فيروس إيبولا.. وباء يسلب الحياة من أفريقا

 

شبكة النبأ: فيروس إيبولا الذي أودى بحياة اكثر من 1552 شخصا من بين 3069 حالة إصابة معروفة، لايزال محط اهتمام الكثير من دول العالم خصوصا بعد ان عمدت المنظمات الصحية والحكومات المحلية، الى اعلان حالة الطوارئ في العديد من دول افريقيا التي تعيش اليوم حالة من الذعر الشديد بسبب تفشي هذا الفيروس القاتل والخطير الذي تصل فيه معدلات الوفاة إلى 90 %.

وحذرت منظمة الصحة العالمية من أن فيروس ايبولا قد ينتشر في غرب افريقيا بشكل وبائي ليصيب ما يزيد عن عشرين آلف شخص. وهو ما يعادل ستة اضعاف انتشاره الحالي. واشارت دراسة حديثة اصدرتها الهيئة الصحية التابعة للأمم المتحدة إلى أن الأعداد الحقيقية للمصابين في المناطق الأكثر انتشارا للفيروس تزيد عن ضعفين إلى أربعة اضعاف الأرقام المعلنة في تلك المناطق.

ويرى بعض المراقبين ان التقارير الحالية تشير الى ان فيروس إيبولا، يمكن ان ينتشر بشكل اكبر مما هو عليه خصوصا تفشي الجهل والفقر والاعتماد على العيش البدائي لسكان المناطق المتضررة، التي لاتزال تمارس بعض المعتقدات الثقافية القديمة مثل لمس جثث الموتى واخفاء بعض الحالات، يضاف الى ذلك عدم وجود اي لقاح أو علاج لهذا الفايروس وضعف الامكانات والمساعدات الدولية المقدمة للدول الافريقية المعنية، والتي اصبحت تعاني من مشكلات اقتصادية كبيرة بسبب تفشي هذا المرض الذي اجبر الكثير من والحكومات والمؤسسات المهمة على الابتعاد لأسباب صحية.

ومن اهم اعراض هذا المرض الذي تنتقل بين البشر بطرق مختلفة : ارتفاع درجة حرارة الجسم بشكل مفاجئ وصداع وأوجاع العضلات والإعياء وآلام المعدة وإسهال، إلى جانب احتقان بالحلق وطّفح جلدي، واحمرار العينين وحكة بالجلد وتقيؤ دم وإسهال مصاحب لنزيف دم وقد يحدث في بعض الحالات الإصابة بالعمى بعد نزيف العينين.

وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن مرض إيبولا الذي ينتشر بسرعة في غرب أفريقيا هو "الأكبر والأخطر" منذ أربعة عقود يستدعي "حالة طوارئ في مجال الصحة العامة على مستوى العالم". وقالت منظمة الصحة العالمية إن وباء الإيبولا المتفشي في غرب أفريقيا "حدث استثنائي وبات الآن يشكل خطرا صحيا على المستوى الدولي." وقالت المنظمة إن العواقب المحتملة لاستمرار تفشي الوباء خطيرة للغاية ولا سيما في ظل شراسة الفيروس.

وقف انتشار الايبولا

وفي هذا الشأن قالت منظمة الصحة العالمية ان حجم أسوأ تفش لفيروس ايبولا في العالم لم يتضح بسبب تكتم عائلات أخفت مصابين منها في المنازل اضافة الى وجود مناطق لا يمكن للمسعفين دخولها. وأصدرت المنظمة بيانا يفسر سبب التقليل من حجم انتشار الفيروس القاتل في غرب افريقيا بعد انتقادات بأن تحركها كان بطيئا لاحتوائه.

وأثار خبراء مستقلون مخاوف مماثلة منذ شهر من ان الوباء ربما كان أسوأ مما أشارت اليه التقارير لان السكان المحليين يحجمون عن التعامل مع موظفي الصحة ويرفضون العلاج. ولا يتوقع خبراء كثيرون السيطرة على الوباء هذا العام. ويمثل عدم الابلاغ عن كثير من حالات الاصابة مشكلة وخاصة في ليبيريا وسيراليون. وقالت منظمة الصحة العالمية انها تعمل الان مع منظمة أطباء بلا حدود والمراكز الامريكية للسيطرة على المرض والوقاية منه للوصول إلى "تقديرات أكثر واقعية".

