العراق ضد داعش... تطورات خجولة وهواجس مجهولة

 

شبكة النبأ: شهد العراق مؤخرا جملة من التطورات السياسية والأمنية، كما يرى محللون، يمكن ايجازها بالآتي:

1. يستعد رئيس الوزراء المكلف (حيدر العبادي) لإعلان الحكومة بعد اختيار تشكيلته الوزارية بالاتفاق مع استحقاقات الكتل الفائزة في الانتخابات البرلمانية، بعد ان رفع أسماء المرشحين الى رئيس البرلمان العراقي، استعدادا لمنحها الثقة، وقد يتم الاتفاق عليها ضمن المدة الدستورية.

2. ظهور بوادر تحالف دولي للتعاون مع العراق من اجل القضاء على تنظيم (الدول الإسلامية/ داعش) بقيادة الولايات المتحدة الامريكية ودول الاتحاد الأوربي وأستراليا وغيرها، بعد خشية هذه الدول من تحول هذا التنظيم نحو اهداف عالمية غربية، وهو ما صرح به كبار القادة والخبراء الامنيون في العالم الغربي.

3. ما زال الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي، إضافة الى قوات حرس الإقليم (البشمركة) تقاتل مسلحي التنظيم في عدة جبهات، ومع الانتصارات التي حققتها القوات العراقية مؤخرا (كفتح الحصار على ناحية امرلي الاستراتيجية وتامين طريق كركوك- بغداد، إضافة الى تحرير سد الموصل والتقدم نحو تكريت...الخ) الا ان هذه الانتصارات ما زالت محدودة التأثير وبعيدة عن الحسم العسكري الضروري في هذه المرحلة، سيما وان ثاني كبرى المدن العراقية (الموصل) ما زالت تحت سيطرة التنظيم.

3. هناك مخاوف حقيقية من فشل السياسيين في تجاوز عقبة المصالح الضيقة، والابتعاد عن تشكيل حكومة وطنية، سيما وان التسريبات الإعلامية اشارت الى وجود خلافات كبيرة بين الكتل الرئيسية حول مطالب قد لا تتناسب وحجم المرحلة الخطيرة التي يمر بها العراق، كما أوضح متابعون للشأن العراقي.

ويبدو ان هذه التطورات السياسية والأمنية الأخيرة، ومع إيجابية البعض منها، ما زالت بعيدة عن الهدف الرئيسي المتمثل بالقضاء على تنظيم الدولة الاسلامية/ داعش.

بالمقابل فان الحالة الإنسانية التي يمر بها النازحين والهاربين من خطر مسلحي داعش، مأساوية للغاية، فمع نزوح أكثر من مليون ونصف المليون من التركمان (الشيعة) والمسيح والايزيديين الشبك وغيرهم، ما زال تنظيم داعش يمارس أكثر الاعمال قسوة ووحشية على مر التاريخ، بعد ان صادر عقارات وممتلكات النازحين، وأعدم المئات وسبى النساء، إضافة الى تغيير ديمغرافيا العديد من المدن والمناطق التي تعايش فيها الجميع، ويرجع تاريخ البعض منهم الى أكثر من الفي عام.

حملة تطهير عرقي

فقد اتهمت منظمة العفو الدولية في تقرير نشر مؤخرا تنظيم "الدولة الإسلامية" المتطرف بشن "حملة تطهير عرقي" وارتكاب "جرائم حرب وخصوصا إعدامات تعسفية جماعية وعمليات خطف" تستهدف "بشكل ممنهج" أبناء الأقليات في شمال العراق ولا سيما منهم المسيحيون والتركمان الشيعة والإيزيديون، وقالت المنظمة الحقوقية في تقريرها إنها حصلت على شهادات "مروعة" من ناجين، متهمة مسلحي التنظيم المتطرف بارتكاب "جرائم حرب وخصوصا إعدامات تعسفية جماعية وعمليات خطف" تستهدف "بشكل ممنهج" أبناء الأقليات في شمال العراق ولا سيما منهم المسيحيون والتركمان الشيعة والايزيديين، وكانت المفوضة العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة نافي بيلاي اتهمت في 25 آب/أغسطس التنظيم المتطرف بشن "حملة تطهير عرقي وديني" في شمال العراق ودعت الأسرة الدولية إلى محاسبة مرتكبي هذه الجرائم.

