الرهان الصيني الأمريكي

أوباما يتصدي للصين في الاتحاد الأوربي وأفريقيا

د. عدنان عباس علي

 

خلال يومي 5 و6 آب/أغسطس 2014، بحثت القمة الأمريكية-الأفريقية مجموعة قضايا كان من بينها اندماج البلدان الأفريقية في الاقتصاد العالمي وتعزيز قدرات الدول الأفريقية على مواجهة الأزمات الاقتصادية والغذائية، والعمل على تشجيع الاستثمار في القطاعات الاقتصادية المختلفة، وفي قطاع الطاقة بنحو مخصوص، وفي المجالات الضرورية بالنسبة للأجيال القادمة، واتخاذ الخطوات الضرورية لإرساء السلم والأمن في أفريقيا والتمسك بمبادئ الحكم الرشيد.

وكان شعار هذه القمة، التي انعقدت، في واشنطن، بحضور نحو خمسين من قادة الدول الأفريقية، هو "الاستثمار في الجيل القادم". وهذه القمة هي الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات الأمريكية–الأفريقية.

وأشار الكثير من المعلقين السياسيين الأمريكان والأوربيين، إلى أن الولايات المتحدة تريد توظيف هذا المؤتمر من ناحية لوقف النشاط الصيني في أفريقيا ومن ناحية أخرى للحد من الدور، الذي باتت تلعبه مجموعة "البريكس" - المكونة من الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا - في الاقتصاد العالمي.

على صعيد آخر، وعلى هامش قمة الدول الصناعية الثمانية في منتجع "أيسكيلين" بمقاطعة "فيرمنا" في ايرلندا الشمالية، التقى زعماء الاتحاد الأوربي، في حزيران/يونيو 2013، الرئيس الأمريكي أوباما، وذلك للمصادقة على انطلاقة المفاوضات الخاصة باستحداث منطقة التجارة الحرة بين دول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية.

وكانت الجولة الأولى من المفاوضات قد انطلقت في واشنطن في السادس عشر من كانون أول/ديسمبر واستغرقت أسبوعاً واحداً. ويأمل الجانبان أن تنتهي المفاوضات خلال فترة تتراوح بين 18 إلى 24 شهراً، أي أن يتم التوصل إلى اتفاق تاريخي، نهائي، بشأن خلق أكبر منطقة تجارية في العالم، في نهاية العام الحالي، عام 2014. وغني عن البيان أننا هاهنا إزاء مهلة قصيرة جداً بالنسبة لمحادثات تجارية دولية تستغرق عادة سنوات عديدة.

وربما سأل البعض عن الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة على وجه الخصوص للتحرك بهذه القوة لعقد مؤتمر القمة الأمريكية-الأفريقية ولتعزيز الشراكة التجارية مع الاتحاد الأوربي.

يكمن السبب الرئيسي لهذا التحرك في أن الصين كانت، في عام 2012، قد تفوقت، لأول مرة في التاريخ، على الولايات المتحدة من حيث حجم تجارتها الخارجية، وأمست قوة اقتصادية تتحدى هيمنة الولايات المتحدة على التجارة العالمية. ففي حين بلغ إجمالي حجم الصادرات والواردات الأمريكية حوالي 3,82 تريليونات دولار، بلغ إجمالي حجم التجارة الخارجية الصينية 3,87 تريليونات دولا في العام المذكور.

ولا يفوتنا هاهنا أن نشير إلى أن الولايات المتحدة حققت فائضاَ في ميزان الخدمات بلغت قيمته حوالي 195 مليار دولار في عام 2012، وعجزاً في الميزان التجاري زاد على 700 مليار دولار، بينما حققت الصين في العام نفسه، عام 2012، فائضاً في الميزان التجاري بلغت قيمته أكثر من 231 مليار دولار، علماً أن حجم الاقتصاد الأمريكي يبلغ ضعف حجم الاقتصاد الصيني، بحسب البيانات المعلنة من قبل البنك الدولي. فبحسب هذه البيانات، زاد إجمالي الناتج المحلي الأمريكي على 15 تريليون دولار، في حين بلغ إجمالي الناتج المحلي الصيني 7,3 تريليونات دولار فقط.

