بين منهج الانتقام والعنف الطائفي خيط رفيع

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: ما أحوجنا الى تلك التجربة الحضارية الرائعة التي سجلّها نبينا الأكرم، صلى الله عليه وآله، للتاريخ والانسانية!.

دخل مكة فاتحاً، وقد تعاظمت قوته وساد حكمه في الحجاز، فهو القائد المُطاع لحوالي عشرة آلاف مقاتل – حسب الروايات- وفيما هو يقترب من مكّة، أعطى الراية لخالد بن الوليد، فصاح بأعلى صوته: "اليوم يوم الملحمة.. اليوم تُسبى الحُرمة"!، فجاء الموقف الحازم من النبي، بأن استردّ منه المهمة وأوكلها الى أمير المؤمنين، عليه السلام، فكان الهتاف: "اليوم يوم المرحمة.. اليوم تصان الحُرمة".

أيُّ حُرمة كانت في مكة و اراد الامام صونها؟، هل هي حرمات المسلمين؟ كلا؛ انها حرمات المشركين، ومنها حرم أبو سفيان و رموز الشرك، طبعاً؛ معها حرمات عامة الناس المغلوب على أمرهم، في كل الاحوال؛ كانت مكة بالنسبة للنبي وامير المؤمنين، عاصمة الشرك والعدوان، وقبل ذلك، مصدر كل ارهاب وتسقيط ومطاردة وتعذيب ومختلف انواع المحاربة للنبي، وللاسلام بشكل عام.

ويؤكد المؤرخون في كتب السِير، أن النبي الأكرم، لم يقتل ولا شخصاً واحداً في مكة، مع وجود عدد من مهدوري الدم من المشركين، فعفى عنهم في اللحظات الاخيرة، فدخل المسلمون مكة، وخرجوا منها، ولم تسقط قطرة دم من أنف انسان. وما فعله النبي، هو تدمير الاصنام و الاوثان وتطهير البيت الحرام منها، ثم وجه سكان المدينة الى عبادة الله الواحد الأحد، وبشرهم بنور الحرية والسلام.

اليوم نشهد في عراقنا العزيز، صراعاً دامياً تدور رحاه بين عناصر ارهابية – تكفيرية قادمة من وراء الحدود تحت مسمّى "داعش"، وبين قوات الجيش العراقي والقوى المساندة له. هذا ما يراه العالم عنّا، وربما هي نسخة أريد لها ان تتكرر من بعد النسخة السورية. فهو صراع طائفي بامتياز، رغم المناشدات بعدم الانزلاق في هذا المستنقع، ومساعي علماء دين وجهات فاعلة في المجتمع، بأن لا يأخذ الصراع بين الارهاب بشكل عام في العراق، وبين النظام السياسي الذي خلف نظام صدام، طابعاً طائفياً او عرقياً، للحفاظ على السلم الأهلي والاجتماعي. وربما تكون حادثة "سبايكر" محاولة اخرى، لكن بدفع عنيف وشديد من لدن أيادي خلف الستار لشحن هذا الصراع بما يمده من قوة لفترة طويلة جداً.. انه واقع مرير نعيشه منذ خلاصنا من ديكتاتورية صدام، لكن السؤال المهم هنا؛ ماذا الذي ينبغي فعله؟ وما الذي يجب تجنبه؟.

قبل كل شيء، لابد من الوقوف عند حقيقة جوهرية في الصراع؛ إن الذين يقاتلون العصابات الاجرامية المناطق التي تسيطر عليها " داعش" ويضحون بارواحهم لتحرير الارض والانسان، إنما يمثلون العراق كله، بما فيه من تاريخ وحضارة وقيم، أما تلك العصابات في المقابل، فهم رمز للكراهية والظلم والانحراف. وهم الأقلية.. بمعنى أن عمليات القتل الجماعية والذبح والتشريد وكل انواع الظلم، يجب ان تُنظر اليها من شُرفة المبادئ والقيم الانسانية والدينية، تماماً، كما كان يفعل أمير المؤمنين، عليه السلام، مع المعارضين له، وتحديداً، "اصحاب الجمل" و "الخوارج" الذين ذبحوا وقتلوا وبقروا البطون.. فبقي الخوارج على افعالهم الاجرامية البغيضة في صفحات التاريخ السوداء، فيما يستضيء العالم بنور منهج الامام علي، عليه السلام. طيلة القرون الماضية والى يوم القيامة.

البعض يتحدث عن الرد بالمثل، وجدوائية لغة العنف مع أناس لا يعرفون سوى هذه اللغة.. هذا المنطق او المعادلة التي يسعى البعض لترويجها، اعطتنا نتائج عكسية وخلقت مبررات لمزيد من العنف الطائفي خلال تجربتنا الجديدة مع العراق الجديد خلال الاحد عشر سنة الماضية.

والاخطر من ذلك، ربما الانحدار الى مستوى المليشيات الارهابية والتكفيرية والى اعمالها – لا سمح الله- لأن في هذه الحالة أول خسارة تكون لنا ليست في ساحة المعركة؟، إنما في معادلة الصراع برمتها، حيث نخسر الحق والمظلومية، وهي أعظم واكبر نقطة قوة بالنسبة لنا امام الظالم والباغي الذي يرفضه الجميع، فهو سيجد الناصر والمعين عندما يسجل اعمال انتقامية عليه ويسوقها للعالم، لاسيما وأن وسائل الاتصال على النت، مثل "الفيس" وغيرها، بامكانها ان تقوم بدور خطير هذه الايام في نشر صور مريعة من ساحة الصراع، ومنها حالات الانتقام التي ربما تحصل هنا وهناك، حتى وإن كانت في اطار تصرفات فردية.  

إن إدخال السرور على أهالي "آمرلي" وسائر المدن وتحريرها من ارهاب "داعش"، او تحقيق المزيد من الانتصارات على هذا التنظيم الدموي، يُعد بالحقيقة نصراً للقيم والفضائل التي لا تُحد بأطر حزبية او مليشياوية او شخصية. وإن حصل هذا، يجب أن ننتظر الأطر الاخرى بالضدّ، وهي لاشك ستتلقى الدعم الاكبر من اطراف معادية للقيم والفضائل، وتعيد علينا الكرّة، كما يحصل في دوامة العنف في العراق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 4/آيلول/2014 - 8/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م