شبكة النبأ: برز مفهوم الاقليات الى
العلن والتعاطي معه بعد سقوط الاتحاد السوفييتي السابق في تسعينيات
القرن الماضي، وبروز اكثر من جماعة اثنية ودينية في الجمهوريات التي
كانت موجودة في الاتحاد السابق، لكنها لم تكن تتمتع ولو بالحد من
الادنى من الحقوق نتيجة لمحاولة صهر وتذويب اختلافاتها في بوتقة نظام
سياسي واجتماعي وثقافي واحد.
اضف الى ذلك بروز العولمة كمفهوم جديد للتواصل بين شعوب العالم،
وتاثيرات السياسة العالمية على التنوع الثقافي للمجتمعات وكذلك
التعددية السياسية كمفهوم جديد للتعاطي مع الاقليات وحقوقها.
تعرّف الاقلية بانها: طائفة من الناس تجمعهم رابطة اللغة أو الدين
أو الجنسية ويعيشون مع طائفة أخرى أعظم شأنا وأكثر عددا
وقد تبلورت استراتيجيتان أساسيتان في التعامل مع الاقليات بين
إعتبارها مشكلة صفرية تتطلب حلها لتستمر الدولة وتستقر، وبين إعتبارها
واقعا يمكن التعايش معه وإدارته وتوجيهه لخدمة التنوع الثقافي للدولة ،هاتان
الاستراتيجيتان هما :
الاولى: استراتيجية الإقصاء: وتنتهج الدولة فيها أسايب الإبادة
الجماعية والترحيل القسري والتقسيم أو الفصل، أو الإدماج والتذويب
والإستيعاب .
الثانية: إستراتيجية التسوية وإدارة التعدد: وتتضمن الهيمنة على
الجماعات الإثنية والتحكم فيها ،من خلال تقاسم السلطة، أو الفدرالية
التي تتطابق فيها الحدود الجغرافية للأقاليم مع الحدود الإثنية.
إعتمد الدارسون لموضوع الأقليات على ثلاثة أتجاهات رئيسية في تحديد
مفهومها وقدموا عدة تعاريف وفق تلك الإتجاهات وهي:
الأول: الاتجاه العددي
يرى أنصار هذا المعيار ان مفهوم الاقلية مرتبط بعدد الافراد
المنتمين اليها والذين تجمعهم روابط مشتركة وتميزهم عن غيرهم داخل
المجتمع المشكل للدولة الواحدة على اقليمها، ويرون أن الاقلية هي
الجماعة العرقية الأقل عددا في مجتمع ما،و أنصار هذا الاتجاه من
المشتغلين بالعلوم الاجتماعية والدراسات القانونية(كما يذهب الى ذلك
احمد وهبان في كتابه الصراعات العرقية واستقرار العالم المعاصر).
وحسب هذا المعيار تعرف الاقلية بانها:
أولا- الأقلية هي: مجموعة من الناس يتمتعون بجنسية الدولة التي
يعيشون فيها بذاتهم ويختلفون عن غالبية مواطنيها في الجنس واللغة
والعقيدة والثقافة والعادات والتقاليد (كما يذهب الى ذلك احمد وهبان في
كتابه الصراعات العرقية واستقرار العالم المعاصر) .
ثانيا- الأقلية هي :كل مجموعة بشرية تعيش داخل إقليم دولة ما وتتمتع
بخصائص تميزها عن غيرها من بقية السكان سواء كانت خصائص ثقافية أو
دينية أو لغوية أو تاريخية أو جنسية.
الثاني: اتجاه الفاعلية
يرى أنصار هذا المعيار إن الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي هو
العنصر المحدد لمفهوم الأقلية ،وهي حسبهم كل جماعة عرقية مستضعفة أو
مقهورة أو مغلوب على أمرها بغض النظر عن عدد إفرادها كثرة كانوا أم
قلة، ويستدلون على ذلك بوضع الهنود الحمر في أمريكا في بداية الغزو
الأوربي لها وكذلك الزنوج في جنوب إفريقيا أيام حكم الميز العنصري .
يعرف أنصار هذا الإتجاه الأقلية على أنها:
أولا-الأقلية: هي كل جماعة في الدولة لا تسيطر ولا تهيمن على جماعة
أخرى وتتمتع بجنسية تلك الدولة،إلا أنها تختلف عن باقي السكان في لغتها
وجنسها ودينها،وتسعى إلى حماية ثقافتها وترقية لغتها والمحافظة على
تقاليدها .وان كان هذا التعريف يربط مفهوم الأقلية بفاعليتها فقط فان
اعتماده يؤدي إلى خلق نوع من الخلط بين مفهوم الأغلبية والأقلية ،خاصة
في الأوضاع التي نكون فيها أمام مجموعتين أحداهما كثيرة العدد وأقل
سيطرة والأخرى قليلة العدد ومسيطرة فكلتاهما أقلية وأغلبية حسب معيار
الدارس أو الملاحظ .
ثانيا-الأقلية: هي مجموعة يتشارك أعضاؤها في واحد أو أكثر من
الخصائص الثقافية أو الجنسية، وفي عدد من المصالح ولديهم الوعي التام
بواقعهم وتمايزهم عن باقي السكان ،وهم متضامنون في مواجهة مصيرهم
.ويتميز هذا التعريف بإدراجه للعامل النفسي المثمثل في الوعي والإحساس
لدى أفراد المجموعة كما سيأتي لاحقا.
ثالثا-الأقلية: كل مجموعة تربطها روابط بيولوجية أو ثقافية تميزها
عن غيرها وتتعرض للاضطهاد أو التمييز وعدم المساواة.
