القضاء على الفقر في البلدان الاسلامية

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: يكاد الفقر يشكل ظاهرة في البلدان التي تتكون معظم شعوبها من المسلمين، وتعتبر بلدا اسلامية، والسبب في الغالب لا يتعلق بندرة موارد هذه الدول او خيراتها، بل على العكس غالبا ما تكون البلدان الاسلامية غنية بالثروات الطبيعية والبشرية، ومتعددة الموارد، فأين توجد العلّة في تكوين ظاهرة الفقر، وما هي الاسباب التي تقف وراءها، ولماذا يعاني المسلمون في دولهم الغنية من ظاهرة الفقر، علما أن الارث السياسي الاقتصادي للمسلمين في دولتهم الاولى، كان ولا يزال ارثا ناجحا، والدليل أن الدولة ابان الرسالة النبوية الشريفة، بقيادة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كانت تخلو من الفقراء إلا ما ندر.

لذلك يقول سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتاب (من عبق المرجعية) حول هذا الموضوع: (كاد الفقر ألاّ يرى لنفسه مجالاً في الدولة الإسلامية، حتى إذا رأى الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه فقيراً واحداً يستغرب منه، ويعتبره ظاهرة غير طبيعية لا تتلاءم مع المجتمع المسلم، والنظام الإسلامي، ثم يأمر له بمرتّب يعيش به رغداً، مع أنه نصراني لا يدين بالإسلام، حتى لا يكون في البلد الإسلامي مظهر واحد للفقر والحرمان).

إذن هناك حقوق واضحة للمواطن في دولة الاسلام، لا يمكن المساس بها، او التجاوز عليها، ويتقدم هذه الحقوق انتفاء الفقر، والقضاء عليه وفق سياسات قائمة على العدل والمساواة والحزم، وعد التمييز بين مواطن وآخر، لا على أساس الدين ولا العرق ولا الطائفة ولا الانتماء الجغرافي، فالكل سواسية اما الحكومة، لذلك كان الواجب المهم الذي تتصدى له الحكومة الاسلامية محاربة الفقر بجميع اشكاله، كما نقرأ في قول سماحة المرجع الشيرازي:

(إن الحكومة الإسلامية تقضي على الفقر، وترفع مستوى الفقراء، لا بالنسبة إلى المسلمين فحسب، بل تنفي الفقر حتى عن غير المسلمين ماداموا تحت رعاية الدولة الإسلامية). هكذا تنتفي الفوارق بين مواطن وآخر، فالكل سواسية في الحقوق والواجبات ايضا، ولا فرق بين مواطن وآخر على اساس الانتماء.

الضمان الاجتماعي وأمن الحكومات

ثمة سبل كثيرة كانت تعتمدها الحكومة الاسلامية، لمكافحة الفقر، أهمها ايجاد الضمان الاجتماعي للمواطن، حتى لا يكون عرضة للفقر، ولقمة سائغة للمعاناة، فطالما كان هناك ضمان للفرد، فغنه سوف يكون محميا من غائلة الجوع والفقر، ولاشك أن مبادئ العدل والمساواة وتكافؤ الفرص، كانت من ضمن الوسائل التي تلجأ اليها الحكومة الاسلامية لمكافحة الفقر، والقضاء على أي فرصة لاستفحاله بين صفوف الشعب.

لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي هذه الحقيقة التي اثبتها تاريخ الدولة الاسلامية الاولى، بقيادة نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، عندما يقول سماحته في الكتاب المذكور نفسه: (لم ير التاريخ قبل الإسلام، ولم تسجّل الحضارات بعد الإسلام، حتى اليوم، ضماناً اجتماعياً بعمق الضمان الاجتماعي في الإسلام). ولهذا السبب كان هناك اواصر قوية تربط بين الشعب والحكومة.

