أبو ظبي ــ منذ بدأ جامعو الصيد في بناء مساكنهم قبل نحو 14 ألف
عام، كانت ملكية المسكن علامة على المكانة الاجتماعية والاقتصادية
العالية. واليوم، انتهت الولايات المتحدة من بناء بيروقراطية مالية
ضخمة لتشجيع تملك المساكن، ويتابع أهل الاقتصاد، والمصرفيون، والساسة،
وبالطبع أصحاب المساكن أنفسهم مؤشرات أسعار المساكن، بكل شغف. ولكن كما
شهدنا مؤخرا، فما لم يتم حساب مخاطر الرهن العقاري على النحو السليم،
فإن حلم ملكية المسكن من الممكن أن يتحول إلى كابوس اقتصادي.
لقد تحولت ديون الرهن العقاري إلى الالتزام الأكبر المستحق على
الأسر في مختلف أنحاء العالم المتقدم. وفي العقد السابق لاندلاع الأزمة
المالية، زادت ديون الرهن العقاري في الولايات المتحدة إلى ثلاثة
أمثالها تقريبا، في حين سجل الاقتصاد الحقيقي نمواً لم يتجاوز الثلث.
وعند ذروته، بلغ دين الرهن العقاري في الولايات المتحدة نحو 10.6
تريليون دولار ــ أكثر من ضعف الناتج المحلي الإجمالي للصين والهند
مجتمعتين.
وكانت الأزمات المصرفية الكبرى الست التي نشأت في الاقتصادات
المتقدمة منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين مرتبطة جميعها بانهيار سوق
الإسكان. وكان انهيار أسعار العقارات أيضاً سبباً رئيسياً لأزمات
الأسواق الناشئة، مثل الانهيار الآسيوي في الفترة 1997-1998. وتشير
البحوث إلى أن الناتج المفقود خلال فترات الركود المصحوبة بانهيار سوق
الإسكان يكون عادة ضعف أو ضعفي الفاقد الذي كان ليحدث لو صمدت أسعار
المساكن. وعلاوة على ذلك، تميل أزمات الإسكان إلى إطالة فترات الركود
بنحو ثلاث سنوات تقريبا.
ونظراً للتكاليف الاجتماعية والاقتصادية الهائلة التي تترتب على
اجتماع مستويات ديون الرهن العقاري المرتفعة مع انهيار أسعار المساكن،
فإن المرء كان ليتوقع من القائمين على التنظيم أن ينهمكوا بشكل كامل في
دراسة هذه القضية. ولكن من المؤسف أن هذا لا يحدث في الواقع. ورغم أن
لجنة بازل بشأن الرقابة المصرفية، والتي تشكل المعيار الرئيسي
للتنظيمات المصرفية، اقترحت بعض الإصلاحات بعد أزمة 2008 تهدف إلى
تعزيز النظام المالي، فإن تنظيمات الرهن العقاري لم تتغير إلا قليلا.
يتلخص المفتاح الرئيسي إلى تنظيم الرهن العقاري في مفهوم "وزن
المخاطر"، وهو مقياس يتزايد بتزايد احتمالات عجز المقترض عن السداد.
على سبيل المثال، القرض المقدم إلى شركة ميكروسوفت ذات التصنيف
الائتماني الممتاز يكون وزن الخطر المرتبط به صفر في المائة، بمعنى أنه
خال من المخاطر تماماً تقريبا. والقرض المقدم إلى الحكومة الهندية سوف
يكون وزن الخطر المرتبط به 50%، والقرض الأكثر خطورة المقدم للأرجنتين
سوف يكون وزن الخطر المرتبط به 150%.
وعندما يتعلق الأمر بالرهن العقاري، فإن وزن المخاطر المعياري
حالياً 35% (بعد أن كان 50% قبل عشر سنوات). ولكن البنوك من الممكن أن
تستخدم نماذج حسابية داخلية لحساب أوزان المخاطر الخاصة بها. وهذا أشبه
بمن يصحح إجابته في الامتحان بنفسه؛ ومن غير المستغرب أن تكون أرقام
مخاطر البنوك على الجانب الآمن عادة.
