الطارئة".

ويضيف: "نحن نتولى المسؤولية عندما يفشل طب اليوم في علاج المريض. عليك أن تفكر بالأمر على هذا النحو: لو كنت تمشي في الطريق قبل 50 عاما، وسقط أمامك شخص ما وتوقف عن التنفس، كنت ستتحقق من الأمر ثم تقول إنه مات، وتتركه وتنصرف. أما اليوم فلا نفعل ذلك، بل نجري له عملية تنفس صناعي، وأمورا أخرى عديدة لإنقاذ ذلك المريض." ويقول مور: "الأشخاص الذين اعتقدنا أنهم توفوا قبل 50 عاما نعلم الآن أنهم لم يموتوا بالفعل حينها. ومن خلال عملية الحفظ بالتجميد، كل ما علينا فعله هو أن نوقف تردي حالتهم والسماح لتقنيات أكثر تقدما أن تعالج الأمر في المستقبل."

بالطبع، لا يمكننا إطلاقا اختبار صحة هذه الفرضية، فلم يحاول أحد قط أن يعيد الحياة لإنسان بعد حفظ جثته. ورغم أن باحثين آخرين تمكنوا من تبريد جسد بعض الأشخاص حتى يتمكنوا من إنعاشهم في وقت لاحق، إلا أن تجميد جثة شخص ما لعدة عقود أمر مختلف تماما. ويشير مور إلى دراسات أخرى أجرى فيها بعض العلماء عمليات لحفظ الخلايا والأنسجة، ويؤكد مور أن وصول عمليات مثل هذه إلى درجة حفظ جثة بالكامل ليس افتراضا هينا.

 وفي غرفة العمليات تعالج الجثة باستخدام العديد من العقاقير حتى لا تتعرض الخلايا للتلف بعد التجميد وسواء تمكن العلم من تحقيق ذلك أم لا، تجمد الآن الجثث بمادة النتروجين السائل على أمل رؤية ما يمكن أن يعد به المستقبل البعيد. وهناك عملاء من كافة أنحاء العالم لشركة ألكور. ويقول مور إن لدى شركته قائمة خاصة بمتابعة العملاء الذين يعانون تدهورا في صحتهم، وعندما يبدو أن وقت الوفاة قد حان فإنها ترسل ما تطلق عليه اسم "فريق الاستعداد" بهدف بدء المهمة. ويبقى الفريق إلى جانب سرير المريض إلى أن يتوفى.

وعند إعلان وفاة المريض رسميا، يمكن لعملية الحفظ أن تبدأ. ينقل المريض أولا من سرير المستشفى إلى سرير من الجليد، ويغطى بالثلج الممزوج بالماء. ثم يستخدم فريق ألكور جهازا لإنعاش القلب والرئتين لجعل الدم يتدفق في الجثة مجددا. ثم يستخدم الفريق 16 نوعا مختلفا من الأدوية التي من شأنها الحفاظ على الخلايا من التلف بعد الموت. وبعد الانتهاء من تلك المرحلة، ينقل الفريق الجثة إلى مكان آخر لإجراء الجراحة.

وتتضمن الخطوة التالية تصفية جثة الميت من أكبر قدر ممكن من الدم والسوائل، واستبدال ذلك بمحلول يمنع تكون كتل ثلجية داخل الجسم. وبما أن الجثة ستتجمد، فإن معظم العمل التحضيري ينصب على تلك الخطوة لضمان عدم تشكل العديد من كتل الثلج داخل خلايا الجثة.

وعندما تمتلئ الشرايين بذلك المحلول، يمكن لفريق شركة ألكور البدء في عملية التبريد بمعدل درجة مئوية واحدة كل ساعة، حتى تصل درجة حرارة الجثة في النهاية إلى 196 درجة تحت الصفر بعد حوالي أسبوعين. وفي نهاية المطاف، توضع الجثة في مثواها الأخير إلى جانب ثلاث جثث أخرى في أغلب الأحيان.

