هل الفكر الوهابي يهدد العالم والدول الراعية له؟

علي ال غراش

 

 مع تفاقم خطر الجماعات الدينية السلفية الجهادية مثل القاعدة وطالبان وداعش والنصرة، وكذلك بوكو حرام وأخواتها، يتجدد الحديث حول مسؤولية الفكر الذي تنتمي إليه هذه الجماعات، وهو الفكر الوهابي.

هل الفكر الوهابي هو المسؤول عن ظهور هذه الجماعات التكفيرية الدموية، وما دور هذا الفكر في تأسيس السعودية وهل يشكل خطرا على مستقبلها؟.

وهل حان الوقت لفصل الدولة عن الفكر المتشدد والتكفيري.. واعتماد الفكر المعتدل والتعددية؟.

نريد التأكيد على أن يكون الوطن لجميع الموطنين، ونبراس للعدالة والحرية واحترام حقوق الإنسان والتعددية الدينية والثقافية، ومصدر المحبة والتسامح والتعايش السلمي، و ما العجب وهذه الأرض تحتضن أقدس المواقع " البيت الحرام" وخاتم الأنبياء والمرسلين (ص) الذي جاء رحمة للعالمين وإنقاذ البشرية.

ولكن للأسف الشديد الوطن يواجه مخاطر كبيرة جدا، بحاجة لمبادرة سياسية ولموقف وطني من الجميع وبمشاركة جميع المواطنين فالوطن لكافة شرائح المجتمع، وليس لفئة محددة، ومن الخطأ الفادح الاستمرار على سلك منهج معين في التعاطي مع مطالب الشارع بأسلوب أمني وتخوين من يطالب بالإصلاح الشامل.

ومن أعظم الأخطاء السماح لفكر محدد وهو الفكر الوهابي ليكون فكر الدولة الأساسي الذي تتبناه وتدعمه وتدرسه في مدارسها في ظل ما يتسبب به هذا الفكر من خطر على الوطن والمواطنين والعالم.

تشير المصادر التاريخية ان السعودية نشأت على سواعد مقاتلين يؤمنون بعقيدة محمد بن عبدالوهاب "الوهابية" - فكر ديني يتميز بالتشدد السلفي إلى حد التكفير-، مقاتلون أثبتوا قدرتهم القتالية والإنتصار عل كل من يواجههم بسبب أسلوبهم المرعب، لدرجة أن أكثر المناطق تبادر للاستسلام والرضوخ لهم بدون حرب لتسلم منهم، وكانت القوات السعودية الوهابية تفرض ما تؤمن به من فكر وعقيدة على أهالي المناطق التي يسيطرون عليها، وتدمر كل ما يخالف عقيدتها، حيث تم تدمير الآثار الدينية وما يتعلق بالنبي محمد (ص) وأهل بيته وصحابته، تلك الآثار والقباب التي ظلت باقية مئات السنين إلى سيطرة القوات السعودية الوهابية، وفرضت المدرسة السلفية الوهابية كمذهب على العديد المناطق ومنها المنطقة الجنوبية التي كانت معروفة بالتعددية المذهبية وانتشار المذهب الشافعي، وأغلب الجيل الجديد من أهل المنطقة ربما ليس لديهم معلومات حول ذلك بسبب انتشار الفكر السلفي الوهابي، ولمعرفة المزيد حول تلك الحقبة الاطلاع على الكتب التي ترصدت تاريخ المناطق في الجزيرة ومرحلة تأسيس السعودية.

المجموعة المقاتلة تقاتل باسم الجهاد حسب عقيدة الوهابية وتسعى لنشر فكرها على أساس انه الدين الاسلامي الصحيح، وكانوا يريدون إخضاع دول الجوار ومنها العراق لعقيدتهم الوهابية، مما أزعج بريطانيا الدولة العظمى في تلك المرحلة، فطلبت من الملك عبدالعزيز إيقافهم والاكتفاء بالمساحة التي لديه، ولكن القوات الوهابية المتشددة التي لا تؤمن بحدود الدولة والركون للغرب، رفضت طلب الملك عبدالعزيز مما أدى إلى وقوع معركة السبلة عام 1929م بين قوات الملك عبدالعزيز مع القوات المتمردة بقيادة فيصل الدويش، وتدخلت بريطانيا لمساعدة الملك عبدالعزيز مما ساهم في انتصاره.

