هل القضاء وسيلة للترهيب بيد السلطة؟

علي ال غراش

 

لقد تحول القضاء في الدول الشمولية، الإستبداية إلى مجرد لعبة ووسيلة للترهيب والبطش بيد الحاكم، فضاعت الحقوق وانتشر الفساد في أرجاء البلاد، ومن القضايا المثيرة في القضاء ما حصل مؤخرا في قضية الشيخ نمر النمر، فبعد العديد من الجلسات والتداول لمدة سنتين تقريبا، ومطالبة المدعي العام بحكم الاعدام ضد الشيخ، - مما أدى إلى ردود فعل غاضبة وخروج مظاهرات في الداخل وفي العديد من دول العالم، وصدور بيانات من شخصيات كبيرة ودولية تطالب بالافراج الفوري عن الشيخ النمر والتحذير من إصدار حكم الإعدام ضده - ولكن ما حصل في يوم النطق بالحكم كما كان مقررا مفاجئة كبرى حيث أجل القاضي النطق بالحكم، ومطالبته بتفريغ كامل محاضرات الشيخ التي تدينه، واستجواب الفرقة الأمنية التي قامت بإعتقاله بعد إصابته بأعيرة نارية - وهذا يكشف ويفضح دور سيطرة الداخلية على القضاء - وحتما لولا المظاهرات والضغوطات، ما غير القاضي رأيه بطلب من السلطة الأمنية والسياسية، رغم رفض المتهم الشيخ النمر والمحامي الدكتور صادق الجبران كافة التهم في كل جلسة.

ومن المستبعد أن تلتزم السلطة السياسية والأمنية بقرار القاضي بحضور الفرقة الامنية للمحكمة للاستجواب - لأنه فضيحة - وستحاول اللعب على التمديد في عملية النطق بالحكم، جلسة بعد جلسة، وهذا ما حدث وسيحدث.

أليس من المفترض أن تكون هذه الخطوات هي الأولى من قبل القاضي، ألا يعبر ذلك عن إرتباك لدى السلطة الحكومة التي وقعت في ورطة، وسببت فضيحة للقضاء وللسلطة الأمنية والسياسية؟.

أليس من المفترض في المحاكم المحترمة، أن يتم احضار الشهود للمحاكمة واستجوابهم أمام المتهم كحق من حقوقه، ولماذا لا يفرض القاضي بإحضار الفرقة التي اعتقلت الشيخ النمر واستجوابهم مباشرة في المحاكمة بالقوة، أم ان القاضي لا يملك الصلاحية وان لعبة بيد وزارة الداخلية؟.

هل قصة تأجيل الحكم على الشيخ النمر ستتحول إلى حلقات مطولة، كي تهدأ ردود الافعال الرافضة - لاعتقال ومحاكمة الشيخ والمطالبة بالافراج عنه لأنه بريء، ثم سيقوم القاضي بعد الهدوء، بمفاجئة الجميع بالحكم على الشيخ النمر دون استجواب الشهود في المحاكمة والاخذ باعتراض المتهم والمحامي للتهم المنسوبة للشيخ النمر؟.

لماذا يمنع القاضي المحامي الدكتور الجبران من التحدث لوسائل الاعلام حول براءة موكله الشيخ النمر، والاعتراض على التهم الموجهة، والتعبير عن رفضه لعدم تجاوب وزارة الداخلية مع طلب القاضي بحضور واستجواب الفرقة التي قبضت على المتهم الشيخ النمر، بينما يسمح للوسائل الحكومية الرسمية من الإساءة والتشهير وتشويه سمعة المتهم بتهم ملفقة وكاذبة كما يقول المتهم والمحامي؟!.

لماذا لا يتم منع الصحافة والتوقف عن الإساءة للمتهمين المعتقلين، ولماذا تطالب هذه الصحافة بالإعدام للمتهمين، هل هي تمثل صوت المدعي العام لوزارة الداخلية وتأليب الرأي العام الشعب ضد المعتقلين بمعلومات خاطئة؟

أليس ما يحدث من قبل المحكمة يولد الخوف والقلق والريبة من تصرفات المحاكمة، بعدم العدالة وانها ربما تقوم بمحاكمة الشيخ النمر على تهم غير صحيحة؟.

من الفضائح للقضاء مضاعفة الأحكام من قبل بعض القضاة المستهترين في المحاكم السعودية ضد النشطاء الحقوقيين لعدم قبولهم بالحكم الصادر ضدهم، وبالتالي لجوؤهم للاستئناف لإثبات براءتهم، لأنهم أبرياء من التهم الموجهة ضدهم، حيث إن تلك الأحكام فيها ظلم كبير وتشويه للسلطة القضائية التي تحولت إلى لعبة بيد الأجهزة الأمنية التي تتحكم بالبلاد ومؤسساته، وتشكل تصعيدا وتحديا واستفزازا للشعب، ومعاقبة لكل من يفكر باستئناف الحكم!.

