الإسلام السياسي والهيمنة على الإعلام

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: لم تكن تجربة الجماعات الإسلامية التي استلمت الحكم في عدد من الدول الشرق أوسطية، موفقة في تعاطيها مع الاعلام، ولم ترتكن هذه الحكومات الوليدة الى حالتيّ التوازن والتدرج في تحقيق مآربها المعلنة والخفية، في التعامل مع الاعلام، بل استخدمت اقصى ما يمكنها من سبل واساليب في محاصرة حرية الاعلام، وتكميم الافواه والاقلام معا، على الرغم من انها (أي الجماعات التي تدخل تحت خيمة الاسلام السياسي)، كانت تنادي بحرية الاعلام، وعدم المساس بهذا الحق الدستوري الانساني العالمي، قبل وصولها الى السلطة، بل وكانت تعيب على الأنظمة السياسية العسكرية ذات الصبغة العلمانية، هيمنتها على الإعلام بصورة تامة، وكانت وهي في المعارضة تضع حرية الإعلام هدفا جوهريا لها.

ولكن عندما وصلت هذه الجماعات والأحزاب والحركات السياسية الى السلطة، بعد الإحداث المتسارعة التي حدثت في مسار ما أطلق عليه بالربيع العربي، استخدمت الأسلوب ذاته في محاربة الإعلام، وحاولت الهيمنة عليه بشتى الأساليب والسبل المتاحة لها، بل حاولت هذه الجماعات التي سيطرت على الحكم في عدد من الدول، أن تتجاوز الدستور في هذا الخصوص لتحقيق ما تصبو اليه في هذا المجال، وجعلت من الإعلام لسانا للسلطة يقول بما تقول ويفكر مثلما تفكر السلطة، كل هذا حصل من اجل تطويع المؤسسة الإعلامية والهيمنة عليها، وهو الفخ نفسه الذي وقعت فيه الأنظمة الفردية قبل سقوطها!.

 ومن بين الدول التي سيطر فيها الاسلام السياسي على السلطة دول عربية، تمتلك مؤسسات إعلامية عريقة ومخضرمة ايضا، كما هو الحال في مصر على سبيل المثال، او في تونس، حيث القاعدة أو البنية الأساسية للإعلام ذات طابع علماني راسخ في التفكير والسلوك وإدارة الإعلام على وجه العموم، وعندما استلمت الاحزاب والجماعات الاسلامية الحكم في هذه الدول، حدث تناقض حاد بين ما اعتادت علية المؤسسات الإعلامية وبين ما تريده الانظمة ذات التوجّه الإسلامي المتشدد احيانا.

ولا يخفى على احد ما للإعلام من قدرة على التهدئة او التأجيج، فالإعلام كما يؤكد احد الكتاب: (منذ القدم كانت له أهمية عند الشعوب والمكونات المجتمعية كافة، ومنها القبائل العربية في الجاهلية، فقد كانت - كما أخبرتنا صفحات التاريخ- تستعين بالشعراء كناطقين إعلاميين وكإذاعات متنقلة تأجج الخواطر وتجعلها عرضة للاهتياج، وكان يستعان بهم أيضاً في إشعال الحروب أو في إطفائها، فيمكن لقصيدة يلقيها شاعر في البوادي ان تحشد الناس وكانت القصيدة كفيلة بتجميع المحاربين وشحنهم إلى ساحات الحرب لقتال خصومهم، وكانت قصيدة أخرى تتسم بالحكمة قد يلقيها شاعر آخر، فتصبح كفيلة بتهدئة روع الجموع المتقاتلة وفك اشتباكها).

لذلك كان على الأحزاب والجماعات التي تنضوي تحت مسمى الاسلام السياسي، ونقصد بها تلك التي استطاعت ان تصل الى السلطة بدلا من الانظمة الدكتاتورية، أن تتعامل بحذر وتوازن مع الاعلام بكل اصنافه، وأن لا ترتكب الخطأ نفسه الذي ارتكبته الانظمة المستبدة، عندما كانت تحارب برعونة كل الاصوات المعارضة لمنهجها حتى لو كان خاطئا، وحتى لو جاءت تلك الاصوات من باب التصويب التخريب كما تتهمها السلطة دائما، وهكذا كان على الاحزاب والجماعات الاسلامية ان تدرك خطر تحجيم الاعلام، والسعي للهيمنة عليه، فهذه الخطوة هي الاولى التي تدفع بالسلطة نحو الاستبداد والاستئثار بالسلطة، واقصاء الاخرين.

وقد حدثت هذه الهيمنة فعليا ابان تسلم الاخوان المسلمين للسلطة في مصر، فقد اتخذت حكومة محمد مرسي المخلوع، جملة من الخطوات، كان من شأنها أن تجعل الصوت المعارض في خبر كان، وكانت تعمل بصورة حثيثة لجعل الاعلام صوتا لها وحدها، وهو الامر الذي دفعها الى محاصرة المؤسسات الاعلامية المستقلة، بل وصل الامر الى حد محاربة الاشخاص العاملين في الاعلام كالفضائيات مثلا، لمجرد انه ينتقد في برنامج على الشاشة الصغيرة الاداء الحكومي المتردي، وكان هذا وحده كفيل بدفع الحكومة الى مضايقة المصدر، واقصائه من دون تردد، وهذا سبب رئيس في مصادرة الرأي الفردي والعام، وهو سبب رئيس ايضا في التعجيل بفشل هذه الجماعات والاحزاب السياسية واسقاطها كما حدث في مصر بصورة فعلية.

وحدث الشيء نفسه في دول اسلامية وعربية اخرى، حيث لا تزال بعض هذه الحكومات في حالة سعي دائم للسيطرة على الاعلام، وجعله تابعا لها، وهو الامر الذي يعجّل باسقاط هذه الحكومات، كونها لا تتحلى بسعة الصدر، والقبول بحالات التصحيح التي غالبا ما يكون مصدرها الآخر، او الصوت المعارض، وليس الاطراف التي تنتمي الى الحكومة، فهذه الاطراف المقرّبة من السلطة، كالمستشارين مثلا والبطانات المختلفة المؤازِرة للحكم، لا تضع النقاط على الحروف، وغالبا ما تؤيد الحاكم وحكومته على الخطأ، وتجمّل له الصورة، فيما يظهر الاعلام المستقل العيوب الحكومية واضحة، ويحثها على التصحيح، وهذا هو المطلوب تماما، وهذا هو الطريق السليم الذي ينبغي ان تسلكه الحكومات التي تنضم تحت لافتة الاعلام السياسي.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 30/آب/2014 - 3/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م