الإمارات... من إرث زايد إلى ليبيا

عريب الرنتاوي

 

ما الذي يدفع دولة مثل الإمارات العربية المتحدة إلى شن غارات جوية على أهداف في ليبيا؟... ما الذي يضغط على دولة بعيدة آلاف الكيلومترات، للتدخل في صراع أهلي، وعلى هذا النحو المباشر والثقيل؟... ما الذي يدفع أبو ظبي لمواجهة انتقادات ليبية – أوروبية – أمريكية، في أمر لا ناقة لها فيه ولا جمل؟

حتى مصر، الجارة القريبة لليبيا، والتي تشعر بأنها مهددة في أمنها واستقرارها من حدودها معها، لم تجد ما ترد به على الاتهامات والانتقادات الدولية، سوى "النفي" والتنصل" من أي دور لها على الأرض الليبية، لا في البر ولا في البحر أو الجو... مع أن كثيرين يعتقدون، ومنهم كاتب هذه السطور، أن القاهرة شاركت في توجيه ضربات جوية لأهداف تتصل بالجماعات الإسلامية... لكن الإمارات، لم تكلف نفسها، أقله حتى لحظة كتابة هذه السطور، عناء النفي أو التأكيد، التبرير أو التعليل.

قد نفهم تدخلاً مصرياً في مجريات المشهد الليبي الداخلي، فالأمن المصري على المحك، والتهديدات الآتية من ليبيا، ليست أمراً افتراضياً، لكننا لا نفهم لماذا تبادر الإمارات إلى إرسال طائراتها إلى مصر، لتنطلق من هناك، في طلعات حربية ضد أهداف ليبية... هل تهدد ليبيا أمن الإمارات مثلاً؟... وما الذي يهدد أمن الإمارات أكثر، التدخل عسكرياً في "حرب الإخوة الأعداء"، أم الابتعاد عن المستنقع الليبي...

لا نريد أن ندعو الإمارات للقيام بوساطة أو بذل مساعي حميدة، فالدولة الثرية، آثرت على ما يبدو، أن تقارب معظم، إن لم نقل جميع الملفات العربية المتفجرة، من موقع الطرف المنحاز، وبقوة، لفريق ضد آخر... نقول ذلك، ونحن لسنا على وفاق مع كثير من الأطراف التي تستهدفهم الإمارات بمواقفها وسياساتها وطائراتها الحربية... بيد أننا مع ذلك، وبرغم ذلك، نجد صعوبة بالغة في ابتلاع هذه المواقف وفهم تلك السياسات.

لقد تصدرت الإمارات الحرب على جماعة الإخوان المسلمين، لا على المستوى الوطني الخاص بها فحسب، بل وعلى الساحتين الإقليمية والدولية... وهي في حالة اشتباك مرير مع قطر، ومن قبل اتخذت موقفاً منحازاً بقوة لفريق من المصريين ضد آخر، وفي الملف الفلسطيني حملت راية "محمد دحلان" ضد السلطة وحماس، وفي سوريا والعراق، تتحول إلى طرف داعم لمعسكر في مواجهة آخر... ولا ندري، فقد قرأنا وسمعنا عن أدوار تمتد إلى القارة السمراء وغيرها.

إن المتأمل في السياسة الخارجية للإمارات، يجد أنها تتعاكس تماماً مع إرث مؤسس الدولة الشيخ زايد بن سلطان، الذي نأى ببلاده عن التدخل المباشر في معظم إن لم نقل جميع، الصراعات العربية البينية، واعتماد في كل ما قال وفعل، على مبادئ التوفيق والتجسير وجمع الشمل... وحين كان الاستقطاب يتصاعد وحروب المحاور تبلغ ذروتها، كان يفضل القيام بدور رجل المطافي، وفي خلفية "إرث زايد"، حفظ أمن الإمارات ووحدتها، وتوفير بيئة سلمية لتنميتها وازدهاها، والوصول إلى معادلة "صفر أعداء"... كان ذلك قبل أحمد داود أوغلو بسنين طويلة... وأحسب أن الخروج على هذا الإرث، ستكون لها عواقب على أمن الدولة ووحدتها، إن لم يكن الآن، فعلى المدى الأبعد.

هذا الإرث الذي أثار تقدير الجميع، بمن فيهم خصوم الإمارات من يساريين وقوميين ومقاومين بدءاً بأواخر السبعينات وحتى الأمس القريب، حتى أنهم وجدوا لهم "مطرحاً" في الدولة الناشئة والصاعدة... احتفظوا بعلاقات الحد الأدنى معها، وحفظوا أمنها ما أمكنهم إلى ذلك سبيلا... والأهم، أنهم عملوا على تحييد الإمارات عن صراعاتهم وحروبهم العابرة للحدود، احتراماً لهذا الموقف، وتقديراً لأصحابه، وحرصاً على "شعرة معاوية" مع أبو ظبي وأخواتها.

لا أدري ما الذي سيترتب على السياسات "التدخليّة" التي يجري اعتمادها اليوم، في عديد من ملفات المنطقة وأزماتها المتفجرة، وهي وإن كانت سابقة في نشأتها لأحداث الربيع العربي، إلا أنها اتخذت أشكالاً أكثر "تدخلية" في سني هذا الربيع الثلاثة... المؤكد أن الإمارات نجحت في اكتساب عداوات جديدة، وأن ذلك سينعكس على أمنها واستقرارها لاحقا.

الإمارات دولة صغيرة، من حيث عدد مواطنيها على نحو خاص، بيد أنها غنية بمواردها النفطية وبمعجزة "دبي" الاقتصادية على وجه الخصوص... ولقد أصبحت دولة لها مكانتها المحببة بهذه الصفة، في قلوب وعقول ملايين الشباب العربي، ونريد لها أن تظل كذلك، فالمال والأعمال والاستثمار يلتقيان مع الفوضى وانعدام الأمن... ومن مصلحة الإمارات ومصلحة المنطقة، أن تظل بمنأى عن صراعات الإقليم المتفجرة، وأن تضطلع بأدوار أخوية توفيقية، وأن تواصل سياسة "صفر أعداء"، وأن تحفظ إرث مؤسسها... نتمنى ألا تتورط الأمارات، وألا تُوَرّط في كثير من المستنقعات والرمال المتحركة التي تعصف بالإقليم من حولها وحولنا.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 30/آب/2014 - 3/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م