وقد صدمت الهيئات والمؤسسات الحقوقية الدولية من مضاعفة الحكم على الداعية الحقوقي المناضل الرمز الوطني الشيخ توفيق العامر، وقد وصفته بالجائر، الشيخ العامر معتقل منذ 2011م لغاية الآن، وهو متمسك بمنهجه السلمي في المطالبة والدعوة للإصلاح الشامل والعدالة والحرية والتعددية ومحاربة التكفير والتشدد والفساد والمفسدين والمملكة الدستورية، والرافض للحكم الجائر والظالم بحقه وبحق المعتقلين المظلومين، والذي يمارس حقه بالاعتراض على الأحكام الصادرة ضده يقوم بالاستئناف، ولكن للأسف الشديد مع كل إستئناف يتم مضاعفة الحكم والعقوبة ضده، حتى وصلت الآن سجن 8 سنوات وبعدها 10 سنوات منع من السفر، ومنع من القيام بدوره الديني والاجتماعي والخطابة.

إن تلك الأحكام تمثل موقف الأجهزة الأمينة، واعتداء صارخ من قبل الحاكم بالتدخل في السلطة القضائية وإهانة القضاء بانه مجرد أداة للبطش والترهيب بيد السلطة، ومحاولة جديدة منها لكسر ما يتمتع به المعتقلين الشرفاء ومنهم الشيخ البطل من قوة وشجاعة وإباء وصمود وإصرار، ولكن من يملك الحرية لا يمكن أن يقبل بالذل والإستعباد والقهر.

ما تقوم به السلطة الحاكمة عبر الإعتقالات التعسفية والتعذيب والسجن والأحكام الجائرة باسم القضاء، يمثل رسالة من قبل السلطة للجميع، إنها ورغم التحديات الداخلية والخارجية لن تتنازل عن إستخدام القبضة الحديدية البوليسية لفرض إرادتها حسب ما تراه بأي طريقة كانت كالملاحقة والإختطاف والاعتقال عبر إستخدام الرصاص أو القتل والتعذيب والسجن والأحكام التعسفية ومنها المؤبد والحكم بالاعدام لكل ناشط يطالب بالإصلاح الشامل ورفض سياستها الظالمة، ومحاكمها وأحكامها التعسفية التي لا اساس ولا صحة لها بل تمثل مطلب الجهات الأمنية ضد المعتقلين، كما ان الإعلام الرسمي الحكومي شريك في الجريمة الكبرى بالإساءة للمتهمين، بتبني رأي وزارة الداخلية وتشويه سمعة النشطاء بالترويج لإتهامات كاذبة ووصفهم بالإرهابيين وإثارة الطائفة والمخربين بدون بينة أو دليل والتأكد من صحتها.

السلطة الأمنية - وكذلك السياسية - مصابة بحالة من الغرور والغطرسة بعدم الاعتراف بما يحدث داخل المجتمع من غضب وتمرد وإحتقان يشير إلى قرب وقوع إنفجار شعبي خطير، في ظل عدم وجود أي خطة وطنية لمعالجة المشاكل والازمات الداخلية واحتواء تصاعد الغضب الشعبي الرافض لسياسة السلطة القمعية والفساد المنتشر في الدولة، والمخاطر التي تشهدها المنطقة.

أين الحكمة من احتواء الأزمات الداخلية بنفس وطني وبحكمة بدون تصعيد، الشعب يريد الحل؟.

إن العنف من قبل السلطة يولد العنف المضاد والتحدي والتمرد من قبل الشعب الذي يريد حقوقه الوطنية والمشاركة الحقيقة في السلطة وإتخاذ القرارات بما يخدم مصالح الوطن والمواطنين، حسب دستور يمثل الإرادة الشعبية وعبر صناديق الاقتراع المباشر من قبل الشعب في ظل العدالة والحرية والتعددية والمشاركة السياسية والتوزيع العادل للثروة الوطنية ومحاسبة المفسدين في السلطة.

نحن مع تطبيق العدالة، والشعب يريد العدالة في الحكم والقضاء وتوزيع الثروات القومية، ومحاكمة المفسدين والمجرمين، وأن يسمح للاعلام بتغطية المحاكم ونقل الحقائق كما هي وليس نشر ما توزعه الإجهزة الأمنية على وسائل الإعلام!.

الحرية للأحرار، ولا يعرف قيمة الحرية إلا الأحرار والشرفاء، والحرية لا تأخذ ولا تعطى، انما هي نعمة من الخالق عز وجل لعباده، وتاج الكرامة والعزة والإباء والشجاعة.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 31/آب/2014 - 4/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م