وفي تقريرها وعنوانه "تطهير عرقي بمقاييس تاريخية" أكدت العفو الدولية أن لديها "أدلة" على حصول العديد من "المجازر الجماعية" في آب/أغسطس في منطقة سنجار حيث يقيم الكثير من الإيزيديين، وهم أبناء أقلية غير مسلمة ناطقة بالكردية، وبحسب الشهادات التي أوردها التقرير فإن جهاديي "الدولة الإسلامية" جمعوا عشرات الرجال والصبية في شاحنات ونقلوهم خارج قراهم حيث أعدموهم، وقالت المنظمة في تقريرها أن تنظيم الدولة الإسلامية "حول مناطق سنجار الريفية إلى حقول للقتل في إطار حملته الوحشية الرامية لمحو أي أثر لكل من ليس عربيا وليس مسلما سنيا" في هذه المنطقة، وأضافت أن الاعتداءين الأكثر دموية من بين تلك الاعتداءات حصلا في قرية قينية في 3 آب/أغسطس وفي قرية كوشو في 15 آب/أغسطس حيث سقط في هاتين القريتين لوحدهما "مئات" القتلى. بحسب رويترز.

وأورد التقرير شهادة لأحد الناجين ويدعى سالم قال فيها أنه تمكن من الفرار بعدما ظل مختبئا طيلة 12 يوما كان خلالها يستمع إلى أنين الضحايا وهم يحتضرون، بدوره قال ناج آخر يدعى سعيد أنه أصيب بخمس رصاصات ولكنه، خلافا لاشقائه السبعة، نجا من الموت بأعجوبة، وأكدت المنظمة أن "مئات، وربما آلاف" النساء والأطفال من الأقلية الإيزيدية تم خطفهم على أيدي الدولة الإسلامية بينما فر "آلاف" الأشخاص الذين "أرهبتهم" هذه الفظائع، وكشفت بعثة الأمم المتحدة في العراق في بيان لها أن 1430 شخصا قتلوا و1370 جرحوا في العراق نتيجة أعمال العنف والإرهاب التي ضربت البلاد في آب/أغسطس، وأوضحت البعثة أن "عدد المدنيين الذين قتلوا في الشهر المنصرم بلغ 1265، فيما قتل 155 من عناصر الأمن".

فيما قالت الشرطة إن سيارة ملغومة انفجرت فقتلت 12 شخصا وأصابت 30 في حي الكاظمية ذي الأغلبية الشيعية ببغداد، وهذا رابع هجوم يقع في منطقة شيعية من العاصمة خلال أسبوعين، وقال شرطي بالقرب من موقع الانفجار "اندلعت النيران بسيارات هذا المكان جرى استهدافه عدة مرات لأنه مزدحم للغاية"، وأضاف أن الانفجار وقع بالقرب من متاجر ومطاعم.

وقال سكان إن مقاتلي الدولة الإسلامية خطفوا 40 رجلا من بلدة في محافظة كركوك بشمال العراق وأخذوا الرجال في سيارات قبل أن ينطلقوا بهم، وقال سكان في بلدة الحويجة السنية بالهاتف إنهم لا يعرفون سبب خطف الرجال من منطقة على أطراف البلدة، وأضافوا قولهم أن الدولة الإسلامية التي تسيطر على الحويجة لم تلق أي مقاومة من سكانها، وكانت الدولة الإسلامية احتجزت مئات من الجنود العراقيين والسوريين وكذلك أعضاء في جماعات مسلحة أخرى وصحفيين ومدنيين، وأفرج عن البعض مقابل فدية وقتل آخرون، وشنت الجماعة هجوما خاطفا في شمال العراق ووسطه في يونيو حزيران وأعلنت قيام الدولة الإسلامية، واستطاع الجيش العراقي وقوات كردية بمساعدة غارات جوية أمريكية رد مقاتلي الدولة الإسلامية على أعقابهم في بعض المناطق، وقالت وزارة الدفاع في بيان على التلفزيون الحكومي إن القوات العراقية قتلت ثلاثة من قادة تنظيم الدولة الإسلامية في ثلاث هجمات منفصلة على الموصل وتلعفر في الشمال.