وقال رئيس منظمة أطباء بلا حدود -الذي حث منظمة الصحة العالمية على تكثيف جهودها في هذا الشأن- ان المعركة ضد فيروس ايبولا تتعثر بسبب الافتقار لقيادة دولية ومهارات في ادارة الطواريء. وتمثل المخاوف المحيطة بفيروس ايبولا عقبة خطيرة أمام جهود قياس مدى انتشاره في ليبيريا وسيراليون وغينيا ونيجيريا. وقال بيان منظمة الصحة العالمية "نظرا لعدم وجود علاج لفيروس ايبولا فإن البعض يعتقد ان من الأفضل لذويهم المصابين أن يموتون في منازلهم."

وأضاف البيان "هناك آخرون ينفون وجود أي شخص مصاب لديهم ويعتقدون ان الرعاية في جناح العزل -الذي ينظر اليه على انه حضانة للمرض- سيؤدي الى موت مؤكد. ويخشى الغالبية من وصمة العار والرفض الاجتماعي الذي يصاحب المرضى وأسرهم عندما يثبت التشخيص الاصابة بالايبولا." وقالت منظمة الصحة العالمية ان الجثث تدفن غالبا دون ان يتم الابلاغ رسميا عنها بينما توجد مشكلة اضافية وهي وجود عدد كبير من المناطق النائية أو القرى حيث توجد حالات كثيرة لا يمكن التحقق منها بسبب رفض المجتمع أو نقص عدد العاملين ووسائل المواصلات. بحسب رويترز.

وفي حالات اخرى حيث يتوفر العلاج يقبل على المراكز الصحية عدد كبير من المرضى مما يشير الى وجود عدد كبير غير معروف من المرضى لا يظهر في نظم المراقبة الرسمية. وقالت منظمة الصحة العالمية انها اعدت استراتيجية لمحاربة الايبولا في غرب افريقيا خلال الاشهر الستة أو التسعة القادمة فيما يشير الى انها لا تتوقع احتواء الوباء قبل نهاية العام.

الى جانب ذلك قال وزير العدل في سيراليون إن البرلمان قرر اعتبار عدم الابلاغ عن اي مريض بالإيبولا جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن لمدة عامين وذلك في محاولة لوقف انتشار الفيروس القاتل. وجاء القرار بعد أن حذرت منظمة الصحة العالمية من أن تكتم عائلات أخفت مصابين منها في المنازل اضافة الى وجود مناطق لا يمكن للمسعفين دخولها يخفي الحجم الحقيقي للوباء. ووافق المشرعون في فريتاون عاصمة سيراليون بأغلبية كاسحة على التعديل الذي أدخل على قانون للصحة العامة عمره 54 عاما. وقال وزير العدل فرانك كارجبو "سيتيح القانون الجديد إجراء محاكمات عاجلة."

ليبيريا وسيراليون

في السياق ذاته فرض جيش ليبيريا قيودا على حركة السكان اثر اعلان حال الطوارىء في البلاد والتي فرضتها كذلك سيراليون مع بذل جهود يائسة لاحتواء انتشار فيروس ايبولا. ووصل الى مدريد رجل الدين الاسباني المصاب بالحمى النزفية ليصبح اول مصاب بالفيروس ينقل الى الاراضي الاوروبية، بعد ايام من عودة مريضين اميركيين الى الولايات المتحدة التي رفعت حالة التأهب الى الدرجة القصوى.

وفي مواجهة اخطر موجة للوباء المسبب للحمى النزفية منذ اكتشافه في 1976، تزايدت المطالبة باعتماد تدابير استثنائية مع دعوة عدد من العلماء الى استخدام ادوية واعدة ولكنها لا تزال تجريبية. وفي ليبيريا، تلقى الجيش الامر بالحد من تنقل السكان وحراسة مداخل العاصمة مونروفيا والقادمين من المحافظات المصابة.