أضف إلى هذا أن الصين أضحت أهم شريك تجاري بالنسبة لدول الاتحاد الأوربي. ولا غرو في أن الولايات المتحدة يساورها قلق شديد من اتجاه دول الاتحاد الأوربي صوب الصين وتسريع نمو التجارة البينية.

وهكذا، كان من مصلحة الولايات المتحدة أن تحث الخطى صوب إنشاء منطقة للتجارة الحرة مع دول الاتحاد الأوربي، فتحرير التجارة البينية مع هذه الكتلة الاقتصادية يساهم في الحد من تفوق الصين على الولايات المتحدة تجارياً.

وهكذا، لا عجب أن يرعى أوباما بنحو شخصي الاتفاقية المرتقبة، والتي ستخلق، إن تم إبرامها بنحو نهائي، تكتلاً اقتصادياً ينتج نصف الإنتاج العالمي، ويستطيع، أيضاً، إقصاء الصين من محيط الدول الواقعة على جانبي الأطلسي، ويبشر بأن يستغني الطرفان عن الواردات الصينية ويتخذون الإجراءات المناسبة لاستبدال هذه الواردات بالواردات الأورو-أمريكية، وينفذون الخطوات الضرورية لتقليص أهمية الصين التجارية في المنطقة.

بيد أن الصين لم تعد أكبر أمة تجارية على المستوى العالمي فحسب، بل وتقدمت، منذ عام 2009، على الولايات المتحدة أيضاً في مجال التجارة مع القارة السمراء. أضف إلى هذا أن الصين كانت عام 2013 أكبر مستورد للبترول الأفريقي على مستوى العالم أجمع.

على صعيد آخر، ينفذ الصينيون مشاريع ذات أهمية كبيرة بالنسبة للتنمية الاقتصادية في أفريقيا: تعبيد الطرقات وبناء الموانئ وتشييد السكك الحديدية وإنشاء محطات الطاقة الكهربائية وإقامة البنية التحتية الضرورية لتطوير القطاع الصناعي عامة وقطاع البترول بنحو مخصوص.

وليس ثمة شك في أن للمصالح الاقتصادية الصينية دوراً مهماً في هذه النشاطات. فالصين تسعى إلى سد حاجتها من موارد الطاقة، وتريد الانتفاع بالأسواق الصينية الرحبة.

والملاحظ هو أن العديد من وسائل الإعلام الأمريكية يثير الريب والشكوك حول النشاط الاقتصادي الصيني في أفريقيا، مصوراً الأمر كما لو أن الصين قد عقدت العزم على استعمار القارة الأفريقية.

إن هذا المنظور متحيز ويجافي الحقيقة بكل تأكيد. فالصين ليست شريكاً تجارياً جديداً في أفريقيا. فهي تقيم علاقات تجارية مع القارة السمراء منذ عقود كثيرة من الزمن.

وهكذا، فإذا باتت وسائل الإعلام الأمريكية، على وجه الخصوص، تسلط الضوء، في الآونة الأخيرة، على النشاط الصيني في أفريقيا، فما ذلك إلا تعبيراً عن خشيتها من ظهور قوة جديدة قادرة على منافسة الولايات المتحدة في المجالات الاقتصادية والسياسية.

على صعيد آخر، تزعم وسائل الإعلام الغربية أن الصين عززت دورها في أفريقيا من خلال إفسادها، بلا وازع وضمير، أخلاق الكثير من المسئولين الأفارقة وتشجيعهم على الارتشاء.

ومع إدانتنا لهذه الأساليب، سواء اقترفها الصينيون أو الغربيون، إلا أننا لا نشط كثيراً إذا قلنا إن هذه التهمة تعبر عن حَسَد أكيد ونفاق بين، وليس عن موقف متمسك بالأخلاق الحميدة. فالكثير من الشركات الغربية تنتهج، أيضاً، أساليب الارتشاء في العديد من الدول النامية والأفريقية منها بنحو مخصوص.

عموماً يمكن القول، إن النجاح التجاري الذي حققته الصين في أفريقيا، يكمن في أن الصينيين أكثر من الغربيين تفهماً وتجاوباً مع نمط الحياة في أفريقيا.