لنفترض على سبيل المثال أن شخصاً ما اقترض من بنك 200 ألف دولار
لشراء مسكن قيمته 235 ألف دولار. إذا ربط البنك خطراً وزنه 10% بهذا
القرض، فإن هذا يعادل 20 ألف دولار. فإذا كان كم رأسمال البنك المطلوب
لحماية هذا المعادل 10%، فهذا يعني أن البنك يحتاج إلى 2000 دولار فقط
من رأسماله لتمويل الرهن العقاري، الذي يقترض البنك ذاته 198 ألف دولار
منه.
وكل ما يلزم لمحو أموال البنك هو أن ينخفض سعر المسكن بنسبة 16% (من
235 ألف دولار إلى أقل من 198 ألف دولار). والواقع أن أسعار المساكن في
الولايات المتحدة ــ بقياسها على مؤشر ستاندرد آند بورز/كيس شيلر
الوطني لأسعار المساكن ــ انخفضت بنسبة تتجاوز 30% على مدى الفترة من
يونيو/حزيران 2006 إلى مارس/آذار 2009، في حين شهدت بلدان أوروبية، بما
في ذلك أسبانيا وأيرلندا والمملكة المتحدة، انخفاضات مماثلة أو أكبر.
والمشكلة أن البنوك لا تزال تعرض قروض رهن عقاري كبيرة، في حين تعرض
نفسها لقدر ضئيل من الخطر. ووفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي فإن
متوسط وزن المخاطر المرتبط بالرهن العقاري في أوروبا وآسيا كان 14%
و15% على التوالي، وقد ينخفض وزن المخاطر الذي تطبقه بعض البنوك إلى
6%.
مؤخرا، أصبحت بعض الجهات التنظيمية متشككة في أوزان المخاطر التي
تحددها البنوك بنفسها. وفي عام 2012، طلبت سلطات المملكة المتحدة من
البنوك تطبيق حد أدنى لوزن المخاطر بنسبة 15% على محافظ الرهن العقاري
لديها، وإن كان هذا التوجيه قد انتهى العمل به في يوليو/تموز. وأوصت
الجهات التنظيمية في السويد مقدمي قروض الرهن العقاري بزيادة الحد
الأدنى لوزن المخاطر من 15% إلى 25%.
ورغم أن هذه الخطوات موضع ترحيب، فإنها ربما لا تزال أقل مما ينبغي؛
فالأمر الأكثر أهمية هي أنها تفتقر إلى المرونة. وقد يكون الخيار
الأفضل تنفيذ حدود تتغير تبعاً للوقت والتقلبات الدورية، وهو ما من
شأنه أن يرغم البنوك على الاحتفاظ بالمزيد من رؤوس الأموال أثناء فترات
رواج الإسكان. وفي حين قد يدفع الحد الأدنى الثابت البنوك إلى تقديم
قروض ذات مخاطر أعلى وذات عوائد أعلى على نفس المبلغ من رأس المال، فإن
النظام الديناميكي من شأنه أن يسمح بتطبيق حدود أدنى لقروض الرهن
العقاري الأقل مخاطرة ويفرض حدوداً أعلى للقروض الأكثر مخاطرة.
وعلاوة على ذلك، ففي حين يُعَد وزن المخاطر أداة مهمة لتعزيز تدابير
التحوط الكلي، فلابد من استخدامه جنباً إلى جنب مع الأدوات الأخرى التي
يستخدمها القائمون على التنظيم. ويتضمن هذا معايير أهلية الرهن
العقاري، مثل نسبة القرض إلى القيمة ونسبة القرض إلى الدخل، والتمويل
الديناميكي (بمعنى زيادة احتياطيات القرض إلى الخسارة الإلزامية أثناء
فترات رواج الإسكان). ومن الأهمية بمكان أن تتم معايرة تأثير أوزان
المخاطر على دورات سوق الإسكان نسبة إلى مقاييس أخرى، لأسباب كثيرة
أهمها أن التدخل المفرط قد يغذي هو ذاته دورات خطيرة.
إن اعتماد التنظيمات المصرفية الحديثة على وزن المخاطر يكتسب أهمية
شديدة في سوق الرهن العقاري. وإذا أخطأت الجهات التنظيمية في حساباتها
في هذا السياق فإن الصرح بالكامل قد ينهار ــ مرة أخرى.
* نائب الرئيس ورئيس مجموعة مخاطر الائتمان
وإدارة المحافظ في بنك أبوظبي الوطني
https://www.project-syndicate.org
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة
النبأ المعلوماتية |