وعلق مئات خلف حواجز الجيش بين المحافظات الشمالية ومونروفيا حتى قبل ان تعلن رئيسة ليبيريا ايلن جونسون سيرليف حالة الطوارئ في البلاد لمدة 90 يوما لمواجهة فيروس ايبولا مع تاكيدها الحاجة الى "اجراءات استثنائية لضمان بقاء الدولة". وقالت سيرليف في خطاب الى الأمة ان الاجراءات التي اتخذتها السلطات للتصدي لهذا الوباء، من بينها اعطاء الموظفين غير الاساسيين إجازة الزامية لمدة 30 يوما واغلاق المدارس وتطهير الاماكن العامة، لم تنجح في وقف انتشار المرض، مؤكدة ان "الخطر آخذ في التعاظم". واضافت ان "فيروس ايبولا يمثل خطرا واضحا وفوريا" على بقاء البلاد.

واكدت الرئيسة ان "الجهل والفقر، وكذلك الممارسات الثقافية والدينية المترسخة تفاقم المرض ولا سيما في الارياف"، في اشارة خصوصا الى تقليد لمس جثامين الموتى في الجنازات. واضافت ان "نطاق وحجم الوباء، ومقدار حدة الفيروس ونسبة الوفيات الناجمة عنه، تتخطى الان قدرات وصلاحيات اي هيئة حكومية او وزارة ايا تكن".

وقال وزير الدفاع بورني ساموكا بدء تنفيذ عملية "الدرع البيضاء" معلنا اقامة حواجز في عدة بلدات للحد من حركة او حتى وقف تنقل السكان. وتقرر عزل مدينة غباكيدو بناء على توصية السلطات الصحية، وفق الوزير. والمدينة قريبة من سيراليون وغينيا اللذين ينتشر فيهما المرض كذلك.

وفي سيراليون نشر 750 جنديا و50 ممرضا عسكريا لفرض العزل الصحي على المراكز الصحية التي تستقبل المرضى وخصوصا في الشرق على الحدود مع غينيا وليبيريا. ووافق برلمان سيراليون بالاجماع في جلسة استثنائية على قرار الرئيس ارنست با كوروما فرض حالة الطوارىء من 60 الى 90 يوما. وكان الرئيس صرف النواب ضمن اجراءاته للحد من انتشار ايبولا.

وفي نيجيريا حيث سجلت سبعة اصابات مؤكدة ووفاتان بايبولا، اعلن الاطباء المضربين منذ اكثر من شهر، توقيف اضرابهم نظرا لخطورة الوضع. وسجلت الوفيتان بايبولا في لاغوس الاكثر اكتظاظا بين مدن افريقيا جنوب الصحراء حيث يعيش 20 مليون شخص وسجلت فيها خمس اصابات غير مؤكدة وضعت في العزل. وهددت نقابة العاملين الصحيين في ليبيريا بالاضراب اذا لم توفر الحكومة اللوازم الضرورية للتصدي لايبولا.

وقال الامين العام للنقابة ديمي ديارزوا للاذاعة العامة "ليس لدينا قفازات ولا معاطف طبية ولا اي لوازم اخرى. زملاؤنا يموتون من ايبولا لانهم قرروا انقاذ حياة المرضى. لم نعد قادرين على الاحتمال". وامرت الولايات المتحدة عائلات الموظفين الاميركيين في سفارتها في مونروفيا بمغادرة ليبيريا بسبب ايبولا. ونصحت وزارة الخارجية ايضا الاميركيين الراغبين بالسفر الى ليبيريا بارجاء سفرهم ان لم يكن "ضروريا"، مكررة بذلك مناشدة اصدرتها سابقا السلطات الصحية الاميركية. ورفعت الوكالة الاميركية للأدوية جزئيا القيود عن استخدام علاج تجريبي للمصابين، كما اعلنت شركة "تيكميرا" الكندية المنتجة للدواء. بحسب فرانس برس.

وقالت الشركة الكندية ان الوكالة الاميركية للأدوية (اف دي ايه) ابلغتها "شفهيا" بأنها عدلت تصنيف دوائها "تي كي ام-ايبولاين" لجهة الحظر التام الذي كان مفروضا على اجراء تجارب سريرية عليه، ليصبح هذا الحظر جزئيا. ورفعت السلطات الصحية الاميركية مستوى الانذار الصحي الى اعلى درجة في مواجهة فيروس ايبولا، بما يتيح تحريك الموارد في مواجهة اي طارىء. وقال توم سكينر المتحدث باسم المراكز الاميركية للمراقبة والوقاية من الامراض "هذه أول مرة تعلن فيها درجة الانذار القصوى منذ 2009. يومها اعلنت لمواجهة وباء انفلونزا اتش1ان1".