جرائم داعش

الى ذلك وافقت الأمم المتحدة على إرسال فريق من المحققين إلى العراق للتحري بشأن جرائم يرتكبها مقاتلو الدولة الإسلامية "على نطاق يفوق التصور" وذلك بهدف محاكمة الجناة، وقال محمد شياع السوداني وزير حقوق الإنسان العراقي لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي أصدر قرارا طرحته فرنسا والعراق في الجلسة الطارئة للمجلس المؤلف من 47 عضوا في جنيف إن العراق يواجه "وحشا ارهابيا"، واضاف قوله "ان الأفعال التي تقترفها الدولة الإسلامية لا تهدد العراق وحده بل المنطقة والعالم بأسره".

ويهدف المجلس إلى إرسال 11 محققا وأن تبلغ ميزانية مهمتهم إجمالا 1.18 مليون دولار ليقدموا تقريرا إلى المجلس بحلول مارس آذار 2015، وسيطر التنظيم على مساحات كبيرة من الأراضي في العراق وسوريا وأعلن قيام الخلافة وأجبر مئات الآلاف من العراقيين على الفرار من منازلهم، وقالت فلافيا بانسيري نائبة المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان إنه يوجد "دليل قوي" على أن مقاتلي التنظيم نفذوا عمليات قتل تستهدف أشخاصا بعينهم وأجبروا آخرين على تغيير الديانة وقاموا بعمليات خطف وتعذيب وانتهاكات جنسية بالعراق، وأضافت قولها "التقارير التي تلقيناها تكشف عن فظائع "على نطاق يفوق التصور"، قالت بانسيري إنها تشعر بقلق بالغ من اضطهاد المسيحيين واليزيديين والشيعة والتركمان وجماعات عرقية أخرى على ايدي مقاتلي الدولة الإسلامية الذين اجتاحوا غرب العراق وشماله.

وتابعت "قد تصل الهجمات الممنهجة والمتعمدة إلى حد جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. هناك أفراد (من بينهم قادة) مسؤولون عن هذه الأعمال"، وأضافت أن أطفالا ينتمون لهذه الأقليات المستهدفة جندوا قسرا ووضعوا على الخطوط الأمامية للجبهة كساتر بشري لمقاتلي الجماعة أو اجبروا على التبرع بالدم، وتعرضت النساء للضرب لمخالفتهن قواعد تلزمهن بارتداء الحجاب وألا يسرن بمفردهن دون ان يرافقهن محرم من الرجال، وقال السوداني في الجلسة الطارئة لمجلس حقوق الإنسان إن تنظيم الدولة الاسلامية يهدد التركيبة السكانية لبلاده، وأضاف "بلد الرافدين العريق يتعرض إلى خطر يستهدف كيانه كبلد مستقل محاولا تغيير التركيبة السكانية والثقافية له". بحسب رويترز.

وتابع أن تنظيم الدولة الاسلامية لا يمثل مشكلة لبلاده وحسب مضيفا أن "منظمة داعش (الدولة الاسلامية) ليست ظاهرة عراقية بل انها ظاهرة عابرة للحدود تشكل خطرا داهما على معظم دول العالم فضلا عن تحديها السافر لمبادئ حقوق الإنسان والقوانين الدولية المعمول بها"، وحث السفير الأمريكي في المجلس كيث هاربر رئيس الوزراء العراقي المكلف حيدر العبادي على تشكيل حكومة تضم مختلف الأعراق وتحقق في كل المزاعم الموجهة إلى القوات الحكومية "والجماعات الارهابية"، وقال "إن الروايات التي ظهرت بعد الهجوم الدامي للدولة الاسلامية في العراق والشام (الدولة الاسلامية) على العراق كابوسية، اضطر المسيحيون وغيرهم للفرار من منازلهم بعد تخييرهم بين تغيير الديانة أو الموت".