فحينما يأتي هذا الأوربي أو ذاك من الخبراء المتخصصين بمسائل التنمية إلى البلدان الأفريقية، فإن كل ما في جعبتهم هو إرشاد الأفارقة إلى استخدام وسائل الحد من النسل وتعليمهم أساليب إنشاء المنظمات المدنية واستعمال الشبكات الاجتماعية ومطالبتهم بمنع تشغيل تلاميذ المدارس، متجاهلين أن إرشاداتهم هذه لا قيمة لها من وجهة نظر الكثير من السكان الأفارقة، وذلك لأن لأفريقيا عادات وتقاليد لا يراعيها الخبير الغربي، الذي لا يتمتع، في أغلب الأحيان، بالكفاءة الضرورية لتفهم ما في أفريقيا من معضلات وإشكاليات ومن هياكل اجتماعية وعادات وتقاليد.

وكانت صحيفة "الشعب اليومية أونلاين" قد كتبت في 20 شباط/فبراير 2008، أن شيخ تيديان غاديو، السياسي السنغالي، ووزير خارجية بلاده من العام 2000 إلى العام 2009 ، قد أكد، في سياق مقارنته بين النهج الصيني والأسلوب الغربي، أن النهج الصين هو الأكثر استجابة للتصورات الأفريقية، وأنه لا يرى في هذا النشاط ما يثير لديه التذمر.

ويرى الكثير من الأفارقة، أن زعم وسائل الإعلام الغربية بأن الصين تساند حكومات لا تتمتع بالشرعية ولا تسمح بحرية التعبير ولا تحترم مبادئ حقوق الإنسان، أمر مثير للسخرية، إذا ما رجع المرء بذاكرته إلى ستينات وسبعينات وثمانينات القرن العشرين. ففي تلك الحقبة كان الغرب يحتفظ بأقوى أواصر الصداقة مع موبوتو وعيدي أمين وبوكاسا، أي مع مستبدين، كانوا من أبشع ما عرفت أفريقيا الحديثة من قتلة متعطشين للدماء.

إن الموضوع يدور، سواء بالنسبة للولايات المتحدة أو بالنسبة للصين، حول ما لدى الطرفين من مصالح في القارة الأفريقية بحسب ما قاله شيخ تيديان غاديو. ففي حين تدخل الغرب عسكرياً في ليبيا، نراه يحجم عن التدخل في ساحل العاج كلية.

من ناحية أخرى، الملاحظ هو أن الصين لا تنافق ولا تكيل بمكيالين بالنسبة لعلاقاتها مع الدول الأفريقية. فهي تقول بصريح العبارة أنها متمسكة بعدم التدخل في شؤون الدول الأفريقية وأنها تحترم سيادة هذه الدول.

وكان السياسي السنغالي قد علق في مرة من المرات، على سياسة الكيل بمكيالين الأمريكية، بلهجة مشوبة بسخرية لاذعة، فقد قال بأن الاختلاف بين كلتا الحالتين هو أن ثياب المدنيين الليبيين الأبرياء تتضوع بعطر النفط، أما ملابس المدنيين الأبرياء في ساحل العاج، فإن المرء يشم منها رائحة الكاكاو فقط.

وكيفما اتفق، فسواء تعلق الأمر بالولايات المتحدة أو بأوربا الغربية أو بالصين، فإن مستقبل أفريقيا يتحدد، من وجهة نظر السياسي الأفريقي، في أن توحد القارة السمراء صفوفها وأن تتعامل مع المستثمرين الأجانب معاملة الند للند مستقبلاً، وأن تتكلم بلغة واحدة في مفاوضاتها مع الشركاء الغربيين والصينيين.

من ناحية أخرى، لا يزال إنشاء منطقة التجارة الحرة على جانبي الأطلسي في علم الغيب. فدول الاتحاد الأوربي تخشى أن تفتح اتفاقية التجارة الحرة الأبواب على مصراعيها أمام الشركات الأمريكية العملاقة لأن تقيم الدعاوي على الحكومة الألمانية مثلاً أو على الاتحاد الأوربي برمته إذا ما أقدم أحد هذه الأطراف على سن تشريعات تضر بمصالح هذه الشركات وتتسبب في تخفيض أرباحها، أعني أن الحكومة الأمريكية تسعى لضمان حق الشركات الأمريكية بإقامة الدعوى ضد المفوضية الأوربية، على سبيل المثال، في حالة اعتقادها أن القوانين التي سنتها هذه المفوضية قد ألحقت الضرر بها.

* أستاذ جامعي من العراق

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 10/آيلول/2014 - 14/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م