لحوم الأدغال

من جانب اخر تحاول الفرق الطبية التي تكافح للحد من تأثير فيروس الإيبولا في غرب أفريقيا إثناء السكان عن استهلاك لحوم الأدغال، التي يُعتقد أنها تسببت في تفشي المرض، ولكن بعض المجتمعات الريفية التي تعتمد على تلك اللحوم كمصدر للبروتين مصممة على مواصلة ممارسات الصيد التقليدية.

وعلى الرغم من أن لحوم الحيوانات البرية، مثل خفافيش الفاكهة والقوارض وظباء الغابة، قد اختفت إلى حد كبير من الأسواق في المدن الرئيسية مثل غوكيدو (في جنوب غينيا ومركز انتشار المرض) أو العاصمة كوناكري بعد تنفيذ عدة حملات لتجنب التلوث، إلا أنها لا تزال تؤكل في القرى النائية، في تجاهل تام للمخاطر.

وقال ساءا فيلا لينو، الذي يعيش في قرية نونغوها في غوكيدو، أن "الحياة ليست سهلة هنا في القرية. إنهم السلطات وجماعات الإغاثة يريدون حظر تقاليدنا التي نتبعها منذ عدة أجيال. إن تربية الحيوانات ليست منتشرة هنا لأن لحوم الأدغال متاحة بسهولة، وحظر لحوم الأدغال يعني اتباع طريقة جديدة للحياة، وهذا أمر غير واقعي".

وتجدر الإشارة إلى أن هذا هو أول ظهور للمرض، الذي تفشى لأول مرة في منطقة الغابات في جنوب غينيا وتم تشخيصه في شهر مارس الماضي على أنه الإيبولا، في غرب أفريقيا، وأسوأ تفشي معروف عالمياً حتى الآن. ولا تزال العدوى آخذة في الانتشار في غينيا بالإضافة إلى ليبيريا وسيراليون المجاورتين. وقد ساهم نقص المعرفة والخرافات، لاسيما في المجتمعات الريفية، وكذلك التنقل عبر الحدود، وسوء حالة البنية التحتية للصحة العامة وأسباب وبائية أخرى في انتشاره.

ويعتبر مصدر القلق الفوري هو وقف انتقال الفيروس من الإنسان إلى الإنسان. وفي هذا الصدد، قال خوان لوبروث، كبير المسؤولين البيطريين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) في روما، أن إثناء السكان المحليين عن استهلاك لحوم الأدغال وإدخال الماشية كبديل للصيد هو جزء من الحلول الطويلة الأمد ضد مخاطر الإصابة بالإيبولا في البرية.

وأضاف لوبروث: "نحن ندرك أهمية لحوم الأدغال لنوعية التغذية التي قد لا تحصل عليها من النظام الغذائي القائم على المحاصيل فقط. ولا نقول أنه يجب وقف تناول اللحوم البرية ... ولكن هل يمكننا استبدال الحاجة للذهاب إلى الغابات واصطياد الحيوانات البرية عن طريق إيجاد مصدر للثروة الحيوانية وسبل العيش التي يمكن أن تكون أكثر أمناً؟" وتساءل قائلاً: "هل يمكننا أن نتبع جدول أعمال تنمية أفضل يتيح إنتاج الدواجن والأغنام والماعز والخنازير ... وإدارة هذا الأمر حتى لا يكون هناك أي تعد غير مبرر على الغابات لأغراض الصيد؟"

وتعزيز الممارسات الصحية لتجنب الإصابة بالإيبولا هو بالفعل مسعى طويل الأمد لتغيير السلوك، ويعد حث السكان على اتباع قواعد جديدة في نظامهم الغذائي أمر أصعب بكثير. وأشار لوبروث إلى أنه "من الصعب جداً تنبيه الفرد إلى التهديد الذي لا يمكن رؤيته، وهو في هذه الحالة بالتحديد فيروس".