وأضاف "دفنوا اليزيديين أحياء أو ضربوا أعناقهم أو قتلوهم في عمليات اعدام جماعي"، وشجبت دول غربية وخليجية ممارسات الدولة الإسلامية، وقال السفير الكويتي جمال الغنيم "إنه لمن المؤسف بأن يتضمن اسم هذا التنظيم الارهابي كلمة الاسلام علما أن الاسلام براء من هذا التنظيم وأفكاره"، لكن روسيا وحليفتها سوريا ألقتا باللوم على الدول الغربية والعربية في السماح بنشاط المتشددين السنة في المنطقة، وقال أليكسي بورودافكين سفير موسكو إن روسيا قدمت أسلحة لصد الدولة الإسلامية، وأضاف "اكتسبت الدولة الاسلامية في العراق والشام (الدولة الإسلامية) امكانات ضخمة فهي تسيطر الان على موارد مالية هائلة استولت عليها وتمارس تجارة نفط غير مشروعة وتملك ترسانة كبيرة من الأسلحة الحديثة، كان من الممكن تفادي كل هذا لو كان المجتمع الدولي قد اتخذ اجراءات لاستئصال هذا السرطان في مرحلة مبكرة من تكونه".

تغييرات مثيرة

فيما تزايدت الضغوط على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي كي يتنحى عن منصبه كرئيس للوزراء الشهر الماضي التزمت إيران أشد مؤيديه الصمت بينما عمل مسؤولون إيرانيون كبار على إخراجه من منصبه، كذلك بقيت طهران هادئة عندما بدأت الولايات المتحدة التي يصفها كبار المسؤولين الإيرانيين عادة بالشيطان الأكبر قصف مناطق داخل العراق الشهر الماضي، وهذا التحول الملحوظ في نهج إيران تجاه العراق جاء ردا على المكاسب التي حققتها جماعة الدولة الإسلامية التي اجتاحت شمال العراق وأصبحت على مسافة مؤثرة من الحدود الإيرانية.

ونفذ مقاتلو الدولة الإسلامية في العراق أعمالا وحشية من بينها قطع الرؤوس والإعدامات الجماعية التي تستهدف غالبا الشيعة الذين تعتبرهم جماعة الدولة الإسلامية خارجين عن الإسلام، وغالبية الإيرانيين مسلمون شيعة، ويقول خبراء إنه نتيجة لهذا التهديد تعين على إيران تبني نهج أكثر مرونة في سياستها في العراق مما أدى إلى سلسلة من التحولات المثيرة، ولم يتخل المسؤولون في طهران عن دعم للمالكي وتجاهل تجدد الهجمات الأمريكية في العراق وحسب وإنما تواصلوا أيضا مع السعودية عدوتهم اللدود وشاركوا في محادثات عن الوضع الأمني في العراق، وقال مهدي نوربخش وهو استاذ مساعد للشؤون الدولية في جامعة هاريسبرج للعلوم والتكنولوجيا "هناك تغير مثير في السياسة الخارجية الأمريكية فيما يتعلق بالعراق"، وفي آخر مرة اختار فيها العراقيون رئيسا للوزراء في عام 2010 فازت الكتلة التي يقودها أياد علاوي بمعظم المقاعد في البرلمان.

ويقول منتقدون إن علاوي شيعي معتدل شكل تحالفا ضم شيعة وعددا من السياسيين السنة البارزين لم يصبح رئيسا للوزراء وإنما المالكي ويرجع ذلك أساسا إلى ضغوط من إيران، وأجرى علاوي أجرى محادثات مع رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي حول دور محتمل في الحكومة الجديدة لكنه لا يزال منتقدا للنفوذ الإيراني في ذلك الوقت، وقال إن ذلك حرمان للعراقيين من حقهم على أيدي قوة أجنبية معتبرا ذلك إهانة للعراقيين، ولم يتغير الموقف كثيرا عندما أجريت الانتخابات البرلمانية في العراق في الربيع الماضي وواصلت إيران دعمها القوي للمالكي،  ويقول مسؤولون عراقيون وخبراء إن المسؤولين الإيرانيين لم يدركوا التهديد المباشر لبغداد وللمزارات الشيعية في البلاد وتغير مسار سياستها إلا بعد استيلاء الدولة الإسلامية على الموصل في منتصف يونيو حزيران. بحسب رويترز.

