الشيعة في منتصف الطريق.. ماذا بعد تحرير آمرلي؟

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: آهات ودموع وشكوى الى السماء قبل الارض.. ثم استفهامات عديدة لا حدّ لها تنطلق من الحناجر الصلد للمقاومين في "آمرلي".. هذه الناحية التي تبقى شاهدة على الظلم الذي لحق بالنساء والاطفال والآمنين لسبب واحد لاغير.. لإنهم من اتباع الامام علي بن أبي طالب، عليه السلام.

للوهلة الاولى يتصور الكثير أن كسر حصار "آمرلي" وفتح الطرق والمنافذ اليها. بمعنى إعادة الحياة اليها وتحسين اوضاعها المعيشية والانسانية، على الاقل ليحصل ابنائها على مكافأة الصمود والتحدي الباسل لعصابات الظلام والتكفير الدمويين، وبعد أن كانوا على حافة الاستباحة الكاملة، كما حصل لعديد القرى والنواحي شمال العراق، بيد ان هذا لم يحصل.. فلا مفردات البطاقة التموينية ولا رواتب الموظفين ولا ماء ولا كهرباء، رغم مرور حوالي عشرين يوماً، إذ ما يزال الاهالي يعتمدون على الآبار لسد حاجتهم من الماء، والاخطر من كل ذلك، استمرار وجود الغدد السرطانية المحيطة بالناحية واحتمال تفعيلها ثانية، مما يعني استمرار التهديدات والاستفزازات لسكان الناحية.

ان وجوه "آمرلي" التي يعلوها الغبار والتقاطيع القاسية، تطالب بالكثير من الحشود الزائرة لها مؤخراً، كما تطلب الكثير من قوى الحشد الشعبي التي هبّت للنصرة وشاركت في تحقيق النصر على "داعش". فما مرّ كان بداية لطريق طويل تتخلله مراحل البناء والاعمار وتكريس الامن والاستقرار، لتكون هذه الناحية حالها، حال سائر النواحي والقرى التابعة لقضاء طوزخورماتو، آمنة نسبياً من شبح موت "داعش"، فقد بلغنا أن القرى المحيطة بالناحية المنكوبة تشردوا خلال العمليات العسكرية ضد "داعش" واصبحوا خلال ايام "نازحين" ثم توجهوا الى مدينة كركوك شمالاً، وهناك تمكنوا من استلام منحة المليون دينار لكل عائلة المخصصة من وزارة الهجرة والمهجرين للعوائل النازحة، ثم عادوا الى ديارهم سالمين..! فيما أهالي "آمرلي" لا يستحقون شيئاً من عطاء دولتهم لانهم لم يتحولوا الى نازحين، بل صمدوا وبقوا في بيوتهم..!.

طبعاً؛ هذه واحدة من عديد الامثلة على الوضع غير الطبيعي السائد حالياً في "آمرلي" التي تحولت اليوم الى محطة في الطريق الطويل لمحاربة "داعش"، وحسب متابعين ومراقبين فان صمود الثلاثة اشهر لهذه الناحية الصغيرة أهّلها لتكون محطة انطلاق قوية بدوافع معنوية هائلة، في حين نلاحظ أن القوى الكبرى، متمثلة في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، تبحث عن الدوافع والمبررات اللازمة لمحاربة هذه الجماعة الغامضة والمتغولة عسكرياً وتنظيمياً بشكل غريب في العراق وقبلها في سوريا.

ان اندحار "داعش" في آمرلي يشببه البعض باندحار الجيش الالماني - الهتلري في الحرب العالمية الثانية، على أبواب مدينة "سانبطرسبرغ"، فكانت الملاحم التي سجلها المؤرخون الروس عن المقاومة والتضحية للدفاع عن مدينتهم، ثم حملت اسم "ستالينغراد" اقتباساً من اسم الزعيم السوفيتي في حينه "جوزيف ستالين". فكانت هذه المدينة وهذا الاندحار، بداية للهزيمة المريعة للجيش الهتلري الجرار امام "الاتحاد السوفيتي" السابق، ثم بداية لتقدم القوات السوفيتية نحو المانيا بل واجتياح أجزاء كبيرة منها وايضاً احتلالها والسيطرة عليها كجزء من غنيمة الحرب بعد أن وضعت اوزارها الثقيلة.

عندما تكون هذه منزلة ومكانة "آمرلي" في خارطة الصراع، وتكون الوحيدة التي عجز "داعش" عن اقتحامها واستباحتها كما فعل مع عديد المناطق الاخرى خلال الاشهر الماضية، ومع كل هذا الاهتمام الاعلامي بها وبزائريها..! فمن المفترض ان تتطابق الصورة مع الواقع الموجود على الارض، لاسيما ونحن على امام خطة جديدة تستند الى استراتيجية واسعة النطاق تقف ورائها دول كبرى لمحاربة "داعش" في العراق وسوريا. فاذا كانت الاستراتيجية الامريكية التي اعلن عنها الرئيس أوباما، ترمي الى تحقيق مصالح خاصة وإعادة صياغة خارطة المنطقة على ضوء تحالفات جديدة، بعد ظهور محاور قوى واضحة في الساحة تستدعي تحديد معالم هذه الخارطة، حتى إن البعض من الساسة باتوا يتحدثون عن "سايكس بيكو جديدة" في الشرق الاوسط.

ولا يماري احد في المنطقة او العالم، وربما حتى المعنيين في العواصم الكبرى، أن الرقم الاعلى لضحايا "داعش" هم من الشيعة في العراق وسوريا، وهذا ما توثقه الارقام و الافلام المصورة. كما لا يجهل الكثير من المتابعين والمعنيين، خطورة الدماء التي سالت في "آمرلي" وقبلها في "سبايكر" و"سجن بادوش" و"تلعفر" وعديد النواحي والاقضية التابعة لمحافاظات كركوك وصلاح الدين والموصل وديالى، لان مثيلها الذي أريق في مختلف المدن العراقية خلال العقود الماضية، كان عاملاً حاسماً في إسقاط نظام حكم استبعد الكثير ان تكون له نهاية قريبة لاسباب عديدة، ابرزها عامل القسوة والارهاب وعدم تبلور بديل متكامل ومتجانس في تلك الفترة، بيد ان المقابر الجماعية وغرف التعذيب هي التي أطاحت بنظام حزب البعث في العراق، واسقطت الصنم في بغداد.

بغض النظر عما ترمي اليه واشنطن والعواصم الاخرى من حربها ضد هذا التنظيم التي تشير اصابع الاتهام في رعايته ونشوئه الى شخصيات اميركية كبيرة. فان المضحين والصامدين وكل من قدم شهيداً في الحرب ضد الارهاب، الى جانب عامة الشعب العراقي، يتطلعون الى مستقبل بحجم التضحيات التي قدموها، وهذا يتحقق عندما يكونوا في المسيرة الكبيرة قدماً مع الاطراف الاخرى، لا أن يكونوا حاضرين في الحرب وعلى خط النار والموت، وبعيدين عن آفاق الحرب ومستقبلها ومكاسبها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 14/آيلول/2014 - 18/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م