وأكد أن "أحد الجوانب الرئيسية هو بناء الثقة مع المجتمعات أو القرى. إن علم الاجتماع وعلم الإنسان والتواصل أشياء هامة للغاية، وليست مثل العلوم البيطرية أو الطبية أو الخاصة بالحياة البرية"، موضحاً أن الحقائق الوبائية يجب أن تترجم بطرق بسيطة لكي يفهمها الأشخاص العاديون، وذلك باستخدام القصص الرمزية المحلية، على سبيل المثال. مع ذلك، يتعرض مروجو الرسائل الصحية، مثل مريم بايو في غينيا، للتهديد بالقتل في القرى التي يعارض سكانها بشدة وجود عمال الإغاثة. وقالت: "قيل لنا في نونغوها أننا إذا لم نرحل سيتم تقطيعنا وإلقاء أشلائنا في المياه".

وقد أصيبت مجتمعات ريفية عديدة بالحيرة لأن فيروس الإيبولا سبق وأن تفشى في غرب أفريقيا، كما أصبحت حذرة من العاملين الصحيين الذين اتهموا بإدخال الفيروس إلى مناطقهم. كما يعتقد البعض أنه نوع من السحر أو تعويذة شريرة. مع ذلك، قال مصطفى ديالو من الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، أن عدداً أقل من القرى في بلدان غرب أفريقيا الثلاث لا تزال معادية لجماعات الإغاثة بعد تنظيم حملات التوعية العامة.

"إن التغيير الرئيسي المطلوب في السلوكيات يجب أن أن يحدث أثناء الجنائز، حيث وقعت حالات إصابة كثيرة. وفضلاً عن هذا، فإن التدابير الوقائية الجيدة في المرافق الصحية هي الأهداف الأكثر أهمية،" كما أفاد ستيفان دويوني، منسق أعمال منظمة أطباء بلا حدود في غرب أفريقيا.

ولا يزال التعرض لشخص مصاب أثناء رعاية الأسر لأقاربهم المرضى في المنزل، ولمس الجثث خلال الدفن أو حتى انتقال العدوى في المستشفيات يتسبب في ارتفاع عدد الوفيات. مع ذلك، فإن المجتمعات الريفية التي تواصل اصطياد الحيوانات في الغابات معرضة لخطر انتشار الفيروس عن طريق الحيوانات البرية المصابة، وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة.

وقال مامادي دياوارا، وهو أحد المقيمين في غوكيدو: "سوف نموت إذا لم يكن هناك مفر من ذلك، ولكن التخلي عن تقاليدنا أمر غير وارد. صحيح أننا فقدنا الكثير من أقاربنا، ولكن هذه تدابير القدر". وأشار وزير الاتصالات الحسيني ماكانيرا كاكي إلى أن السيطرة على تفشي المرض أمر محفوف بالتحديات. وأضاف) أن "العقبات ستستمر حتى انتهاء تفشي المرض. وغني عن القول أننا لن نتغلب على هذا المرض بسهولة".

ولا يزال سبب انتقال فيروس الإيبولا من الحيوانات المصابة في غرب أفريقيا هذه المرة غير واضح، على الرغم من أن المجتمعات المحلية تأكل لحوم الأدغال منذ عدة أجيال دون الإصابة بالمرض. "نحن لا نعرف ما يكفي عن دورة الإيبولا الطبيعية في الغابة. وأنا متأكد من أنها تتطور كل سنة أو كل موسم، لكنها تظهر في الأخبار فقط عندما تحدث وفيات بشرية،" كما أفاد لوبروث من منظمة الفاو. بحسب شبكة إيرين.

وبينما حذر لوبروث من أكل الخفافيش أو لمس الحيوانات المريضة أو النافقة، فإنه يرى أن فرض حظر صريح على تناول لحوم الأدغال "من المرجح أن يدفعه إلى التحول إلى ممارسة سرية، وهذا في الواقع أكثر سوءاً. لذلك نحن نتحدث عن الإدارة أكثر من حديثنا عن الحظر". وقد يحل توفير بدائل للحوم الأدغال جزءاً واحداً من المشكلة، ولكن لا تزال نظم الصحة العامة الأفضل تجهيزاً وتوفر الموارد أمراً ضرورياً لكبح تفشي المرض على المدى الطويل.