قال مسؤول عراقي كبير طلب عدم الكشف عن شخصيته نظرا لحساسية الموضوع "كانت إيران مؤيدة للمالكي وتقول ليذهب الآخرون للجحيم حتى انهار جيشه (المالكي)"، وأضاف المسؤول "الإيرانيون واقعيون بشدة وصبورون للغاية، يقيمون مصالحهم الوطنية بحرص شديد، لا يريدون جبهة مع تنظيم الدولة الإسلامية تمتد من إيران وحتى سواحل البحر المتوسط"، وجرى تسليط الضوء على أهمية الموضوع عندما سافر قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليمان إلى بغداد في يونيو حزيران الماضي، وقوة القدس فرع من الحرس الثوري مكلف بالعمليات خارج إيران وكثيرا ما تضم جماعات مسلحة تابعة في المنطقة.

ويقول مسؤولون عراقيون حليون وسابقون إن سليماني اجتمع مع مسؤولي أمن عراقيين كبار للمساعدة في إعداد هجوم عسكري مضاد لتقدم الدولة الإسلامية، واشتملت الخطة على استخدام آلاف رجال الميليشيا الذين سلحتهم إيران ودربتهم وكذلك آلاف المجندين الجدد الذين تطوعوا بعد أن أصدر آية الله علي السيستاني أكبر مرجع شيعي دعوة لحمل السلاح ضد الدولة الإسلامية في يونيو حزيران الماضي، لكن سليماني اجتمع كذلك مع المالكي لبحث منصب رئيس الوزراء، وخاب أمل الإيرانيين لعجز المالكي عن حشد الجيش لمواجهة مقاتلي الدولة الإسلامية، وقال مسؤول سابق طلب عدم الكشف عن شخصيته نظرا لحساسية الموضوع إن الإيرانيين "صبوا غضبهم على المالكي".

وتبعت زيارة سليماني زيارة لعلي شامخاني الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني الذي اجتمع مع السيستاني وعدد من كبار رجال الدين الشيعة وسياسيين من السنة في منتصف يوليو تموز، ويقول خبراء إن زيارة شامخاني مهمة ليس فقط لكونه مسؤولا أمنيا كبيرا وإنما أيضا لأنه معتدل نسبيا ومقرب من الرئيس حسن روحاني ومن الزعيم الأعلى الإيراني آيه الله علي خامنئي، وبعد أسبوع من الاجتماع مع شامخاني أصدر السيستاني (الذي كان يضغط بشكل ضمني على المالكي كي يتنحى) بيانا يدعو فيه الزعماء السياسيين لعدم التشبث بالسلطة، وعندما اعلن الرئيس العراقي أن العبادي هو المرشح ليكون رئيس الوزراء الجديد أرسل شامخاني برقية تهنئة حتى قبل أن يعلن المالكي ما إذا كان سيتنحى، وقال نوربخش "إيران كانت من بين الدول الأولى التي أيدت العبادي، كذلك أشادت السعودية التي طالما انتقدت ما ترى أنها سياسات طائفية للمالكي بترشيح العبادي، وبالرغم من الخلافات العميقة بين السعودية وإيران بسبب الحرب في سوريا في السنوات القليلة الماضية فإن البلدين يواجهان الآن تهديدا مشتركا من تنظيم الدولة الإسلامية، وهدد مقاتلون من الجماعة المتشددة بمهاجمة السعودية في تسجيلات مصورة وضعت على شبكة الإنترنت، وكسرت إيران الجمود الدبلوماسي وأرسلت حسين أمير عبد اللهيان نائب وزير الخارجية في زيارة رسمية إلى جدة في أول اجتماع على هذا المستوى منذ أن أصبح روحاني رئيسا للجمهورية قبل عام. وبحث عبد اللهيان نمو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق إلى جانب موضوعات أخرى مع نظيره السعودي.

لكن الأكثر مفاجأة من دفء العلاقات بين البلدين هو قبول إيران الضمني للقصف الأمريكي في العراق بعد مرور ما يقرب من ثلاث سنوات على انسحاب القوات الأمريكية من العراق، وهنا أيضا تراجع إيراني عن موقف تقليدي في سياستها الخارجية في مواجهة تهديد مشترك، وقال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري إن تنظيم الدولة الإسلامية عدو مشترك لكل من الولايات المتحدة وإيران، وأشار إلى أنه كان يقول دائما إن هناك مصلحة مشتركة يين البلدين حتى في أصعب الأوقات وحتى لو لم يعترفا بذلك، ولم ينتقد المتشددون في إيران الهجمات الأمريكية في العراق والتزمت الصحافة المحافظة التي كثيرا ما تهاجم الولايات المتحدة الصمت، وقال نوربخش "لم يكن هناك انتقاد من أي نوع"، وتابع قائلا "لا يمكن أن تجد شيئا في خطب خامنئي تنتقد ما تفعله الولايات المتحدة داخل العراق الآن"، وخلافا لذلك انتقد خامنئي الولايات المتحدة بخصوص مجموعة كبيرة من القضايا الأخرى في خطبه التي ألقاها في الآونة الأخيرة بما في ذلك الموقف الأمريكي من المحادثات بين إيران والقوى الخارجية بخصوص برنامج إيران النووي.