هذا هو السيناريو المثالي. لكن الأمور لا تجري دائما على هذا النحو. فإذا لم يبلغ المريض شركة ألكور بمرضه المفاجئ، أو توفي في الحال، فإن العملية برمتها يمكن أن تتأخر لساعات أو ربما أيام. وفي واحدة من تلك الحالات التي حدثت مؤخرا، أقدم أحد عملاء الشركة على الانتحار، وكان يتعين على موظفي ألكور التفاوض مع الشرطة والطبيب الشرعي للوصول إلى الجثة. وكلما طالت فترة الانتظار بين الموت وحفظ الجثة، كلما زاد عدد الخلايا التالفة، مما يجعل عملية إنعاش الجثة ومعالجتها أكثر صعوبة، كما يقول مور.

إذا بدا الأمر بأكمله كأنه مغامرة كبيرة من أجل الحصول على نتائج قليلة، فقد يكون الأمر كذلك بالفعل. ويقر مور بأن حفظ الجثث بعملية التجميد يجري دون ضمانات تقدمها الشركة. ويقول أيضا: "لا نعرف قطعا (ماذا سيحدث)، فهناك كثير من الأمور التي قد تجري على غير ما يرام" ومن الممكن أن تحتفظ شركة ألكور وشركات أخرى مثلها بالعديد من الجثث باستخدام مادة النيتروجين السائل، إلا أن تكنولوجيا الحفظ بالتجميد لا تماثل أيا من وسائل تكنولوجيا المستقبل الأخرى، كما يقول مور. ويضيف: "لا يوجد مستوى مادي ملموس للقدرة على إصلاح الأنسجة، فالأمر ليس كالسفر عبر الزمن".

ويشهد علم تجدد الأنسجة تقدما مستمرا، إلا أن أحدا من العلماء لا يعرف متى سيكون بمقدوره إحياء الجثث، أو إن كان ذلك ممكنا بالفعل في وقت ما في المستقبل. وعندما اضطر مور إلى تقديم تصوره بشأن الفترة التي يتعين علينا انتظارها حتى يمكن للعلم أن يتدخل لإنقاذ عملاء شركة ألكور بعد وفاتهم، قال مور إن ذلك يتراوح ما بين 50 و100 عام. ويضيف أن عملية التقدير مستحيلة فعلا، وربما لا نعلم أيضا ما إذا كان من الممكن أن يستخدم ما يعرف بـ "تكنولوجيا الإنعاش" في يوم ما في المستقبل.

وفي الوقت الراهن، هناك 984 شخصا مسجلون بالفعل لدى شركة ألكور لحفظ جثثهم بعد الموت. ويدفع أولئك الأعضاء في ألكور رسوم عضوية تقدر بـ 770 دولارا سنويا لكل عضو. وعندما يحين الوقت فعلا لحفظ جثة شخص منهم، فإن تكاليف ذلك تتراوح ما بين 80 ألف دولار لحفظ الدماغ فقط، و 200 ألف دولار لحفظ الجسد كاملا. ويقول مور إن بعض تلك الأموال يذهب إلى صندوق لرعاية المرضى من أجل الحفاظ على استمرارية عمل الأجهزة، والحفاظ على الجثث المحفوظة لأطول فترة ممكنة.

ويشير مور إلى أن بعض المرضى يحصلون على وثيقة تأمين على الحياة تشمل تكاليف تجميدهم في نهاية المطاف. ويقول مور: "إنها ليست للأغنياء فقط، فأي شخص بإمكانه شراء وثيقة تأمين إن كان بمقدوره دفع رسومها." ويضيف مور أن معظم الأعضاء لا يشعرون بالراحة تجاه عملية الحفظ بالتجميد، لكنهم يعتبرونها وسيلة لتحقيق غاية ما. بحسب بي بي سي.

إن فكرة حفظ أجسادنا بالتجميد لا تروق لنا بالطبع، كما يقول مور. فالمكوث في حاوية من النيتروجين السائل مع عدم قدرتنا على التحكم في مصائرنا ليس أمرا جذابا، ولكنه يمكن أن يروق لنا مقارنة بكثير من البدائل الأخرى، مثل أن تلتهمنا الديدان، أو النيران، وهو ما لا يستهوينا على الإطلاق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 16/آيلول/2014 - 20/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م