الإيبولا يجتاح افقر الدول

من جانب اخر وعلى الرغم من إحتلالها المؤخرة بين أفقر الدول في مؤشر التنمية العالمية فقد أظهرت سيراليون وليبيريا وغينيا مؤشرات على التخلص من حقبة الحروب الدموية والقفز للحاق بركب الازدهار الاقتصادي لأفريقيا وذلك قبل أن يجتاحها وباء الإيبولا المميت. وفيما كان الوباء - الذي انتشر في أكبر موجة تفش له- ينهش سكان هذه الدول الصغيرة الواقعة غرب نهر مانو في غرب أفريقيا بدأت اقتصادياتها التي تعتمد على الموارد الطبيعية تعاني بدورها من عواقبه.

يقلص من حركة السفر والتجارة إلى هذه البلدان كما أبطا قطاعي الزراعة والتعدين مما أدى لتوجيه ضربات موجعة لنمو اجمالي الناتج المحلي والذي نجم عن ازدياد الاستثمار الاجنبي. وقال مختار ديوب نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة افريقيا إن "الشيء المشترك بين هذ الدول الثلاث هو انها جميعا دولا هشة." وأضاف" هذا يعني انها دول تحتاج إلى المزيد من الدعم الدولي في الأوقات العادية وهذه الصدمة الخارجية التي تواجهها في الوقت الحالي تشدها أكثر إلى الوراء."

وقال وزير مالية ليبيريا أمارا كونيه إن انتشار المرض قد كلف بلاده بين أبريل نيسان ويونيو حزيران الماضيين حوالي 12 مليون دولار -اي اثنين في المئة من الموازنة- في حين لا يزال المرض مستمرا في الانتشار. واشار إلى أنه سيكون على ليبيريا تخفيض توقعاتها بالنمو الإجمالي التي كانت تبلغ 5.9 في المئة من الناتج الاجمالي.

وفي مونروفيا عاصمة ليبيريا المطلة على المحيط والتي لا تزال تحمل ندوب الحرب الأهلية بين عامي 1989 و2003 يقوم أقارب ضحايا الإيبولا بجر جثث موتاهم والقاؤها في الشوارع المتربة. وقال وزير خارجية سيراليون سامورا كامارا إن بلاده لن تكون قادرة على تحمل نفقات مكافحة الوباء. وقال "عليك أن تحول مسار الموارد الطبيعية ومسار قطاع الطاقة وأن تبطئ حركة جميع الأوجه الأخرى للتنمية الاقتصادية الحقيقية فقط لتكافح مرضا ظهر لنا من لا مكان."

أما في غينيا فقد أظهرت التقديرات الاولية للخسائر التي أجراها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي توقعات انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلد المصدر للبوكسيت من 4.5 في المئة إلى 3.5 في امئة. وتعهد البنك الدولي وبنك التنمية الافريقي بتخصيص 260 مليون دولار لمساعدة الدول الثلاثة الأكثر تأثرا بالوباء. وفي نيجيريا تتصاعد المخاوف من تأثيره المحتمل على أكبر مصدر للنفط في أفريقيا وأكثره سكانا وعلى المنطقة المجاورة.

وقال البنك الدولي إن الزراعة تأثرت في غينيا وسيراليون وليبيريا بسبب فرار عمال الزراعة من المناطق الزراعية في المناطق المنكوبة حيث يتفادي بعض مرضى الإيبولا من العلاج الطبي ويختبئون في قراهم. وقال كونيه إن التباطؤ في الزراعة والنقل وتقلص النشاط في الأسواق الشعبية قد يؤدي إلى رفع أسعار السلع الغذائية الأساسية والسلع الآخرى. وأضاف "نرى تضخما. حتى الآن الوضع غير سيء ولكننا نشعر بقلق بشأن حزام لوفا الغذائي حيث يوضع الناس في الحجر الصحي وتغلق الأسواق الرئيسية. نتوقع تخزين الناس السلع في المناطق الحضرية وهو ما قد يرفع أسعار المواد الغذئية."