دعم دولي

من جانبه قال الامين العام لحلف شمال الاطلسي اندرس فو راسموسن إنه واثق من أن دول الحلف ستفكر بجدية في اي طلب للمساعدة تتقدم به حكومة العراق للتصدي لمتشددي الدولة الإسلامية، وقالت وزيرة الدفاع الايطالية روبرتا بينوتي للبرلمان إن بلادها قد يصبح بإمكانها بدء تسليم أسلحة إلى القوات الكردية بمجرد أن تستكمل الترتيبات النهائية مع السلطات العراقية، ووافقت إيطاليا بالإضافة إلى دول أوروبية أخرى من بينها ألمانيا وفرنسا على ارسال كمية من الاسلحة الخفيفة للقوات الكردية لاستخدامها ضد مقاتلي الدولة الاسلامية الذين اجتاحوا شمال العراق، وتشمل الاسلحة 200 بندقية آلية و2000 قذيفة صاروخية و950 ألف طلقة ذخيرة سترسل من فائض مخزونها العسكري ومن مخزونات الاسلحة السوفيتية الصنع التي تمت مصادرتها اثناء حروب البلقان في التسعينات.

وقالت بينوتي للجنة برلمانية إن الاستعدادات اللوجستية تجري وإن تسليم الشحنات التي تبلغ قيمتها الاجمالية 1.9 مليون يورو (2.5 مليون دولار) قد يبدأ بحلول العاشر من سبتمبر ايلول بمجرد تلقي التفويض النهائي، وقالت انه قد يتم التفكير في أشكال أخرى من التعاون بما فيها نقل الاسلحة التي تقدمها دول أخرى، وأثار الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند إمكانية القيام بعمل عسكري في مواجهة تنظيم الدولة الإٍسلامية، وقال مكتب أولوند في بيان بعد أن التقى أولوند كبار مستشاريه العسكريين "شدد رئيس الدولة على أهمية الرد السياسي والإنساني (وإذا لزم الأمر) الرد العسكري الذي يحترم القانون الدولي".

فيما قال البيت الابيض الامريكي ان الرئيس باراك اوباما أمر بإرسال حوالي 350 جنديا اضافيا الى بغداد لحماية السفارة الامريكية بالعاصمة العراقية وقرر ارسال مسؤولين كبار الى الشرق الاوسط "لبناء شراكة اقليمية أكثر قوة" للتصدي لمتشددي تنظيم الدولة الإسلامية، ويعكس القرار القلق الامريكي المتنامي من التهديد الذي يشكله المتشددون السنة الذين سيطروا على مناطق من العراق وسوريا وجاء في نفس اليوم الذي بثت فيه الدولة الاسلامية شريط فيديو يظهر فيما يبدو اعدامها ثاني رهينة أمريكي ذبحا، وقال البيت الابيض إن القوات الاضافية التي ستذهب الى بغداد لن تقوم بدور قتالي.

وقال الاميرال جون كيربي المتحدث باسم وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) في مؤتمر صحفي إن هذه الخطوة سترفع اجمالي عدد العسكريين الامريكيين المسؤولين عن تعزيز أمن المجمع والمنشآت الداعمة له والبعثة الدبلوماسية في العراق الي حوالي 820 فردا، وغادر اوباما واشنطن لزيارة استونيا ثم حضور قمة حلف شمال الاطلسي في ويلز، وقال البيت الابيض ان اوباما سيتشاور مع حلفاء الاطلسي بشأن اتخاذ اجراءات اضافية ضد تنظيم الدولة الاسلامية و"تشكيل ائتلاف دولي ذي قاعدة عريضة لتنفيذ استراتيجية شاملة لحماية مواطنينا ودعم شركائنا" في مواجهة الجماعة المتشددة، وأضاف البيت الابيض انه في إطار ذلك المسعى ستوفد الولايات المتحدة وزير الخارجية جون كيري ووزير الدفاع تشاك هاجل ومستشارة اوباما لشؤون مكافحة الارهاب ليسا موناكو الى الشرق الاوسط "في الاجل القصير لبناء شراكة اقليمية أكثر قوة".