الحكم السعودي قائم على أساس الشراكة بين طموح ال سعود للسلطة باسم الدين - بحاجة إلى غطاء شرعي-، مع المؤسسة الدينية الوهابية التي هي ايضا لها طموح كبير - بحاجة إلى دولة -، فهما بحاجة لبعض وكل جهة مكملة للآخر للبقاء، ولهذا حاول الحكم السعودي احتواء السلفية الوهابية وتهذيبها بما يفيد في بقاء النظام السياسي ودعم مصالحه بغطاء شرعي.

الشراكة وتمسك العائلة الحاكمة آل سعود بالفكر الوهابي لاستمرار حكمها باسم الشرع، وفرضه على الشعب بقوة الحديد، والرغبة الخجولة في التحديث لعدم إغضاب المؤسسة الدينية، في ظل تمسك المؤسسة الدينية الوهابية بفكرها المتشدد، ورفضها التنازل عن قوتها، ساهم في نمو الفكر الوهابي وانتشاره في العالم بفضل الدعم المالي الكبير، ودفع الوطن والمواطنين الثمن ومازال لغاية اليوم، بعدم تأسيس دولة حضارية قائمة على قوانين تتناسب مع يشهده العالم من حداثة واحترام لحقوق الإنسان، واحترام التعددية الدينية والفكرية.

السلطة الحاكمة آل سعود من جهة، والمؤسسة الدينية الوهابية من جهة اخرى، استطاعا طوال العقود الماضية من الاستمرار والحفاظ على التماسك للعمل معا رغم المخاطر الكبيرة على الوطن والمواطنين، إذ إن نظام آل سعود لا يريد التفريط في المؤسسة الدينية الوهابية مهما حدث فهو يشعر انها مصدر قوته، وقد أستخدم الوهابية الجهادية في الدول التي يختلف معها وله مصالح فيها، وقد حدثت مواجهات دامية بينهما، وعندما يشتد عود التيار الوهابي ينقلب على حكم ال سعود لفرض ما يؤمن به كعقيدة، كما حدث من قبل جماعة جهيمان العتيبي في مكة المكرمة عام 1979م، ومن قبل المجاهدين بعد الانتصار على الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينات، وشهدت السعودية عمليات إرهابية في التسعينيات، وفي عام 2001 قامت القاعدة بتبني تفجيرات 11 سبتمبر في نيويورك، وبمشاركة 15 شاب سعودي انتحاري، وقد وجه العالم المسؤولية عن صناعة الإرهاب للوهابية والرعاية لها السعودية، وتعرضت لضغوط دولية، فتم مواجهة الارهابيين بالحديد فتم قتل عدد منهم وإعتقال البعض وإخضاعهم لدروس المناصحة ثم الافراج، كما هي العادة بعد كل اصطدام بين الحكم السعودي مع الوهابية المتمردة عليه، يحرص الحاكم على إرجاعهم إلى إحضانه من جديد بعد المناصحة وتأهليهم "غسيل الدماغ"، وقيام السلطة بتقديم تنازلات لإعادة الهدوء والعلاقة مع شباب الفكر الوهابي الجهادي.

الفكر الوهابي هو المنبع الذي تتغذى عليه الجماعات التكفيرية الارهابية مثل القاعدة وداعش والنصرة وبوكو حرام وغيرها، وهو يشكل أكبر خطر على السلم العالمي، ولن تسلم الدول الراعية له من الاستهداف كما أعلنت القاعدة وداعش عن استهداف السعودية مباشرة.

محاولات العائلة الحاكمة السعودية السيطرة على جماعة هذا الفكر لم تنجح منذ تأسيس الدول السعودية، لان المشكلة ليست في أفراده من خلال القبض عليهم أو تصفيتهم، بل في الفكر الذي يحتاج إلى تجفيف بكل الوسائل، والأهم أن تتخلى الدول التي تتبناه وتدرسه في مناهجها التعليمية، وتنشره عبر وسائلها الاعلامية ومراكزها المنتشرة في العالم أن تتوقف لتنقذ الوطن ومواطنيها والعالم.

هل ستبادر السلطة للتخلي عن الفكر الوهابي المتشدد التكفيري، وهل سيتم القضاء على هذا الفكر عبر حملة دولية لانقاذ العالم؟

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/آيلول/2014 - 13/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م