وفي مونروفيا قال سكان إن حالة الطواريء بسبب فيروس الإيبولا والخوف والتشكك الناجمين عنه تؤدي إلى تعطل مظاهر الحياة اليومية وتؤثر على كل شيء إبتداء من الباعة المتجولين إلى أجرة سيارات الأجرة. وبسبب الخوف من العدوى نتيجة الاختلاط الوثيق ينتشر فيروس الإيبولا من خلال ملامسة سوائل جسم الانسان أو الحيوان المريض لا تأخد سيارات الأجرة حاليا سوى راكبين إثنين فقط في الخلف بدلا من أربعة سابقا وأدى هذا إلى رفع أجرة سيارات الأجرة.

وقال مسؤولون حكوميون إن بعض شركات الطيران الرئيسية مثل الخطوط الجوية البريطانية وطيران الإمارات أوقفت رحلاتها إلى الدول المتأثرة بفيروس الإيبولا كما يهرب المغتربون هناك من خطر الإيبولا . وأضافوا إن هذا قلل الاستهلاك والعائدات. وأضاف "رأينا بعض الموظفين الدوليين يغادرون البلد بأعداد." وقال مسؤول كبير في وزارة المالية الغينية "رأينا هبوطا في العائدات المالية بسبب تراجع النشاط في المطارات والفنادق."

وخلال الحروب الأهلية المتداخلة والتي استمرت أكثر من عشر سنوات كانت سيراليون وليبيريا رمزين لصورة"القارة اليائسة." وعانت غينيا من تدفق اللاجئين والمقاتلين. ولكن خلال السنوات العشر منذ اعادة السلام شهدت دول نهر مانو ارتفاعا في النمو ناجما عن الاستثمارات الأجنبية في التعدين والتنقيب عن النفط والبناء. وهذا الانتعاش مهدد الآن. وقال كونيه إن"هذا التحدي الاقتصادي يأتي في وقت تشهد فيه كل الدول الثلاثة سلاما واستقرارا بعد سنوات من الحروب المتداخلة والحروب الأهلية."

وبدأت معظم الشركات الأجنبية الرئيسية العاملة في غينيا وسيراليون وليبريا في الرد بحذر وقامت بتقليص تحركات موظفيها بالاضافة إلى إتخاذ إجراءات صحية وقائية. وقالت كاتي جريري المديرة الطبية في منظمة انترناشونال إس أو إس"بعض الشركات بدأت تسحب العمال وأجلت شركات آخرى مشروعات لترى كيف يتطور تفشي المرض." بحسب رويترز.

وقال البنك الدولي إنه إذا استمر إجلاء العمال الأجانب المهرة فسيحدث"تقلص كبير في الإنتاج" من عمليات التعدين في المنطقة المتأثرة. وناشد المسؤولون في ليبيريا وسيراليون كبار المستثمرين عدم التخلي عن بلادهم بسبب الإيبولا. وقال كونيه"رسالتي هي ..لا تتركوا البلد .إبقوا معنا فلنحارب هذا معا."

دواء تجريبي

على صعيد متصل قال الرئيس الاميركي باراك اوباما انه من السابق لاوانه استخدام دواء تجريبي لعلاج المصابين بفيروس ايبولا الذي ينتشر في ثلاث دول في غرب افريقيا. وقال اوباما في مؤتمر صحافي ردا على سؤال عن امكانية ارسال هذا الدواء التجريبي الى افريقيا "اعتقد ان علينا ان نترك العلم يقودنا. ولا اعتقد ان لدينا كل المعلومات الكافية لتحديد ما اذا كان هذا الدواء فعالا ام لا". ولكن اوباما اكد انه "من الملائم جدا ان نرى ما اذا كانت هناك ادوية او علاجات اخرى يمكن ان تحسن نوعية حياة" المصابين بهذا المرض.

وأضاف الرئيس الاميركي "نحن نعلم، بالمقابل، ان فيروس ايبولا، اليوم كما بالامس، يمكن وقف انتشاره اذا توفرت بنية صحية عامة صلبة"، معتبرا انه يتوجب على الدول التي انتشر فيها الفيروس ان تبادر "قبل كل شي الى الاعتراف بان انظمتها الصحية بالية" لانها "لم تتمكن من رصد المرض وعزل المرضى بسرعة". واعرب اوباما ايضا عن اسفه لعدم وجود "علاقة ثقة قوية بين بعض المجتمعات واجهزة الصحة العامة"، الامر الذي ادى الى "تفشي (الوباء) بوتيرة اسرع" مما كان يحصل في حالات تفشي سابقة.

