فلنكن واقعيين في الشراكة مع السعودية في مواجهة «داعش»

لوري بلوتكين بوغارت

 

صادفت هذا الأسبوع الذكرى الثالثة عشر لهجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، يوم قتل تنظيم «القاعدة» ثلاثة آلاف شخص في نيويورك وواشنطن وشانكسفيل بولاية بنسلفانيا. ويُذكر أن خمسة عشر شخصاً من بين التسعة عشر الذين خطفوا الطائرات التي استخدمت في الهجمات كانوا من السعوديين. وهو الأمر بالنسبة لزعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن. ومنذ ذلك الحين، تمارس الولايات المتحدة ضغطاً كبيراً على المملكة العربية السعودية لمكافحة عمليات دعم الإرهاب.

لقد كان سجل السعودية في مكافحة الإرهاب متفاوتاً. إذ أدت سلسلة من الهجمات المأساوية التي شنتها «القاعدة» داخل المملكة نفسها قبل عشر سنوات إلى وقوع عشرات الضحايا. وقد دفعت تلك العمليات الحكومة السعودية إلى بذل جهود جبارة لمنع وقوع هجمات داخل البلاد وملاحقة الإرهابيين المرتبطين بها.

كما منعت المملكة الأموال المخصصة للإرهابيين، وحدّت من الخطابات الدينية الداعمة للإرهاب، واعتقلت المتشددين وأخضعتهم لإعادة التأهيل. إلا أن الولايات المتحدة شكت على مر السنين، ولسبب وجيه، من أن هذه التعهدات مقيّدة بسبب القدرات السعودية فضلاً عن السياسة السعودية.

إن القيادة السياسية في البلاد (العائلة المالكة آل سعود) والقيادة الدينية (أتباع الحركة الوهابية المتشددة من الإسلام السني) تعايشتا في إطار علاقة تكافلية لأكثر من قرنين من الزمن. وقد اعتمدتا على بعضهما البعض للحصول على الدعم والشرعية في أوساط السكان. وبالتالي فإن ممارسة أي جهة ضغطاً كبيراً على الجهة الأخرى يعرّض سلطة كلا المجموعتين ونفوذهما للخطر.

وفي الوقت الراهن، هناك شئ واحد في هذا السياق وهو أن القيادة السياسية السعودية تنظر إلى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» [«داعش»] بأنها تشكل تهديداً مباشراً للمملكة. ومن أبرز العوامل التي أدت إلى تجلي هذا التهديد على أراضيها ما حدث في وقت سابق من هذا العام عندما تم اكتشاف [خلية تضم] عشرات المواطنين السعوديين داخل المملكة، كانوا قد تواطؤوا مع أعضاء سعوديين من «داعش» في سوريا لاغتيال كبار المسؤولين الأمنيين والدينيين في البلاد.

وقد أعقب هذا الاكتشاف شن أول هجوم على الأراضي السعودية منذ خمس سنوات قام به فرع اليمن في تنظيم «القاعدة» («القاعدة في جزيرة العرب») وهو من أكبر المخاطر تهديداً للسعودية. وفي تموز/ يوليو، اقتحم ستة سعوديون من أعضاء «القاعدة في جزيرة العرب» مركزاً حدودياً من الجانب اليمني، وشق اثنين منهم طريقهما إلى بلدة حدودية مجاورة وفجرا نفسيهما داخل مبنى حكومي.

وقبل ثلاثة أسابيع، أعلنت «القاعدة في جزيرة العرب» دعمها لـ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام». وهناك دلائل على تعاون بين التنظيمين. من هنا فإن التهديد الإرهابي الذي تطرحه «داعش» بالنسبة للمملكة العربية السعودية هو في انتشار متزايد.

وما يزيد الطين بلة، تبيّن أن بعض السعوديين المتواطئين مع تنظيم «الدولة الإسلامية» والذين اعتقلوا في وقت سابق من هذا العام، ومعظم الذي شنوا الهجوم على الحدود السعودية في تموز/يوليو هم من خريجي برنامج مُعتبر لإعادة تأهيل الإرهابيين في المملكة. ووفقاً لمسؤولين سعوديين، فإن واحد من بين كل عشرة مشاركين في البرنامج يعود إلى التطرف، واثنين من كل عشرة من المحتجزين السابقين في خليج غوانتانامو والذين يشاركون في البرنامج يعودون إلى التشدد. وقد تكون التقديرات لغير السعوديين أعلى من ذلك، لكن حتى هذه النسب قد تكون مرتفعة نظراً لأن الآلاف قد دخلوا المركز الإصلاحي.