والسبب هو مراعاة الحاكم الاسلامي لحقوق الشعب، وضمان عدم التعرض لها من أية جهة كانت، وحماية الفرد والمجتمع من التجاوزات التي قد تسبب بها افراد او جهات متنفذة، من هنا كانت الفائدة متبادلة بين الشعب والحكومة، وكانت قائمة على المحبة والاحترام والالتزام بالحقوق والواجبات، من هنا لا تتعرض الحكومات الى خطر السقوطن فيطول عمرها اكثر واكثر، لأن الأمة نفسها تقوم بحمايتها، طالما انها تحرص على واجبات المواطن كافة، وتحفظ حقوقه على افضل وجه ممكن.

لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (نرى أن الحكومات الإسلامية حقيقة كانت تعمر طويلاً، وذلك للحبّ المتبادل بين الأمّة وبين الحكومة، ولم يكن الرئيس يحتاج يوماً ما إلى – أمن- واستخبارات- وحرس- وما أشبه، حتّى يحميه من الناس). وطالما تكون العلاقة بين الحاكم والامة جيدة قائمة على المحبة والانسجام، فإن خطر السقوط يمضي بعيدا، إذ لا حاجة لاسقاط الحكومة اذا كانت الامة تحصل على حقوقها كاملة من لدن الحكومة، وهذا هو بالضبط ما كان يحدث، وهو ما ينبغي ان تكون عليه الحكومات الاسلامية في الوضع الراهن، من خلال حماية حقوق الفرد والامة.

الحريات في زمن الاستبداد

عندما كان الظلام يسود العالم، وكان الاستبداد يحكم الدول كافة، في بقاع الارض، كان الاسلام بمبادئه الانسانية السمحاء، وتعاليمه الوضاء، ينشر النور في الدولة الاسلامية، بل يذهب الى ابعد من ذلك، عندما كان ضوء الاسلام يقتحم الظلام الذي كان يخيم على العالم، وكان اول بوادر نشر النور، القضاء على معاناة الانسان من الفقر، وهو الشرط الاساس الذي يتيح للانسان التعاطي مع اجواء الحرية والتنوير.

لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (في أكبر حكومة على وجه الأرض، وهي الحكومة التي كان يرأسها الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه وكانت تضم العشرات من الدول حسب خريطة العالم هذا اليوم، وببركة تطبيق قوانين الإسلام، لم يعهد وجود فقير يستعطي(. ويضيف سماحته قائلا ايضا: (لأول مرة في تاريخ العالم فتح الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه للناس باب المظاهرات الحرّة، وسمح لهم بالتعبير عن آرائهم حتى في مسألة غير مشروعة، وقد تم ذلك في زمن كان العالم بأسره يلفّه ظلام الاستبداد من جميع الجهات).

وهكذا كانت مصابيح العدل تنتشر بين الحكومات وافردها وشعوبها بفضل الاسلام، وكان الاحسان جوهرا للفعل الحكومي الاسلامي آنذاك، ولنا في سيرة الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وسيرة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، في قيادة المسلمين، نماذج لا تتكرر في مجال السياسة وادارة الدولة وفق مبادئ العدل والرحمة والمساواة، ولعل اولى البوادر والاجراءات العظيمة التي تؤكد ذلك هو القضاء على الفقر بكل السبل المتاحة.

وهنا في هذا المجال يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا: ان (التاريخ المنير والمشرق لسيرة النبي الأعظم والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما إبّان حكمهما، زاخر بنماذج كثيرة، تدلّ على تعميم العدل والإحسان بالنسبة للجميع، وعدم ظلم ولو فرد واحد من الأقليات، حتى أعداء الحكومة الإسلامية، وأعداء الحاكم الأعلى، وحتى المنافقين منهم). هكذا كانت حرمة الاقليات في ظل دولة الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله، فلا احد يتعرض للظلم او التكميم او المطاردة، وهناك ضمان شامل لحرية الفرد والرأي والحقوق التي طالما نادى بها الاسلام، حمايةً لحرمة الانسان وكرامته وامنه، وضمانا للعيش الذي يليق بكينونته و وجوده.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 4/آيلول/2014 - 8/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م