ورفعت السلطات الصحية الاميركية مستوى الانذار الصحي الى الدرجة 1، الاعلى على الاطلاق، لمواجهة فيروس ايبولا بشكل افضل. وقال توم سكينر المتحدث باسم "المراكز الاميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها" (سي دي سي) ان "هذا الاجراء يتيح لنا تحريك الموارد في كل الوكالة للاستجابة لهذه الازمة". وأضاف "هذه أول مرة تعلن فيها درجة الانذار القصوى منذ 2009. يومها اعلنت لمواجهة وباء انفلونزا اتش1ان1".

الى جانب ذلك دعا ثلاثة من أبرز خبراء العالم في مرض الإيبولا إلى إتاحة استخدام العقاقير واللقاحات التجريبية في مكافحة تفشي المرض في غرب أفريقيا. وأشار الخبراء إلى معالجة اثنين من عمال الاغاثة الأمريكيين أصيبا بالمرض في ليبيريا بعقار لم يحصل على الموافقة الرسمية بعد قبل ترحيلهم إلى الولايات المتحدة. وقال الخبراء الثلاثة ومن بينهم بيتر بيوت الذي شارك في اكتشاف الإيبولا عام 1976 إنه يتعين منح الأفارقة المصابين بالمرض فرصة مماثلة.

وبيوت وديفيد هايمان وجيرمي فارار أساتذة في الأمراض المعدية ويرأسون على الترتيب مدرسة لندن للصحة والطب الاستوائي ومركز تشاثام هاوس للأمن الصحي العالمي وذا ويلكوم ترست. وقال الخبراء إن هناك الكثير من العقاقير المضادة للفيروسات والأجسام المضادة واللقاحات قيد الدراسة لاستخدامها في مكافحة الإيبولا.

وكتبوا في بيان مشترك "يجب إتاحة الفرصة للحكومات الأفريقية لاتخاذ قرارات واعية بشأن استخدام هذه المنتجات أو عدم استخدامها- على سبيل المثال لحماية وعلاج موظفي الرعاية الصحية الذين يتعرضون لمخاطر العدوى." وأضافوا أن منظمة الصحة العالمية "باعتبارها الجهة الوحيدة التي تتمتع بالسلطة الدولية" الضرورية لاتاحة الفرصة لاستخدام هذه العلاجات التجريبية "يجب أن تأخذ على عاتقها القيام بهذا الدور القيادي الكبير."

في السياق ذاته أعلن الأطباء في مستشفى بأطلانطا بالولايات المتحدة الأمريكية، أن مصابين أمريكيين بداء الإيبولا خضعا لعلاج بدواء جديد يدعى"الزماب"، شفيا نهائيا من الوباء. وكانت منظمة الصحة العالمية أعلنت موافقتها على استخدام الدواء المذكور الذي لا يزال في طور التجريب. وأكد مدير مصلحة الأمراض المعدية في مستشفى بأطلانطا، حيث كان المريضان يخضعان للعلاج، أنه "بعد سلسلة من العلاجات والتحاليل، خلص فريق الأطباء إلى أن المصابين تعافيا من الإيبولا وبإمكانهما العودة إلى أسرهما دون خشية من انتقال العدوى إلى الآخرين". بحسب فرانس برس.

وأعلن منسق الأمم المتحدة حول فيروس إيبولا الطبيب ديفيد نابارو أنه يريد تشكيل هياكل صحية لمواجهة أي انتشار جديد للفيروس "إذا اقتضى الأمر" ذلك. وقال الطبيب نابارو، الذي يقوم بجولة في الدول الأفريقية التي ينتشر فيها الوباء، "أنا عازم على التأكد من أن كل عنصر في جهازنا هو على مستوى مثالي من أجل مواجهة انتشار واسع للمرض إذا تطلب الأمر ذلك".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 31/آب/2014 - 4/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م