رابعا-الأقلية: هي جماعة من الناس منفصلة بخصائصها العضوية أو
الثقافية عن بقية المجتمع الذي تعيش فيه ،وتعاني معاملة غير متساوية مع
باقي أفراد المجتمع ،وعليه فهي تحس بالتفرقة والتمييز.
الثالث: اتجاه الفاعلية والعدد معا
لقد تعرض أصحاب معيار العدد كما أصحاب معيار الفاعلية إلى كثير من
الإنتقادات مما حدا بمجموعة من الدارسين إلى اعتماد المعيارين معا في
اتجاه جديد وتتمحور تعريفاتهم لمفهوم الأقلية بين الجمع المتزامن بين
قلة العدد ودونية الوضع السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي ومن بين
التعاريف التي ساقوها نورد:
أولا-الأقلية: مجموعة من مواطني دولة ما تختلف عن أغلبية المواطنين
في الجنس أو الدين أو اللغة أو الثقافة ،مع شعورها بالتهميش والاستهداف
من غيرها كما أنها لا تتمتع بأي هيمنة على المجموعات الأخرى ،مما يوجب
حماية القانون الدولي لها .
ثانيا-الأقلية: هي كل جماعة لها أصل عنصري ثابت وتقاليد دينية
ولغوية،وهي الصفات التي تختلف بصفة واضحة عن بقية الشعب الذي تعيش
فيه،ويجب أن يكون عددها كافيا للمحافظة على تلك التقاليد والخصائص ،كما
يجب أن تدين بالولاء للدولة التي تتمتع بجنسيتها (محمود ابو العينين،
إدارة وحل الصراعات العرقية في أفريقيا).
وهذا التعريف هو نفسه الذي اعتمدته اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان
التابعة للأمم المتحدة في دورتها الرابعة (نيويورك من 6-12أكتوبر
1951)، ويتميز هذا التعريف بعنصر الولاء للدولة وما يترتب عليه قانونيا
.
العوامل المحددة لمفهوم الأقلية
من التعاريف السابقة لمفهوم الأقلية يمكن الإشارة إلى مجموعة من
المحددات اللازمة التي تتحكم إلى حد كبير في بلورة مفهوم واضح للأقليات
تتلخص فيما يلي:
(العامل المجتمعي - العامل الكمي - العامل النفسي - العامل الجغرافي
- العامل السياسي)
في جهوده الكبيرة ومساهماته التي قدمها في مختلف العلوم والمعارف،
شارك الامام الراحل محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) في الحديث عن
الاقليات الموجودة داخل المجتمعات الاسلامية، وهي اقليات قد تكون
متشابهة في الدين وهو (الاسلام) او مختلفة بذلك، تبعا لتوزيعها
الجغرافي في تلك المجتمعات.
في كتابه (حكومة الاكثرية) والذي يتحدث فيه عن العراق وما يجب ان
يكون عليه شكل الحكومة بعد اي تغيير يحصل فيه، وهو كتاب صدر قبل العام
2003 وسقوط النظام السابق، حيث يرى ان هناك مشكلتان اساسيتان موجودتان
فيه:
(أولهما: عدم الوعي والتخلف في ميادين السياسة والحقوق، وغيرها من
ميادين الحياة المهمة، وهذا التخلف جعل الكثير من أبناء الشعب لا يعرف
ما يدور حوله من مكائد ومؤامرات استعمارية.
وثانيهما: سيطرة الأقلية على الأكثرية).
وهي مشكلة يرى الامام الراحل، انها لم تقتصر على سلب الحقوق ومصادرة
تضحيات الأكثرية، بل تتعداهما إلى أن المستفيد من هذه التضحيات هم أناس
بعيدون عن الجهاد والتضحية.
وهو في طرحه يعتمد على الاتجاه العام في العالم بعد سقوط الاتحاد
السوفييتي، ويسميه ( القانون الديمقراطي) الذي يحكم أوسع رقعة جغرافية
من العالم اليوم.
وهذا القانون يقضي بأن (الاتجاه السياسي والمذهبي للدولة يجب أن
يختاره الشعب طبق ميزان التوزيع وحق الأكثرية، مع احترام حقوق
الأقليات).
وفي كتابه (اذا قام الاسلام في العراق) يطرح رؤيته السياسية
للاقليات مستعينا بتصنيفها الديني، وعبر طرح سؤال هو(هل الطوائف
المذهبية غير المسلمة، لها الحق في تشكيل الأحزاب؟) ويجيب عن ذلك
بقوله:
(نعم، في إطار شؤونهم الداخلية، على أن لا يقوموا بالتأثير على
المسلمين، فان الدولة الإسلامية تتعايش مع الأقليات بأفضل ما يمكن،
فالأقليات لها أحكامها الخاصة بها، سواء أكانت من أهل الكتاب كالمجوس
والنصارى، أو غير أهل الكتاب كالبوذية والبرهمية وما إلى ذلك).
وهو في حديثه عن حالة العراق، يرى انه ليس من الحق والإنصاف أن يحكم
أكثرية العراق ـ وهم الشيعة ـ أشخاص من الأقلية. كما ليس صحيحاً أن تقع
الحكومة بيد فريق معين من الأشخاص بلا انتخابات أو تصويت أو شورى.
وحكم الاكثرية الشيعية برأي الامام الراحل، (لا يعبر عن الطائفية،
بل إن هؤلاء الأقلية هم أخوة لنا).
وحتى في مسألة الحكم والتمثيل السياسي للاكثرية يضع شروطا لمثل
القائمين على الحكم وهي شروط (الكفاءة واللياقة بالمنصب)، مع إعطاء
الأقليات الأخرى حقوقهم، وعدم تجاهلهم بحسب نسبتهم، مع توفر الكفاءة
وغيرها من الشروط اللازمة لذلك. |