ونفذ الجيش الامريكي ضربات جوية ضد تنظيم الدولة الاسلامية داخل العراق كان أحدثها يوم الاثنين الماضي، وغزت الولايات المتحدة العراق عام 2003 وأسقطت الرئيس صدام حسين وسحب اوباما القوات الامريكية عام 2011، وأرسلت الولايات المتحدة من قبل قوات لتعزيز أمن سفارتها في بغداد في يونيو حزيران، وجاء اعلان البيت الابيض في اليوم الذي بث فيه تنظيم الدولة الاسلامية تسجيلا مصورا يزعم انه يظهر ذبح رهينة امريكي ثان هو الصحفي ستيفن سوتلوف مما يزيد مخاطر المواجهة بينه وبين واشنطن بسبب الضربات الجوية الامريكية لمقاتليه في العراق، وتعرض اوباما للانتقاد من الحزبين الجمهوري والديمقراطي الاسبوع الماضي لقوله "لا نملك استراتيجية بعد" لمواجهة عمليات التنظيم في سوريا.

وأمن السفارات الامريكية في الخارج قضية حساسة بالنسبة للرئيس الذي لم يفق بعد من العواقب السياسية للهجوم الذي وقع على البعثة الامريكية في بنغازي بليبيا عام 2012 وأدى الى مقتل السفير وثلاثة أمريكيين آخرين، وقال جوش ارنست المتحدث باسم البيت الابيض يوم الثلاثاء "أوضح الرئيس التزامه بعمل كل ما يلزم لتوفير الأمن الضروري للافراد والمنشآت الامريكية حول العالم"، وأضاف قائلا "الطلب الذي وافق عليه سيسمح بمغادرة أفراد أرسلوا من قبل الى العراق وفي الوقت نفسه سيتيح قوة أمنية أكثر متانة واستمرارية لأفرادنا ومنشآتنا في بغداد".

من جانب اخر امتنع رئيس الوزراء الاسترالي توني أبوت عن استبعاد ارسال قوات مقاتلة لدعم الضربات الجوية الامريكية في العراق وسط مواجهة متزايدة مع اسلاميين متشددين استولوا على مساحات واسعة في ذلك البلد وفي جارته سوريا، وسأل صحفي أبوت عما إذا كانت هناك حاجة إلى "قوات على الارض" لدحر تنظيم الدولة الإسلامية المتشدد الذي بث تسجيلا مصورا يزعم انه يظهر إعدام صحفي أمريكي ثان هو ستيفن سوتلوف، وقال أبوت "دول كثيرة تتحدث كل منها إلى الاخرى بشأن افضل السبل للسير قدما هنا لكن من الواضح ان تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام هو تهديد ليس فقط لشعوب الشرق الاوسط بل ايضا للعالم بأسره"، ورغم ان استراليا ليست عضوا في حلف شمال الاطلسي إلا ان جنودها قاتلوا إلى جانب الحلف في العراق وأفغانستان ومن المتوقع ان تقبل عضوية رسمية في برنامج الشراكة المعززة للحلف اثناء قمة في وقت لاحق.

وانضمت استراليا أيضا إلى مسعى إغاثة متعدد الجنسية لاسقاط معدات عسكرية ومساعدات إلى القوات الكردية التي تقاتل متشددي الدولة الإسلامية في شمال العراق ورفض أبوت في السابق استبعاد المشاركة في ضربات جوية، وقال مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق كريستوفر هيل (الذي عمل سفيرا في العراق في 2009 و2010) إن ذبح سوتلوف ينبغي ان يدق ناقوس إنذار للعالم وإن حلا عسكريا هو وحده الحل الواقعي في هذه المرحلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 6/آيلول/2014 - 10/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م