وفي هذا الإطار، يُعتقد أن الدعم الإيديولوجي لـ «داعش» في صفوف المواطنين السعوديين ليس متواضعاً. وفي ظل هذا الخطر المتنامي، أظهرت القيادة السياسية السعودية اهتماماً بقمع الدعم الجهادي الأيديولوجي والمالي لـ«الدولة الإسلامية» وتنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» والجماعات الأخرى المشابهة لتنظيم «القاعدة» على أراضيها، وذلك من خلال متابعة الإجراءات الجنائية ضد هؤلاء المقاتلين وأنصارهم واستخدام بعض القوة الناعمة لمنع دعم المسلمين الآخرين خارج المملكة لـ تنظيم «داعش». ويُذكر أن المملكة قد تكون مكمّلة لهذه التدابير العلنية من خلال القيام بعمليات سرية في السياق نفسه، بما فيها عمليات في العراق.

وحيث تسعى واشنطن إلى إقامة شراكة مع السعودية في مكافحة «داعش»، لا يجدر بها إنكار دور المملكة الهام، أو وضع توقعات غير واقعية حول مشاركة المملكة في عمليات عسكرية ونفسية وغيرها من العمليات العلنية. وبالتالي فإن أفضل مقاربة للشراكة مع السعوديين تقوم على العمل معهم لزيادة نشاطاتهم الأخيرة التي تتلاقى مع مصالح واشنطن الخاصة. يجب على الولايات المتحدة أن تستشفِ نهجها مما يظهره السعوديون بأنهم على استعداد للقيام به ويتمتعون بالقدرة السياسية لذلك. وتحدد هذه المنهجية فوائد وحدود شراكة واشنطن الاستراتيجية مع السعودية ودول الخليج الصغرى: فمصالحها السياسية تتلاقى أحياناً مع مصالح الولايات المتحدة وتتباعد عنها أحياناً أخرى.

وفي هذا الصدد، من المهم أخذ تحذيرين بعين الإعتبار. الأول هو أنه في خارج إطار الحرب على «الدولة الإسلامية»، سيكون من الحماقة التفكير في المملكة العربية السعودية كشريك للمساعدة في العمل على التوصل إلى حل سياسي عادل ذي طابع ديمقراطي في العراق وسوريا. ويعود ذلك إلى نفور السعودية إلى حد كبير من الأجندة الديمقراطية ومن السلطة السياسية الشيعية في المنطقة. وخير مثال على ذلك هو جهود المملكة لتعطيل عملية تشكيل حكومة أكثر تمثيلاً في مملكة البحرين المجاورة. فالقيادة السعودية تعتبر أن وصول الديمقراطية إلى حدودها يشكل تهديداً للسلطة المطلقة الخاصة بها على أراضيها.

أما التحذير الثاني فيرتبط بمفهوم السعودية للإرهاب. فعندما يتعلق الأمر بتحديد الإرهاب، لا تفرق المملكة بين المسلحين القاتلين والنشطاء السياسيين الذين ينبذون أعمال العنف. كما أنها اعتقلت مؤخراً داعية سعودي في حقوق الإنسان معروف على نطاق واسع بتهمة الإرهاب.

وقد برزت هذه القضية في الوقت الذي تفكر فيه الولايات المتحدة المساعدة على تعزيز قدرات الحكومة السعودية في مجال مكافحة الإرهاب. ولا بد لواشنطن أن تواصل العمل نحو ضمان عدم توظيف القدرات التكنولوجية وغيرها من القدرات المدعومة ضد الأشخاص الخطأ، بمن فيهم أولئك بالذات الذين يدعون إلى الإصلاح السياسي الجوهري الذي تفضله واشنطن.

* لوري بلوتكين بوغارت هي زميلة في برنامج سياسة الخليج في معهد واشنطن. وقد ظهر هذا المقال في الأصل على موقع "ذي هيل".

http://www.washingtoninstitute.org/

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/آيلول/2014 - 19/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م